ولاية رئاسية جديدة قوامها الإصلاح السياسي في مصر
يمثل حق المشاركة في الحياة العامة والسياسية خاصية أساسية في مفهوم الديمقراطية الشمولية، وتمثل المشاركة الفعالة لجميع الأفراد والجماعات في الشؤون السياسية والعامة أساس إعمال حقوق الإنسان ومكوّنًا رئيسًا في الاستراتيجيات القائمة على الحقوق والرامية إلى القضاء على التمييز وأوجه عدم المساواة.
هذا وتلعب حقوق المشاركة السياسية والعامة دورًا حاسمًا في تعزيز الحكم الديمقراطي وسيادة القانون والإدماج الاجتماعي والتنمية الاقتصادية، وكذا في النهوض بجميع حقوق الإنسان. ويمثل الحقّ في المشاركة المباشرة وغير المباشرة في الحياة السياسية والعامة عنصرًا مهمًا في تمكين الأفراد والجماعات وأحد العناصر الرئيسة للنُّهج القائمة على حقوق الإنسان الرامية إلى القضاء على التهميش والتمييز. وترتبط حقوق المشاركة ارتباطًا وثيقًا بحقوق الإنسان الأخرى حرية التعبير والرأي، والحق في التعليم وغيرها من الحقوق الأخرى.
ولقد أدركت الدولة المصرية تمام الإدراك مدى أهمية العنصر البشري وعملت على مدار ما يقرب من عقد كامل من الزمن على تطوير وتنمية المجتمع لضمان تمتع المواطنين بمستوى أعلى من الحقوق وعلى رأسها الحقوق السياسية والمدنية من خلال وضع الخطط والبرامج والاستراتيجيات وقبلها تهيئة البيئة التشريعية لكي تتناسب مع الأهداف الرامية لهذا التطور إما بإدخال التعديلات أو تغيير النصوص الدستورية لمواكبة هذا التطور، هذا وقد أتت انتخابات الرئاسة المصرية 2024 تأكيدًا لإرادة الشعب المصري ودليل قوي على أن النزاهة والشفافية هما السبيل لإرساء قواعد الديمقراطية السليمة، فوفقًا للهيئة الوطنية للانتخابات اقتربت نسبة المشاركة من 67% متخطية كافة نسب المشاركة في أي انتخابات سابقة، فبلغت نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة 2018 حوالي 41% مقابل 47.45% في انتخابات 2014، وبالتالي اعتبرت الانتخابات الرئاسية 2024 خطوة رئيسة في مسار الدولة نحو التحول الديمقراطي والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية.
استكمال مسيرة الإصلاح السياسي في مصر
إن الوعي وتنمية الفكر هما أساس بناء المجتمعات؛ ولا يمكن إغفال هذه الأسس إذا أردنا بناء دولة تتمتع بأسس الديمقراطية السليمة لأن المواطن هو أساس أي عملية تنموية تقوم بها أي دولة وبالتالي أدركت الدولة المصرية أهمية هذا الطرح جيدًا وعملت خلال الفترة الماضية على تطوير وتنمية وعي المواطن المصري ومع بروز ولاية رئاسية جديدة، فإن الدولة ستستمر في نهجها المتبع في بناء المواطن المصري لضمان مستوى أعلى له من التمتع بكافة حقوقه وتحقيق كافة مطالبه التي يسعى لها، وبالتالي فإن استكمال مسيرة الإصلاح السياسي ستتم من خلال اتباع خطوات مدروسة وواقعية، واستكمال المبادرات والبرامج التي اعتمدتها القيادة السياسية والتي من بينها:
أولًا: استكمال جلسات الحوار الوطني:
أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي إطلاق الحوار الوطني خلال حفل إفطار الأسرة المصرية فى شهر رمضان أبريل 2022 تحت شعار “وطن يتسع الجميع”، كآلية جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، هذا وقد حددت إدارة الحوار الوطني ثلاثة محاور رئيسة تنظم طبيعة عمله؛ وهى المحور السياسي والمحور الاقتصادي بالإضافة إلى المحور الاجتماعي؛ وتم تقسيم المحور السياسي إلى خمس لجان، حيث تم الاتفاق على إضافة لجنتين وهما (لجنة متخصصة فى الأحزاب السياسية، ولجنة متخصصة للنقابات والمجتمع الأهلي)، وذلك بالإضافة إلى اللجان الثلاث السابق إقرارها وهى (لجنة مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابي، لجنة المحليات، ولجنة حقوق الإنسان والحريات العامة)، بالإضافة إلى ثمان لجان فى المحور الاقتصادي آخرهم لجنة متخصصة فى السياحة، وجرى تشكيل ست لجان منبثقة من المحور الاجتماعي تشمل التعليم، والصحة، والسكان، والأسرة والتماسك المجتمعي، والثقافة والهوية الوطنية بالإضافة إلى لجنة الشباب.
