روسيا

قراءة في نظام الانتخاب الروسي وتأثير سياق انعقاد الانتخابات الرئاسية على نتائجها

أولًا) النظام الانتخابي الرئاسي في روسيا 

1)حق الترشح:

يعطي القانون الروسي لأي مواطن في الاتحاد الروسي بلغ 35 عامًا وأقام داخل الأراضي الروسية فترة متصلة لا تقل عن عشرة أعوام حق الترشح، ولا يحق الترشح لمنصب الرئيس لأصحاب الجنسية الأجنبية أو من حصلوا على حق الإقامة أو أي وثيقة أخرى تمنحهم الحق في الإقامة الدائمة على أراضي دولة أخرى. كما لا يحق الترشح للأشخاص الذين اعتبرهم القضاء في غير كامل قواهم العقلية، أو للموجودين في السجون بقرار من المحكمة.

كما يفرض القانون الروسي قيودًا على ترشح المواطنين من أصحاب المحكومية ولم تنته مدتها حتى يوم الانتخابات، والمدانين بتهم ارتكاب جرائم خطيرة أو خطيرة للغاية أو جرائم متعلقة بالتطرف خلال العشر سنوات الأخيرة للجرائم الخطيرة والخمسة عشر عامًا الأخيرة للجرائم الخطيرة للغاية، أو من فرضت عليهم إجراءات إدارية لعرض أو نشر رموز متعلقة بالتطرف، ويحظر على المرشحين للرئاسة الروسية امتلاك أموال أو أصول أخرى في بنوك أجنبية خارج أراضي روسيا. 

كما يحظر الترشح على الأشخاص الذين تم منعهم من تولي مناصب حكومية بقرار من المحكمة، أو المدانين من قبل المحكمة في نشر دعاية متطرفة خلال فترة السنوات الست قبل الانتخابات.

وعليه يحق للمواطن الروسي الترشح لانتخابات الرئاسة كمرشح مستقل أو عن حزب سياسي مسجل رسمًيا لدى وزارة العدل الروسية. ويبلغ عدد الأحزاب المسجلة حاليا 67 حزبًا، يمكن لها ترشيح أشخاص للمشاركة فيها، وبإمكان كل حزب ترشيح شخص واحد فقط، خلال مؤتمر عام وينبغي على الحزب تقديم أوراق مرشحه إلى لجنة الانتخابات المركزية في موعد لا يتعدى 25 يومًا من موعد الانتخابات.

أما المرشح المستقل فيجب عليه أن يُقدم إلى لجنة الانتخابات المركزية، وفي غضون 20 يومًا، مذكرة حول ترشيحه من مجموعة مؤيدة له، تضم 500 شخص على الأقل. وتتخذ اللجنة قرارها بشأن تسجيل المجموعة في غضون 5 أيام.

وعلى كل المرشحين أن يقدموا للجنة الانتخابات المركزية ورقة الترشح بالإضافة إلى وثائق الهوية والمعلومات حول وجود أو عدم وجود أحكام قضائية ضدهم، والتعليم ومكان العمل ومصادر الدخل والممتلكات والأصول والحسابات المصرفية، وأصول الزوج وامتلاك أفراد عائلته عقارات في الخارج. وإذا رفضت لجنة الانتخابات المركزية مرشحًا ما، فيمكنه استئناف القرار أمام المحكمة العليا في روسيا، التي يمكنها أن تحكم بوجوب إعادة المرشح إلى منصبه.

وعلى أية حال فإنه على المرشحين المقبولين أن يقدموا إلى لجنة الانتخابات المركزية كل الوثائق الضرورية في الفترة ما بين 45 و80 يومًا قبل يوم الانتخابات، بما في ذلك التوكيلات المؤيدة لهم. 

ويعفى من جمع التوقيعات المرشحون عن الأحزاب البرلمانية (4 أحزاب حاليا، وهي “روسيا الموحدة” والحزب الشيوعي الروسي والحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي و”روسيا العادلة”)، فيما يتعين على المرشحين المستقلين جمع ما لا يقل عن 300 ألف توقيع، وعلى المرشحين عن الأحزاب غير البرلمانية جمع ما لا يقل عن 100 ألف توقيع.

 وتتخذ لجنة الانتخابات المركزية قرارها بشأن تسجيل المرشح خلال 10 أيام من تقديمه كل الأوراق، أما عملية التصويت فإنه بإمكان المواطنين الإدلاء بأصواتهم في المراكز الانتخابية بالمناطق التي يعيشون فيها من الساعة الثامنة صباحًا حتى الساعة الثامنة مساءً حسب التوقيت المحلي في يوم الانتخابات، ويسمح القانون بالتصويت مبكرًا، قبل 20 يوما من تاريخ الانتخابات، للعاملين في محطات الأبحاث في منطقة القطب الشمالي، ولأفراد طواقم السفن التي تنفذ رحلات في البحر يوم الانتخابات، وسكان المناطق النائية. وقبل 15 يومًا من تاريخ الانتخابات يبدأ التصويت المبكر في الخارج. كما أنه بإمكان المواطنين التصويت في أي مركز انتخابي، وليس فقط في المراكز القريبة من مكان الإقامة الرسمية، وذلك من دون بطاقة خاصة كانت مطلوبة في وقت سابق للقيام بذلك. خصوصًا أن روسيا تمتلك مساحة شاسعة على الصعيد الجغرافي حيث تتكون روسيا الاتحادية من 83 وحدة إدارية فيدرالية أساسية، وهي 21 جمهورية و10 أقاليم و45 مقاطعة و5 مناطق حكم ذاتي ومدينتان فيدراليتان (موسكو وسانت بطرسبورغ).

أما عن الكيفية التي تجري بها الانتخابات فهي تتم باقتراع سري مباشر، وتتم عملية فرز الأصوات بعد إغلاق مراكز الاقتراع، ويقوم العاملون في المراكز الانتخابية المحلية بفتح الصناديق بحضور مراقبين، وتبدأ عملية فرز الأصوات. وبعد فرز نتائج التصويت في كل مركز انتخابي يتم إرسالها إلى مراكز من المستوى الأعلى، ومن ثم يتم إدخال المعطيات إلى المنظومة الآلية الحكومية لفرز نتائج الأصوات. وخلال 10 أيام يتعين على لجنة الانتخابات المركزية إقرار نتائج الانتخابات.

وتنص المادة السادسة من القانون على إعادة فرز عينة يتم اختيارها عشوائيًا بنسبة 2% من الدوائر الانتخابية داخل الدائرة الانتخابية. وإذا تم العثور على أي أخطاء، فإن القانون ينص على إعادة فرز الأصوات

2) شروط فوز المرشح

للفوز في الجولة الأولى، يحتاج المرشح إلى الحصول على أكثر من نصف جميع أصوات الناخبين، أي 50% زائد صوت واحد. وفي حال عدم حصول أي مرشح على هذا العدد من الأصوات ستجري بعد 21 يوما الجولة الثانية من الانتخابات، التي سيشارك فيها المرشحان اللذان يحوزان أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى حيث يحدد الفائز بأغلبية بسيطة من الأصوات.

إلا أنه يمكن للجنة الانتخابات المركزية عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في الحالات التالية:

  • في حال وقوع خروقات تحول دون تحديد النتائج بشكل موثوق.
  • في حال عدم الاعتراف بنتائج التصويت في مراكز تشمل ما لا يقل عن 25% من العدد الإجمالي للناخبين.
  • بقرار من المحكمة.

3) الرقابة على الانتخابات:

تجري عمليات التصويت وفرز الأصوات بحضور مراقبين وممثلي المرشحين أو أحزابهم ومنظمات اجتماعية ووسائل إعلام. وقد تكون هناك مراقبة عبر كاميرات الفيديو وبث مباشر على شبكة الإنترنت حسب مقتضيات الأمر.  كما تكون هناك كاميرات للمراقبة منصوبة في المراكز الانتخابية التي تجمع فيها حصيلة التصويت. ويسمح القانون لأي مواطن روسي يجمع 10 توقيعات بأن يصبح مراقبًا للانتخابات المحلية. 

كما يمكن لأي مواطن روسي يجمع 50 توقيعًا أن يصبح مراقبًا للانتخابات الإقليمية. ويكون للمراقبين حق التواجد في مراكز الاقتراع، وحضور عملية الفرز، والاطلاع على نتيجة الفرز أثناء إتمامها من قبل أعضاء لجنة الانتخابات.

4) تنظيم عملية التمويل:

يجري تمويل الإجراءات الخاصة بالتحضير للانتخابات الرئاسية وإجراء التصويت من موارد الميزانية الفيدرالية الروسية. وتقوم بتوزيع الموارد لجنة الانتخابات المركزية. وعلى كل مرشح إنشاء صندوق خاص لتمويل حملته وفتح حساب رسمي له في مصرف “سبيربنك” الحكومي لإيداع أموال التمويل على اختلاف مصادرها. حيث يمكن تحويل الأموال لهذا الحساب من ثلاثة مصادر على النحو التالي: 

  • الموارد الخاصة للمرشح (بنسبة لا تزيد على 10% من المبلغ الأقصى).
  • الموارد التي يخصصها الحزب الذي رشح المرشح (ما لا يزيد على 50% من المبلغ الأقصى)
  • تبرعات المواطنين والمؤسسات (ما لا يزيد على 1.5 و7% على التوالي). وتجدر الإشارة إلى أنه يحظر على المرشح استخدام أي موارد لتمويل حملته الانتخابية غير موارد هذا الحساب الرسمي.

5) من يحق لهم الانتخاب:

أما من يحق له الانتخاب، فهو أي مواطن روسي بلغ من العمر 18 عامًا ويتمتع بالأهلية الكاملة، وكذلك يتمتع بالحرية بحيث لا تكون حريته مقيدة بوجوده في السجن بقرار من المحكمة، وذلك بغض النظر عن الانتماءات الجنسية والعرقية والقومية أو الخلفية الاجتماعية والممتلكات والانتماء إلى منظمات اجتماعية والمعتقدات السياسية أو الدينية أو غير ذلك. وحسب القانون، تعتبر المشاركة في الانتخابات حرة وطوعية. ولا يحق لأحد أن يجبر المواطنين على التصويت لصالح مرشح معين أو منعهم من التعبير الحر عن إرادتهم.

6) قواعد الظهور الإعلامي للمرشحين

يحصل كل مرشح مؤهل على حق الوصول المجاني والمتساوي إلى وسائل الإعلام التي تديرها الدولة (على الأرجح ساعة من التلفزيون المجاني لكل مرشح).  يطلب من التلفزيون الذي تديره الدولة توفير عشر دقائق من البث المجاني يوميًا من الساعة 7 إلى 10:00 صباحًا وعشر دقائق إضافية من الساعة 18:00 إلى 23:00 مساءً على القنوات الوطنية.  وفي حالة إجراء الجولة الثانية من الانتخابات، سيتم منح المرشحين وقت بث مجاني إضافي بشروط مماثلة.

يمكن أيضًا للمرشحين شراء وقت البث المدفوع، لكن لا يمكن أن يتجاوز وقت البث المجاني. يجب أيضًا ألا تتجاوز الإعلانات السياسية المدفوعة 10% من إجمالي وقت البث المجاني والمدفوع للمرشح (من المحتمل أن يكون 12 دقيقة).

7) صلاحيات الرئيس:

 يمتلك الرئيس في روسيا صلاحيات واسعة منها إعلان الحرب، والتعبئة العامة، وحل البرلمان، وتعيين رئيس الوزراء وحكومته. كما يتولى ملف السياسة الخارجية، والمصادقة على انتخابات حكام الأقاليم وجمهوريات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية.

وتشمل صلاحيات الرئيس كذلك تعيين رئيس المحكمة الدستورية وتسمية قضاتها، وإعلان العفو، ومنح الأوسمة والجوائز، وغيرها من الصلاحيات بما في ذلك ترشيح كبار موظفي الدولة ورؤساء المؤسسات أو إعفائهم من مناصبهم.

8) التعليق على النظام الانتخابي في روسيا الاتحادية:

-ينص القانون الانتخابي في روسيا على أن المرشحين التابعين لحزب غير ممثل في الدوما أو ما يعرف المجالس التشريعية في روسيا عليهم تقديم حوالي 100 ألف توقيع من 40 منطقة أو أكثر أما المستقلين عن أي حزب فينص القانون على حصولهم على الأقل على 300 ألف توقيع من نفس عدد المناطق. وفي هذا السياق يتضح أن القانون الروسي منح الحرية للمرشحين للتقدم للانتخابات كمستقلين أو تابعين لأحزاب ممثلين في الدوما الروسي أو غير ممثلين في الدوما الروسي، مع تحديد عدد ضخم من التوقيعات يعكس الشعبية على الأرض ويتناسب مع حجم المكون السكاني في روسيا الاتحادية.

وهو القانون الذي أحسن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توظيفه، حيث استخدم طرق مختلفة للترشح ممثلًا عن حزب روسيا الاتحادية في انتخابات 2012 ومستقلًا في انتخابات أخرى.

وخلال هذه الانتخابات وعلى الرغم من أن حزب روسيا العادلة أعلن عن رغبته في ترشيح فلاديمير بوتين وهو الحزب الذي يشغل 27 مقعدًا في الدوما الروسي، إلا أن بوتين وحتى الآن سيترشح للانتخابات القادمة بشكل مستقل ويمكن إسناد ذلك إلى أنه يرى أن الانتخابات القادمة هي بمثابة استفتاء على شعبيته واستفتاء على صحة قراره بشن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ولذلك فمن المهم أن يترشح مستقلًا عن أي كيان سياسي.

 -تفسر الشروط التي سنها القانون الروسي والتي تجعل الشخص مؤهلًا للتصويت ضخامة الرقم الذي يحق له الانتخاب داخل وخارج روسيا الاتحادية حيث وصل العدد لـ 112 مليون و425 و443 ناخبًا. وهو ما يصب في صالح السلطة الحاكمة لأن النقطة الفيصلية هنا تكون في خروج نسبة كبيرة من هذا الرقم الكبير للتصويت وهو ما يضفي على النظام السياسي الشرعية الديمقراطية في أسوأ الأحوال.

-نظم قانون الانتخابات الروسي مسألة الرقابة بشكل يناهز الكثير من الديمقراطيات التقليدية في العالم ويمنح الحق حتى للرقابة الشعبية وهي نقطة غاية في الأهمية لأنها لا تجعل المواطن شريكًا في العملية السياسية فقط وإنما رقيبًا عليها أيضًا.

– أتاح قانون الانتخاب الروسي مناخًا من الحرية للمرشحين في مسألة الظهور الإعلامي للترويج لبرامجهم الانتخابية والتعريف بأنفسهم للناخبين.

– كذلك صاغ القانون الروسي ضوابط دقيقة لمسألة تمويل المرشحين واشترط أن تكون الحسابات التابعة للحملات في بنك وطني حكومي، كما حدد بدقة مصادر التمويل ونسبها وهو ما لا يدع مجالًا كبيرًا للمال السياسي وتأثيره على نزاهة العملية الانتخابية.

– راعى القانون الروسي في عملية التصويت نقطتان غاية في الأهمية الأولى تتعلق بالمساحة الشاسعة لروسيا الاتحادية وبدء عملية التصويت المبكر في المناطق النائية، خصوصًا مع خصوصية الانتخابات الحالية حيث ستكون الانتخابات مختلفة أيضًا من حيث المساحة التي تغطيها، وسيتم التصويت فيما تسميه روسيا أراضيها الجديدة؛ أجزاء من أوكرانيا التي تحتلها القوات الروسية الآن. وهو ما وضعه القانون في الاعتبار عندما حدد التصويت في هذه المناطق بوقت كاف قبل انطلاق العملية الانتخابية في موعدها كما أنه راعى الناخبين ولم يشترط أن يتم التصويت في الموطن الانتخابي.

-كذلك قصر القانون الروسي عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات على اللجنة المركزية للانتخابات وفي ثلاث حالات فقط أحدها قرار المحكمة وهو ما يجعل من الصعوبة الطعن في العملية الانتخابية أو عرقلتها.

ثانيًا) سياقات انعقاد الانتخابات الروسية وتأثيرها على النتائج:

تشير كلاسيكيات العمليات الانتخابية إلى أن العامل الأهم في أية انتخابات ليست نتائجها خصوصًا إذا ما كانت محسومة بشكل مسبق، وإنما الفيصل فيها هو نسبة من يشاركون فيها وهو ما تعلمته الدولة الروسية منذ عقود دون مبالغة في هذه الإشارة. ويتلخص دورها في الفترات الانتخابية في كيفية دفع المواطنين بالطرق المشروعة للتصويت في الانتخابات لتحقيق نسبة المشاركة المطمئنة والتي تعني استقرار النظام.

ولذلك فإنه ليس بالأمر الجلل الوجهة التي يتخذها الناخب بعبارة أخرى فإن النظام لا يبذل الكثير من الجهد لدفع الناخبين للتصويت لمرشح معين، إيمانًا منه بأن النتيجة محسومة نظرًا للعديد من العوامل والمحددات التي سيتم ذكرها لاحقًا، والتي يأتي على رأسها المحدد المتعلق بالأوضاع الداخلية في روسيا الاتحادية.

1)الأوضاع الداخلية كمحدد لنتائج الانتخابات:

من المهم الإشارة إلى أن هناك حالة من التوافق الداخلي وخصوصًا لدى حكام الولايات الروسية بأن استقرار النظام الروسي هو الهدف النهائي، وفي هذا السياق فهم يعتبرون الانتخابات الرئاسية الفرصة السانحة للتأكيد على أنهم يملكون كافة السيطرة على مناطقهم، وأن أي اضطراب غير مسموح له حتى وإن كان ناجمًا عن وجود معارضين منافسين، وهو ما يجعل الكثير من الأدبيات التي تهتم بالشؤون الروسية تصف المعارضة هناك بالمعارضة النظامية، في إيحاء على أنها محسوبة بشكل أو بآخر على الكرملين.

وهو ما يحيلنا إلى اتجاه قريب يريد بوتين أن يثبته وهو أنه لا نجاة لأية معارضة حقيقة في روسيا خصوصًا بعد القضاء على التمرد الفاشل لبريجوزجين قائد مجموعة فاجنر، والذي كان قد أثار في وقتها الكثير من القلق لدى النخب الحاكمة حول مدى قدرة النظام الروسي على الثبات، وهو الاختبار الذي اجتازه فلاديمير بوتين بنجاح جعل من قائد فاجنر عبرة لكل من يفكر في التمرد حتى ولو بشكل حذر. وقد تنامى هذا الاتجاه بعد وفاة المعارض أليكسي نافالني والتي اعتبرت بمثابة إنذار لطريقة تعامل النظام الروسي مع المعارضة.

وهنا تكمن إحالة مهمة تتضمن أن ما يضعف من تأثير المعارضة هو وجود أغلب مؤيديها في الخارج. ويعد الروس إحدى أكبر مجموعات الشتات في العالم. وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن ما بين 20 إلى 30 مليون روسي يعيشون في الخارج.

كما تذكر مصادر المعارضة إن روسيا واجهت أكبر نزوح جماعي لها في السنوات الأخيرة بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا في فبراير 2022. ووفق تقديرات مختلفة، غادر روسيا من 500 ألف إلى 1.3 مليون شخص خلال العام الماضي. وهو ما خلق رد فعل لدى السلطات بموسكو جعلها في حالة تأهب قصوى على ضوء التوقعات بحدوث عمليات تدخل وتخريب من قِبل الجالية الروسية الضخمة في المنفى.

من ناحية أخرى يبرز العامل الاقتصادي في الداخل الروسي كواحد من أهم العوامل التي يعول عليها في نتائج الانتخابات القادمة بشكل إيجابي، لأن بوتين كان قد نجح بالفعل في خلق حالة من العزل للاقتصاد الروسي عن العقوبات الدولية التي فرضت عليه عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، كما نجحت موسكو في توفير احتياجاتها عبر دول صديقة مثل الهند وألقت بثقل اعتماداتها على عائدات النفط والغاز التي نجت جزئيًا من مسألة العقوبات أو لفترات محددة، مما عزز من قيمة الروبل وقد جاء هذا مصحوبًا بإجراءات حكومية لكبح جماح الأسعار، وعلى أية حال يراهن بوتين بشكل كبير على العامل الاقتصادي حتى في الفترة التي تلي الانتخابات عن طريق مراقبته لأسعار الطاقة وآماله الكبيرة على أن يحقق هذا القطاع قفزة تزيد من الدعم للاقتصاد الروسي وإلا فإنه من المحتمل أن تكون هناك حالة من الركود.

ولكن الطريق داخليًا ليس ممهدًا أمام بوتين بالكامل، حيث لا تزال الآثار السيئة لتعامل النظام الروسي مع وباء كورونا حاضرة حيث بلغت الإصابات في روسيا في وقت من الأوقات ثمانية أضعاف أعداد الإصابات في الصين، في ظل حالة من عدم الشفافية أسفرت في النهاية عن عدم القدرة على تقدير حجم المخاطر، فضلًا عن خلق تأثيرات طويلة الأجل انعكست في تخفيض الإنفاق على الرعاية الصحية للتعويض عن حجم الإنفاق العسكري المتزايد.

وهو ما يخلق تحديًا كبيرًا أمام بوتين ينعكس في حتمية زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية بعد الانتخابات، علاوة على أهمية زيادة الإنفاق على قطاعات أخرى مثل التعليم وريادة الأعمال التي فقدت الثقة في الأداء الحكومي، وهنا يعول فلاديمير بوتين على ارتفاع أسعار الطاقة، ومع صعوبة تحقق هذا الرهان سيشكل العامل الاقتصادي تحديًا حقيقيًا بعد الانتخابات.

من ناحية أخرى، هناك حالة من القلق لدى المواطن الروسي من مسألة إعلان التعبئة مرة أخرى لضمان حفظ الوضع الحالي في أوكرانيا أو تحقيق تقدم، كما أن هناك تخوفات من أن يتم الإعلان عن تعبئة عامة هذه المرة. والموضوع الحساس بشكل خاص هو ما إذا كان بوتين يخطط لإصدار أمر بتعبئة جديدة بعد تأمين فترة ولايته الخامسة. وأدى قرار العام الماضي بالإعلان عن التعبئة على مستوى البلاد إلى أكبر انخفاض في تأييد بوتين بين عشية وضحاها. 

2)الأوضاع الخارجية كمحدد لنتائج الانتخابات:

تبرز الحرب الروسية- الأوكرانية كعامل خارجي رئيس في تحديد نتائج الانتخابات القادمة، خاصة أنها تدور في فلك عدد من السيناريوهات التي يمكن أن تتطور إليها بشكل يحمل تأثيرات حادة على الأوضاع السياسية داخل روسيا بشكل يمكن يصل حتى إلى أعلى منصب في روسيا الاتحادية. حتى وإن كان بوتين في الوقت الحالي في مأمن من أي تمرد شعبي بعد أن نجح في فرض سيطرته على حصة لا يستهان بها من الأراضي الأوكرانية، وإن كانت هذه الأهداف أقل بكثير من التي وضعها بوتين عند بداية الغزو، وهو ما يمكن أن يضعف الدعم الشعبي له.

أما إذا حدث سيناريو مغاير يتضمن حدوث انتكاسة كبيرة تؤثر على سيطرة روسيا على الأراضي التي فرضت عليها سيطرتها بالفعل، وهي شبه جزيرة القرم أو دونستيك ولوغانسك، فسوف يواجه الكرميلن والمقربين منه موقفًا حرجًا من استمرار الدعم الشعبي للعلمية العسكرية الروسية على أوكرانيا، خاصة أن الدعم الشعبي الذي أعقب استيلاء بوتين على القرم تلاشى بعد مرور عشر سنوات عليه.

ولذلك يلجأ بوتين لوسائل أخرى قد تؤدي إلى هزيمة أوكرانيا من الداخل عن طريق التلاعب بالديمقراطية والتحريض على إسقاط زيلينسكي عن طريق منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة أن روسيا لديها خبرة عريضة في هذا المجال منذ انتخابات الولايات المتحدة في 2016 والتي اتهمت فيها واشنطن موسكو بالعبث بديمقراطيتها والتدخل في انتخاباتها، ولكن حتى لو فشل بوتين في إسقاط زيلينسكي فإن وضع أوكرانيا العسكري حرج بعد أن تراجع الدعم الغربي لها على مستوى الإمدادات العسكرية.

وتمتد التأثيرات الخارجية لنتائج الانتخابات الأمريكية والتي يوجه الناخب الأمريكي فيها قدر من الرغبة في المحافظة على قيم الديمقراطية الغربية، وهو ما قد يوجه الناخب الأمريكي للتصويت لبايدن لأنه يرى فيه ما يمثل حماية لقيم الليبرالية الغربية خاصة في ظل توفر رغبة سائدة في دعم الهيمنة الأمريكية والغربية على العالم، حيث يدعو البعض إلى تبنى دول أخرى قيم النظام الأمريكي، على المستويين الدولي والمحلى. وتنتقد هذه الفئة سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على وجه الخصوص، وتشعر بقلق عميق إزاء النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين باعتباره تهديدًا محتملًا.

على العكس من ترامب الذي وجه الكثير من اللوم لحلف شمال الأطلسي ومنظومته التي فشلت في الإنفاق على التسلح، وتوفير الحماية للدول الأعضاء فيه وهو ما يثير القلق الأوروبي على وجه التحديد. خاصة أن الولايات المتحدة تشهد ميلًا لليمين ممثلًا في الجمهوريين.

ومن هنا نشأ الضغط الأمريكي على الحلفاء الأوروبيين لإيجاد طرق للاستيلاء على 260 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي التي تم تجميدها ردًا على الغزو الروسي، إلا أن هذه الدول لا زالت متخوفة من رد الفعل الانتقامي من روسيا. ويهدف هذا الاتجاه لتوظيف الأموال المصادرة فيما بعد لتوجيه الدعم العسكري لأوكرانيا، التي نجح بوتين في صد هجومها الصيف الماضي في نقطة أخرى لصالحه.

ختامًا تشير كل المقدمات السابقة إلى مجموعة من الاستنتاجات يمكن حصرها في أن النظام الروسي يمارس نوعًا من الديمقراطية يطلق عليها هو مصطلح “الديمقراطية السيادية”، في حالة تبرير لمركزية وشمولية السلطة على أسس قومية وخطاب ديمقراطي حتى وإن غلف نوايا غير ديمقراطية، تحافظ على بقاء الدولة الروسية أمام أي ثورة ملونة تهدد بقائها وقد تنذر بكارثة جيوسياسية على غرار انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويبدو هذا الرهان مستقرًا في روسيا على أساس عقد اجتماعي، نجح بوتين في فرضه منذ أعوام يقوم بشكل أساسي على تراجع أو استقرار مؤشرات المشاركة السياسية مقابل ارتفاع المؤشرات الاقتصادية التي تعتبر العامل الأكثر تأثيرًا بعد انتهاء الانتخابات. خاصة أن التجربة العملية في العديد من الدول أثبتت أن تغيير رئيس كل أربع سنوات لا يؤدي بالضرورة إلى أوضاع أفضل سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.

وعلى الرغم من أنه وكما سبقت الإشارة من حيث إن نتائج الانتخابات الروسية محسومة مسبقًا، إلا أنه ليست هناك مبالغة إذا قلنا إن نتائجها مع نتائج الانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر القادم، ستشكل تأثيرات إقليمية ودولية على أقل تقدير في مقدار المواجهة أو التقارب بين البلدين.

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى