الحفاظ على الطيور المهاجرة.. مصر نموذج يحتذى به
يتم الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة في شهري مايو وأكتوبر من كل عام، وهو ما يعد فرصة لزيادة الوعي بأهمية الحفاظ على الأنواع المختلفة من الطيور أثناء انتقالها في مواسم الهجرة، وارتباط ذلك بموضوعات تهم البيئة والطبيعة وتؤثر على الإنسان والتنوع البيولوجي العالمي، ويحمل اليوم العالمي للطيور المهاجرة هذا العام شعار “احموا الحشرات، احموا الطيور“، ويشير إلى أهمية الحشرات في النظام البيئي، إذ تعد الحشرات الموجودة في جميع النظم البيئية في العالم تقريبًا مصادر غذائية أساسية للطيور المهاجرة في رحلاتها الطويلة. وغالبًا ما تحدد الطيور المهاجرة هجراتها لتتوافق مع وفرة الحشرات التي يعتمدون عليها في الغذاء أثناء توقف الهجرة وفي نجاح التكاثر.
اليوم العالمي للطيور المهاجرة
بدأ اليوم العالمي للطيور المهاجرة في عام 2006 بتنسيق من هيئة الأمم المتحدة للبيئة، كمناسبة دولية يحتفل بها مرتين سنويًا، للحفاظ على الطيور المهاجرة في العالم، ويتم الاحتفال به في 11 مايو و12 أكتوبر، وهي الأوقات التي تبدأ الطيور هجرتها بالتزامن مع اقتراب فصلي الصيف والشتاء.
ويمثل اليوم العالمي للطيور المهاجرة حملة عالمية لزيادة الوعي وتسليط الضوء على أهمية الحفاظ على الطيور المهاجرة وموائلها، ورفع مستوى الوعي العالمي بالتهديدات التي تواجهها الطيور المهاجرة، والحاجة إلى التعاون الدولي للحفاظ عليها.
وتعتبر هجرة الطيور حدث طبيعي يتم بشكل منتظم مرتين في العام في فصلي الربيع والخريف، وغالبًا ما يكون المحرك الرئيس للهجرة هو البحث عن الغذاء والتكاثر عندما تكون البيئة الأصلية غير مناسبة لذلك، ويسافر أكثر من 4 آلاف نوع من الطيور حول العالم خلال هذا الحدث عبر مسارات ثلاثة رئيسة حول أوروبا وآسيا وأفريقيا، ومنها إلى المناطق التي تكون فيها الظروف أفضل.
ومنذ عام 2006، شاركت منظمة الحفاظ على الطبيعة في مصر (NCE)، في حماية الطيور المهاجرة في البلاد. وكذلك تشارك وزارة البيئة المصرية في الاحتفال سنويًا باليوم العالمي للطيور المهاجرة من خلال حملات التوعية والمبادرات البيئية لمراقبة الطيور أثناء الهجرة والحفاظ عليها بالتعاون مع الجهات المعنية.
“احموا الحشرات، احموا الطيور” شعار عام 2024
يعبر شعار هذا العام عن أهمية الحشرات والطيور كأحد الحلول القائمة على الطبيعة، بل وأحد آليات مواجهة آثار تغير المناخ وصون التنوع البيولوجي، وذلك كون الحشرات غذاء أساسي للطيور أثناء التزاوج والهجرة، وتقدم الطيور واحدة من أعظم نماذج الحلول القائمة على الطبيعة كونها تعتبر المكافح الرئيسي بطريقة بيولوجية للقضاء على الحشرات، مما يقلل استخدام المبيدات وأساليب المكافحة التي تسبب أضرارًا بالغة على البيئة والزراعة.
ويهدد فقدان واضطراب أعداد الحشرات في مواقع التكاثر وعلى طول طرق الهجرة بقاء الطيور ورفاهيتها. حيث إن المساحات الطبيعية مثل الغابات والمراعي التي تم تحويلها أو تعرضها للخطر، بسبب الزراعة المكثفة والتنمية الحضرية وتغير المناخ يمكن أن تؤدي إلى انخفاض أعداد الحشرات. كما أن المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب المستخدمة لحماية المحاصيل تضر بالحشرات التي تعتمد عليها الطيور في الغذاء. كما يمكن لندرة الحشرات الغنية بالطاقة والبروتين أن تعيق هجرة الطيور وتكاثرها، مما يؤدي إلى إضعاف أجهزة المناعة، وزيادة معدلات الوفيات لكل من الطيور البالغة ونسلها. وتلعب الطيور أدوارًا حاسمة في التلقيح ومكافحة الآفات، حيث تنقل البذور والمواد المغذية عبر العالم، حيث يتم نقل بذور أكثر من 90% من جميع أنواع الأشجار الخشبية بواسطة الطيور.
وتؤكد حملة اليوم العالمي للطيور المهاجرة في عام 2024 على الحاجة إلى اتخاذ تدابير استباقية للحفاظ على الطيور، بما في ذلك الحد من استخدام المبيدات والأسمدة، والتحول إلى الزراعة العضوية. وتشمل التدابير الأخرى الحفاظ على مناطق النباتات الطبيعية والتي توفر الغذاء والمأوى للطيور والأنواع الأخرى في المناطق الطبيعية الزراعية.
مصر قبلة لهجرة الطيور
تسلك الطيور في هجرتها مسارات ثابتة خلال رحلتها بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث يمتد المسار الشرقي بطول البحر المتوسط مرورًا بمضيق البسفور في تركيا ثم وادي غور بالأردن، ومنها إلى مسارات فرعية تمر خلالها بالساحل الغربي للبحر الأحمر وسيناء ووادي النيل، ويسلك قسم أخر منها مسارًا غرب سوريا والاردن مرورًا بالساحل الشرقي للبحر الأحمر في السعودية واليمن، وصولًا إلى منطقة خليج السويس بمصر، وهي أقصر مسافة فاصلة بين أسيا وأفريقيا والتي تعرف “بعنق الزجاجة” أو الأخدود العظيم.
أما مسار البحر المتوسط فغالبا ما تمر به الطيور الصغيرة المغردة والتي تطير لمسافات طويلة دون توقف عبر إيطاليا وصقلية ومالطة ثم تونس
في حين يمر المسار الثالث بالساحل الغربي للبحر المتوسط، من خلال مضيق جبل طارق والمغرب وصولًا إلى غرب أفريقيا ليقضي بها الشتاء هربًا من برد أوروبا القارس.
خريطة مسارات هجرة الطيور حول أفريقيا وأسيا وأوروبا
في كل عام يطير أكثر من 2 مليون طائر مهاجر في سماء مصر، أثناء رحلات هجرتهم في أحد أهم مسارات هجرة الطيور بين أفريقيا وأوراسيا – حيث تعتبر مصر هي المعبر اليابس الوحيد بين 3 قارات هي (أوروبا وآسيا وأفريقيا)، وتعبر خلالها ملايين الطيور في الخريف والربيع من كل عام، ويتم رصد أكثر من 500 نوع من الطيور في مصر منها 350 مهاجرًا و150 مقيمًا.
أثناء عبورها القارات، تعتمد الطيور المهاجرة على المياه والموائل بما في ذلك الأراضي الرطبة والجبال للهجرة والتكاثر. وتحتوي مصر على حوالي 34 منطقة لجذب الطيور المهاجرة ومن أهم هذه المناطق (البحيرات الشمالية، وجزيرة كولون، وجزيرة الزبرجد، وبحيرة الملاحة، وجبل علبة وسانت كاترين وبحيرة قارون، وجبل مغارة، ووادي الريان، ووادي النطرون، وصحراء القصر، ورأس محمد، ووادي الجمال، والعين السخنة). وتتعدد أنواع الطيور المهاجرة في مصر، فمنها الطيور التي تقطع البحر المتوسط مباشرة وهي الأنواع التي تستطيع الطيران لمدة طويلة دون توقف مثل الطيور المائية والطيور المغردة والتى تتميز بانتشارها الواسع أثناء الهجرة وتقضى معظم فصل الشتاء في شمال أفريقيا.
ومنها الطيور الحوامة والتي يوجد منها حوالي 37 نوعًا منها 5 أنواع مهددة بالانقراض، ويأتي طائر «اللقلق الأبيض» على قائمة الطيور الحوامة في مصر، والذي يُرصد بمجموعات كبيرة في مناطق محمية رأس محمد، وبحيرات الأكسدة بمدينة شرم الشيخ، والتي تعد من أشهر محطات الطيور المهاجرة، وخاصة بعد تطويرها وتأهيلها لاستقبال الطيور لتستريح وتتغذى قبل استكمال رحلتها، وكذلك محميات جنوب سيناء وهي واحدة من المحطات المهمة للطيور في رحلتها. ويطلق على طائر اللقلق الأبيض في مصر اسم «العنز»، نظرًا لكبر حجمه حيث يتراوح وزنه ما بين 3 إلى 4 كيلوجرامات، وطوله يصل إلى نحو متر تقريبًا ويتم عادة رصد أسرابها في مصر خلال شهري أغسطس وسبتمبر، وتستمر الرحلة حوالي 50 يومًا وتطير في أسراب يضم الواحد منها نحو 10 آلاف طائر، وتتخذ من بعض المناطق محطات لها، حيث تعد محمية رأس محمد من أهم هذه المحطات لأن الطيور تتغذى فيها على السرطانات الصغيرة التي توجد عند أشجار المانجروف. وهناك أنواع أخرى من الطيور، بما في ذلك طائر المجرفة الشمالية والبط الحديدي، والبط البري، وأبو منجل اللامع، بالإضافة إلى وجود أنواع أخرى من الطيور منها 16 نوعًا من الطيور المهددة بالانقراض على مستوى العالم.
وجراء ارتفاع وتيرة المخاطر التي تتعرض لها الطيور أثناء هجرتها في مساراتها المختلفة سواء من الصيد الجائر أو التلوث الضوئي أو خطوط نقل الكهرباء وبعد ذلك من مشروعات طاقة الرياح التي أقيمت في أهم مسار لهجرة الطيور في منطقة خليج السويس وجبل الزيت. فكان لابد من اتخاذ اجراءات للحفاظ على الحياة البرية والطيور المهاجرة في تلك المناطق، ومنها المشروع الإقليمي لصون الطيور الحوامة المهاجرة في 4 دول على مسار هجرة الطيور وهي ( مصر – الأردن- لبنان – جيبوتي) وتم تنفيذه على مرحلتين (2009-2016)، (2016- 2023) وجاء عام 2022 بإصدار مشروع صون الطيور الحوامة المهاجرة التابع لوزارة البيئة ويضم خريطة ودليل لمسارات الطيور المهاجرة في مصر، كما تم إعداد دليل عن الطيور المهاجرة يتضمن معلومات مبسطة لمحبي الطيور، ومعلومات عن هجرة الطيور ومسارات هجرتها في مصر، بالإضافة إلى أهم أنواع الطيور الحوامة التي تعبر مصر خلال مواسم الهجرة (الخريف والربيع)، كما يتضمن خريطة سهلة الاستخدام لمواقع مراقبة الطيور، وأهم المناطق للطيور المقيمة والمهاجرة.
خريطة مسارات الطيور المهاجرة في مصر
محطات الرياح ومسارات هجرة الطيور
تقع مشروعات طاقة الرياح في مصر بساحل خليج السويس وجبل الزيت مباشرة في واحد من أهم مسارات هجرة الطيور على مستوى العالم، وهو مسار هجرة البحر الأحمر والأخدود الأفريقي العظيم حيث يهاجر حوالي 2 مليون طائر من الطيور الحوامة مرتين كل عام خلال موسمي هجرة الربيع والخريف على مدار ستة أشهر تقريبًا، الأمر الذي كان يشكل عائقًا أمام إقامة هذه المشروعات.
وقد تعاونت وزارة البيئة مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة والشركاء الوطنيين والدوليين لاتخاذ إجراءات فعالة بجانب إقامة هذه المشروعات، ودمج برامج صون الطيور الحوامة المهاجرة بالقطاعات التنموية وخصوصًا قطاعات الطاقة والسياحة، وضرورة حماية الموارد الطبيعية، وبالتعاون مع هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة في محطة رياح جبل الزيت بخليج السويس، تم تطبيق نظام الغلق عند الحاجة. حيث يتـم الرصـد باسـتخدام عـدد (2) رادار أفقـي مـن طـراز (- FAR ٢١١٧BB- )، التي تقـوم بالإنـذار المبكـر لرصـد الطيـور المهاجـرة بمدى ١٢ كـم قبل وصولها إلى الموقع ومن ثم تحديـد مسـاراتها وأنواعهـا وأعدادهـا عـن طريـق (13) نقطـة مراقبـة موزعـة علـى محيـط عـام المحطـة، وتقـوم نقـاط المراقبـة بإغــلاق التوربينــات أثنــاء مرور الطيور بهــا فــي حــال توفــر شــروط الإغــلاق، وبالتالــي منــع الاصطــدام بالتوربينــات، مــع إعــادة تشغيلها بعد خروجها من محطة الرياح، وحقق المشروع نتائج مبهرة في تقليل الخفض في الطاقة المفقودة عند تنفيذ برنامج الغلق المؤقت وإنقاذ مئات الأرواح من الطيور المهاجرة.
وأصبح مراعاة الاشتراطات البيئية في مشروعات الطاقة بخليج السويس أحد أهم المعايير اللازمة لإقامة هذه المشروعات، والحرص على التعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي للحفاظ على الطيور واستدامة مسارات هجرتها، بما يحقق الإلتزام بالمعاهدات الدولية المعنية بالتغيرات المناخية وحماية الأنواع البرية المهاجرة واتفاقية التنوع البيولوجي، وأنشأت مصر أول مركز تجريبى لإنقاذ الطيور في جنوب سيناء لتوفير الرعاية البيطرية للطيور في رحلة هجرتها. حيث أصبح النموذج المصري مثالًا يجب تطبيقه وتعميمه على المستوى الإقليمي والدولي.
صورة فعلية أثناء هجرة الطيور من محطة رياح جبل الزيت – هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة
هجرة الطيور وحركة الملاحة الجوية
تتعرض الطيور المهاجرة أثناء مسارات ومواعيد هجرتها لتهديدات واضحة من حركة الملاحة في البلدان التي تمر لها، إذا لم يتم إدارة مخاطر الطيور المهاجرة والحياة البرية في المطارات بشكل سليم، والتي يمكن أن تصل تلك التهديدات إلى حد التسبب في سقوط الطائرة والتعرض لخسائر بشرية واقتصادية تقدر بأكثر من 2 مليار دولا سنويًا.
الطيور أثناء هجرتها تطير بسرعات عالية وفي أسراب كبيرة، وحتى وإن كان حجمها صغيرًا، فإذا اصطدمت بجسم أو نافذة قيادة الطائرة، فتتضاعف قوة الاصطدام مئات المرات ويمكن أن تسبب هبوط مفاجئ للطائرة بعد اقلاعها، أما الخطر الأكبر يكمن عند دخول أحد هذه الطيور أو عدد منها إلى محركات الطائرة، خاصة لو كان حجم الطائر كبير مثل النسور، فيمكن أن تؤدي إلى سقوط الطائرة.
وقد حرصت مصر على الانتباه لهذه المواقف للحفاظ على الطيور المهاجرة، مثلما تحرص على سلامة حركة الطيران والحفاظ على الأرواح ، حيث تم التنسيق بين قطاع المحميات الطبيعية في مصر والمطارات بالاستعانة بشركات متخصصة وبناء القدرات في مراقبة المجال الجوي والإبلاغ عن أسراب الطيور المهاجرة أثناء رحلتها والتعامل معها بعدة طرق؛ منها الابعاد باستخدام المؤثرات الصوتية أو الضوئية أو الكيمائية في بعض الأحيان، أو حتى استخدام الطيور الجارحة المدربة في مراقبة أسراب الطيور ومنعها من الاقتراب من المطارات، كما يتم وضع خطة متكاملة للحفاظ على الحياة البرية داخل كل المطارات المصرية وتدريب العاملين عليها. بالإضافة إلى تدريب الطيارين بشكل صارم على التعامل مع هذه المواقف ومحاولة تفادي أسراب الطيور والحفاظ على سلامة الطائرة والمسافرين.