اعتبر الحوار الوطني دليل قوي على فتح المجال العام وأداة أساسية لدعم وتعزيز حرية الرأي والتعبير في مصر، وسط مشاركة من مختلف فئات المجتمع المصري المعارضين قبل المؤيدين من مختلف التكتلات الحزبية والكيانات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والتنموية والخيرية وحتى المستقلين، ولقد تم مناقشة 113 قضية في المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، بالإضافة إلى المحور الاجتماعي، هذا ولم يكن هناك خطوط حمراء، حيث طرحت كافة القضايا للنقاش للوصول بالدولة وتحقيق أهدافها، من أجل مناقشة أولويات العمل الوطني للمضي قدمًا في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
ولقد أعلن الرئيس السيسي عقب فوزه برئاسة الجمهورية في ديسمبر 2023 باستكمال جلسات الحوار الوطني بشكل أكثر فاعلية وعملية، وهي خطوة في مضمونها تبرز مدى أهمية الحوار الوطني لمؤسسات الدولة، انطلاقًا من أن حجم التنوع والاختلاف في الرؤى والأطروحات، يعزز قوة وكفاءة مخرجات الحوار الوطني، فالنقاشات التي دارات فى لجان الحوار الوطني أسهمت بشكل فعال فى فتح المجال السياسي وخروج الكثير من التوصيات، بالإضافة إلى تركيز الحوار الوطني في الفترة المقبلة على المحور الاقتصادي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم بأكمله وليس مصر وحدها، لا سيما في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري والظروف الدقيقة التي يمر بها، وهو ما يتطلب بالطبع الاستماع لكافة الآراء من الخبراء والمختصين ويقتضي سياسات اقتصادية تحقق استدامة النمو وجذب الاستثمارات المباشرة.
هذا وقد انتهى مجلس أمناء الحوار الوطني في فبراير 2024 إلى تشكيل لجنة لتنسيق تنفيذ مخرجات المرحلة الأولى، ففي إطار آليات متابعة تنفيذ مُخرجات الحوار الوطني، تم تفعيل مجموعة تنسيقية مُشتركة، تضم ممثلين عن مجلس الوزراء، ومسؤولي الحوار الوطني، وتختص بمتابعة تنفيذ توصيات ومخرجات جلسات الحوار الوطني، في محاوره المختلفة وهو ما يعتبر ضمانة حقيقية للمشاركين في الحوار بتنفيذ توصياته وترجمتها لسياسات واقعية.
ثانيا: استمرار تطوير الملف الحقوقي في مصر:
تملك مصر باع كبير فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان من خلال جهودها المبذولة فى تطوير القانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك من خلال المشاركة في صياغة الإعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، والمشاورات والأعمال التحضيرية لصياغة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وانضمامها لـ 8 اتفاقيات دولية أساسية لحقوق الإنسان، ومشاركتها في جهود تطوير الآليات الدولية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة بما فيها مجلس حقوق الإنسان الذى شغلت عضويته عدة مرات، بجانب انتخاب العديد من الخبراء المصريين في عضوية هيئات معاهدات حقوق الإنسان هذا بالإضافة إلى الصدارة المصرية لتطوير المنظومتين العربية والأفريقية فى المجال الحقوقي من خلال استحداث الآليات أو بالانضمام لعدد من المعاهدات والاتفاقيات التي تنظم العمل فيما بينهم، وبالتالي بذلت مصر خلال السنوات الماضية العديد من الجهود لتعزيز وضمان مستوى أعلى للمواطنين للتمتع بالحرية، من خلال إطلاق البرامج والاستراتيجيات وتوفير البني التشريعية والمؤسسية التي ستضمن بدورها تحقيق الأهداف.
حيث جاء دستور 2014 معبرًا عن حقوق المواطنين حيث وضع الضمانات للوفاء بهذه الحقوق واعتبر هذا نقطة تحول في المجال الحقوقي ، فلقد أكد الدستور على أن النظام السياسي يقوم على احترام حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة والعدالة والمساواة، فلقد اتخذ هذا الدستور منحى أكثر تقدمًا في مجال ضمان الوفاء بالالتزامات الدولية لمصر فى مجال حقوق الإنسان، حيث قرر – لأول مرة – وضعًا خاصًا للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك بنصه على أن “تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها، وأيضا كفل الدستور للنساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة قدرًا غير مسبوقًا من الحقوق التي لم تكن موجودة فى السابق، فالبنية التشريعية بها عديد من الضمانات الواجبة لتعزيز حقوق المواطنين إلى جانب تعزيز الاتساق بين القوانين الوطنية من جانب، والمبادئ والضمانات الواردة فى الدستور والاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان المنضمة إليها مصر من جانب آخر، هذا بالإضافة إلى إدخال التعديلات على التشريعات القائمة واستحداث الجديد بما يتماشى مع طبيعة الظروف تحت قاعدة أساسية تبنتها الدولة الحديثة وهى احترام وتعزيز حقوق المصريين.
هذا وتمتلك مصر بنية مؤسسية قادرة على تعزيز وحماية حقوق الإنسان، أبرزها إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان فى نهاية عام 2018 والتي مثلت إضافة مهمة لجهود تعزيز البنية المؤسسية الداعمة لاحترام وحماية حقوق الإنسان في مصر ولتعزيز تنفيذ الالتزامات الدولية والإقليمية لمصر فى ملفها الحقوقي، وترتكز “استراتيجية التنمية المستدامة” رؤية مصر 2030″ التي تعتمد عليها البنية المؤسسية على إعمال الحقوق الأساسية للمواطن باعتباره لب العملية التنموية، وتسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة والتوزيع العادل لفوائد التنمية وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعي لكافة الفئات وتعزيز مبادئ الحكومة.
وعلى مستوى التخطيط الاستراتيجي تم إطلاق أول استراتيجية وطنية متكاملة لحقوق الإنسان، والتي مثلت خطوة كبيرة للأمام، إذ تشتمل على برنامج وخطة عمل محددة على مدار 5 سنوات من عام 2021 وحتى 2026، تستهدف تعزيز كافة حقوق الإنسان المدنية والسياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، بجانب تعزيز حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، في إطار الالتزام بالدستور والتشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية والإقليمية المنضمة إليها مصر.
- إنهاء حالة الطوارئ:
أعلن الرئيس السيسي إلغاء حالة الطوارئ في مصر لأول مرة منذ سنوات طويلة في 25 أكتوبر2021، وهو ما أدى إلى إلغاء الصلاحيات الواسعة لرئيس الجمهورية والحكومة التي كانت تسمح باتخاذ إجراءات استثنائية بموجبه، ومن بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة، وإحالة المتهمين إلى محاكم أمن الدولة، وحظر التجول في بعض المناطق، ومراقبة الرسائل أيًا كان نوعها، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها، فضلًا عن تمكين الجيش من فرض الأمن واعطائه صفه الضبطية القضائية على المدنيين وتحرير المحاضر والمخالفات، فلقد تم إلغاء كل هذه الإجراءات الاستثنائية والصلاحيات الواردة بقانون الطوارئ، والتي كانت تطبق من أجل حماية أمن وسلامة البلاد من أي خطر أو تهديد داخلي أو خارجي، بعد أن استقرت أحوال البلاد وتم القضاء على الإرهاب.
- استمرار عمل لجنة العفو الرئاسي:
عاد نشاط اللجنة من جديد بعد إلغاء حالة الطوارئ، وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في حفل إفطار الأسرة المصرية أبريل 2022 ولكن هذه المرة مع توسيع قاعدة عملها من خلال التعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية؛ هذا وقد تم الإفراج عن أكثر من 1500 مسجون حتى مايو 2023 طبقًا لإحصاءات لجنة العفو الرئاسي.
وحققت خطوة إعادة تشكيل اللجنة تأثيرًا إيجابيًا على حالة حقوق الإنسان في مصر، وعكست وجود إرادة سياسية لإنهاء ملف المحبوسين ووجود حالة من الانفتاح على تحقيق تقدم في حقوق الإنسان، بداية من إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، إنهاء حالة الطوارئ، وبدء عمل الحوار الوطني وتفاعل لجنة العفو الرئاسي الإيجابي مع طلبات الإفراج التي ترسلها الأحزاب، وتعاونها مع منظومة الشكاوى بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، فضلًا عن تعاون أجهزة الدولة مع اللجنة والعمل على سرعة إنهاء هذا الملف، فضلاً عن جهود اللجنة لإعادة المفرج عنهم لأعمالهم وجامعاتهم لاستكمال تعليمهم، للاستفادة من طاقاتهم وتوجيهها في الطريق الصحيح، سواء بالمساعدة في عودة البعض إلى أعمالهم، أو توفير فرص عمل، حتى لا يتركوا فريسة لظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، فاللجنة حريصة على أداء عملها بدقة حتى لا يتسلل للمجتمع مرة أخرى أشخاص يحملون أفكارًا متطرفة، هذا وينتظر في الفترة المقبلة من اللجنة المزيد من العمل وبحث ملفات العديد من الشباب خلف القضبان من أجل منحهم فرصة آخري للحياة مرة ثانية.
ختاما، لا شك أن الدولة تحرص على تعزيز مسار الإصلاح السياسي وإثراء الحياة السياسية والحزبية، بما يساهم فى طرح الأفكار والتصورات والمقترحات التي من شأنها أن تساهم في تحقيق التنمية والنهوض بالدولة، والانطلاق نحو الجمهورية الجديدة واستكمال مسيرة البناء والتنمية، فالوقت الراهن يفرض بعض المقتضيات الواجب أخذها فى الاعتبار لضمان استمرار خطة الإصلاح السياسي التي اتبعتها الدولة منذ ما يقرب عقدًا كاملًا، فمسألة تعزيز حقوق المواطنين هي مسألة مستمرة وتراكمية الأثر ولا تظهر نتائجها إلا بشكل متدرج، ومهما بُذل من جهد أو تحقق من إنجاز فى هذا المجال، فإنه وفقًا للسرعة التي يعيش فيها العالم، فإنه يحتاج للمزيد والمزيد من الجهد لضمان مستوى أعلى للمواطنين من الحقوق والحريات.