روسيا

أبرز التحديات التي ستواجه بوتين حال فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة

بدأت عملية التصويت المبكر في الانتخابات الرئاسية الروسية يوم الأحد 25 فبراير 2024، والتي تجري في المناطق النائية بروسيا إلى جانب الأقاليم الأربعة التي ضمتها روسيا لها مؤخرًا، على أن يتم التصويت في الخارج يوم 1 مارس، وتنظم الانتخابات العامة في بقية أنحاء روسيا في منتصف شهر مارس 2024 على مدار ثلاثة أيام لأول مرة.

وتشير أغلب استطلاعات الرأي إلى الحظ الأوفر لفوز الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بولاية رئاسية جديدة، وهو ما يؤكده أيضًا العديد من المراقبين للشأن الروسي وهذا السباق الانتخابي المهم، منوهين لاهتمام الكرملين والرئيس فلاديمير بوتين بتأمين أكبر نسبة مشاركة في الانتخابات، لما تعكسه للعالم من اتحاد المجتمع الروسي خلف الرئيس بوتين وسياساته، وخاصة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا المستمرة منذ فبراير 2022، وكذلك ما تمثله من التفاف شعبي وتفويض من الشعب لبوتين يمحو معه أي خلاف داخلي بشأن الحرب في أوكرانيا، لذا يعد تحقيق بوتين لفوز ساحق ونسبة مشاركة مرتفعة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة، تأييدًا لسياساته والدعم الكامل له في الحرب، وارتباطًا بما سبق، ووسط هذه المؤشرات التي ترجح فوز الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين بالانتخابات الرئاسية القادمة، يسعى هذا المقال لرصد مراحل سير عملية الانتخابات الرئاسية الروسية، وتحليل أبرز التحديات الرئيسة التي قد يواجهها الرئيس فلاديمير بوتين حال فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أولًا: مراحل سير العملية الانتخابات

من ينافس قيصر روسيا: 

في 11 فبراير 2024، تم إغلاق باب الترشيح للانتخابات الرئاسية الروسية، وسجلت لجنة الانتخابات المركزية الروسية أربعة مرشحين متنافسين لخوض السباق الانتخابي، وهم: فلاديسلاف دافانكوف– نائب رئيس مجلس الدوما الروسي وعضو حزب الناس الجدد-، وليونيد سلوتسكي– زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي القومي المتطرف الموالي للكرملين-، ونيكولاي خاريتونوف -مرشح الحزب الشيوعي-، هذا إلى جانب الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، الذي يخوض الانتخابات مستقلًا، وتجدر الإشارة هنا إلى أن كافة المرشحين المتنافسين في هذه الانتخابات يؤيدون العملية العسكرية التي تخوضها روسيا في أوكرانيا. 

شعبية بوتين واستطلاعات الرأي، يشير أحدث استطلاعًا للرأي أجراه مركز عموم روسيا لدراسة الرأي العام، إلى أن نحو 75% من الروس سيصوتون لصالح الرئيس بوتين في الانتخابات الرئاسية، فيما أعرب 62% من المواطنين المشاركين في الاستطلاع عن نيتهم للمشاركة في الانتخابات، فيما أعرب 14% عن ميلهم للمشاركة، فيما أظهر نحو 4% من المشاركين ترددهم قائلين إنهم على الأغلب لن يشاركوا في التصويت للانتخابات، بينما أعرب 7% من المشاركين عن رفضهم القاطع للمشاركة في التصويت، وقال 12% إنهم لم يتخذوا قرارًا نهائيًا بعد بالمشاركة من عدمها. فيما يشير استطلاع رأي أجراه المركز الروسي للرأي العام، إلى أن نسبة 61% من المشاركين يثقون بنتائج الانتخابات في روسيا، فيما يوافق نحو 80% من السكان عن أداء وسياسات بوتين وفقًا لمركز ليفادا المستقل لاستطلاعات الرأي.

التصويت المبكر: 

يجري التصويت المبكر في المناطق النائية الروسية التي يصعب الوصول لها، حيث بدأ في 25 فبراير، على أن ينتهي آخر تصويت بهذه المناطق يوم 14 مارس، أي قبل بدء التصويت العام بالبلاد المقرر في 15 مارس وحتى 17 مارس 2024.

