جلسة قرار محكمة العدل الدولية.. التدابير المؤقتة المتخذة ضد إسرائيل
أشارت رئيسة محكمة العدل الدولية، جوان إي. دونوغيو إلى أنه في 29 ديسمبر 2023 قدمت دولة جنوب أفريقيا طلبًا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب الجرائم التي ترتكبها في قطاع غزة، وأشار الطلب إلى أن أعمال إسرائيل تنافي ما جاء في اتفاقية الإبادة الجماعية، وطلبت جنوب أفريقيا إصدار تدابير مؤقتة ضد إسرائيل وفقًا للمادة 41 – 73 – 74 – 75.
- وفقًا للفقرة 13 من الطلب فإنه في السابع من أكتوبر قامت حماس وجماعات مسلحة أخرى بقتل أكثر من ألف شخص في إسرائيل وأسر عشرات الإسرائيليين، بعدها بدأت إسرائيل في شن علميات عسكرية واسعة المدى في قطاع غزة، أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين الفلسطينيين.
- يجدر الإشارة إلى أن المحكمة على دراية بمدى الكارثة الإنسانية في القطاع، وتعرب عن قلقها تجاه الصراع المستمر في قطاع غزة وترفع صوتها للجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن. وقد نظرت المحكمة في مدى توافر الشروط لاتخاذ تدابير مؤقتة.
في هذه القضية وفقًا للمادة 9 من اتفاقية منع الإبادة، فإن أي صراعات بين الدول التي وقعت على الاتفاقية تعنى محكمة العدل الدولية بالنظر فيها، وبما أن جنوب أفريقيا وإسرائيل هما طرفان في الاتفاقية، فإن المحكمة تشير للمادة 9 من الاتفاقية، وبتالي لديها الحق في النظر في توافر الشروط من أجل إصدار تدابير مؤقتة. حيث وجب أيضًا التأكد من أن هذه الطلب المقدم تقع ضمن بنود الاتفاقية، لتقرير ما إذا كان هناك أي خلاف وقت تقديم الطلب، والأخذ في الاعتبار أي تصريحات ومن توجه له التصريحات.
تشير المحكمة إلى أن جنوب أفريقيا قدمت تصريحات وأدلة علنية تعبر فيها عن انتهاك إسرائيل لاتفاقية منع الإبادة، في 12 ديسمبر 2023، صرح ممثل جنوب أفريقيا في الأمم المتحدة، أن أحداث ست أسابيع ماضية في غزة، تخالف التزامات إسرائيل في اتفاقية منع الإبادة. في 21 ديسمبر قدمت جنوب أفريقيا طلبها رسميًا للمحكمة.
وتلاحظ المحكمة أن إسرائيل قد تجاهلت كافة الاتهامات الموجه لها فيما يتعلق بقطاع غزة، حيث أكد موقع الوزارة الرسمي لوزارة الدفاع الإسرائيل أن اتهام الإبادة الجماعية الموجه نحو إسرائيل ليست حقيقة، وصرحت إسرائيل لا يوجد أدلة أو أساس لهذا الاتهام.
في ضوء هذا، تأخذ المحكمة بعين الاعتبار اختلاف الآراء الواردة من الطرفين في الاتفاقية حول ما تتخذه إسرائيل في قطاع غزة، وانتهاكها لاتفاقية منع الإبادة، وأن هذا كافٍ لتأكيد أن هناك صراع بين الأطراف وفقًا للاتفاقية، وباتالي هناك حاجة عاجلة لتدخل المحكمة.
أثناء هذه المرحلة قررت المحكمة ما إذا كانت هناك انتهاكات حدثت من قبل إسرائيل في غزة ضد اتفاقية الإبادة الجماعية (بما في ذلك ارتكاب أعمال أبادة، والتحريض على ارتكابها)، وما إذا ما كان هذا الطلب يلبي شروط اتفاقية الإبادة الجماعية.
في ضوء هذا، فإن المحكمة تدرك دورها في هذه القضية، وتؤكد أن لديها السلطة القضائية وأن القضية تدخل في اختصاصاها وفقًا للمادة 9 من الاتفاقية. وبناء على ذلك، المحكمة لا تقبل طلب إسرائيل بإلغاء القضية ولن ترفض قضية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وتلحظ المحكمة أنه على غرار ما حدث سابقًا وفقًا للطلب المقدم في قضية غامبيا-ميانمار عندما تم انتهاك المادة 9 من الاتفاقية، تشير الاتفاقية أن جميع الأطراف في الاتفاقية لديهم مصلحة مشتركة ولهم حق مشترك في الدعوة لفرق عقوبة في حال خرق أحد الأطراف الاتفاقية من منطلق المصلحة والمشتركة والمسؤولية الجماعية.
وترى المحكمة أن جنوب أفريقيا قدمت كافة الأدلة التي تشير إلى اختراق إسرائيل لبنود الاتفاقية. وتشير المادة 41 من الاتفاقية إلى وجوب احترام حقوق الإنسان، وأنه على المحكمة أن تولي اهتمامها للطرفين. وفي ضوء الدور المخول إلى المحكمة، فإنها ستستخدم قوتها من أجل احترام الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقية ومن أجل تنفيذ التدابير المؤقتة.
وتشير المحكمة أن المادة 1 تقر بوجوب تدخل كافة الأطراف لمعاقبة الطرف غير الملتزم، وأن المادة 2 تفسر مفهوم الإبادة الجماعية بأنه أي من الأعمال التي تشكل تدميرًا كليًا أو جزئيًا لمجموعة من البشر، وأحدث ضررًا جسيمًا نفسيًا أو جسديًا، وفرض ظروف إنسانية تهدف إلى الدمار، وتهجير القسري للأطفال. أما المادة 3 تشير إلى أن هناك أعمال بعينها ممنوعة وهي: التورط والتحريض العلني على ارتكاب إبادة جماعية، وتهدف تلك المادة إلى حماية أي مجموعة من جريمة الإبادة الجماعية. ويشترط أيضًا أن يتبين للمحكمة نية أحد الأطراف بتدمير جزء من مجموعة بعينها. بشكل عام فإن الغرض من اتفاقية الإبادة هو منع أي تدمير لمجموعة، والفلسطينيون هم مجموعة يجب حمايتهم وفقًا للمادة الثانية من اتفاقية منع الإبادة.
تلاحظ المحكمة أنه وفقًا لمصادر الأمم المتحدة فإن الفلسطينيين في قطاع غزة عددهم مليوني شخص، وقد أدت العمليات العسكرية التي تلت 7 أكتوبر إلى عدد قتل عدد كبير من الشعب الفلسطيني وتهجيرهم وتدمير البنية التحتية. وتشير المعلومات الأخيرة إلى أن 25 ألف شخص قتلوا وحوالي 63 ألف إصابة وأكثر 300 بيت تم تدميره و1.7 مليون شخص تم تهجيره.
وتلاحظ المحكمة في هذا السياق تصريح الأمين العام للأمم المتحدة، في 5 يناير، الذي أكد على أن “غزة أصبحت مكانًا للموت واليأس، والعائلات يعيشون في العراء، وأصبحت مكانًا غير صالح للعيش، والعالم يشاهد هذا وهو مكتوف الأيدي”. وفقًا لزيارة الأونروا لشمال غزة في 21 ديسمبر 2023، فإن 93% من شعب غزة يواجهون مستويات كارثية من المجاعة وسوء التغذية.
وقد تابعت المحكمة تصريح المفوض العام للأونروا، في 13 يناير 2024، والذي أشار إلى أن ” 100 يوم من الحرب التي قتلت المدنيين عقب الهجمات المروعة لحماس والجماعات الأخرى ضد إسرائيل، 100 يوم من القلق للأسرى والعائلات، 100 يوم من القصف المستمر في قطاع غزة، ومن تهجير واسع المدى لشعب غزة الذي يعيش حالة إنسانية متدهورة ، والانتقال من مكان لأخر بشكل غير أمن، مليوني شخص في قطاع غزة أصيبوا بندبات نفسية وجسدية لمدى الحياة، ومن الاكتظاظ في ملاجئ الأونروا، والذين يعيشون في ظروف غير إنسانية ويتجهون نحو المجاعة”.
وأشارت رئيسة المحكمة أن موقف الأطفال يحطم القلوب، مستقبلهم على المحك، ومئات الآلف حرموا من حقهم في التعليم.
وقد أخذت المحكمة في اعتبارها أيضًا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تدعم الإبادة الجماعية وتحرض عليها:
- في التاسع من أكتوبر، صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يواف جالانت أنه أمر بحصار كامل لقطاع غزة، وأن إسرائيل ستمنع الكهرباء والوقود، وأن كل شيء سوف يغلق.
- في اليوم التالي 10 أكتوبر، أكد متحدث القوات الإسرائيلية “رفعت إسرائيل جميع القيود والحدود، وان ما نقاتله هم حيوانات بشرية هذه هي داعش قطاع غزة، غزة ستعود لما كانت عليه من قبل، سندمر حماس وسنصل لكل مكان”.
- في 12 أكتوبر 2023، صرح رئيس إسرائيل مشيرًا إلى غزة، “نحن نعمل بشكل عسكري وفقًا لقانون الدولي، هناك شعب بأكمله مسؤول، المدنيين منخرطون بشكل مباشر في هذه الحرب، كان بإمكانهم وقف هجمات حماس والوقف ضدهم، نحن في حرب، وندافع عن أوطاننا، وسنقاتل حتى ندمرهم”.
- في 13 أكتوبر 2023، وزير الطاقة والبنية التحتية لإسرائيل، صرح على منصة أكس، “سندمر جماعة حماس الإرهابية، سنفوز في هذا، لن يتلقوا نقطة مياه أو حتى بطارية واحدة، حتى يغادروا عالمنا”.
لاحظت الأمم المتحدة خطاب الكراهية الإسرائيلي المتزايد ضد الشعب الفلسطيني منذ 7 أكتوبر، في وجهة نظر المحكمة ما ذكر سابقًا كافي للنظر بعين الاعتبار للحقوق التي تطالب بها جنوب أفريقيا وهي حقوق شعب قطاع غزة الفلسطيني، ووقف أي حقوق منتهكة في المادة 3 من اتفاقية الإبادة. وحق جنوب أفريقيا بمطالبة إسرائيل بالتزام بواجبتها من أجل تطبيق الاتفاقية. تتجه المحكمة إلى إقرار التدابير المؤقتة المطلوبة من قبل جنوب أفريقيا، وفقًا للمادة 3.
وفقًا لاختصاص المحكمة فإنه وفقًا للمادة 41 يمكن لها أن تصدر تدابير مؤقتة إذا كانت دولة طرف تنتهك الاتفاقية وما إذا كان هناك خطر عاجل، وقد أخذت المحكمة في اعتبارها الخطر العاجل والداهم على قطاع غزة قبل إقرار التدابير المؤقتة.
وتذكر المحكمة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بمنع الإبادة الجماعية ضد مجموعة إنسانية كبيرة، وتعارض أعمال إسرائيل ضد شعب قطاع غزة الاخلاقيات الدولية، وميثاق الأمم المتحدة الخاص بمنع الإبادة الجماعة وحقوق الشعب الفلسطيني، والمادة 3 من الإبادة الجماعية. ولذلك على إسرائيل الالتزام بذلك ووقف التدهور المستمر لقطاع غزة.
صرح الأمين العام للأمم المتحدة في 6 ديسمبر بأن “القطاع الصحي في القطاع ينهار ولا يوجد مكان أمن في القطاع، نطلب إيقاف هذا. نحن نواجه الأزمة كبرة قد تؤدى لانهيار النظام الإنساني، وقد يؤدي إلى كارثة ستكون لها تداعيات على الشعب الفلسطيني، وعلى السلام والأمن في المنطقة بأكملها”. وفي 5 يناير 2024، كتب الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن بشأن الوضع في قطاع غزة “مع الأسف يستمر الدمار والقتل”.
وتلاحظ المحكمة أيضًا في 17 يناير تصريح مفوض الأونروا وفقًا للزيارة الرابعة له لقطاع غزة منذ بداية الحرب في القطاع، “كل مرة أزور غزة أرى كم اليأس الذي يعانيه شعب قطاع غزة، بسبب العمليات العسكرية لإسرائيل، والتي أدت لتدمير المرافق الصحية والتحتية والتهجير القسري”.
وتأخذ المحكمة في اعتبارها العملية العسكرية المعلنة في 18 يناير، والتي تعكس استمرار الحرب لشهور أخرى، وذلك في ظل عدم وصول المدنيين إلى احتياجاتهم الأساسية.
منظمة الصحة العالمية قدرت أن 15% من النساء في قطاع غزة يمرون بمضافات صحية خطيرة، ويرتفع مستوى الوفيات للأطفال في ظل غياب الرعاية الصحية. وترى المحكمة أن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة في خطر داهم أن يتدهور قبل اتخاذ المحكمة قرارها النهائي.
وتؤكد المحكمة على أن إسرائيل يحب أن تضطلع بمسؤوليتها وفقًا لاتفاقية منع الإبادة الموقعة عليها فيما يتصل بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وترى ضرورة أن تتخذ إسرائيل كل الإجراءات لمنع كل الأعمال التي تنتهك المادة 2 من الاتفاقية، أولًا قتل مجموعة من الناس، ثانيًا التسبب في ضرر نفسي أو جسدي، ثالثًا فرض ظروف غير إنسانية لتدمير مجموعة.
وتشير المحكمة أنه يجب على إسرائيل إنهاء هذه الأعمال العسكرية بشكل عاجل، ووقف ارتكاب أي مما سبق.
تقرر المحكمة أنه يجب على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لمنع أي تحريض علني ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وأن إسرائيل يجب أن تتخذ كل التدابير لإيصال كل الخدمات والمساعدات الإنسانية لمعالجة كافة الظروف للشعب الفلسطيني في غزة، ويجب أن تتخذ إسرائيل كافة تدابير فعالة لمنع الدمار وفقًا للمادة 2، 3، من اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وقد توصلت المحكمة إلى أنه على إسرائيل أن تقدم تقريرًا للمحكمة بشأن التدابير المقررة في هذه الجلسة بعد شهر من اليوم الموافق 26 يناير، ولجنوب أفريقيا الحق في التعليق على التقرير.
وتؤكد المحكمة أن القرار المتخذ في هذه الجلسة لا يؤثر على تحقيق المحكمة في القضية، ولا يؤثر على حق جنوب أفريقيا وإسرائيل في الرد على أي اتهامات موجه إليهم.
في نهاية الجلسة قرأت رئيسة المحكمة مجموعة التدابير التي تم إقرارها ضد إسرائيل:
- 15 صوتًا مؤيدًا مقابل صوتين رافضين: على إسرائيل وفقًا لاتفاقية الإبادة أن تنفذ كافة التدابير المنصوص عليها في المادة 2.
- 15 صوتًا مؤيدًا مقابل صوتين رافضين: يجب أن تضمن إسرائيل بشكل عاجل أن جيشها لا يرتكب أي أعمال إبادة مذكورة في الاتفاقية.
- 16 صوتًا مؤيدًا مقابل صوت معارض: يجب على دولة إسرائيل أن تتخذ كافة الإجراءات التي في سلطاتها لمنع وعقاب أي تحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية فيما يتصل بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
- 16 صوتًا مؤيدًا مقابل صوت معارض: يجب على دولة إسرائيل أن تتخذ تدابير عاجلة وفورية لإيصال الخدمات والمساعدات الإنسانية لتقليل من الظروف غير المحتملة التي يواجها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
- 15 صوتًا مؤيدًا مقابل صوتين معارضين: على إسرائيل أن تتخذ كافة التدابير لمنع الدمار والحفاظ على أي أدلة متعلقة في السياق المادة 2 و3 لاتفاقية منع الإبادة الجماعية وعقابها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
- 15 صوتًا مؤيدًا مقابل صوتين معارضين: يجب على إسرائيل تقديم تقريرًا للمحكمة بكل التدابير المتخذة في خلال شهر من جلسة المحكمة اليوم.