كيف سيسهم إصدار اللائحة التنفيذية للقانون في حل ملف التصالح في مخالفات البناء؟
قبيل بضعة أيام، وافقت رئاسة مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في بعض مُخالفات البناء وتقنين أوضاعها، بعد قرابة ثلاث أشهر ونصف من الموافقة والتصديق على تعديلات القانون. فكان قانون التصالح أحد الملفات العثرة والتي كان يتطوق الكثير من المواطنين لصدورها لإنهاء حقبة المخالفات وطي صفحاتها.
تعديلات متقاربة
على مر العقود الأخيرة، ونتيجة للزيادة السكانية المتسارعة، والحاجة المُلحة لمزيد من الوحدات السكنية، كان البناء العشوائي وغير المرخص خيارًا مغريًا للعديد من الأفراد الذين يبحثون عن سكن بأسعار معقولة، خاصة مع عدم وجود بديل مناسب. ومن ثم، انتشرت بمصر ظاهرة البناء العشوائي والمخالف، مسببة تمدد حضري وازدحام وضغط على البنية التحتية، ما أدى لفوضى عمرانية أثرت على جودة الحياة في المدن، وتشكيل بعض هذه المباني خطرًا على سلامة السكان نظرًا لعدم توافر الرقابة الفنية والهندسية عليها، مما يعرض حياة الأشخاص للخطر في حالات الكوارث مثل الحرائق أو الانهيارات.
وقد أخذت الحكومة على عاتقها خلال السنوات القليلة الماضية مهمة التصدي لظاهرة البناء العشوائي والمخالف، وذلك من خلال عدة محاور متوازية أهمها توفير البدائل السكنية القانونية والمناسبة للمواطنين، من خلال تدشين عشرات المدن الجديدة، بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز التنمية العمرانية المستدامة، والتي تضم مئات الالاف من الوحدات السكنية تناسب جميع الفئات والمستويات الاجتماعية. إلى جانب تعزيز الرقابة وتشديد العقوبات على المخالفين لمنع القيام بمزيد من المخالفات، والعمل على تقنين الأوضاع القائمة من خلال استصدار قانون التصالح رقم 17 لسنة 2019، في خطوة تعكس نهج أكثر شمولية ومرونة وتكيف مع التحديات المختلفة.
ويقدم قانون التصالح بوجه عام نهجًا عمليًا للتعامل مع هذه المشكلة المعقدة، وذلك من خلال توفير طريق لأصحاب المباني التي بنيت بطريقة غير مشروعة للتوافق مع القانون. وتصحيح انتهاكاتهم من خلال دفع الغرامات وتحقيق الشروط الهندسية المحددة، مما يتيح لهم تفادي فرض عقوبات أشد صرامة مثل الهدم.
إلا أن قانون التصالح في بعض مُخالفات البناء وتقنين أوضاعها يعد أحد القوانين التي شهدت تعديلات متقاربة، أبرزها التعديلات التي طرأت عليه هي ما تضمنها القانون رقم 1 لسنة 2020. وهو ما يؤكد أن القانون الأول لم يكن محل توافق من قبل الأطراف المعنية والتي تتنوع بين مُلاك ومستأجري العقارات المُخالفة، كذلك لم يحقق الهدف المرجو منه بإنهاء حقبة المخالفات، وتقنين أوضاع ألاف المخالفات؛ لوجود عدة قيود أدت لعزوف المواطنين عن التقدم لإجراءات التصالح كالتعدي على خطوط التنظيم المعتمدة، والتعدي على حقوق الارتفاق والمخالفات التي تمت بالمباني والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز، لكن خفف القانون الجديد من حدة هذه القيود، وصعوبة توحيد مقاييس المخالفة فكل حالة تختلف مع غيرها في نفس النطاق الجغرافي.
ولمعالجة مواطن القصور بالقانون القديم تم استصدار تعديلات قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها الصادر برقم 187 لسنة 2023، وتم نشرها في الجريدة الرسمية بتاريخ 17 ديسمبر 2023، على أن يتم إصدار اللائحة التنفيذية للقانون خلال 3 أشهر، بعد التوافق عليها من قبل الوزراء المعنيين.
علاج القصور
قانون التصالح الجديد لم يغض الطرف عن ما تم إنجازه من خلال القانون القديم، فالقانون الجديد ما هو إلا علاج لبعض السلبيات، واستحداث طريق تقنين الأوضاع الراهنة لبعض مخالفات البناء، وقد أتاح القانون الجديد للمواطنين حق التصالح على الإنشاءات، والتصالح حتى التصوير الجوي بتاريخ 15/10/2023. وتتنوع مخالفات البناء التي ينص عليها قانون التصالح، لتشمل مخالفة بنود الترخيص الخاص بالبناء، مما يؤثر على السلامة الإنشائية، والبناء بدون ترخيص أو مخالفة الرسوم المعمارية والإنشائية، وتغيير استخدام العقارات، من سكني إلى تجاري وما إلى ذلك، وأخيرًا تعلية أدوار بما يخالف الرسوم المعمارية المنصوص عليها.
ومن أهم مزايا القانون الجديد، إنه يتم الاستفادة بطلبات التصالح في القانون القديم التي لم يبت فيها نهائيا مع الاستفادة برسوم الفحص وما تم سداده من مبالغ مقابل التصالح، مع التمتع بإعفاء من ربع رسوم التصالح في المخالفات حال سدادها مقدما دفعة واحدة مع التقسيط لمدة 3 سنوات للمبلغ الأصلي.
وقد أحال القانون الجديد التظلمات التي قدمت في ظل القانون القديم ولم يتم البت فيها أو لم تنقض مواعيد فحصها إلى لجان البت والتظلمات، ولكل من تم رفض تظلمهم يستطيعون التقدم بتظلم جديد خلال ثلاثين يومًا من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية مع إعفائهم من الرسوم التي سبق دفعها.
ولعل أهم ما أتى القانون الجديد به هو إنشاء لجنة فحص ويخطر مقدم طلب التصالح بكتاب موصى عليه بما تم به، ولطالب التصالح استيفاء أوراقه خلال 3 أشهر، ولكن القانون لم يحدد مهلة ينتهي فيها الفحص لكل مرة يقدم فيها ما طلب منه من أوراق أو مستندات لقبول طلب التصالح، كما حدد القانون لجنة خاصة بالتظلم يرأسها أحد أعضاء الهيئات القضائية وليس قاضيا بعينه، وقرار اللجنة يصدر خلال شهرين ويتم التظلم منه بطبيعة الحال أمام القضاء الإداري.
كما تصدى القانون لأزمة المتخللات التي تعاني بعض الأسر المصرية منها، والمتخللات تعتبر سكن مع إيقاف التنفيذ، وأشار القانون إلى إنه يمكنها الدخول ضمن الحيز العمراني بعد انتهاء اجراءات التصالح. وقد أعطى التشريع الحق في استكمال بناء المخالفة حال التصالح، طالما تسمح السلامة الإنشائية لاستكمال إجراءات البناء.
وحدد القانون بعض الحالات التي لا يمكن التصالح بشأنها، كالتعدي على أراض الدولة والأراضي الخاضعة لقانون الآثار، والمناطق ذات الطراز المعماري المتميز، والأماكن الواقعة على مجاري نهر النيل والمجاري المائية، أو الأماكن المتعلقة بتغيير استخدام الأماكن المخصصة لإيواء السيارات، أو ما يخالف منها قواعد السلامة الانشائية للمبنى.
وقد حدد القانون ميعاد نهائي لتقديم طلبات التصالح وذلك خلال مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل باللائحة التنفيذية للقانون. كذلك حدد القانون مقابل التصالح على أساس سعر المتر حسب كل منطقة بحد أدنى خمسين جنيهًا إلى ألفين وخمسمائة جنيه، على أن يدفع رسم الفحص بحد أقصى خمسة ألاف جنيه. وفي المقابل، قدم القانون عدة تحفيزات للمواطنين مثل تقديم تخفيض بنسبة تصل إلى 20% من إجمالي مقابل التصالح في حالة السداد الفوري لمقابل التصالح، كذلك يتم تقسيط مقابل التصالح لخمس سنوات، الثلاث سنوات الأولى بدون فائدة وبعدها بفائدة لا تتجاوز 7 % إلا زادت عن تلك المدة، وتوصيل المرافق لحين البت في طلب التصالح، والأهم أنه عند رفض طلب التصالح ترد المبالغ المدفوعة للمواطن.
وقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس مجلس الوزراء بإصدار اللائحة التنفيذية لقانون التصالح في بعض مُخالفات البناء وتقنين أوضاعها، في الثالث من أبريل الجاري، وتم النص على بدء سريان اللائحة بعد شهر من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية. ونص مشروع القرار على أن تُحال طلبات التصالح وتقنين الأوضاع والتظلمات التي قدمت وفق أحكام القانون رقم ١٧ لسنة ۲۰۱۹ في شأن التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها، ولم يتم البت فيها أو لم تنقضِ مواعيد فحصها ، بحسب الأحوال، إلى لجان البت والتظلمات المُشكلة طبقًا لأحكام قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها الصادر بالقانون رقم ۱۸۷ لسنة ۲۰۲۳ على أن تُنظر وفق الأحكام والإجراءات الواردة به، وذلك دُون سداد رسم فحص جديد أو مُقابل جدية التصالح، في حال سدادهما من قبل، ويكون سعر المتر المسطح في حال قبول طلب التصالح وتقنين الأوضاع أو التظلم بذات الأسعار التي تم إقرارها وفقا لأحكام القانون رقم ۱۷ لسنة ۲۰۱۹ المشار إليه وما طرأ عليها من تخفيضات.
ويجوز لذوي الشأن الذين رُفضت طلبات تصالحهم وتقنين أوضاعهم طبقًا لأحكام القانون رقم ١٧ لسنة ۲۰۱۹ المشار إليه، ولم تنقضِ المُدة المقررة للتظلم منها، التقدم بتظلماتهم للجان التظلمات المُشكلة طبقًا لأحكام قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها الصادر بالقانون رقم ۱۸۷ لسنة ۲۰۲۳ خلال ثلاثين يومًا تبدأ من تاريخ العمل باللائحة المرافقة.
كما يجوز لذوي الشأن الذين رفضت طلبات تصالحهم وتقنين أوضاعهم طبقًا لأحكام القانون رقم ١٧ لسنة ۲۰۱۹ المشار إليه، وانقضت المدة المقررة للتظلم أو تم البت فيه بتأييد الرفض؛ التقدم بطلب التصالح وتقنين الأوضاع وفق أحكام قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها الصادر بالقانون رقم ۱۸۷ لسنة ۲۰۲۳، وذلك مع مراعاة سداد رسم فحص جديد، وسداد مُقابل جدية التصالح وتقنين الأوضاع المُحدد باللائحة المُرافقة أو الفَرقْ المُستحق بعد إجراء مقاصة بينه وبين ما سبق سداده من مقابل جدية التصالح ولم يُسترد.
ونص مشروع القرار أيضًا، على أنه يجوز لذوي الشأن التقدم بطلب إلى الجهة الإدارية المُختصة لاستكمال أعمال الدور داخل ذات المُسطح المُتصالح عليه، وبذات الارتفاع، وذلك في المُخالفات التي كان محلها أعمدة أو حوائط أو أعمدة وحوائط أو أعمدة وأسقف فقط، والتي قُبل بشأنها التصالح في ظل العمل بأحكام القانون رقم ١٧ لسنة ۲۰۱۹ المشار إليه، على أن يسمح الهيكل الإنشائي للمبنى وأساساته بتحمل الأعمال المطلوب استكمالها، ويُرفق بالطلب مستندات تشمل صورة بطاقة الرقم القومي لمُقدم الطلب، وما يفيد إتمام إجراءات التصالح (نموذج رقم ١٠ السابق صدوره)، ونُسختان من الرسومات الهندسية المعمارية والإنشائية أو إحداهما، بحسب الأحوال، والمعتمدة من مُهندس مُقيد بنقابة المهندسين، تخصص مدني أو تخصص عمارة بالأعمال المطلوبة، وكذا تقرير هندسي من مهندس تخصص مدني مقيد بنقابة المهندسين، يفيد أن الهيكل الإنشائي للمبنى وأساساته يتحملان الأعمال المطلوب استكمالها.
وتتولى إدارة التخطيط والتنظيم بالجهات الإدارية المُختصة، مراجعة المُستندات المُقدمة طبقًا للقرار السابق بقبول التصالح وتقنين الأوضاع والرسومات المرفقة به، للتأكد من مُطابقتها لذات المُسطح والارتفاع المُتصالح عليه، مع تقديم قرار قبول التصالح للسلطة المختصة لتعديله بإضافة التصريح باستكمال أعمال الدور، إلى جانب تسليم ذوي الشأن نُسخة معُتمدة من القرار الصادر بعد تعديله، ودون أي رسوم، مرفقًا به نُسخة من الرسومات الهندسية المُعتمدة خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديم الطلب.
ختامًا، يعد قانون التصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها واحدًا من أهم القوانين التي تهم شريحة كبيرة من المواطنين لمساهمته في استقرار أوضاعهم. ونأمل مع تفعيل اللائحة التنفيذية للمشروع أن يتم القضاء على أزمة البناء المخالف وفحص كافة المباني العشوائية التي تم تنفيذها على مدى عقود، والتي يمثل بعضها قنبلة موقوتة تهدد سلامة المواطنين، وتحجيم ومنع هذه الظاهرة مستقبلًا خاصة مع توجه الدولة لتوفير بديل مناسب من خلال مشروعات تنمية عمرانية تم تنفيذها في كافة ربوع الدولة.