وسيتم التصويت المبكر أيضًا في المناطق الأربعة التي ضمنتها موسكو “دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون”، حيث سيجري التصويت المبكر بها في الفترة من 10 إلى 14 مارس،  أما في الفترة بين 27 إلى 29 فبراير، تصوت فيها 7 مناطق بلدية في الانتخابات المبكرة، وفي الفترة من 1 إلى 3 مارس، ستصوت المقاطعات البلدية السبع المتبقية في منطقة خيرسون، فيما بدأ التصويت المبكر في منطقة زابوروجيا في 25 فبراير.

ووفقًا للجنة الانتخابات المركزية الروسية نسبة صغيرة جدًا من الناخبين تعيش في هذه المناطق النائية، والتي يصعب الوصول لها، وتستخدم اللجنة صناديق تصويت محمولة ومختومة، تغلق بنهاية يوم التصويت المبكر، ولا تفتح إلا عند فرز الأصوات بالدائرة المناسبة في نهاية يوم الانتخابات.

التصويت في الخارج: 

يبدأ التصويت في الخارج يوم 1 مارس 2024، في كافة البلدان التي تتمتع بها روسيا بحضور دبلوماسي وقنصلي، بما في ذلك الدول المصنفة غير صديقة، ومن المنتظر أن يكون عدد مراكز الاقتراع أقل مقارنة بالانتخابات السابقة، في كل من دول البلطيق ومولدوفا وألمانيا وأمريكا والتشيك وفنلندا، ففي أمريكا على سبيل المثال سيقام ثلاثة مراكز للاقتراع في سفارة روسيا في واشنطن، وقنصليتي نيويورك وهيوستن. 

المراقبة على الانتخابات وإعلان النتائج: 

وفقًا للجنة المركزية للانتخابات الرئاسية الروسية يسمح للمراقبين أن يكونوا ممثلين للأحزاب السياسية أو المرشحين للانتخابات، وكذلك الجمعيات العامة والمهنية والنقابات، وغيرها، على  ألا يتخطى الحضور أكثر من اثنين من المراقبين لكل حزب أو مرشح في كل مركز اقتراع، هذا إلى جانب حضور مراقبين أجانب أيضًا، حيث أكدت رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات إيلا بامفيلوفا حضور مراقبين أجانب لمتابعة سير التصويت، فيما أكدت الخارجية الروسية حضور نحو 1000 مراقب من مختلف الهياكل الدولية لمراقبة الانتخابات الرئاسية الروسية.

ووفقًا للجنة الانتخابات الروسية بلغ عدد الناخبين في روسيا نحو 112.3 مليون مواطن داخل البلاد، و1.9 مليون خارجها حتى 1 يناير 2024، ووفقًا للجنة فإن “هذه أول مرة يتم تحديد هذه المعلومات، والتي تتضمن الناخبين المقيمين في المناطق الروسية الأربعة الجديدة، وهي: “دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون”.

ووفقًا لتصريحات رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية إيلا بامفيلوفا، نحو 1.58 مليون ناخب قدموا طلبات للمشاركة في التصويت الإلكتروني عن بعد في الانتخابات الرئاسية في روسيا، فيما لن يتم التصويت عن بعد من الخارج في هذه الانتخابات، نظرًا لأن روسيا لديها العديد من المشاكل مع التصويت في الخارج بسبب “السياسات الغربية”. 

وفيما يتعلق بنتائج الانتخابات وإعلان النتائج؛ فسيتم إجراء الانتخابات العامة أيام 15، و16، و17 مارس، على أن يتم بدء فرز الأصوات فور انتهاء الانتخابات في 17 مارس، ويتوجب على أعضاء لجان الانتخابات المحلية إعلان النتائج في موعد أقصاه يوم 19 مارس، فيما ستعلن اللجان الانتخابية للكيانات المكونة للاتحاد الروسي النتائج في موعد أقصاه يوم 21 مارس، بينما ستعلن لجنة الانتخابات المركزية النتائج النهائية للانتخابات يوم 28 مارس. 

ويتم إعلان الفائز بمنصب الرئاسة الحاصل على  نسبة 50% +1 من الأصوات، وفي حال عدم حدوث ذلك تقوم لجنة الانتخابات المركزية بتحديد موعد جولة ثانية للانتخابات على أن تعقد بعد 3 أسابيع من الجولة الأولى ويتنافس فيها المرشحان الحاصلان على أكبر عدد من الأصوات.

ثانيًا: أبرز التحديات التي تواجه بوتين في فترة الرئاسة الجديدة: 

في حال فوز بوتين بهذه الانتخابات ستكون هذه فترة ولايته الخامسة، حيث تسلم بوتين الرئاسة من بوريس يلتسن في آخر أيام عام 1999، وبقي في أعلى هرم السلطة في روسيا أكثر من أي حاكم آخر لروسيا منذ الزعيم الشيوعي جوزيف ستالين، وتخطى كذلك فترة حكم ليونيد بريجنيف البالغة 18 عامًا، حيث شغل منصب رئيس الوزراء المعين عام 1999، وأصبح رئيسًا منتخبًا خلال الفترة من 2000: 2008، ثم عاد رئيسًا للوزراء خلال الفترة من 2008: 2012، ثم رئيسًا للبلاد مرة أخرى عام 2012، وحتى الآن، وخلال هذه الفترات استطاع بوتين أن يعبر العديد من التحديات والازمات الطاحنة، لذا ينظر له الرأي العام الروسي على أنه الزعيم القوي الذي وقف بوجه الغرب، والمحافظ على الأمن القومي الروسي، وتوضح النقاط التالية أبرز التحديات التي قد تواجه بوتين خلال توليه فترة الرئاسة الخامسة حال فوزه في الانتخابات كما يلي: 

الازمة الأوكرانية: 

بعد مرور عامين على الحرب الروسية الأوكرانية، وبرغم من طول أمد الحرب، يمكن القول إنه على الرغم من الامدادات والدعم الغربي لأوكرانيا إلا أن بوتين حقق نجاحات عسكرية في أوكرانيا، إذ ضم لروسيا أربعة أقاليم مهمة، وهي: “زاباروجيا، وخيرسون، ودونيستك ولوغانسيك”، وهذه المناطق تمثل نحو 19.4% من الأراضي الأوكرانية، واستحوذت روسيا على  نحو 18% منها، وفقًا لتقديرات معهد دراسات الحرب “Institute for the Study of War“، هذا إلى جانب النجاح الأخير الذي حققه الجيش الروسي بالسيطرة على مدينة “افدييفكا” الاستراتيجية الواقعة في منطقة دونيستك شرقي أوكرانيا، وهي السيطرة التي اعتبرها بوتين نجاحًا مطلقًا للجيش الروسي، ويروج لها في الداخل الروسي على  أنه انتصار في ساحة المعركة يحسب للرئيس بوتين قبل الانتخابات الرئاسية.  

وهو ما يعزز موقف روسيا في هذه الحرب حتي الآن، كما أن استمرار السيطرة الروسية على  هذه المناطق يعزز مستقبلًا من موقف روسيا في حال تم الوصول لمرحلة تفاوض وتسوية سياسية في أوكرانيا، لا سيما مع تأكيد روسيا انفتاحها للحوار مع الغرب والمسار الدبلوماسي، والتسوية السلمية لأزمة أوكرانيا.   

وبشكل عام يعد استمرار الحرب الروسية الأوكرانية من أبرز التحديات التي تواجه بوتين في فترة الرئاسة القادمة، في ظل سعيه للانتصار في هذه الحرب والانتصار على  محور الغرب “حلف الناتو”، وإخضاع أوكرانيا للقبول بشروط روسيا، وتغيير نظامها الحالي، ونزع سلاحها، وإجبارها على أن تكون في وضع حيادي ولا تنضم لحلف الناتو، فوفقًا لرؤية الرئيس بوتين “تعد المجريات على جبهة القتال في أوكرانيا مسألة “حياة أو موت” بالنسبة لروسيا وتحدد مصيرها.

ومع ذلك يظل الهدف النهائي لبوتين غير واضح، وما زالت سيطرته على المناطق الأربعة بشكل جزئي، لكن ربما يعتقد بوتين أن الوقت لصالحه في هذه الحرب، حيث يأمل أن يتقلص الدعم الغربي لتمويل وتسليح أوكرانيا، وخاصة إذا أعادت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم دونالد ترامب للبيت الأبيض، هذا إلى جانب تنامي اعتراضات الرأي العام الأوروبي على تأثير دعم دولهم لأوكرانيا على  اقتصاد دولهم ومعيشتهم.

وفي السياق نفسه ربما يراهن بوتين أيضًا على طول أمد الحرب للفوز، ففي حال اختار التصعيد فيمتلك قوة بشرية وعسكرية أكبر من أوكرانيا، يستطيع تعبئتها والمراهنة عليها، كما قد يقرر بوتين تجميد الصراع لفترة طويلة، في محاولة لتضييق الخناق على أوكرانيا، مع السيطرة على جنوب وشرق البلاد لأجل غير مسمي.

السياسة الخارجية وإضعاف الغرب:

تعهد الرئيس فلاديمير بوتين حال فوزه بالانتخابات الرئاسية بجعل روسيا “قوة سيادية تتمتع باكتفاء ذاتي”، فيما تركز وثيقة مبادئ سياسته الخارجية على  إقامة نظام عالمي عادل ومستدام، وهو تحدٍ كبير على عاتق الرئيس بوتين الذي يسعى لإعادة روسيا كقطب عالمي كما كانت خلال عهد الاتحاد السوفيتي، وإنهاء الهيمنة الامريكية على العالم، فيما تستمر مساعي الغرب تجاه تقليص النفوذ الروسي، ودعمهم لأوكرانيا، وسعي أمريكا الدؤوب للحفاظ على مركزها على رأس النظام الدولي.

فمنذ اتخاذ الرئيس بوتين لقرار خوض العملية العسكرية في أوكرانيا تدهورت وقطعت علاقاته مع الغرب، لكن الرئيس بوتين واجه هذا التحدي ولم يرضخ لمحاولات الغرب لفرض العزلة عليه، ووضع هدف أساسي للدبلوماسية الروسية يتمثل في إضعاف العالم الغربي، وقاد حملة لكسر الهيمنة الأمريكية على العلاقات الدولية لبناء ما يسميه “عالم متعدد الأقطاب“، وهي التوجهات التي تتقارب بشكل كبير من توجهات حلفائه لا سيما الصين وكوريا الشمالية وإيران، وفي هذا الإطار عمل الرئيس بوتين على  زيادة التقارب مع العديد من الدول ومن أبرزها؛ الصين والهند، كما عمل على تنمية وتوطيد علاقاته مع العديد من الدول الأفريقية، ودول الشرق الأوسط، وأمريكا اللاتينية، هذا إلى جانب التقارب مع زعماء كل من كوريا الشمالية وإيران، اللذان يشاركانه العداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، ويمتلكان القدرة على إمداد جيشه في أوكرانيا، لذا من المرجح أن تشهد ولاية بوتين الجديدة تركيزًا متزايدًا على تحقيق هذا الهدف الذي يشكل تحديًا كبير في ظل مواجهته من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.  

تعزيز التعاون داخل مجموعة البريكس:

عملت روسيا خلال الفترة الماضية على  توسيع وتنمية علاقاتها مع مجموعة دول البريكس، كما تتطلع لتطويرها إلى ما هو أبعد من التجارة لتشمل مجالات جديدة مثل التعاون في الفضاء، وغيرها، وفي هذا الإطار تخطط روسيا خلال رئاستها لمجموعة البريكس عام 2024، لتعزيز التعاون داخل بريكس في ثلاثة مجالات رئيسة وهي: “السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والاتصالات الثقافية والإنسانية”، هذا إلى جانب العمل على زيادة دور بريكس في النظام النقدي والمالي الدولي وتعزيز التسويات الأكثر نشاطًا بالعملات الوطنية، مما يشكل تحديًا يتطلب المزيد من الجهود للرئيس الروسي خلال هذا العام لتحقيق هذه الأهداف. 

الاقتصاد الروسي والسياسات الغربية المنحازة ضد موسكو: 

ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بتداعيات اقتصادية كبري على العالم، ومع دخول الحرب في العام الثالث لها مازالت تلقي بضغوط واسعة على الاقتصاد العالمي، ومع ذلك وعلى الرغم من العقوبات الاقتصادية الغربية على الاقتصاد الروسي والتي بلغت نحو 13 حزمة عقوبات، تغطي أكثر من نحو 2000 فرد وكيان ومنظمة مرتبطة بالحكومة الروسية، مما جعل روسيا تتصدر قائمة الدول الأكثر تعرضًا للعقوبات حول العالم بأكثر من نحو 19 ألف عقوبة.

منهم نحو 16.587 عقوبة منذ 22 فبراير 2022، إذ تصدرت أمريكا قائمة الدول الأكثر فرضًا للعقوبات على روسيا بـ3585 عقوبة، تليها كندا بـ2765، ثم سويسرا بـ2403، أما الاتحاد الأوروبي فقد فرض 1785 عقوبة، فيما فرضت بريطانيا 1.749 عقوبة، وفرنسا 1.731 عقوبة، وأستراليا 1.326 عقوبة، واليابان 1.234 عقوبة.

إلا أن فارضي هذه العقوبات كانوا الأكثر تضررًا، فيما استطاع الاقتصاد الروسي تجاوز العقوبات، والصمود وحقق نموًا فاق كل التوقعات، فوفقًا لصندوق النقد الدولي “فاجأ الاقتصاد الروسي العالم بقوة النمو في مواجهة العقوبات الدولية”، متوقعًا أن يحقق نموًا بنحو 2.6% خلال عام 2024، وخلال عام 2023 نما الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنحو 3%، أي حقق نموًا تفوق على  نظيره الأوروبي والأمريكي. 

ووفقًا لتصريحات الرئيس بوتين أصبحت روسيا الاقتصاد الأول في أوروبا، والخامس عالميًا في 2023 من حيث القدرة الشرائية، رغم العقوبات الغربية عليها، كما أعلن الرئيس بوتين في ديسمبر 2023، أن الاقتصاد الروسي يمتلك احتياطيًا كبيرًا يُمكنه من النمو، وأن الناتج المحلي الإجمالي ارتفع بنسبة 3.5%، كما نما قطاع الصناعة بنسبة 6%، والاستثمار بنسبة 10%، فيما انخفض دين الدولة الخارجي من 46 مليار دولار إلى 32 مليار ودولار، فيما بلغ نسبة التضخم من 7.5: 8 %، كما سجل معدل البطالة أدنى مستوى له عام 2023 بنحو 2.9 % في نوفمبر الماضي، ومع ذلك يخلق تراجع البطالة صعوبات لقطاع الأعمال بسبب زيادة الرواتب في المناطق التي تعاني من نقص العمالة والحاجة أيضًا لتدريب وتأهيل الكوادر. 

ويرجع نمو الاقتصاد الروسي إلى مرونة إنتاج النفط الخام، وارتفاع أسعار النفط، والإنفاق الدفاعي والاجتماعي الكبير، وقدرة ومرونة الاقتصاد الروسي في التكيف مع العقوبات الغربية، هذا إلى جانب نجاح روسيا في استبدال التبادل التجاري مع الغرب بالشرق؛ وخاصة الدول الآسيوية، إذ نجح الاقتصاد الروسي في توسيع العلاقات التجارية مع العديد من الدول وخاصة الصين والهند وتركيا والعديد من دول آسيا، وإيجاد أسواق جديدة لصادرات النفط والغاز.

لذا على الحكومة والرئيس الروسي مهمة كبرى خلال الفترة القادمة تتمثل في الحفاظ على وتيرة هذا النمو الاقتصادي، والتوسع في توجيه صادرات النفط ومنتجاته إلى أسواق جديدة، وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، والسيطرة على التضخم، ونفقات الخزانة، وغيرها، في ظل الحرب والعقوبات الغربية، وخاصة أن هناك عددًا من القطاعات بالاقتصاد الروسي تأثرت بسبب هذه العقوبات، ومنها قطاع التكنولوجيا، فضلًا عن تراجع قيمة الروبل الروسي، حيث كان يبلغ سعر صرف الدولار نحو 75 روبل قبل الحرب والأن نحو 90: 94 روبل، حيث تراجعت قيمة العملة الروسية نحو 12% أمام الدولار، وبرغم اتخاذ روسيا لإجراءات اقتصادية لكبح تراجع سعر الصرف، إلا أن بعض التوقعات تشير لتخطي الدولار عتبة الـ 100 روبل عقب الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة، كما تراجع احتياطي روسيا من النقد الأجنبي نحو 62.8 مليار دولار، بعد عامين من الحرب، إذ كان يبلغ 643.2 مليار دولار في فبراير 2022، وبلغ نحو 580.4 مليار دولار في مطلع فبراير 2024. 

هذا إلى جانب بعض التوقعات بانخفاض احتياطات النقد الروسي خلال عامين قادمين في حال إقدام الغرب على  خفض اعتماده الكامل على  مصادر الطاقة الروسية مما قد يشكل عامل في إبطاء وتيرة نمو الاقتصاد الروسي، هذا إلى جانب ما يتردد بشأن عدم تلبية الإنتاج الروسي المحلي من الذخيرة لاحتياجات الحرب، نتيجة تأثر قطاع الصناعات العسكرية الروسية بالعقوبات، مما يشكل تحدي وإن كان محدودًا أمام الرئيس الروسي خلال الفترة القادمة.

النقص الحاد في العمالة الماهرة:

فمع زيادة روسيا للإنفاق على  التصنيع العسكري لزيادة الإنتاج العسكري، عانت قطاعات أخرى لا سيما في مجال تكنولوجيا المعلومات والصناعات التحويلية، وغيرها، من نقص العمالة  والموظفين مما يعيق الإنتاجية، حيث تجاوزت نحو 4.8 مليون عامل وموظف عام 2023، مع توقعات لتفاقم هذه الأزمة عام 2024، كما تتفاقم هذه الأزمة أيضًا بسبب التعبئة العسكرية والهجرة، حيث تعاني روسيا من أكبر موجة هجرة في تاريخها بسبب الحرب والعقوبات والتي قدرت بنحو مليون شخص، وفي هذا الإطار صرح مكسيم أوريشكين، المستشار الاقتصادي لبوتين، في نوفمبر الماضي، “إن روسيا تحتاج إلى المزيد من العمال المهرة والمديرين والمهندسين ذوي الجودة العالية للوصول إلى المستوى المرغوب من السيادة التكنولوجية في الصناعات التحويلية”. 

التجارة والطاقة:

مع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا فقدت روسيا معظم سوق الطاقة المربحة لها في أوروبا، لكن سرعان ما عوضت روسيا هذا الأمر، وتعول على  ثلاثة مشاريع جديدة كبري، وهي: إنشاء مركز غاز جديد في تركيا لتمكين روسيا من إعادة توجيه صادراتها من الغاز، وكذلك إنشاء خط أنابيب جديد “قوة سيبيريا 2″، الذي سيمكن روسيا من نقل نحو 50 مليار متر مكعب أخرى سنويًا من الغاز الروسي إلى الصين عبر منغوليا، هذا إلى جانب توسيع طريق بحر الشمال، وذلك لربط مورمانسك بالقرب من حدود روسيا مع النرويج بمضيق بيرنج بالقرب من ألاسكا، لذا سيشكل تقدم روسيا في هذه المجالات خلال فترة ولاية بوتين الجديدة مقياس مهم لمدي نجاح بوتين في تخفيف تأثير العقوبات الغربية على  الاقتصاد الروسي وتوجيه التجارة الروسية نحو الشرق.

وختامًا: يتمتع الرئيس فلاديمير بوتين بشعبية كبيرة في المشهد السياسي الروسي، لذا يعد المرشح الأوفر حظًا في هذه الانتخابات، حيث يحظى بدعم واسع النطاق بعد ما يقرب من ربع قرن في السلطة، ومع ذلك تظل نسب المشاركة في الانتخابات عاملًا مهمًا لتعكس التأييد الشعبي له، واتحاد المجتمع الروسي خلف بوتين وسياساته وخاصة الحرب مع أوكرانيا، وكذلك للحصول على  أكبر تفويض من الشعب لمحو أي خلاف داخلي بشأن النزاع في أوكرانيا، وخاصة أن الحملة العسكرية الروسية الطويلة في أوكرانيا، والتمرد الفاشل الذي قاده قائد مجموعة فاجنر “يفجيني بريجوجين”، في يونيو الماضي، لم يفلحا في التأثير في معدلات التأييد المرتفعة لبوتين، والتي تظهرها حتى استطلاعات الرأي المستقلة، لذا من المتوقع أن تمهد هذه الانتخابات الطريق أمام الرئيس بوتين لحكم روسيا للمرة الخامسة، حتي عام 2030، والتي قد تمتد لفترة أخرى سادسة، حيث تعد الانتخابات المرتقبة أول انتخابات في أعقاب الاستفتاء على تعديلات دستورية أقرت في عام 2020، والتي “صفرت” الدورات الرئاسية السابقة لبوتين، بما يسمح له بالاستمرار في السلطة لدورتين رئاسيتين أخريين حتى عام 2036، إذا قرر الترشح، وفاز في الانتخابات المرتقبة، وفي ظل هذه التوقعات بفوز الرئيس بوتين تظل عددًا من التحديات أمامه خلال فترة الرئاسة القادمة، والتي من أبرزها الحرب طويلة الأمد في أوكرانيا، والضغوط الغربية الكبيرة والمتجددة على  الاقتصاد الروسي، ونقص العمالة والتضخم، وتحقيق أولويات سياسته الخارجية لا سيما تلك الهادفة لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب عادل ومستدام.

د. غادة عبد العزيز

باحثة متخصصة في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى