أفريقيا

أزمة دبلوماسية بين إثيوبيا والصومال: هل تُنذر بحرب في المنطقة؟

يشهد القرن الأفريقي توترات متصاعدة بين الصومال وإثيوبيا؛ إذ اندلعت أزمة دبلوماسية بين البلدين، في ضوء إعلان الحكومة الصومالية يوم الخميس الموافق الرابع من أبريل 2024، إن وزارة الخارجية تلقت توجيهات بـ”إبلاغ سفير الحكومة الإثيوبية في مقديشو بمغادرة البلاد خلال الـ 72 ساعة المقبلة لإجراء مشاورات معمقة”، وأضافت أنها ستأمر بإغلاق قنصليتَي إثيوبيا في منطقة صوماليلاند “أرض الصومال” وفي إقليم بونتلاند “أرض البنط” التي تحظى بحكم شبه ذاتي وبمغادرة الدبلوماسيين والموظفين فيهما في غضون أسبوعين. وجاء في البيان أيضًا أن الحكومة الإثيوبية “تتدخل بشكل فج في شؤون الصومال الداخلية، في انتهاك لسيادة الصومال”. 

وتحاول هذه الورقة البحثية التطرق للأسباب التي أدت إلى تفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين، ودفعت حكومة الصومال لطرد السفير الإثيوبي، وإغلاق قنصليتَي إثيوبيا في إقليم “أرض الصومال” وإقليم “بونتلاند”، واستعراض التداعيات المُحتملة في ضوء التصعيد الأخير. 

أسباب توتر العلاقات 

هناك مجموعة من الأسباب التي حفزت حكومة الصومال لطرد السفير الإثيوبي، وإغلاق قنصليتَي إثيوبيا في “أرض الصومال” وإقليم “بونتلاند”، فقد انتهجت إثيوبيا في الآونة الأخيرة عدد من التحركات الاستفزازية التي تُهدد وحدة وسلامة الأراضي الصومالية؛ إذ نجد أن هناك توتر في العلاقات بين إثيوبيا والحكومة المركزية الصومالية، بينما يعمل آبي أحمد على توثيق علاقاته مع الولايات الصومالية التي لديها نزعة انفصالية، لا سيما “أرض الصومال”، و”بونتلاند”، ويُمكن استعراض ذلك على النحو التالي: 

  1. الصدام مع الرئيس الصومالي: اتهم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قوات الأمن الإثيوبية بمحاولة منعه من الوصول إلى أعمال القمة السابعة والثلاثين للاتحاد الإفريقي، والتي انطلقت في فبراير 2024، في خطوة نددت بها مقديشو ووصفتها بـ”العمل الاستفزازي”.  ونجد أن الرد الإثيوبي حول هذه الواقعة، قد تجلى في تصريح “بيلين سيوم” المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأن “الوفد الصومالي، قد تم منعه عندما حاول عناصر الأمن التابعون له من دخول مقر الاتحاد الإفريقي حاملين أسلحة”.    
  2. التقارب الإثيوبي مع الولايات الصومالية الفيدرالية:
    1.  إقليم بونتلاند: يقع إقليم “بونتلاند” في شمال شرق الصومال، يحدها من الغرب “أرض الصومال” ومن الشمال خليج عدن، ومن الجنوب الشرقي المحيط الهندي بينما تحدها إثيوبيا من الجنوب، وقد أعلن إقليم “بونتلاند” الحكم الذاتي عام 1998.  وقد عمل إقليم “بونتلاند” المتمتع بالحكم الذاتي على تعزيز العلاقات مع إثيوبيا في الآونة الأخيرة، وهو ما اتضح في الاجتماع الذي انعقد في الرابع من أبريل 2024، بين وزير الدولة الإثيوبي للشؤون الخارجية، السفير ميسغانو أرغا، والوفد الوزاري الرفيع المستوى من بونتلاند، برئاسة وزير المالية محمد فرح محمد، وقد أحدث الاجتماع تحولًا كبيرًا؛ إذ اتفق الجانبان على تعزيز علاقاتهما متعددة الأوجه، مع التركيز على التجارة والاستثمار والتعاون في مجال الطاقة ومشاريع البنية التحتية المشتركة. ومن المتوقع أن يوفر هذا التعاون دفعة كبيرة لاقتصاد بونتلاند. 

نجد أن التقارب الأخير بين إقليم “بونتلاند” وإثيوبيا، قد تزامن مع إعلان إقليم “بونتلاند” الأحد 31 مارس 2024، الانسحاب من النظام الاتحادي للصومال، وأن الاقليم سيحكم نفسه بشكل مُستقل، وهو أثار غضب الحكومة المركزية الصومالية.  والجدير بالذكر أن، قرار إقليم “بونتلاند” جاء في ضوء رفض الإقليم التعديلات الدستورية التي تم الإعلان عنها في 30 مارس 2024، وتشمل تغيير نظام الحكم في الصومال من البرلماني إلى الرئاسي، ومنح رئيس البلاد سلطة تعيين رئيس للوزراء، واعتماد نظام الاقتراع العام المباشر بدلًا من انتخابه عن طريق البرلمان، وتمديد الفترة الرئاسية إلى 5 سنوات بدلًا من 4 سنوات. ويتهم إقليم “بونتلاند” الحكومة الصومالية المركزية بانتهاك دستور عام 2012، الذي تمت صياغته بشق الأنفس من خلال مشاورات مكثفة وتسويات، كما أنه من شأن التعديلات الدستورية الجديدة أن تؤدي إلى تركيز السلطة بشكلٍ كبير في يد الرئيس، وهو ما يرفع من إمكانية تفاقم الصراعات بين الفصائل السياسية.

https://www.bbc.com/news/world-africa-14114727

ب- أرض الصومال: قام رئيس الوزراء الإثيوبي مطلع العام الجاري بأبرام اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، وبموجب الاتفاق سيسمح لإثيوبيا الحبيسة بتأجير 20 كيلومترًا حول ميناء بربرة على خليج عدن، مع إمكانية الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 عامًا لأغراض بحرية وتجارية، وبذلك ستصبح إثيوبيا في المقابل أول دولة تعترف بأرض الصومال بصفة دولة مستقلة. ويهدف الرئيس الإثيوبي أبي أحمد من الاتفاق تأمين الوصول إلى البحر الأحمر، ما شكل مصدرًا للتوتر بين إثيوبيا وجيرانها، ويثير مخاوف من نشوب صراع جديد في القرن الإفريقي.  

واتصالًا بما سبق ذكره، نجد أن موقف ولاية “بونتلاند” الصومالية، وإقليم “أرض الصومال” حيال غلق القنصلية الإثيوبية، يتضح جليًا من خلال التصريحات الرسمية الصادرة عن ولاية بونتلاند الصومالية التي قللت من أهمية إغلاق الصومال للقنصلية الإثيوبية في “جاروي”، مؤكدة أن علاقاتها الطويلة الأمد مع إثيوبيا تعتمد على التعاون العميق في الجوانب الاجتماعية والاقتصادية وحرية الحركة، كما أن القرار الذي أصدرته حكومة الصومال الفيدرالية في 4 أبريل 2024، يقوض مصالح الشعب الصومالي ويقوم على العداء والحقد والتخريب ضد شعب ولاية “بونتلاند” الصومالية. وفيما يتعلق بموقف إقليم أرض الصومال، قد أعلنت “رودا المسيعيد”، نائبة وزير خارجية أرض الصومال، إن القنصلية الإثيوبية في هرجيسا “ستظل مفتوحة بغض النظر عما تقوله مقديشو”، مؤكدة أن “أرض الصومال دولة مستقلة ذات سيادة”.

تداعيات مُحتملة 

يُحاول هذا الجزء من الورقة البحثية استعراض التداعيات المُحتملة في ضوء التصعيد الأخير بطرد الصومال للسفير الإثيوبي، وإغلاق قنصليتي “أرض الصومال” و”بونتلاند”، ويمكن تناول ذلك على النحو التالي: 

  • تقويض جهود مكافحة الإرهاب: لا شك أن تدهور العلاقات الدبلوماسية بين إثيوبيا والصومال، سيقوض جهود مكافحة الإرهاب.، حيث يتواجد 3000 جندي إثيوبي في الصومال في إطار مهمة حفظ سلام تابعة للاتحاد الأفريقي لمحاربة مسلحي حركة “الشباب” التابعة لتنظيم “القاعدة”. بالإضافة إلى ذلك تراجع عملية تنسيق تبادل المعلومات الاستخباراتية وانخفاض القدرة على الاستجابة بصورة نشطة للتهديدات والهجمات الإرهابية. والأكثر ترجيحًا هو استغلال جماعة الشباب الإرهابية الخلاف الحالي بين الصومال وإثيوبيا لتجنيد المزيد من الشباب، لشن المزيد من الهجمات الإرهابية عبر الحدود بين البلدين، وهو ما سيؤدى إلى زعزعة الاستقرار الهش في المنطقة.
  • تزايد عمليات القرصنة: تُثير الأزمة المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا مخاوف من تفاقم ظاهرة القرصنة في منطقة خليج عدن والبحر الأحمر، فقد يؤدي التوتر بين البلدين إلى تشتيت انتباههما عن جهود مكافحة القرصنة، مما قد يُتيح الفرصة للقراصنة لزيادة نشاطهم. كما تستغل الجماعات المتطرفة، مثل حركة الشباب، حالة الفوضى الناتجة عن الأزمة لتمويل أنشطتها من خلال القرصنة. وعلى الرغم من أن ظاهرة القرصنة قد توقفت في الصومال منذ فترة، إلا أن هناك رجوع لهذه الظاهرة، وهو ما يعود إلى التوترات السياسية والأمنية التي تشهدها الصومال، كما أن الحكومة الصومالية لا تزال تفتقر إلى قدرات كافية لفرض الأمن البحري في سواحلها. ويمكن استعراض تداعيات ظاهرة القرصنة، لا سيما التأثير على التجارة الدولية، حيث تُشكل القرصنة تهديدًا لحرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو ما سيؤدى إلى تُعرض السفن التجارية للخطر، والتسبب في خسائر اقتصادية فادحة، وهو ما سيؤدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن. 
  • تصاعد الاستقطاب الإقليمي: يشهد الصومال وإثيوبيا توترًا متزايدًا في علاقاتهما الثنائية، مما يثير مخاوف من انزلاق الأوضاع إلى صراع مسلح مباشر. وتزداد حدة هذه المخاوف مع ازدياد التواجد البحري العسكري في المنطقة، خاصة مع وجود قوى بحرية دولية لمكافحة القرصنة، بالإضافة إلى الاتفاقية الدفاعية التي وقعتها الصومال مع تركيا في فبراير الماضي. وبموجب هذه الاتفاقية، ستوفر تركيا التدريب والمعدات للبحرية الصومالية على مدار عشر سنوات، مما يسمح للصومال بحماية موارده البحرية ومياهه الإقليمية من التهديدات مثل الإرهاب والقرصنة و”التدخل الأجنبي”. ويُنظر إلى هذه الاتفاقية على أنها خطوة من قبل الصومال لتعزيز قدراته البحرية في ظل التوتر مع إثيوبيا. ويُخشى أن تؤدي هذه التطورات إلى تصعيد التوتر في المنطقة، مما قد يؤدي إلى صراع مسلح مباشر بين البلدين. وتُعد منطقة خليج عدن والبحر الأحمر من أهم الممرات المائية للتجارة العالمية، مما يجعل أي صراع مُسلح في المنطقة له تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الدوليين.

وفى الختام، يمكن القول أن الخطوات التصعيدية الأخيرة التي اتخذتها الصومال ضد إثيوبيا، من طرد للسفير الإثيوبي وإغلاق قنصليتي “أرض الصومال” و”بونتلاند”، تعكس انزعاج الصومال من التصرفات الإثيوبية الانتهازية التي تهدد وحدة وسلامة الأراضي الصومالية، حيث تعمل إثيوبيا على استغلال الخلافات في الداخل الصومالي بين الحكومة المركزية الصومالية والولايات الفيدرالية التي لديها نزعة انفصالية، وحرص رئيس الوزراء الإثيوبي على استقطاب هذه الولايات،وتعزيز العلاقات معها وتشجيعها على عدم الانصياع لسلطة الحكومة المركزية الصومالية، لتحقيق طموحاته التوسعية في إقليم القرن الإفريقي. ولا شك أن هناك عوامل مُحفزة لاحتمالية اندلاع صدام مُباشر بين البلدين، وهو ما يتطلب من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة سرعة القيام بالجهود الدبلوماسية النشطة لتخفيف التوتر بين البلدين، ودعوتهما إلى الحوار والتفاوض لحل الأزمة سلميًا. 

أسماء عادل

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى