آسيا

أي مستقبل ترسمه نتائج الانتخابات التشريعية في باكستان؟

انعقدت في الثامن من فبراير ٢٠٢٤ الانتخابات البرلمانية الفيدرالية الباكستانية بهدف تأمين الأحزاب لمقاعدها في مجلس النواب، ورئاسة مجلس الوزراء. ومن بين ٤٤ حزبًا يتنافسون على ٢٦٦ مقعدًا في مجلس النواب، يتصدر الواجهة ثلاثة أحزاب سياسية رئيسة وهي حزب حركة إنصاف الذي ينتمي إليه عمران خان، وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية الذي ينتمي إليه نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني. ويلي هذه الانتخابات اختيار البرلمان لرئيس الوزراء الجديد، وإن لم يفز أي حزب بأغلبية صريحة، يمكن للحزب الذي حصل على العدد الأكبر من المقاعد يمكن أن يشكل حكومة ائتلافية. وعليه، يحتاج الحزب أو الائتلاف إلى ١٦٩ مقعدًا لتشكيل حكومة.

السيناريوهات السياسية المحتملة.. كيف تحسم الانتخابات؟

إثر هذه الانتخابات، وفي حالة عدم الاستقرار السياسي القائم في الدولة، يعد المستقبل السياسي لباكستان مرتبكًا نوعًا ما، حيث إنه بينما يتمتع عمران خان بالشعبية الكبيرة في الدولة، إلا أن شدة سقوطه وسجنه سهلت عودة نواز شريف، مما دفع بالكثيرين إلى الاعتقاد بأن النتيجة قد حسمت وتقررت بالفعل. وعلى هذا الأساس، نجد أن الفرق في نتائج الانتخابات بين المستقلين أتباعه وبين حزب نواز شريف لا يعد فرقًا كبيرًا، وذلك على الرغم من كون عمران خان قضى مدة الحملة الانتخابية بأكملها في السجن. وتعود شعبية عمران خان في الأساس إلى مواقفه التي تظهر انتمائه للدولة وللشعب والتي تتمثل بشكل رئيس في نقطتين؛ أولها، أنه على عكس نواز شريف، يتمتع بنزعة قومية ترفض تدخل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة في اتخاذ القرارات الخاصة بدولته وشعبه بدلًا عن ممثليهم أو للتأثير على قراراتهم، إضافة إلى علمه المسبق في عام ٢٠٢٢ بأنه في الطريق ليتم القبض عليه، ومع ذلك، لم يهرب تاركًا منصبه وشعبه وظل في باكستان حتى انقضى الأمر، وهو ما ترتب عليه محاولة أنصاره منع الشرطة من أن تأخذه من بيته. 

وبحسب نتائج الانتخابات وبتصويت ما يقرب من ١٢٧ مليون ناخب، لم يستطع أي من الأحزاب الثلاثة الحصول على أغلبية المقاعد، وهو ما يتطلب تكوين ائتلاف حتى يتمكنوا من تشكيل حكومة. وانتهت الانتخابات بفوز المستقلين، التابعين لحزب عمران خان الذي تفكك بعد سقوطه وعزله، بأكبر عدد من المقاعد، أي ١٠١ مقعدًا، يليه حزب نواز شريف، يليهما حزب الشعب الباكستاني. ولكن، يدعي كل من نواز شريف وعمران خان فوزه بالعدد الأكبر من المقاعد، على الرغم من أن الأرقام التي نشرتها الدولة تفيد بفوز المستقلين بالعدد الأكبر من المقاعد في كل الأقاليم وأن نواز شريف يأتي في المرتبة الثانية. وبعد إعلان النتائج، لايزال أتباع عمران خان يستغلون الاتجاه القومي الذي كان يتبعه الأخير لحشد الشعب بشكل أكبر من خلال نشرهم لمقطع فيديو له يخاطب فيه الناس، والذي اعتمد بشكل أساسي في تكوينه على الذكاء الاصطناعي، الذي يسعون من خلاله تعزيز قاعدتهم الشعبية وتشجيع المؤيدين لعمران خان على مواصلة دعمهم له والقتال من أجل حماية أصواتهم. كما يسعون إلى تأكيد شرعيته كرئيس للحكومة، وإظهار أنه القائد المناسب لقيادة البلاد نحو تحقيق الاستقرار وتعزيز رؤية الأمة الموحدة تحت قيادته، لطمأنة المواطنين القلقين بشأن التوترات السياسية الموجودة على الساحة. 

من ناحية، من الممكن أن يقوم المستقلين بإنشاء حزب جديد، بعد أن تم حل الحزب القديم بقرار من المحكمة وتفكيكه، ما أدى إلى مشاركة أعضاء ذاك الحزب كمستقلين. وعليه، لا يوجد ما يمنعهم من التطرق لمثل هذا الحل، خاصةً إذا استطاعوا تكوين ائتلاف مع أي من الأحزاب التي ترشحت ليحصلوا على الأغلبية، ما يضمن فوز عمران خان، الذي يفضله الشارع الباكستاني إن تمكن من الخروج من السجن. وهو ما يتضح أن الشعب يفضله على الرغم من صعوبة الأمر، إذ استطاع عمران خان أن يقوم بتعبئة أنصاره من داخل السجن ليصوتوا للمرشحين التابعين له، خاصةً وأنهم ترشحوا بشكل مستقل. وعليه، يتضح أن شعبيته تعد أكبر من شعبية الجيش والحكومة المؤقتة التي تقود البلاد بشكل مقبول ولا يدفعوا بباكستان إلى وضع كارثي. ولكن هل يستطيع أغلبية الشعب فرض رغبته على الجيش أو الولايات المتحدة؟ 

كما يتضح الأمر، نجد أن رجوع عمران خان للسلطة مشروطًا أولًا باستطاعة أنصاره تكوين حزبًا يكون ائتلافًا مع حزب الشعب الباكستاني الذي أتى في المرتبة الثالثة في نتائج الانتخابات والذي يعد من أكبر الأحزاب في باكستان، وذلك قبل أن يقوم حزب نواز شريف بالتعاون معه. والأهم من ذلك، تعد عودته مشروطة بخروجه من السجن، وهو ما يبدو حلًا بعيدًا لكونه ضد رغبة الجيش وواشنطن اللذين من المتوقع أن يكون أحدهما أو كلاهما وراء تلفيق التهم لعمران خان وعزله من السلطة، واللذين يحاولون إبعاده عنها حتى الآن، بالقدر المستطاع. هذا وأنه حتى وإن تحالف حزب عمران خان مع حزب نواز شريف وهو حل بعيد كل البعد، من المؤكد أنه في هذه الحالة، سيرأسه نواز شريف وليس عمران خان. وعليه، فإنه في كل الأحوال، يبدو وصول نواز شريف للسلطة أكثر قربًا، لكونه لا يعتمد على هذا القدر من الشروط، لا سيما وأن حزبه استطاع التعاون مع حزب الشعب الباكستاني لتكوين ائتلاف يرأسه شقيقه شهباز شريف، ما يجعله قادرًا على تشكيل الحكومة. 

ولكن، على الرغم من فوز شهباز شريف المبدئي، إلا أن التوترات السياسية لاتزال قائمة، حيث إن أتباع عمران خان لا يزالوا غاضبين، داعين إلى مسيرات على مستوى البلاد يوم السبت الثاني من مارس، لكونهم يدعون أن نتائج حزبهم قد تغيرت في العشرات من الدوائر الانتخابية لمنع عمران خان من الفوز بالأغلبية، وهي تهمة تنفيها لجنة الانتخابات الباكستانية. وعليه، فإن عمران خان قادرًا على خلق الفوضى حتى وإن كان مسجونًا، من خلال دفع أنصاره لتحريض كتلة كبيرة من الشعب لمضايقة حزب نواز شريف. وفي هذه الحالة، حتى وإن كان الأخير قد فاز بالفعل، تتفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي، مثيرة حالة من القلق الأمني الداخلي، ما يعود بالدولة إلى حالة الفراغ السياسي الناجمة عن الصراع الراهن بين الكتلتين الحاصلتين على أكبر عدد من الأصوات، إضافة إلى الضغط الناتج عن الشعب. كما أن هذه الحالة من الممكن أن تتعزز إذا قرر حزب عمران خان الانسحاب من المجلس لاعتراضهم على عدم قدرتهم على تشكيل حكومة.

الموقف الأمريكي من الانتخابات

عقب عزل عمران خان والفراغ السياسي الذي ساد في البلاد، نجد أن الولايات المتحدة تعمل على حكم قبضتها لمنع عودة الأخير وتحدي مصالحها في أراضي دولته. وعند ذكر عزل عمران خان وسجنه، لابد ذكر أنه تم سجنه لعدم رضا الجيش الذي يتمتع بسلطة كبيرة في البلاد والولايات المتحدة عنه، خاصةً وأنه يتمتع بنزعة قومية كبيرة من شأنها ألا تقبل تدخل الأخيرة في شؤونهم. وذلك على العكس مما هو الحال مع نواز شريف الذي لا يتمتع بهذه النزعة القومية والذي كان يسير على خطا واشنطن، التي تجد في باكستان قوة إقليمية كبيرة من شأنها أن توازن قوة الهند التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع الصين وروسيا ولا تقصر علاقاتها على واشنطن وحلفائها فقط. غير ذلك، تعد الهند من ناحية، دولة غير موثوق بها من قبل الأخيرة، ومن ناحية أخرى، تعد أكبر من أن يستطيعوا السيطرة عليها. 

كما أن باكستان تعتبر قوة نووية كبيرة، وهو ما يعود لجهود الولايات المتحدة في جعلها كذلك، ما يجعلها غير عازمة على ترك باكستان تسير شؤونها بنفسها. وهذا ما يعكس سياسة الولايات المتحدة التي تتدخل بشكل كبير في الشؤون الداخلية للبلاد، مثلما كانت تفعل مع أفغانستان وغيرها من الدول، وهو بالفعل ما يزيد قلقها من جهة الهند التي لا تسمح لها، رغم سعة التعاون بينهما، أن تتدخل في شؤونها الداخلية، بل تعمل بالتوازي على توطيد علاقاتها مع منافسي الولايات المتحدة على الساحة الدولية. وتعود أهمية باكستان للولايات المتحدة إلى عدة عوامل أخرى والتي تتضمن كونها الدولة الخامسة على المستوى العالمي من حيث السكان بنحو ٢٤٠ مليون نسمة، ولكونها من أفضل عشر جيوش على العالم. إضافة إلى ذلك، يعد موقعها الجغرافي ذات أهمية جيوستراتيجية، لكونها تشترك في الحدود مع أفغانستان وإيران والصين والهند، وهي دول تعد على خلاف كبير مع الغرب بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص. فضلًا عن قربها من مناطق الصراع ودورها كطريق عبور للتجارة الإقليمية وممرات الطاقة يجعلها لاعبًا حاسمًا في الاستقرار والأمن الإقليميين. 

على هذا النهج، تعد نتائج الانتخابات غير مرضية على الإطلاق للولايات المتحدة للحد الذي يجعلها تنشر بيانًا صحفيًا عن الانتخابات على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، تنتقد فيه الانتخابات وبحسب قولها، تنضم إلى مراقبي الانتخابات الدوليين والمحليين الموثوق بهم في تقييمهم بأن هذه الانتخابات شملت قيودًا لا مبرر لها على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي. وإدانتها بشكل كبير “العنف الانتخابي والقيود المفروضة على ممارسة حقوق الإنسان والحريات الأساسية”. وتعترض الولايات المتحدة، وإن كان بشكل غير مباشر، على استطاعة عمران خان أن يحشد لمؤيديه أكبر عدد من الأصوات بينما هو في السجن ما قد يهدم ما يسعون إليه في باكستان، خاصةً وأنه في عهد عمران خان، كانت باكستان متوسعة في علاقاتها مع الصين وروسيا، لا سيما فيما يتعلق بتجارة معدن الليثيوم. وعلى الرغم من كون الصين وروسيا لا تلجأن إلى طرق الولايات المتحدة في إدارة شؤونهم الخارجية، إلا أن بيان الولايات المتحدة من شأنه أن يجعل الدول المحيطة بباكستان السير في الطريق المعاكس، وهو ما لجأت إليه الدولتان في الحرب القائمة في غزة، كما لجأت إليه الصين في موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يعطي مؤشرًا إلى تبنيهم لهذه السياسات ضمنيًا مؤخرًا. 

وعليه، لكون فوز نواز شريف جزءًا مما تطمح له واشنطن وما يخدم مصالحها، ربما تفضل الأخيرة بقاء الفراغ السياسي القائم حاليًا في الدولة لفترة أخرى إن كان الحل المقابل الوحيد هو فوز عمران خان. غير أنه من الممكن أن تعمل أمريكا على التأثير سياسيًا على الانتخابات، وهو ما من شأنه أن يعيدنا إلى بيان المحكمة العليا الباكستانية بشأن عمران خان، والذي لا يستبعد أن يكون قد تم دفعه من قبل الولايات المتحدة، وعلى هذا الأساس، من الممكن أن تعمل الأخيرة على استخدام أسلوب الضغط لإعادة الانتخابات، خاصةً بعد نشرها مثل هذا البيان، مدعيين التلاعب بالانتخابات ونتائجها. بينما، إن اتبعنا المنطق، ولشعبية عمران خان وأتباعه، إن تم بالفعل التلاعب بالانتخابات، كما تدعي الأخيرة، قد تكون النتيجة لصالح نواز شريف وليس للمستقلين أتباع عمران خان. 

انعكاسات المستقبل السياسي على الوضع الأمني

في ظل هذه التطورات، يصعد الملف الأمني على قائمة المخاوف الرئيسة إثر هذه الانتخابات والذي من المتوقع أن يظل متصدرًا واجهة التوترات في باكستان الفترة القادمة. ويعد الفراغ السياسي القائم في الدولة بابًا مفتوحًا للعديد من العمليات الإرهابية والاغتيالات، خاصةً وإن انتهى الوضع بثوران الشعب، نتيجة تعبئته من قبل عمران خان وأنصاره، غضبًا من نتيجة الانتخابات وتعيين شهباز شريف رئيسًا للوزراء. وهو ما يمكن تلمسه في الهجوم الذي تم شنه بالقنابل على مكتبين سياسيين في جنوب غرب البلاد عشية الانتخابات، مما أسفر عن مقتل ٣٠ شخص على الأقل، ما يعطي مؤشرًا عن احتمالية مواصلة هذه العمليات في وقت لاحق. فإذا خرج الشعب بالفعل ملبيًا نداء حزب عمران خان، ستتصاعد التوترات الأمنية داخليًا بشكل كبير أكثر منها خارجيًا. وقد يعزز الفراغ الأمني القائم بتنشيط الجماعات الإرهابية نتيجة لهذه الفوضى المبنية على شعبية الأخير، لا سيما في وجود بعض الجماعات التي تعارض الجيش والشرطة مثل حركة طالبان الباكستانية. علاوة على ذلك، ليس من المستبعد أن يقوم الأوفياء المتعصبين لعمران خان باغتيال بعض الوجوه من الجهة المقبلة، وهو ليس بجديد في السياسة الباكستانية.

من ناحية أخرى، فإن اعتماد حزب عمران خان على الذكاء الاصطناعي في الخطاب الذي تم نشره للأخير من السجن، من شأنه أن يزيد من المخاوف الأمنية بخصوص مدى إمكانية استخدام التزييف العميق لنشر المعلومات المضللة في باكستان. وعليه، من الممكن أن يستمر أتباع عمران خان في استخدام هذه الآلية التي من جهة تعمل على تعبئة الشعب للقيام بالمزيد من الفوضى الناجمة عن إشعال قوميتهم وولائهم لعمران خان وحزبه، ومن جهة أخرى، قد تدفع بباقي الأحزاب لاستخدام تقنيات مماثلة للتلاعب بالسياق السياسي والرد على عمران خان وحزبه، ما يدعم بدوره تفاقم الفوضى الداخلية بوتيرة أسرع، على مستوى الشارع الباكستاني فضلًا عن داخل مؤسسات الدولة، ومجلس النواب على وجه الخصوص. كما يمكن استغلال المواطنين لهذه التقنيات أنفسهم، لا سيما أنهم شعب يهتم بالسياسة بطبيعته، لنشر الإشاعات والترويج، بما يخدم مصالحهم السياسية ويدعم موقفهم السياسي. 

ختامًا، تشكل الانتخابات الباكستانية تحديًا كبيرًا على المستوى الداخلي والخارجي وبالتالي، ترسم المستقبل السياسي والأمني في باكستان، على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة. فمن ناحية، لاتزال التوترات بين الأحزاب السياسية قائمة بل ومتزايدة بشكل كبير بين حزب عمران خان الذي يتمتع بشعبية كبيرة ويسعى لحشد وتعبئة الجماهير لمضايقة حزب نواز الشريف الذي من شأنه، نظريًا، أن يشكل الحكومة القادمة للبلاد وبين الأخير، ولا يزال النزاع بينهما قائمًا حول من الذي يحق له أغلبية الأصوات ولاتزال الاتهامات بتزييف نتائج الانتخابات متبادلة. ومن ناحية أخرى، تظهر الولايات المتحدة كلاعبًا دوليًا يشكك في نزاهة الانتخابات ويسعى لاستبعاد عمران خان من اللعبة السياسية ودعم حزب نواز شريف بشكل غير مباشر. هذا ومن المرجح أن يتزايد عدم الاستقرار الأمني الداخلي نتيجة للفراغ السياسي والفوضى الراهنة في أنحاء البلاد والذي من الممكن أن يتجسد في سلسلة من الاغتيالات وموجات الإرهاب المحتمل تعزيزها، فضلًا عن أرجحية انتشار ثقافة الاستخدام الخبيث للذكاء الاصطناعي لخلق الفوضى السياسية. 

ميرنا أسامة

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى