سحب الانبعاثات من الجو.. هل الحل هو محطة ماموث؟
بدأ العمل بأكبر محطة في العالم مصممة لامتصاص تلوث الأرض الناتج عن الاحتباس الحراري من الغلاف الجوي في آيسلندا يوم الأربعاء 8 مايو 2024، وتحمل هذه المحطة اسم الماموث وأنشأتها الشركة السويسرية كليموركس في آيسلندا. وتعتبر الماموث المحطة الثانية لإلتقاط الهواء المباشر وذلك بعد محطة أوركا التى بدأت العمل في عام 2011، حيث تتجاوز الماموث سابقتها أوركا بعشرة أضعاف بما يشمل سحب 36 ألف طن من الانبعاثات سنويًا.
تتضمن تقنية إمتصاص الهواء واستخراجه، إزالة الكربون من خلال عمليات كيميائية، حيث يمكن بعد ذلك حقن الكربون المستخرج في الأعماق تحت الأرض حيث سيتحول بشكل طبيعي إلى حجر، أو إعادة استخدامه أو تحويله إلى مواد صلبة.
سحب الانبعاثات الكربونية من الجو
في الآونة الأخيرة، تركز الاهتمام على حل مشكلة تغير المناخ نتيجة استمرار احتراق الوقود الأحفوري وزيادة مستويات ثاني أكسيد الكربون مع ارتفاع درجات الحرارة وتأثيراتها الضارة على البشر والطبيعة، إلى مستويات غير مسبوقة في الغلاف الجوي للأرض. إذ تعتبر زيادة ثاني أكسيد الكربون، وغازات أخرى مثل الميثان، السبب الرئيس وراء ظاهرة الاحتباس الحراري. ويؤكد العديد من العلماء أنه بجانب تقليل استخدام الوقود الأحفوري بشكل عاجل، هناك حاجة مُلحة لتصميم طرق لاستخراج الكربون من الغلاف الجوي.
ومع ذلك تواجه التقنيات المصممة لإزالة الكربون انتقادات بسبب تكلفتها الباهظة، والحاجة لمدخلات طاقة كبيرة ونقص القدرة على التوسع. بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق مبرر حول التركيز على تقنيات إزالة الكربون، بما قد يحول الاهتمام والموارد بعيدًا عن المبادرات الهادفة إلى الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
لكن التقنية التي تعمل بها محطة ماموث تختلف عن محطات استخراج وتخزين الكربون التقليدية. إذ أنها تعمل بتقنية التقاط الهواء المباشر (DAC) فيما يقارب المكنسة الكهربائية لتستخلص ثاني أكسيد الكربون من الهواء، وبذلك يمكنها أن تساهم، ولو بنسبة، في تقليل المخزون العالمي والمتزايد من انبعاثات الغازات الدفيئة في حال تطبيقها على نطاق واسع.
تفاصيل عن محطة الماموث
بدأ بناء محطة الماموث في يونيو 2022 بواسطة شركة Climeworks كليموركس، وتعد أكبر منشأة من نوعها في العالم. وتضم الماموث 72 حاوية جامعة تحتوي على المكونات الفراغية المسؤولة عن استخراج الكربون من الغلاف الجوي. وحاليًا تعمل 12 حاوية منها، ومن المقرر تثبيت وحدات إضافية في الأشهر القادمة. علمًا بأنه يمكن تكديس وإعادة ترتيب هذه الحاويات بسهولة لأغراض الصيانة أو الزيادة للسعة.
وعلى الرغم من أن شركة كليموركس لم تحدد التكلفة الدقيقة للطن الواحد من الكربون المستخرج، إلا أنها أشارت إلى أن الرقم الأقرب هو 1000 دولار بدلًا من 100 دولار للطن، ويعتبر هذا الرقم مؤشر إيجابي يساعد على نشرها إلى نطاق أوسع بعدما تصبح التقنية ذات تكلفة أقل تدريجيًا في المستقبل.
عيوب وتحديات التكنولوجيا
تعد هذه التكنولوجيا مكلفة جدًا، حيث إن تكلفة منشأة أوركا الأصغر من الماموث، والتي صنعتها نفس الشركة بهدف استخلاص ثاني أكسيد الكربون، أكثر من 1000 دولار للطن الواحد. وهذا المبلغ يشير إلى ضخامة التكاليف الحقيقية من وراء انبعاث كل طن من ثاني أكسيد الكربون.
يذكر أن التكلفة هي واحدة من العوائق التي تقف في وجه تعميم هذه التقنية، خاصة مع إستمرار إطلاق الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي من قبل الصناعات الثقيلة وقطاع الوقود الأحفوري. لكنه من المنتظر أن تصبح تلك التكنولوجيا أكثر جذبًا من المنظور الاقتصادي عند تطبيقها بواسطة شركات النفط. فعند إذ يمكن الاحتفاظ بانبعاثات الوقود الأحفوري في باطن الأرض من البداية. وهو ما سيساهم في الحفاظ على انبعاثاتنا المستقبلية تحت السيطرة وتجنب تجاوز نقاط التحول المناخية الحرجة التي لم يتم بلوغها بعد.
تستطيع محطة ماموث استخلاص كميات تبلغ أضعاف ما تستخلصه محطة أوركا، بحوالي 36,000 طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا. ومع ذلك، ليس هناك وضوح حول مقدار الانبعاثات التي تولدها عملية تشغيل المنشأة الضخمة هذه وبنائها الأولي، ولم تكشف شركة كليموركس عن هذه المعلومات بعد. وهو ما يشكك في الحجم الصافي من الانبعاثات المسحوب.
وعلى الرغم من أن رقم 36,000 طن يبدو ككمية كبيرة، إلا أنه ليس كذلك، حيث إنه يعادل ما يقارب واحد من مليون جزء من انبعاثاتنا العالمية السنوية. وبالتالي حتى لو قامت كليموركس وشركات أخرى ببناء مئات من هذه المنشآت، فإنها لن تعادل حتى واحد في المئة من انبعاثات العالم السنوية الحالية.
لا تتوقف تحديات هذه التكنولوجيا فقط على انبعاثاتها، ولكنها تشمل أيضًا الطاقة والمواد المطلوبة لعملها. حيث تلاحظ بأن المحطة تستخدم حبيبات كيميائية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون، وهذا سيؤدي إلى إنتاج نفايات واحتياج لتوسيع صناعات استخراجية أخرى بما يتناسب مع تطور هذه التكنولوجيا لتدوير أو حتى التعامل الصحي مع هذه المخلفات.
ومن الناحية الطاقية، فإن نظام الاستخراج المباشر من الهواء ليس صاحب كفاءة عالية. حيث يتطلب كميات ضخمة من الطاقة لاستخلاص كمية أصغر من ثاني أكسيد الكربون، ولتجنب إدخال مزيد من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، يجب عدم استخدام الوقود الأحفوري.
وعلى غرار محطة أوركا تستفيد الماموث من الطاقة الحرارية الأرضية الوفيرة في آيسلندا، حيث تقع، مما يتيح للبلد تشغيلها بنسبة 100٪ تقريبًا بالطاقة المتجددة، ومع إن هذا ليس الحال على الصعيد العالمي، وحتى نحقق توفرًا زائدًا من الطاقة المتجددة، يجب استخدامها بكفاءة أكبر في استبدال استخدام الوقود الأحفوري بدلًا من تشغيلها بتلك التقنية. وعلى الرغم من أن مصانع السحب المباشر من الهواء تقوم بعملية الاستخلاص بهدف التقاط الغازات الدفيئة وخاصة ثاني أكسيد الكربون، فمع ذلك يظل هناك مشكلة فيما يتعلق بما يجب فعله بهذه الغازات.
لحل هذه المشكلة، تتعاون شركة كليموركس مع شركة آيسلندية تدعى كاربفيكس، والتي تقوم بتخزين الكربون عن طريق مزجه بالماء تحت ضغط، ثم ضخه تحت الأرض حيث يتحول إلى صخرة بعملية الكربونة أو التعدين. وتستخدم هذه العملية الكثير من الماء، على الأقل 25 طن لكل طن من ثاني أكسيد الكربون. وتدعي كليموركس أنه يمكن تخزين ما بين 10,000 إلى 1,000,000 جيجاتون من الكربون في جميع أنحاء العالم بالرغم من أنه لا يزال غير معروف مدى سرعة انسداد الأنفاق في الصخور. ومع إن هذه العملية ستتطلب كميات كبيرة للغاية من المياه العذبة، فإن عملية التثبيت قد تسبب تلوثًا إضافيًا لمصادر المياه الطبيعية مثل الحقول المائية.
مجمل القول، من الممكن أن تكون محطة الماموث انتصارًا تكنولوجيًا بالتأكيد من حيث الأرقام. لكن لازال هناك العديد من العوائق المتعلقة بتفعيل هذه المحطات على نطاق واسع. إذ لا يمكن القول بأنها تحمل الحل وحدها.