بعد الثلاثاء الكبير.. كيف يستعد مرشحو الرئاسة الأمريكية للانتخابات؟
يبدو أن الطريق أصبح ممهدًا أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب لمواجهة نظيره الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر 2024. فقد فاز الرئيس السابق بغالبية الولايات خلال “الثلاثاء الكبير”، ووعد أنصاره بالعودة إلى البيت الأبيض ليجعل الحزب الجمهوري وأمريكا “أفضل وأقوى”. أما بايدن، فهو يركز على الانتخابات بوصفها مواجهة وجودية، وحذر خلال خطاب حالة الاتحاد من الخطر الذي يمثله عودة ترامب الى البيت الأبيض، على الديموقراطية في الولايات المتحدة وموقعها على الساحة الدولية.
ملامح انتخابات الثلاثاء الكبير
أظهرت نتائج “الثلاثاء الكبير”، أن الرئيس السابق دونالد ترامب يظل قادراً على الإمساك بقبضة حديدية على الحزب الجمهوري وعلى تحفيز القاعدة الانتخابية للمشاركة في الانتخابات التمهيدية بنسبة أكبر من مشاركة الديمقراطيين لصالح بايدن. قبل “الثلاثاء الكبير”، فاز ترمب بأصوات المندوبين في ميشيجان وميسوري وإيداهو في انتخابات الحزب الجمهوري. وعززت نتائج الثلاثاء الكبير هذه الانتصارات ليضمن ترامب ترشيح الحزب الجمهوري بعد فشل منافسته السفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي وانسحابها من السباق الانتخابي بعد أن حققت فوزا معنويا بالانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الجمهوري في واشنطن العاصمة، وهو أول فوز لها في عملية ترشيح الحزب الجمهوري.
ورغم حظوظ ترامب في الانتخابات المقبلة إلا أن هناك تباين في مواقف القيادات الجمهورية بشأن دعم ترامب بالانتخابات. حيث يؤيد ترامب سبعة حكام جمهوريين من أصل 27 حاكما جمهوريا. و18 سيناتورا جمهوريا من مجمل 49 جمهوريا بمجلس الشيوخ. بالإضافة إلى أن هناك 90 عضوا في مجلس النواب أعلنوا تأييد ترامب من أصل 222 نائبا جمهوريا. وتظهر استطلاعات الرأي انخفاض داعمي ترامب من الشباب الجمهوريين مقارنة بـ2016، وأبرز داعمي ترامب الجمهوريين ممن تجاوزا 65 عاما.
في المعسكر الديمقراطي، كان “الثلاثاء الكبير” مريحا بالنسبة لجو بايدن الذي ضمن ترشحه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية مرة أخرى. حيث فاز الرئيس الأمريكي في كل الولايات، ولم يواجه أية عقبة أمام منافسيه الإثنين، دين فيليبس والكاتبة مريان وليامسون، في ولاية مينيسوتا.
ورغم الفوز السهل للرئيس جو بايدن في الانتخابات التمهيدية لولاية ميشيجان، إلا أن الأنظار كلها كانت تتابع مسار تصويت الناخبين من أصول عربية، حيث رفض أكثر من 100 ألف ناخب التصويت لصالح جو بايدن، في حركة احتجاجية على سياسات إدارة بايدن تجاه الحرب في قطاع غزة. الرقم لم يكن ينتظر منه أن يغير نتائج الانتخابات التمهيدية، لكنه سيربك حسابات بايدن بشكل كبير في الانتخابات العامة في نوفمبر القادم.
تمكن بايدن من الفوز في الانتخابات التمهيدية في ولاية ميشيجان بنسبة فاقت الـ80% على منافسه دين فيليبس. وجاء فوز بايدن في إطار التوقعات غير المفاجئة في ولاية معروفة بملايين العرب الأمريكيين الناخبين المتحدرين من أصول شرق أوسطية والذين يتركز معظمهم في ضاحية ديبربورن بمدينة ديترويت. فوز بايدن قابله تصويتُ عدد كبير من ناخبي الحزب الديمقراطي لخيار “غير ملتزم”، كحركة اعتراضية على سياسة البيت الأبيض تجاه غزة.
إذا خسر بايدن 3% أو 5% من الأصوات الديمقراطية التي صوتت في عام 2020، فقد يكون هذا كافيا ليخسر ليس فقط ولاية ميشيجان ولكن بعض الولايات الأخرى المتقاربة في قضية التصويت له. ووجود هذه الأصوات المحتجة من شأنها أن تشكل خطرا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وبالتالي فإن تغيير بايدن في سياساته تجاه إسرائيل فيما يخص الحرب على غزة من شأنه أن يغير الموازين الانتخابية في الولايات المتحدة.
سعى بايدن إلى اكتساب أصوات الأمريكيين السود التي عادة ما صوتت لصالح الحزب الديمقراطي، ووجه الرئيس جو بايدن رسالة إلى مجتمع السود، صور خلالها الانتخابات على أنها حرب بقاء مع خصمه المحتمل، ترامب، مصوراً مجيء ترامب إلى السلطة مرة أخرى بـ”الكارثي”. وقال بايدن: “فكروا في البديل إذا خسرنا هذه الانتخابات، فسوف يعود دونالد ترمب… وأعتقد أن الطريقة التي تحدث بها، والطريقة التي تصرف بها، والطريقة التي تعامل بها مع الجالية الأمريكية من أصل أفريقي، كانت مخزية”.
وسلط بايدن الضوء على إنجازاته التي تستهدف مجتمع السود والأمريكيين على نطاق أوسع: الجهود المبذولة لتعزيز كليات السود، والإعفاء من ديون القروض الطلابية، والوصول إلى رأس المال التجاري الصغير، والحصول على السكن، والرعاية الصحية، وخلق فرص العمل، وخفض سعر الإنسولين، واستبدال أنابيب الرصاص، وتحسين الوصول إلى الإنترنت، وتعيين قضاة المحكمة العليا السود، وإصلاح الشرطة.
في نهاية الانتخابات التمهيدية، سيتم ترشيح ترامب وبايدن رسميا من قبل حزبيهما في المؤتمرات التقليدية. سيعقد المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في الفترة من 15 إلى 18 يوليو في ميلووكي بولاية ويسكونسن، بينما سيعقد المؤتمر الديمقراطي في الفترة من 19 إلى 22 أغسطس في شيكاغو، إلينوي. كما يتحقق المندوبون من اختيار مرشح الحزب لمنصب نائب الرئيس، والذي يتم الإعلان عنه عادة قبل أيام قليلة من المؤتمر.
تحديات أمام ترامب
بعد أن بات في حكم المؤكد أن الرئيس السابق دونالد ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية، فإن هناك بعض العراقيل التي تقف أمامه عندما ينافس الرئيس الديمقراطي جو بايدن مجددا. ويتقدم ترامب على بايدن في معظم استطلاعات الرأي، إذ أظهر إمكانية توسيع ائتلافه مع الناخبين السود واللاتينيين، كما أنه لا يواجه نفس النوع من التدقيق بشأن عمره الذي يواجهه الرئيس الحالي البالغ من العمر 81 عاما. لكن رغم كل هذه الثقة، لا يزال ترامب يواجه عقبات كبيرة، يمكن أن تحول مزاياه الحالية تدريجيا إلى تحديات حقيقية، أبرزها:
تبرعات الحملة الانتخابية: يتمتع بايدن بميزة نقدية على ترامب، ويسير في الاتجاه الصحيح عندما يتعلق الأمر بجمع التبرعات، بينما يخفق ترامب في هذا النهج. فقد خسرت المجموعات السياسية المؤيدة لترامب مجتمعة أكثر مما حصلت عليه في عام 2023، وأنفقت عشرات الملايين من الدولارات على الفواتير القانونية بدلا من جمع الأموال اللازمة لتمويل حملة الرئيس السابق.
وكان لدى ترامب 30 مليون دولار في حساب حملته الانتخابية حتى 31 يناير الماضي، وفقا لأحدث تقرير للجنة الانتخابات الفيدرالية، لكن هذا أقل بكثير من مبلغ 92.6 مليون دولار الذي كان لديه في هذا الوقت من عام 2020، قبل أن يخسر انتخابات الرئاسة أمام بايدن في نهاية العام ذاته، علما أن بايدن كان يملك 56 مليون دولار في حساب حملته في الوقت ذاته.
الاتهامات والمحاكمة: يواجه “ترامب” أربع لوائح اتهام جنائية تتألف من 91 تهمة تتعلق بمحاولاته إلغاء نتائج انتخابات 2020، والتخطيط للاحتفاظ بعشرات الوثائق السرية التي نقلها إلى مقر إقامته في فلوريدا بعد مغادرته البيت الأبيض عام 2021، فضلاً عن قضايا الاحتيال المالي والتهرب الضريبي. وبغض النظر عن نتائج الدعاوى القضائية ضد “ترامب”، إلا أنه لن يفقد أهليته للترشح للرئاسة بالاستناد إلى أن الدستور الأمريكي لا يضع حدودًا للإدانات الجنائية التي قد تصدر ضد المرشحين للانتخابات الرئاسية، حتى إذا تمت إدانته فلا يزال بإمكانه الترشح للرئاسة. وخلال الأشهر المقبلة، سيطلب من ترامب الحضور إلى المحاكم كثيرا، وأحيانا 4 أيام في الأسبوع. واعتمادا على كيفية تطور القضايا، قد ينتهي الأمر بترامب إلى قضاء وقت أطول في قاعات المحكمة بعد مؤتمر الحزب الجمهوري المرتقب في يوليو المقبل، لكن إذا استمر تأجيل الأحكام، وهو الأمر الذي استفاد منه مؤخرا، فقد لا يقضي ترامب كثيرا مشتتا بين حملته ومحاكماته.
الإجهاض: سيستمر ترامب في مواجهة الضغوط لتحديد موقفه من الإجهاض، الذي أصبح بمثابة مفاجأة بالنسبة للجمهوريين في الانتخابات الأخيرة. وتجنب الرئيس السابق حتى الآن التعبير علنا عما إذا كان يدعم حظر الإجهاض على مستوى الولايات المتحدة أم لا، وهو الأمر الذي تعهد الديمقراطيون بشن حملة ضده في الانتخابات المقبلة. وخلال مقابلة أجراها مؤخرا مع قناة “فوكس نيوز”، قال ترامب إنه لا يزال مترددا بشأن حظر الإجهاض على المستوى الوطني، وأضاف: “نريد أن نتعامل مع قضية كانت شديدة الاستقطاب ونعمل على تسويتها وحلها حتى يشعر الجميع بالسعادة”. وقال ترامب سابقا إنه يدعم استثناءات الإجهاض في حالة الاغتصاب، أو عندما تكون حياة الأم معرضة للخطر، أو إن كان الحمل من الأقارب.
الانقسامات: بعد الانتخابات التمهيدية، قد يواجه ترامب تحديات في استمالة الناخبين من سكان الضواحي الذين دعموا هيلي، وقد دعا الرئيس السابق نفسه إلى وحدة الحزب، رغم استمراره في مهاجمة منافسته الجمهورية المنسحبة بسبب بقائها في السباق. وهناك مخاوف، مدعومة ببيانات الاستطلاع، من أن أنصار هيلي قد يختارون البقاء في منازلهم وقت الانتخابات، بدلا من دعم ترامب. ومع ذلك، فقد وحد الحزب الجمهوري صفوفه إلى حد كبير خلف ترامب، وأيد أحد آخر معارضي ترامب في مجلس الشيوخ، السناتور جون ثون من داكوتا الجنوبية، الرئيس السابق، كما كان فريق زعيم مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل على اتصال بحملة ترامب بشأن دعم سياسي محتمل.
خطاب حالة الاتحاد
ألقى الرئيس، جو بايدن، في 8 مارس 2024، خطابه الثالث عن “حالة الاتحاد”، منذ توليه المنصب في يناير 2021. وكان هذا الخطاب محورياً في تاريخ بايدن لأنه يُلقى بعد يومين فقط من “انتخابات الثلاثاء الكبير” التي حقق فيها بايدن سلسلة من الانتصارات الساحقة في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي.
حالة الاتحاد “قوي، ويزداد قوة“، بهذه الكلمات بدأ بايدن خطابه، حيث هيمنت الانتخابات الرئاسية المقبلة على خطاب الرئيس الأمريكي السنوي عن حالة الاتحاد، الذي تطرق فيه لعدة قضايا أبرزها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والحرب الروسية الأوكرانية وقضايا داخلية تتعلق بالمهاجرين والاقتصاد الأمريكي، ودافع عن مبادرات إدارته الرامية إلى إلغاء ديون الطلاب.
وأكد بايدن أنه يخاطب الكونجرس “في لحظة غير مسبوقة في تاريخ الاتحاد”، محذرا من أن القيم الديمقراطية تتعرض للهجوم في داخل الولايات المتحدة وخارجها. وقال: “منذ عهد الرئيس لينكولن والحرب الأهلية، لم تكن الحرية والديمقراطية عرضة للهجوم في الوطن كما هو الحال عليه اليوم”، مضيفا “ما يجعل لحظتنا الآن نادرة هو أن الحرية والديمقراطية تحت الهجوم في الداخل والخارج على حد سواء”.
وتطرق بايدن خلال خطابه للحرب الإسرائيلية على غزة، خاصة الوضع الإنساني، وقال إنه يعمل على التوصل لهدنة في غزة ستستمر 6 أسابيع. ووصف بايدن ما يحدث في غزة بالمفجع، وقال إن أكثر من 30 ألف فلسطيني، أغلبهم ليسوا من حركة حماس، والآلاف منهم نساء وأطفال أبرياء قتلوا في غزة خلال الحرب، مؤكدا أن عدد القتلى في الحرب الحالية على القطاع يفوق عدد كل من قتلوا فيه خلال الحروب السابقة التي شهدها مجتمعة.
ووجه بايدن رسالة حادة للقادة الإسرائيليين، طالبهم فيها بعدم عرقلة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين لأغراض سياسية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تقود الجهود الدولية الرامية لإيصال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع. وأعلن بايدن أنه سيوجه الجيش الأميركي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف بحري مؤقت في البحر المتوسط على ساحل غزة قادر على استقبال سفن كبيرة تحمل الغذاء والدواء والماء وملاجئ مؤقتة.
يذكر أن موكب بايدن اضطر لأن يسلك طريقا أطول من المعتاد في طريقه من البيت الأبيض إلى مبنى الكونجرس، بسبب المظاهرات المناهضة للحرب على غزة التي قطعت طريقه. وقطع محتجون داعمون لفلسطين الطريق المؤدي لمبنى الكونغرس للمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في غزة، كما خرجت احتجاجات متفرقة في أنحاء الولايات المتحدة قبيل خطاب حالة الاتحاد لبايدن، للمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.