في التاسع والعشرين من فبراير 2024، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وتأتى زيارة “البرهان” لمصر في سياق التواصل المستمر بين قيادتي البلدين؛ وذلك حرصًا منهما على استمرار التشاور والتباحث حول مختلف القضايا التي تهم البلدين الشقيقين. وتُعزى العلاقات الثنائية المُتميزة بين البلدين إلى الروابط التاريخية والجغرافية والثقافية، والتي تؤكدها الحفاوة وحسن الاستقبال اللذين يحظى بهما السودانيون في مصر.
الرؤية المصرية لحل الأزمة السودانية
تأثرت مصر بشكل كبير بالأزمة السودانية التي اندلعت في 15 أبريل 2023 ولا تزال مستمرة وآثارها آخذة في التمدد، خاصة مع ازدياد أعداد اللاجئين السودانيين الذين يفرون من الصراع والذين يشكلون عبئًا على الاقتصاد المصري المثقل. ونجد أنه لم يتمكن أي من طرفي الصراع في السودان من حسمه لصالحه، مما أدى إلى اتساع نطاقه وامتداد العنف، مما يهدد بتفاقم المعاناة الإنسانية. وفي هذا السياق، يمكن توضيح الرؤية المصرية لحل الأزمة السودانية، وذلك على النحو التالي:
- الحياد: حرصت مصر على عدم الانحياز لأي طرف في الصراع، مما يجعلها وسيطًا مقبولًا من قبل جميع الأطراف، حيث تعاملت مصر مع الأزمة السودانية بموقف إيجابي منذ اندلاعها؛ إذ عملت على التواصل مع جميع أطراف الأزمة السودانية، وكذلك الاطراف الفاعلة إقليميًا ودوليًا، بهدف الوصول لرؤية مُوحدة لحل الازمة.
- حماية ومساعدة الشعب السوداني: ففي أعقاب اندلاع الصراع في السودان في أبريل 2023، قدمت مصر مساعدات إنسانية للشعب السوداني. وشملت هذه المساعدات إرسال طائرات نقل عسكرية محملة بأطنان من المواد الغذائية والأدوية والمواد الطبية، وإرسال فرق طبية مصرية متخصصة لتقديم المساعدة للمتضررين من الصراع، وكذلك فتح مستشفيات مصرية أمام السودانيين المصابين في الصراع، بالإضافة إلى استقبال مصر للاجئين السودانيين وتوفير احتياجاتهم. وتأتي هذه المساعدات في إطار حرص مصر على دعم الشعب السوداني في هذه الظروف الصعبة. وكذا تبذل الدولة المصرية جهودًا في التواصل مع كافة الأطراف السودانية، لتسهيل وصول كافة المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات، للمناطق الأكثر احتياجًا داخل السودان ووضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، ولموظفي الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم.
- التركيز على الحل السياسي: تدعو مصر الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، في مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام، لإطلاق النار. وإطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلي المرأة والشباب يهدف لبدء عملية سياسية شاملة، تلبى طموحات وتطلعات الشعب السوداني في الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية. وتسهم هذه الخطوات في إنهاء الصراع في السودان، والحفاظ على وحدة وسيادة الدولة السودانية، وتحقيق استقرار السودان، مما سينعكس إيجابًا على دول الجوار.
- حشد دول الجوار: تسعى مصر إلى حشد دول الجوار التي لديها مصلحة في استقرار السودان للعمل على حل الأزمة، ولذلك سعت مصر إلى جمع دول الجوار السوداني لطرح رؤية جديدة لحل الأزمة السياسية، وذلك من خلال “مؤتمر قمة دول جوار السودان” الذي عُقد في القاهرة في 13 يوليو 2023. وقد تركزت مخرجات هذه القمة حول الإعراب عن القلق العميق إزاء استمرار العمليات العسكرية والتدهور الحاد للوضع الأمني والإنساني في السودان، والتأكيد على أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، وكذلك أهمية التعامل مع الأزمة الراهنة وتبعاتها الإنسانية بشكل جاد وشامل يأخذ في الاعتبار أن استمرار الأزمة سيترتب عليه زيادة النازحين وتدفق المزيد من الفارين من الصراع إلى دول الجوار، بالإضافة إلى الاتفاق على تسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية المقدمة للسودان عبر أراضي دول الجوار.
أهمية الزيارة
تكتسب زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى مصر أهمية كبيرة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
- تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين: تُعد مصر والسودان جارتين تربطهما علاقات تاريخية وثقافية واجتماعية قوية، وتسهم زيارات “البرهان” في تعزيز هذه العلاقات، وتبادل الرؤى حيال التحديات المشتركة، حيث تسهم في تبادل وجهات النظر حول هذه التحديات والبحث عن حلول مشتركة لها؛ لاسيما التحديات الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وتأمين الحدود المشتركة، وكذلك التعاون في المجال الاقتصادي من خلال زيادة التبادل التجاري والاستثماري، بالإضافة إلى التعاون في المجال المائي من خلال إيجاد حلول عادلة لقضية سد النهضة.
- تعزيز دور مصر كوسيط في الأزمة السودانية: تعد زيارة “البرهان” محاولة للتنسيق مع القيادة المصرية لتعزيز دورها كوسيط في الأزمة الراهنة في السودان، مع الاخذ في الاعتبار خبرة مصر في حل الصراعات الإقليمية، وعلاقات مصر القوية مع مختلف الأطراف السودانية، بالإضافة إلى رغبة مصر في تحقيق السلام والاستقرار في السودان.
- مناقشة عدد من القضايا الهامة: شهدت الزيارة إجراء مناقشات بين الرئيس “عبد الفتاح السيسي” والفريق أول “عبد الفتاح البرهان” حول بعض القضايا التي تتمحور حول بحث سُبل إنهاء الحرب في السودان، وتهيئة المناخ لإجراء حوار سياسي بين طرفي الصراع، كما أعربت القيادة السياسية المصرية على دعم مصر الثابت بالوقوف إلى جانب السودان، من خلال دعم أمنه واستقراره ووحدة وسلامة أراضيه ودعم وتعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين.
وفى الختام، يمكن القول إن زيارة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لمصر تُعد فرصةً لاستمرار التشاور مع القيادة المصرية حول التطورات السياسية والعسكرية في السودان، وسبل حلحلة الأزمة الراهنة في السودان. وبشكل عام، تُعد زيارات عبد الفتاح البرهان لمصر مهمة للغاية على جميع المستويات، وتسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ودعم الاستقرار في المنطقة.