“تشجيع الشراكات الاستثمارية في مصر: استراتيجية لتعزير النقد الأجنبي”
تعتبر مصر واحدة من الوجهات الاستثمارية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي السنوات الأخيرة قامت الحكومة المصرية بتبني سلسلة من الإصلاحات والتحسينات لتعزيز مناخ الاستثمار وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد. ، فقد سعت الحكومة المصرية للعمل على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، من خلال إصلاح وتحسين وتقوية الإطار التنظيمي والمؤسسات ذات الصلة بمجال الاستثمار المحلي والأجنبي، من خلال الاستفادة من الممارسات والسياسات الدولية الناجحة لتعزيز وإصلاح نظام الاستثمار المصري.
التحرك الإيجابي في عقد صفقات وشراكات استثمارية
تمتلك مصر سمات استثمارية إيجابية متنوعة، أهمها توفر سوق داخلية كبيرة تضم 105 ملايين مستهلك، بالإضافة إلى الوصول المفضل إلى الأسواق الإقليمية والدولية التي تشمل أكثر من 1.5 مليار مستهلك من خلال الاتفاقيات التجارية المبرمة بين مصر وشركاء تجاريين رئيسيين وكتل اقتصادية إقليمية ودولية، ومن المتوقع أن تكون مصر واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة في مجال الطاقة الجديدة والمتجددة خلال العشر سنوات المقبلة. كما وضعت مصر خطة طموحة للتركيز على زيادة الاستثمارات في قطاعات التنمية الحقيقية، كبديل الاستثمار في القطاعات الاستخراجية، بما له من أهمية حيث أن العبرة ليست بحجم التدفقات ولكن بنوعيتها، وهو ما يتحدد بناء عليه مدى الاستفادة والمنافع الحقيقية التي تعود على التنمية الاقتصادية للدولة ورفع مستوى معيشة المواطنين، كما لعبت مصر دورًا هامًا في عقد صفقات وشراكات استثمارية مع كبار المستثمرين وتحقيق نجاح في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السنوات الأخيرة وقامت الحكومة المصرية بتنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية لتحسين بيئة الاستثمار في البلاد وعليه تم تبسيط الإجراءات التجارية وتسهيل إجراءات تأسيس الشركات، كما تم تحسين مناخ الأعمال وتقليل البيروقراطية. تم أيضًا إصدار قوانين لتشجيع الاستثمار وحماية حقوق المستثمرين. بالإضافة إلى ذلك، تم إجراء تحسينات في البنية التحتية وتوفير المزيد من الفرص الاستثمارية في قطاعات مختلفة مثل الطاقة، والسياحة، والصناعة، والزراعة.
شهدت مصر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إليها حيث شهد العام المالي 2022/2023 أكبر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر حيث بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر 10.04 مليار دولار بزيادة قدرها 12.3% مقارنة بعام 2021/2022.
صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سنويًا (مليار دولار)
المصدر- البنك المركزي المصري، النشرة الإحصائية الشهرية.
كما وصلت طلبات الاستثمار للفرص المتاحة إلى 42 طلبًا خلال الفترة من يناير إلى مارس 2023 مقارنة بالهدف البالغ 40 طلبًا، وجرى تسجيل نمو ملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصافي بنسبة 451.3% في الربع الثاني من العام المالي 2023/2022، بالإضافة إلى جذب استثمارات اجنبية مباشرة من الإمارات العربية المتحدة، وهولندا، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، بنسبة 53.2% من إجمالي تدفقات الاستثمار الواردة لمصر حيث جاءت الإمارات العربية المتحدة في المركز الأول بنسبة 25.5%، يليها هولندا بنسبة 9.7%، وإيطاليا والمملكة المتحدة بنسبة 9% لكل منهما.
ونتيجة لتلك الجهود كان هناك ثقة من المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري لضخ الاستثمارات الأجنبية المباشرة فمصر أحد أفضل دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا في مؤشر درجة تقييد الاستثمار، حيث جاءت في المرتبة التاسعة بين 10 دول، كما جاءت ضمن أفضل الدول العربية، حيث جاءت في المرتبة الثامنة بين 9 دول عربية. وسجلت مصر المركز الثالث بين الدول العربية المستقبلة للمشروعات عام 2021 من حيث التكلفة باستقبالها 5.4 مليارات دولار مثلت 16.5% من الإجمالي من خلال 58 مشروعًا نفذتها 50 شركة أجنبية، ساهمت في توفير ما يزيد على9 آلاف وظيفة جديدة. بالإضافة إلى المرتبة الرابعة في عدد الوظائف الجديدة التي توفرها المشروعات الأجنبية بنسبة 12.3% من إجمالي الوظائف التي تم توفيرها عام 2021. إلى جانب تسجيل مصر الثانية عربيًا والسابعة عالميًا في عدد معاهدات الاستثمار الثنائية الموقعة لتشجيع وحماية الاستثمارات على أراضيها. كما احتلت مصر المرتبة الرابعة بالمنطقة، حيث جاءت بعد دول الإمارات والسعودية وقطر، والتي جاءت جميعها ضمن قائمة أفضل 25 وجهة للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم. ومن بين الأسواق الناشئة، احتلت الصين والهند والإمارات المراكز الثلاثة الأولى.
ولإسهام الصفقات والشراكات التي تتبناها الحكومة في توفير نقد أجنبي ليسهم فى انفراجه للتحديات الاقتصادية الحالية إذ تعتبر الاستثمارات محركًا أساسيا للتنمية الاقتصادية فاستقبلت مصر مشروعين هما الأعلى والأكثر مساهمة في توفير وظائف جديده بين أكبر 10 مشروعات للاستثمار العربي البيئي خلال 2021، وهما:مشروع مونتي نابليون السكنى بالقاهرة الجديدة، حيث أعلنت شركة “ريبورتاج” العقارية الإماراتية Reportage properties في يونيو 2021 عن عزمها انشاء مشروع مونتي نابليون السكني في مدينه القاهرة الجديدة بتكلفة قدرها 1.5 مليار دولار، محطة معالجة مياه الصرف الصحي في مدينة الحمام بمحافظة مطروح في مصر، حيث أعلنت مجموعة “ماتيتو”Matito الإمارتية في مارس 2021 عن عزمها استثمار 739 مليون دولار.
عوائد دولاريه وتوفير فرص عمل
يتركز الاحتياطي النقدي المصري على خمسة مصادر أساسية: تحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات السياحة، وعائدات قناة السويس، والصادرات، والاستثمار الأجنبي المباشر ويُعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر هو طوق النجاة في ظل التحديات التي تواجه مصادر النقد الأجنبي الأخرى حيث انخفضت إيرادات قناة السويس بنسبة 44% في يناير 2024 وجاء ذلك نتيجة لانخفاض عدد السفن المارة عبر الممر الحيوي تجنباً لهجمات الحوثيين جنوب البحر الأحمر. وفقًا لتصريحات رئيس هيئة قناة السويس بالإضافة إلى انخفاض عوائد السياحة والصادرات بسبب التحديات العالمية الحالية اتصالًا، تؤدي الشراكات الاستثمارية إلى تحقيق انتعاش في قطاع الصناعة من خلال الصناعات التي سيزداد الطلب عليها لتلبية احتياجات المشروعات التي تتضمنها الشراكات الاستثمارية في مراحلها المختلفة، مما يعني ضمان وجود طلب كبير يعزز من حركة السوق المصرية. إضافة إلى ذلك جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى مصر تأتي بثمارٍ واضحة تتمثل في زيادة حجم الاستثمارات الوافدة للاقتصاد الوطني وهو ما يؤثر إيجابيًا على وضع الاحتياطي النقدي وسعر الصرف ومعدلات التوظيف في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ انتشار جائحة كورونا وحتى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فبراير 2022. ومن ناحية أخرى، ارتفع معدل التوظيف والتشغيل وتراجع معدلات البطالة التي سجلت نحو 7.1% خلال الربع الثالث من 2023، وانخفض عدد العاطلين عن العمل بالربع الثالث إلى 2.27 مليون.
في الختام، عقد الصفقات والشراكات الاستثمارية الكبيرة، يوفر سيولة دولاريه كبيرة تزيد من صلابة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات العالمية على الصعيد الجيوسياسي والاقتصادي على السواء، وتخفيف أزمة النقد الأجنبي بعدما تأثرت تدفقاته جراء الأزمات الدولية وخاصة الحرب على غزة بما أثر في عائدات قناة السويس. وتسهم هذه الشراكات الاستثمارية كذلك في تحقيق مستهدفات الدولة في التنمية، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل من خلال تشغيل الشركات المصرية في المشروعات المختلفة.