أوروبا

قراءة في قانون الهجرة الفرنسي الجديد

تعتبر قوانين الهجرة موضوعًا حساسًا ومعقدًا يثير العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية. في هذا السياق، يأتي قانون الهجرة الفرنسي الجديد كتحديث للتشريعات القائمة، ونتج عنه جدل واسع حيث يراه البعض، خاصة أصحاب التوجهات اليمينية، كإصلاح مطلوب بصورة ملحة لما ينتج عن الهجرة من سلبيات، بينما يراه البعض الآخر، خاصة أصحاب التوجهات اليسارية، بمثابة فتح باب جديد للتمييز والعنصرية والتضييق على المهاجرين وأصحاب الأصول غير الفرنسية ومزدوجي الجنسية.

أهم بنود القانون

أصدر البرلمان الفرنسي قانون الهجرة الجديد المكون من 86 مادة في ديسمبر الماضي على أن تتم مراجعته من قبل واعتماده من قبل المجلس الدستوري في يناير 2024، وأثار نص القانون جدلًا واسعًا، حيث يرى أصحاب التوجهات اليسارية أنه استجابة لضغط تيارات اليمين المتطرف، وأنه يشجع على العنصرية والتمييز ضد أصحاب الأصول غير الفرنسية. وفيما يلي أهم بنود القانون:

القيود على المزايا الاجتماعية

يفرق القانون بين الأجانب الذين هم “في حالة عمل” وأولئك الذين ليسوا كذلك، ويؤثر ذلك على المزايا الاجتماعية التي يمكنهم الحصول عليها ومتى. فعلى سبيل المثال، للحصول على مزايا مثل العلاوات العائلية، سيتعين على المهاجرين الذين لا يعملون الانتظار لمدة 5 سنوات حتى يصبحوا مؤهلين، مقارنة بـ 30 شهر لمن هم “في حالة عمل”. ولا تنطبق هذه القيود على الطلاب الأجانب أو اللاجئين أو حاملي تصاريح الإقامة.

حصص الهجرة

وينشئ القانون حصصًا لتحديد عدد الأجانب المقبولين في البلاد (باستثناء طالبي اللجوء) على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ويعتبر هذا الإجراء غير دستوري من قبل الائتلاف الحاكم. إلا أنه قُبِل إدراجه في مشروع القانون التوافقي تلبية لمطالب حزب الليبراليين، على أمل أن يقوم المجلس الدستوري بإسقاطه.

تجريد الجنسية

كما وافق الائتلاف الحاكم على إتاحة إمكانية تجريد مزدوجي الجنسية من جنسيتهم الفرنسية إذا أدينوا بالقتل العمد ضد أي شخص في “منصب سلطة عامة”، مثل ضباط الشرطة والقضاة العسكريين ومختلف المسؤولين الإداريين. وفي عام 2015، حاول الرئيس فرانسوا هولاند السماح بتجريد الجنسية الفرنسية من مزدوجي الجنسية المدانين بالإرهاب. لكن هذه الخطوة مزقت حزبه، وفي النهاية سحب مشروع القانون. وأعرب ماكرون عن “انزعاجه الفلسفي” من هذا الإجراء.

حق الأرض

تم تقييد حق الحصول على الجنسية الفرنسية منذ الولادة في فرنسا، حيث لن يُمنح الأشخاص المولودون في فرنسا لأبوين أجنبيين الجنسية الفرنسية تلقائيًا عند بلوغهم سن الرشد. وسيتعين عليهم الآن التقدم بطلب للحصول عليه بين سن 16 و18 عامًا. بالإضافة إلى ذلك لن يُسمح للأجانب المولودين في فرنسا والمدانين بارتكاب جريمة بالحصول على الجنسية الفرنسية.

جريمة الإقامة غير الشرعية

يعيد القانون العمل  “جريمة الإقامة غير القانونية” التي ألغيت في عام 2012. ويعاقب على هذا الإجراء بالغرامة، ولكن ليس بالسجن.

مراكز الاعتقال الإداري

ينص القانون على حظر احتجاز القاصرين الأجانب في مراكز الاعتقال الإداري، التي يتم احتجاز الأجانب الذين صدر أمر بترحيلهم فيها، حيث سيقتصر احتجاز الأجانب الذين صدر أمر بترحيلهم على من هم تخطوا 16 عام فقط. 

إعادة توحيد العائلة

أصبحت شروط لم شمل الأسرة أكثر صرامة، حيث يجب على المتقدمين الآن أن يكونوا قد أقاموا في فرنسا لمدة 24 شهرًا (مقارنة بـ 18 شهرًا سابقًا)، ويجب أن يكونوا قادرين على إثبات أن لديهم موارد “مستقرة ومنتظمة وكافية” وتأمين صحي، ويجب أن يكون عمر زوجاتهم 21 عامًا على الأقل (بدلاً من 18 عامًا).

إيداع الطالب

مع بعض الاستثناءات، سيتعين على الطلاب الأجانب دفع وديعة عند التقدم بطلب للحصول على تصريح إقامة طالب، لتغطية “تكاليف الإزالة” المحتملة، وهي تكاليف نقل الأغراض الشخصية، والأثاث، وغيرها، من مكان لآخر، وهو ما يعني إجبار الطلاب الأجانب على دفع “تكاليف الإزالة” بشكل مسبق وحت في حالة عدم استخدامهم لهذه الخدمة.

الرعاية الصحية

يتضمن القانون قيودًا على الحصول على تصريح إقامة “المواطن الأجنبي المريض”. ومع بعض الاستثناءات، لن يتم منحه إلا في حالة عدم وجود “معاملة مناسبة” في البلد الأصلي. سيتم أيضًا استبعاد تغطية التأمين الصحي العام إذا كان لدى مقدم الطلب موارد كافية.

مراجعة المجلس الدستوري

رفض المجلس الدستوري يوم 25 يناير 2024، 35 مادة من أصل 86 من قانون الهجرة، وهي المواد التي التي أثارت معظم الجدل، حيث تم رفض 3 مواد فقط بسبب مضمونها، بينما تم رفض 32 مادة أخرى بحجة أنها خارجة عن نطاق القانون، وهو ما يعني أنه من الممكن قبولها في حالة تم إدراجها داخل قوانين أو تشريعات أخرى. ومن أهم البنود المرفوضة:

القيود على المزايا الاجتماعية

رفض المجلس الدستوري المادة الرئيسية التي تجعل من الصعب على المهاجرين الوصول إلى الرعاية الاجتماعية، الأمر الذي يميز بين المواطنين الفرنسيين والأجانب، حيث كان يدفع التشريع المقترح بعض المزايا الاجتماعية للأجانب مشروطا بوضعهم الوظيفي. واعتٌبر هذا الإجراء بمثابة تنازل كبير لليمين الفرنسي المتطرف وحزب الجمهوريين المحافظ، الذين يريدون أن يتمتع المواطنون الفرنسيون بالأولوية عندما يتعلق الأمر بالرعاية الاجتماعية.

حصص الهجرة

رفض المجلس أيضًا إدخال حصص الهجرة، والتي كان من شأنها أن تحدد عدد المهاجرين المقبولين في فرنسا – باستثناء طالبي اللجوء – على مدى ثلاث سنوات. وقد تم الاعتراف بهذا الإجراء على أنه غير دستوري من قبل الائتلاف الحاكم لماكرون. ومع ذلك، وافق على إضافته إلى مشروع القانون المعدل من أجل كسب دعم الجمهوريين، مع أمله في أن يقوم المجلس الدستوري بإلغائه. ودفعت هذه الخطوة إلى اتهام ماكرون بالسعي إلى إلقاء المسؤولية على المجلس الدستوري من خلال تقديم تشريع يعلم أنه يتعارض مع القانون الأساسي الفرنسي.

إعادة توحيد العائلة

كما ألغت أيضًا مبدأ “اعادة توحيد العائلة” وهو الإجراء الذي أثار الجدل بشدة، حيث جعل من الصعب على المهاجرين إحضار عائلاتهم إلى فرنسا. حيث رأى البعض أن مثل هذه المتطلبات كان من المستحيل تلبيته، فإذا لم تكن عائلة الأجنبي في فرنسا، فلن ينتسبوا إلى الضمان الاجتماعي، ولن يكون تأمينهم الخاص في بلدهم الأصلي ساري المفعول في فرنسا.

تأثير القانون بشكله النهائي

بينما كان يُنظر إلى مشروع القانون على أنه أحد الإصلاحات المميزة لولاية ماكرون الثانية، اعترض البعض من حلفائه على النسخة الأكثر صرامة، حيث صوت حوالي ربع حلفائه في البرلمان ضده أو امتنعوا عن التصويت. ويحتفظ النص النهائي الذي أيده المجلس بالعناصر الأساسية التي كانت الحكومة تريدها في البداية، عن طريق تخصيص جزء كبير منه لتبسيط إجراءات طرد الأجانب الجانحين، وهو أحد أهداف وزير الداخلية “جيرار دارمانين”.

وبعد قرار المجلس الدستوري، دعا “ماكرون” “دارمانين” إلى بذل “كل ما في وسعه” من أجل “تنفيذ قانون الهجرة في أسرع وقت ممكن”، بحسب ما أفاد أحد أعضاء فريق الرئيس. ووصف “دارمانين”، الذي قال في السابق إن بعض الإجراءات “تتعارض بشكل واضح مع الدستور”، حكم المجلس بأنه انتصار للحكومة.

لكن القرار أثار غضب اليمينيين، حيث انتقد “جوردان بارديلا”، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني، ما أسماه “انقلاب القضاة بدعم من الرئيس” في منشور على منصة التواصل الاجتماعي “X”، ودعا إلى إجراء استفتاء على الهجرة باعتباره “الحل الوحيد”. واتهم رئيس الحزب الجمهوري المحافظ “إريك سيوتي” المجلس بالتواطؤ مع ماكرون ضد “إرادة الشعب الفرنسي الذي يريد هجرة أقل”. وحث الرئيس الجمهوري لمجلس الشيوخ “جيرار لارشر” الإدارة على “إعادة تقديم نص يتوافق مع الاتفاق” الذي تم التوصل إليه مع اليمين.

أما من الجانب اليساري، دعا رئيس حزب “LFI” اليساري، “مانويل بومبارد”، إلى سحب القانون، قائلا إن “النص الذي صادق عليه المجلس الدستوري يتوافق مع النص الذي رفضته الجمعية” وبالتالي “ليس له شرعية”. لكن وزير الداخلية “دارمانين” عارض إمكانية إصدار المزيد من التشريعات، قائلاً إن السلطة التنفيذية “لن تقدم مشروع قانون” حول هذا الموضوع.

وختامًا، أثار مشروع القانون الكثير من الضجة والجدل، حيث رأى اليساريين أن حكومة “ماكرون” ترضخ لضغط التيار اليميني الذي صعد بشكل ملحوظ مؤخرًا، ليس في فرنسا فقط إنما في أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك فإن التعديلات التي قام بها المجلس الدستوري زادت من سوء الوضع، حيث أنها أثارت غضب اليمين الذي يرى أن هذه التعديلات لن تضمن الوصول للهدف المطلوب من القانون ، بينما يرى اليسار أن هذه التعديلات غير مجدية وأن القانون مازال يساعد على التمييز والعنصرية. ويعد هذا الوضع مؤشرًا واضح على تعمق الانقسام في فرنسا، وأوروبا بشكل عام، والذي بدأ في الظهور في الكثير من القضايا المختلفة مع صعود التيار اليميني مؤخرًا. ولكن أظهر هذا الوضع أيضًا خطورة هذا الانقسام، حيث أن ما نتج عنه هو الكثير من الخلاف والجدل وتبادل الاتهامات وفي النهاية لا ترضى أي من التيارات بالنتيجة النهائية.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى