آسيا

مناورات “السيف المشترك-2024A” الصينية.. استعراض للقوة ضد تايوان وحلفائها

بدأت الصين مناورات عسكرية واسعة النطاق حول تايوان استغرقت يومين، كجزء من إجراءات عقابية ضد ما تصفه بالأعمال الانفصالية وكرد فعل على تصريحات الرئيس التايواني الجديد “لاي تشينغ تي” والذي تعهد في خطاب تنصيبه بالدفاع عن الجزيرة ضد ما وصفه بـ”الترهيب والتهديدات المستمرة من الصين”. كما جاءت هذه المناورات بعد ثلاثة أيام من تولي “لاي تشينغ تي” منصب رئيس تايوان، والذي تعتبره الصين انفصاليًا خطيرًا. وتضمنت المناورات ضربات ودوريات بحرية وجوية مشتركة في مضيق تايوان وفي شمال وجنوب وشرق الجزيرة.

وتقع تايوان في قلب التوترات بين الصين والولايات المتحدة، حيث تُعد الولايات المتحدة المورد الرئيس للأسلحة لتايوان. وتعد الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وتصر على إعادة توحيدها مع بقية البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية في عام 1949. كما تتزامن هذه المناورات مع وقت حساس في العلاقات الصينية التايوانية، مما يزيد من التوترات في المنطقة.

وتشكل المناورات الصينية والتي أطلقت عليها الصين مناورات “السيف المشترك-2024A”  أول اختبار حقيقي للرئيس للمنتخب حديثا “لاي تشينغ تي” في الوقت الذي يحاول فيه إدارة العلاقات مع الجارة الاستبدادية القوية للجزيرة “الصين”.

أهداف المناورات العسكرية الصينية حول تايوان

تدهورت العلاقات بين بكين وتايبيه في السنوات الأخيرة مع زيادة الصين ضغوطها على الجزيرة، مما أثار مخاوف بشأن غزو محتمل. وترى الصين تايوان أرضًا تابعة لها وتصر على أن استخدام القوة لإخضاع الجزيرة لسيطرتها ليس أمرًا مستبعدًا. كما رفضت بكين محاولات الرئيس “لاي” للحوار وزادت من الأنشطة العسكرية بالقرب من تايوان منذ فوزه في الانتخابات في يناير 2024. وفي خطاب تنصيبه، تعهد “لاي” بالدفاع عن الديمقراطية في الجزيرة ودعا الصين إلى إنهاء الترهيب العسكري وحثها على “تقاسم المسؤولية العالمية مع تايوان للحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان وضمان تحرر العالم من الخوف من الحرب”.

لكن يبدو أن تصريحات “لاي” أثارت غضب التنين الصيني، الذي كشر عن أنيابه، ومن ثم كان لابد من رد صيني سريع. ومن خلال المناورات هدفت بكين إلى تعزيز الاستعداد القتالي للقوات الصينية وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف رئيسة. ووفقًا لتصريحات المتحدث العسكري الصيني “لي شي”، فإن هذه المناورات تمثل عقوبة قوية للأعمال الانفصالية وتحذيرًا للقوى الخارجية التي تتدخل في شؤون تايوان.

وجرت التدريبات في جميع أنحاء الجزيرة الرئيسة، ولأول مرة استهدفت أيضًا “جزر كينمن” و”ماتسو” و”ووتشيو” و”دونجين” التي تسيطر عليها تايبيه والتي تقع بالقرب من الساحل الصيني. كما تضمنت التدريبات الصينية أيضًا الجزء الشرقي من تايوان، حيث كان الساحل الشرقي الوعر للجزيرة معقلًا عسكريًا لها منذ فترة طويلة. وقد بنت تايوان الكثير من بنيتها التحتية العسكرية المحصنة على طول هذا الساحل، بما في ذلك قاعدة جوية كبيرة تحت الأرض داخل جبل بالقرب من مدينة هوالين. هذا الموقع الاستراتيجي قريب أيضًا من الجزر الجنوبية لليابان، مما يجعله طريق إمداد رئيسي.

تنامي التصعيد

تعد المناورات العسكرية الصينية حول تايوان تصعيدًا كبيرًا في التوترات بين البلدين، وتأتي كجزء من جهود الصين لتعزيز نفوذها وفرض سيطرتها على ما تعتبره أعمالًا انفصالية.

وتضمنت التدريبات الصينية ضربات وهمية نفذتها عشرات الطائرات المقاتلة الصينية ضد أهداف عسكرية افتراضية، بالإضافة إلى مشاركة المدمرات والفرقاطات والزوارق الصاروخية.

في السياق ذاته،  جيش التحرير الشعبي الصيني إنه أطلق مناورات عسكرية تشمل قوات الجيش والبحرية والقوات الجوية ومنظومة الدفاع الصاروخية في المناطق المحيطة بتايوان، بما في ذلك مضيق تايوان والمناطق الشمالية والجنوبية والشرقية للجزيرة، وكذلك الجزر النائية مثل كينمن وماتسو.

كما رصدت تايوان حوالي 30 طائرة صينية عبرت معظمها الخط الأوسط إلى منطقة تحديد الدفاع الجوي التايوانية، بالإضافة إلى نشر الجيش الصيني حوالي اثنتي عشرة سفينة حربية وسفن لخفر السواحل حول تايوان.

وكانت آخر مرة أجرت فيها الصين مناورة كبيرة في مواقع متعددة حول تايوان في أبريل 2023، بعد أن التقى “كيفن مكارثي” ، رئيس مجلس النواب آنذاك، مع رئيسة تايوان في ذلك الوقت، “تساي إنغ وين”، وتعارض بكين مثل هذه التبادلات مع زعماء الجزيرة.

الأهداف الصينية

تستهدف التدريبات العسكرية الصينية حول تايوان تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:

اختبار القدرات القتالية: حيث ركزت التدريبات على دوريات الاستعداد القتالي البحري والجوي المشتركة، وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف رئيسية، وعمليات متكاملة لاختبار “القدرات القتالية الحقيقية المشتركة” لقوات جيش التحرير الشعبي الصيني.

العقاب والتحذير: حيث يُمكن تفسير وتوقيت تلك التدريبات بأنها عقاب قوي على الأعمال الانفصالية لقوى استقلال تايوان وتحذير شديد من التدخل والاستفزاز من قبل القوى الخارجية، كما تأتي كرد على محاولات تايوان لتعزيز استقلالها ودعوة الدول الخارجية لدعمها.

إظهار التهديد الشرقي: من خلال إرسال بكين دوريات بحرية وجوية إلى شرق تايوان، تسعى الصين إلى توجيه رسالة لتايبيه بأن شرق الجزيرة بات معرضًا للهجوم الصيني. كما تهدف إلى إظهار للأمريكيين أن أي جهد لإعادة إمداد تايوان أو تعزيزها من الشرق سيكون عرضة للصواريخ الصينية والهجوم البحري.

موقف تايوان ورودود الفعل الدولية

أثارت المناورات الصينية ردود فعل دولية وانتقادات حادة، مما يسلط الضوء على التوترات المتزايدة بين تايوان والصين. تعد هذه التحركات أول اختبار جدي للزعيم التايواني الجديد، لاي تشينغ تي، في إدارة العلاقات مع الصين التي تصر على أن تايوان جزء من أراضيها وتتعهّد باستعادتها بالقوة إذا لزم الأمر.

وفي أول رد فعل من جانب تايوان فقد  نددت بالمناورات الصينية ووصفتها بأنها استفزازية وغير عقلانية، مشيرة إلى أنها تقوض السلام والاستقرار الإقليميين. وأكدت وزارة الدفاع التايوانية أن هذه التدريبات تسلط الضوء على العقلية العسكرية للصين وأن القوات المسلحة التايوانية مستعدة للرد على أي تهديد.

كما ردت تايوان على التدريبات الصينية بحشد قواتها البحرية والجوية والبرية، مؤكدة تصميمها على الدفاع عن سيادتها. وأصدرت وزارة الدفاع التايوانية بيانًا شديد اللهجة يدين الاستفزازات الصينية ويؤكد استعداد جميع القوات المسلحة للرد على أي تهديد.

كما وصف مكتب الرئيس التايواني التدريبات الصينية بأنها “مؤسفة” وتمثل تهديد للديمقراطية والحرية في تايوان. وأكدت المتحدثة باسم الرئاسة، كارين كو، أن تايوان ستواصل الدفاع عن ديمقراطيتها في مواجهة التحديات والتهديدات الخارجية، مشددة على التزام الحكومة بحماية سيادة الجزيرة.

وفيما يتعلق بالرد الأمريكي: فقد وصفت الولايات المتحدة التدريبات العسكرية الصينية بأنها “مثيرة للقلق” لكنها “متوقعة”. ودعا جنرال أمريكي الدول الأخرى إلى إدانة الأعمال العدائية الصينية، مؤكدًا أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين ليس أمرًا حتميًا. في السياق ذاته أجرى الأمريكان محادثات طارئة مع تايوان وأكدوا أن فترات التوتر، مثل تنصيب الرئيس، غالبًا ما تكون مجالات يستعد فيها المسؤولون الأمريكيون لمواجهة استعراض القوة الصيني.

كما يُشير خبراء الدفاع الأمريكيون إلى أن التدريبات العسكرية الأخيرة للصين تأتي كجزء من نمط طويل الأمد وليست علامة على حرب وشيكة. ويرون أن هذه التدريبات هي جزء من استعدادات استراتيجية لجيش التحرير الشعبي الصيني للقتال والانتصار في الحرب على تايوان، وأنها تكتيك لتخويف تايوان واستعراض خيارات الإكراه التي تمتلكها بكين.

في السياق ذاته، فقد استشهدوا بتصعيدات سابقة للصين: ففي أغسطس 2022، نفذت الصين مناورات حربية ضخمة حول تايوان احتجاجًا على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي آنذاك نانسي بيلوسي، حيث أطلقت صواريخ وحاكت حصارًا على الجزيرة بطائرات مقاتلة وسفن حربية. تبع ذلك تمرين تطويق مماثل في أبريل 2023.

على صعيد آخر، أعربت اليابان عن قلقها بشأن التدريبات العسكرية الصينية حول تايوان، حيث أكد كبير أمناء مجلس الوزراء الياباني، يوشيماسا هاياشي، أن اليابان ستواصل إبلاغ الصين بشكل مباشر وواضح بأهمية السلام والاستقرار في مضيق تايوان. وأضاف هاياشي أن اليابان ستستمر في مراقبة تطورات العلاقات عبر المضيق عن كثب لضمان الاستقرار في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، قال المتحدث باسم وزير الخارجية الأسترالي “بيني وونغ”، إن أستراليا تشعر بالقلق إزاء المخاطر المحتملة من العمليات العسكرية الصينية. مُضيفًا “إن خطر وقوع حادث واحتمال التصعيد يتزايد وأن السلام والاستقرار في مضيق تايوان يصب في مصلحتنا جميعا”.

هذا التوتر بين القوى العظمى يعكس التحديات الجيوسياسية المتزايدة في المنطقة، حيث ترى الولايات المتحدة في تايوان شريكًا استراتيجيًا، بينما تواصل الصين تعزيز موقفها الرافض لأي شكل من أشكال استقلال الجزيرة. ومع استمرار هذه التدريبات والاستفزازات المتبادلة، يبقى الوضع في مضيق تايوان مصدرًا رئيسيًا للتوتر في العلاقات الأمريكية-الصينية.

السيناريوهات المتوقعة

من جملة ما سبق يُمكن بلورة عدد من السيناريوهات المتوقعة، ومنها:

  • تصعيد تدريجي للإجراءات العسكرية: من الواضح أن بكين تعارض بشدة ما تعتبره محاولة لتطوير رواية شاملة عن “استقلال تايوان”. لذلك، من المتوقع أن تطرح الصين سلسلة من الإجراءات العسكرية والسياسية والاقتصادية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة للضغط على تايوان.
  • سلسلة تدريبات عسكرية متتالية: تشير التسمية الرمزية للتدريبات العسكرية الحالية “السيف المشترك – A 2024” إلى احتمال وجود جولات مستقبلية “ب”، وربما “ج”. هذا يشير إلى استعداد الصين لتنفيذ تدريبات عسكرية متتالية كوسيلة للإشارة إلى استيائها من تنصيب لاي رئيسًا، مع احتمال تصعيد هذه التدريبات خلال الفترة القادمة.
  • هجمات عسكرية صغيرة النطاق: لا يمكن استبعاد احتمال شن هجمات عسكرية صغيرة النطاق على الجزر النائية لتايوان، خاصة تلك التي تم تغطيتها خلال التدريبات الحالية. قد تلجأ بكين إلى زيادة شدة ترهيبها العسكري لتضييق الخناق على تايوان وفرض سيطرتها بشكل أكبر.
  • تعقيد الوضع السياسي في تايوان: تهدف الصين إلى تعقيد الوضع السياسي في تايوان وجعل فترة رئاسة لاي صعبة، مما يزيد من الضغوط الداخلية والخارجية عليه.

في الختام، يظهر التصعيد الصيني من خلال التدريبات العسكرية المتزايدة تجاه تايوان؛ إصرار بكين على مواجهة أي محاولات لتعزيز استقلال الجزيرة. كما تسعى الصين لتوجيه رسائل قوية إلى حلفاء تايوان، خصوصًا الولايات المتحدة والفلبين نتيجة دعمهما لتايوان. ومع احتمال شن هجمات عسكرية صينية يتضح أن الصين قد تزيد من شدة ترهيبها لتضييق الخناق على تايوان. هذا التعقيد المتزايد في الوضع السياسي يجعل مهمة الرئيس “لاي تشينغ تي” أكثر تحديًا، في ظل محاولات بكين لتعزيز سيطرتها وتقويض استقرار الجزيرة.

المصادر

أحمد السيد

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى