
تحديات النوع الاجتماعي والأمن.. تهديدات مركبة
عرض: آلاء برانية
يعد مفهوم النوع الاجتماعي تمييزًا طبيعيًا لا يجب تجاهل تأثيره فيما تواجهه البشرية من مشكلات، ولا يتعارض هذا مع احترام مبدأ “المساواة بين الجنسين”، حيث تتم مراعاة تأثير الاختلافات القائمة على النوع في التعامل مع الظواهر المختلفة. ومن هذا المنظور ظلت الأدبيات المختلفة تهتم بالمفهومين “الأمن الإنساني” و”النوع الاجتماعي”، وتعددت محاولات الربط بينهما وتحليل أبعاد هذا الترابط باختلاف المقاربات البحثية.
ويتناول كتاب “تحديات النوع الاجتماعي والأمن.. تهديدات مركبة” الصادر عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عام 2024، والذي قام بإعداده أحد عشر متخصصًا في شؤون المرأة، العلاقة الارتباطية بين النوع الاجتماعي والأمن بمدلوله الواسع والشامل، وكذلك العلاقة الارتباطية بين ارتفاع دور المرأة في المجتمع ونزعته إلى التأكيد على التنمية والنمو وليس استخدام القوة والتوسع، وهو ما أكدته الدراسات والتقارير الدولية التي تناولت موضوع “تمكين المرأة”؛ فالأخذ بمنظور “النوع الاجتماعي” في التعامل مع الواقع الاجتماعي ومواجهة التحديات المختلفة يعكس رؤية أشمل، ويتناسب مع الرؤية الأوسع للتنمية الشاملة والمستدامة، ولا يتعارض هذا مع مبدأ “المساواة بين الجنسين”، لكنه نتاج لتفعيل الوعي بتأثير النوع الاجتماعي.
وحاولت فصول الكتاب التي بلغ عددها عشرة فصول أن تجيب على عدة تساؤلات، ومنها: هل هناك تهديدات أمنية تعاني منها المرأة بدرجة أكبر من الرجل؟ كيف تواجه المرأة حالات الصراعات والحروب؟ وكيف تُعامَل أثناء تلك الصراعات؟ وإلى أي مدى نجح المجتمع الدولي بمنظومته الأممية في وضع أطر تنظيمية وقانونية تتناسب مع ما يفرضه النوع الاجتماعي من تحديات لمواجهة التهديدات الأمنية المختلفة؟ ومع ظهور تهديدات أمنية مثل الإرهاب والتطرف العنيف كيف يظهر دور المرأة، هل تكون فاعلًا أم مفعولًا به؟
ويقدم الفصل الأول تحت عنوان” دراسات الأمن النسوية.. بين جهود التنظير والواقع الدولي: دراسة نظرية”، الأبعاد النظرية للعلاقة بين الدراسات الأمنية والمدرسة النسوية، حيث انقسم الفصل إلى ثلاثة أقسام رئيسة: المدرسة النسوية في العلاقات الدولية: ويعرض هذا الجزء أطروحات المدرسة النسوية في علم العلاقات الدولية. ثانيًا: دراسات الأمن النسوية كأحد ملامح تطور دراسات الأمن الدولي، وأحد نواتج هذا التطور في الوقت نفسه. ثالثًا: دراسات الأمن النسوية والأزمات الدولية والذي يتم فيه تناول انعكاسات جهود النسوية النظرية والحركية على الواقع الدولي.
وتتابعت فصول الكتاب لتتناول واحدًا من التحديات الأمنية التي تواجه المرأة وتظهر خصوصية هذه المواجهة، في الفصل الثاني بعنوان (المرأة والحرب: أدوار متعددة وخسائر لا متناهية)، لتوضيح أنه في كثيرٍ من الحروب والنزاعات المنتشرة، خاصةً تلك التي تتسم بالطابع غير الدولي أو غير المنظم “الحروب الأهلية”، تتعرض النساء لشتى أنواع الانتهاكات التي يُجرّمها القانون الدولي، ويتناول الفصل الأطر القانونية الدولية التي تنظم هذه الحالة، ثم يناقش الأدوار المختلفة التي تقوم بها المرأة في حالات الحروب والصراعات المسلحة. ومن ثم تداعيات هذا الصراع وأثره على النساء والفتيات.
ويناقش الفصل الثالث المعنون (المرأة والإرهاب: على الطريق بين المشاركة والمواجهة)، الأدوار المختلفة التي ترتبط بالمرأة في ظاهرة معقدة مثل الإرهاب، سواء قيام التنظيمات الإرهابية بتجنيد النساء، أو توظيفهن، أو الدور الخاص بالمرأة في برامج مكافحة الإرهاب، وغيرها من القضايا ذات الصلة التي يحللها الفصل بكافة أبعادها، ويقدم نماذج تطبيقية على كل دور من هذه الأدوار.
ويركز الفصل الرابع من الكتاب وهو (دور النوع الاجتماعي في بناء السلام بالتركيز على دور المجتمع المدني)، على ماهية الدور الذي تلعبه النساء في بناء السلام من خلال فهم دورهم داخل مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال بناء السلام، والتي من الممكن أن يكون لها تأثيرات أكبر وأعمق على المستوى المجتمعي مقارنة بالأدوار على مستوى المفاوضات الرسمية أو حتى المشاركة في المؤسسات السياسية والاقتصادية لدولة ما بعد انتهاء الصراع.
أما الفصل الخامس الذي جاء تحت عنوان (الاتجار بالنساء: تهديد عابر للحدود)، فإنه يُبرز قضية الاتجار بالنساء باعتبارها نمطًا خاصًا من الاتجار بالبشر، ويؤكد على ما تمثله من تهديد أمني دولي؛ إذ يرتبط هذا النمط بنشاط التنظيمات الإجرامية العابرة للحدود ليقدم نموذجًا للجريمة الدولية المنظمة. ويقدم الفصل في تحليله دراسة العديد من الحالات التطبيقية ويدرسها بشكل مقارن لبيان كيف تعاملت الدول بخبراتها المختلفة مع هذه الظاهرة اللا إنسانية.
ويقدم الفصل السادس المعنون (اللاجئات والنازحات: معاناة مركبة مستمرة)، ظاهرة أخرى تتفحل ويزداد تأثيرها بشكل واضح في العقود الأخيرة في ظلّ الصراعات الجديدة والقائمة، وهي تزايد أعداد اللاجئين والنازحين، لا سيما الفئات الأكثر عرضة للخطر من النساء والفتيات، ويركز الفصل على تلك المعاناة المركبة وما تلاقيه النساء اللاجئات والنازحات من التحديات خاصة فيما يتعلق بالتعرض إلى الاعتداء والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستبعاد من فرص التعليم والعمل، ونقص الغذاء والرعاية الصحية، وغيرها من كافة أشكال الحماية الاجتماعية. ويُلقي الفصل كذلك الضوء على التجربة الفريدة لتعامل الدولة المصرية مع اللاجئات، ودمجهن داخل المجتمع المصري.
ويسلط الفصل السابع (المخيمات: تهديد مزدوج للمرأة: مخيم الهول نموذجًا)، الضوء على الوضع داخل مُخيم الهول كنموذج “للتهديد المزدوج” للمرأة في المُخيمات، وذلك من خلال التعريف الدقيق بمخيم الهول للاجئين وتركيبته السكانية والأيديولوجية، ثم تحليل المخاطر والتهديدات التي تفرضها البيئة الداخلية للمخيم على المرأة، إضافة إلى التركيز على التهديد الذي تمثله نساء المخيم خصوصًا المنتميات لداعش في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن تفكيكه وإنهاء خطره الذي يهدد العالم أجمع.
أما الفصل الثامن (المؤسسات الدولية وتعزز دور المرأة في تحقيق السلم والأمن)، فهو ينحو نهجًا أمميًا برصد جهود الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة تجاه قضايا المرأة والسلم والأمن، ويحلل تلك الجهود بداية من أولوياتها وتطورها، والمعوقات التي يمكن أن تواجهها، من منطلق أن المؤسسات الدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، تلعب دورًا حيويًا لتعزيز دمج المرأة في جهود السلم والأمن الدوليين، وكذلك مساعدتها لتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، فضلًا عن كون الأمم المتحدة منبرًا دوليًا محوريًا يسعى إلى تحقيق الأمن والتنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان.
ويكمل الفصل التاسع وعنوانه (المجتمع المدني وأمن المرأة: بين التوظيف والتعزيز)، استعراض الجهود المبذولة لتعزيز دور المرأة في الأمن والسلم من خلال مناقشة دور منظمات المجتمع المدني، نشأتها، وتطورها التاريخي، وارتباطها بقضايا المرأة، ومدى قدرتها على تحقيق نقلة نوعية حقيقية في دعم وتعزيز حقوق المرأة من خلال “دراسة حالة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية”. يناقش أيضًا أهم التحديات التي تواجه عمل هذه المنظمات للقيام بدورها، وكيف يمكن التغلب على هذه التحديات والعوائق.
وأخيرًا، يقدم الفصل العاشر (المرأة وإدارة قضايا الأمن والدفاع: نماذج بارزة)، بعض النماذج لقيادات نسائية بارزة، سيدات مارسن الحكم، وأدرن قضايا أمنية، وكانت لهن مواقف شديدة الوضوح والتميز فيها. وقد روعي في اختيار النماذج موضع الدراسة اختلاف الحالات الدراسية زمنيًا وسياسيًا.
وقد انتهت فصول الكتاب إلى جملة من المستخلصات، يمكن عرض أهمها فيما يلي:
1- إن ارتفاع معدلات العنف ضد النساء منبعه النظرة العامة لهن من قِبل العدو بصفتهن أهدافًا رئيسة، وغالبًا ما يلجأ العدو إلى العنف الجنسي بما في ذلك الاغتصاب والزواج القسري والاتجار بالبشر بغرض إضعاف أي مقاومة تعترض طريقه.
2- تتفاقم تداعيات الحروب والصراعات المسلحة على النساء والفتيات بفعل ضعفهن الاجتماعي والتمييز القائم بالفعل ضدهن في كثير من المجتمعات الهشة، والتي تكون بيئة خصبة للنزاعات المسلحة، سواء كانت نظامية أم لا. وتبين الدعاية التي تتم في زمن الحرب كيف تعزز أنماط النوع الاجتماعي قبل وأثناء النزاع من خلال الشعارات المرفوعة حول تمثيل المرأة لشرف المجتمع، خاصة في دول المنطقة العربية والأفريقية بحكم الموروثات الثقافية.
3- تغيرت أدوار النساء في الحروب والصراعات من مجرد ضحايا للحروب والنزاعات إلى مشاركات فيها؛ ويتخذ انخراطهن في أعمال العنف المتطرف أشكالًا معقدة، بما في ذلك كقائمات على التجنيد، أو كمعلمات، أو مسؤولات عن الحملات، أو ممولات، أو عرائس، أو منظمات للوجستيات، أو مؤيدات وداعمات، أو دورهن الأصيل في تنشئة الأجيال الجديدة، أو مزيج من هؤلاء.
4- مستقبل مشاركة المرأة في مكافحة الإرهاب يتوقف على قدرة الدول والتكتلات الإقليمية والأممية على حشد وتعبئة الموارد والإمكانات المطلوبة لدعم دور المرأة في المجالات المختلفة، وقدرتها على إعادة صياغة الأعراف المجتمعية حول قدرات المرأة على صناعة السلام والأمن المستدام. وعلى الجهة الأخرى، يتوقف مستقبل انخراط النساء في النشاط الإرهابي على قدرة الدول على معالجة الأسباب والدوافع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية المحفزة للإرهاب.
5- إن إهمال النظر إلى الأدوار التي تلعبها النساء في مجال بناء السلام من داخل مؤسسات المجتمع المدني من شأنه أن يغفل إمكانات مهمة في بناء السلام الإيجابي.
6- تغيير قواعد التفاعل بين الجنسين على المستوى المجتمعي (ومن ثَمّ تغيير الأطر القيمية المقيدة لأدوار النساء)، يؤدي إلى تمكين أفضل للنساء في المساحات العامة والمجالات السياسية الرسمية. ويمكن أن يسهم في تحقيق شروط السلام الإيجابي وإنهاء أسباب الصراع والحفاظ على استمرارية السلام.
7- يمثل المنظور الثقافي والمجتمعي للعمل الجنسي أهمية بالغة، خاصة في إشكالية الاتجار بالنساء وروافدها المتعددة التي يتفرع من ضمنها الهجرة؛ سواء الهجرة القسرية التي نتجت عن حالات الفرار الجماعي من النزاعات المسلحة والحروب، أو هجرة النساء خارج حدود بلدانهن؛ إذ ينبغي التمييز بين العمل الجنسي الإرادي الذي تعتبره بعض الأدبيات فرصة عمل مواتية للمرأة المهاجرة أو اللاجئة، والعمل الجنسي القسري الذي ينبثق عن الاتجار بالنساء واستحضارهن، إما عن طريق القوة أو الخداع لاستغلالهن في هذا المجال.
8- هناك حاجة إلى تضمين بُعد النوع الاجتماعي في جميع الخطط والسياسات وبرامج العمل التي تستهدف حماية اللاجئين والنازحين، والحرص على وصول التمويل والمساعدات الإنسانية بمقدار كافٍ وعادل للنساء وفقَ معايير أكثر كفاءة، إضافة إلى استمرار دعم الدول المضيفة للاجئين حتى تستمر في تقديم العون للاجئات والفئات الأكثر عرضة للخطر.
9- التهديدات التي تتعرض لها النساء في مخيم الهول لا تقتصر على محفزات البيئة الداخلية، وإنما تمتد لتطال محاولاتهن للهروب والنجاة من هذا الوضع الكارثي، أو مساعي بعض الدول التي ينتمين إليها لاستعادتهن وأطفالهن بغية إعادة تأهيلهن ودمجهن داخل مجتمعاتهن الأصلية. وتتنوع طبيعة هذه المخاطر بحسب الوسيلة أو الطريقة التي يغادرن من خلالها المخيم.
10- حتى الآن لا توجد تحركات إقليمية ودولية جادة تتناسب مع حجم الخطر الأمني الذي تحتضنه مخيمات اللجوء؛ إذ اقتصر التعاطي الدولي مع تلك المُعضلة على التنديد بالأوضاع الإنسانية داخل المُخيمات، ومطالبة الدول باستعادة رعاياها، أو قيام بعض الدول على استحياء وبخطوات بطيئة للغاية باستعادة بعض النساء والأطفال، من دون وجود آليات واضحة ومُحددة وخطوات جادة وفعالة وإلزامية تُجبر هذه الدول على تحمل مسئوليتها تجاه هؤلاء من ناحية، وتُضيّق الطريق على محاولات بعض النساء الاختباء والتهرب من إجراءات عودتهن لبلدانهن من ناحية أخرى.
11- إن الحكم على مدى فاعلية منظمات المجتمع المدني، والتي استهدفت المرأة بنشاطها ومشاريعها؛ أمر يصعب تحديده، فالغالبية العظمى من تلك المنظمات تعمل تحت ظروف وشروط صعبة وغير مستقرة، مما أدى لأن تكون جودة الخدمات التي تقدمها أقل من المرجو أو المطلوب. كما قوبلت الكثير من أنشطة المنظمات النسائية، وخاصة تلك الأنشطة التي تهدف إلى تمكين المرأة سياسيًا أو حقوقيًا، برفض شديد من قبل الجماعات أو الفصائل الدينية المتطرفة أو الراديكالية، والتي أعاقت عملها بصورة صارخة، وصلت في بعض الأحيان إلى إغلاق مراكز المنظمات أو اعتقال القائمات على أنشطتها.
12- يمكن للمرأة أن تكون فاعلًا إيجابيًا من خلال المشاركة بفاعلية في مختلف المجالات الخاصة بقضايا الأمن وبناء السلام، سواء على المستوى السياسي والأمني، أو المجالات المتعلقة بالبنية التحتية كالاقتصاد، والتنمية، والجوانب الاجتماعية، والرعاية الصحية.