
“اثنان وسبعون عامًا”.. بطولات مستمرة للشرطة المصرية
في كل عام، وفي مثل هذا اليوم ٢٥ يناير، تحتفل مصر بأبنائها من رجال الشرطة المصرية، وهذا العام يوافق العيد الثاني والسبعين لذكرى الملحمة الوطنية التي ستظل خالدة في وجدان الأمة، وفي أذهان المصريين، والتي تظهر مدى الشجاعة والبطولة التي أظهرها رجال الشرطة في معركة “الإسماعلية” عام 1952 عندما قاوموا قوات الاحتلال الإنجليزي بكل قوة وشجاعة للحفاظ على أمن وأمان ومقدرات الوطن، بالرغم من قلة العدة والعتاد.
وعلى مدار كل هذه الأعوام، شهدت الشرطة المصرية عددًا من التطورات والتقدمات التي تثبت أهميتها في استقرار الوطن وأمنه وسلامته، للتأكيد على أن مصر قادرة على توطيد أمنها وأمان شعبها دون تفريط أو تراجع، ولتظل راية مصر خفاقةً أبد الآبدين.
قصة تكاتف الشرطة مع الشعب في وجه العدو الإنجليزي

ضربت “معركة الإسماعلية” مثالًا يحتذى به على تكاتف الشعب مع الشرطة، عندما تعاون أهالي الإسماعلية مع رجال الداخلية، متكاتفين تحت راية هدف واحد، وهو مقاومة الاحتلال الإنجليزي بعد الوصول إلى ذروة التوتر بين مصر وبريطانيا عقب زيادة أعمال التخريب والأنشطة الفدائية ضد معسكراتهم وجنودهم في منطقة القناة، وذلك بالتزامن مع ترك أكثر من 91 ألف عامل مصري لمعسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني، وامتناع التجار عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية. ومن هنا كانت بداية المعركة، فقد مضى رجال الشرطة بالتعاون مع الشعب في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبدوا الإنجليز خسائر فادحة.
وبعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة، استدعى القائد البريطاني بمنطقة القناة ضابط الاتصال المصري يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952، وسلمه إنذارًا بأن تقوم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية بتسليم أسلحتها للقوات البريطانية، وأن ترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة، لترفض قوات الشرطة المصرية هذا الإنذار، معلنة الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام، ليشتد غضب القائد البريطاني في القناة، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية بالدبابات وأسلحة ثقيلة، وقاموا بإطلاق نيران مدافعهم بطريقة وحشية لأكثر من 6 ساعات، في الوقت الذي لم تكن فيه قوات الشرطة المصرية مسلحة إلا ببنادق قديمة الصنع، متوهمًا أن رجال الشرطة سيخافون على حياتهم ويتركون أسلحتهم ويهربون، ولكنهم دافعوا ببسالة عن أرضهم حتى سقط منهم 50 شهيدًا والعديد من الجرحى الذين رفض العدو إسعافهم.
ولم يكتف البريطانيون بالقتل والجرح والأسر، بل قاموا بهدم قرى مسالمة تابعة للمحافظة؛ لاعتقادهم أنها مقر يتخفى خلاله الفدائيون، مما أثار الغضب في قلوب المصريين، فنشبت المظاهرات لتشق جميع شوارع القاهرة مليئة بجماهير غاضبة تنادى بحمل السلاح لمواجهة العدو الغاشم.

وأجبر تصدي الشرطة المصرية لقوات الاحتلال حتى لحظاتهم الأخيرة في الدفاع عن الوطن، الجنرال البريطاني على منح جثث شهداء الشرطة التحية العسكرية عند إخراجها من مبنى محافظة الإسماعيلية؛ اعترافًا بشجاعتهم في الحفاظ على وطنهم، لتنتشر أخبار الجريمة البشعة في مصر كلها، وتخرج المظاهرات في القاهرة ممتلئة بالجماهير الغاضبة، ويشترك فيها جنود الشرطة مع طلاب الجامعة صباح السبت 26 من يناير 1952، منادين بحمل السلاح ومحاربة الإنجليز، لتكون معركة الإسماعيلية الشرارة التي أشعلت نيران الثورة.
أرواح تُقدّم فداء للوطن وإنجازات لا تنتهي
وفي مثل هذا اليوم من كل عام، يجب على أبناء الشعب المصري أن يتذكروا أبناء الشرطة –وأبناء القوات المسلحة- الذين قدموا أرواحهم ثمنًا للحفاظ على الأمن القومي المصري، وأنه لولا شجاعتهم ما كان ليستمر الوطن بالتقدم إلى الأمام. ولهذا، شهدت احتفالية اليوم تكريمًا لذكرى شهداء الواجب، وتكريمًا وتعزيةً لأسرهم.

وعبر كلمته، أكد وزير الداخلية “محمود توفيق”، أن الشرطة المصرية تواجه تحديات أمنية عظيمة في ظل التوترات الإقليمية الحالية، ولهذا حرصت الاستراتيجية الأمنية للوزارة بالتعاون مع القوات المسلحة على التعامل الفعال مع هذا الواقع، من خلال ترتيب الأولويات وتقييم المخاطر والارتكاز على أسس علمية في التخطيط؛ من أجل تحقيق الاستباق الأمني لمواجهة ما يهدد أمن المجتمع واستقراره، هذا بجانب تكثيف برامج التوعية وأساليب حروب الجيلين الرابع والخامس، وتفنيد الأكاذيب وتبصير الرأي العام بالحقائق.
وتحت شعار “بالإنجازات لا بالكلمات”، استعرضت وزارة الداخلية ما تقوم به من يقظة أمنية وأساليب تكنولوجية متقدمة لمكافحة الجرائم ومساعدة المواطنين، هذا بجانب التركيز على تطوير العنصر البشري بتدريبه وإعداده بشكل احترافي لمجابهة كافة التحديات التي تواجهها الشرطة المصرية، خاصة وأن الفترة الأخيرة قد شهدت بالفعل عددًا من الضربات الاستباقية على يد عناصر الأمن لمنع الجرائم قبل حدوثها، والوصول إلى جميع البؤر الإجرامية والقضاء عليها وتجفيف منابع تمويلها.
وهو ما أسهم في دحض الإرهاب الذي كان ولا يزال القضية الأهم التي تحاربها الدولة المصرية عبر السنوات العشر الأخيرة، خاصة وأن الجماعات الإرهابية تستغل التوترات الحالية لاستعادة قدراتها عبر نشاطها عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب ونشر الشائعات وتكريس الإحباط من أجل استهداف مقدرات البلاد. وفيما يلي أبرز حصاد عام 2023 لوزارة الداخلية المصرية:
- البؤر الإرهابية: نجحت وزارة الداخلية في إجهاض 129محاولة لتكوين بؤر إرهابية، وتم اتخاذ عدد من الإجراءات القانونية تجاه عدد من الكيانات التجارية تقدر قيمتها السوقية بنحو 3.6 مليارات جنيه لتورطها في تقديم الدعم المالي لتنظيم الإخوان الإرهابي.
- جرائم المخدرات: قامت الوزارة بعمليات ضبط غير مسبوقة قاربت قيمتها 9 مليارات جنيه، تنوعت بين محاولات إحباط تهريب المواد الخام والمصنعة، والتنسيق مع القوات المسلحة لمنع تسرب هذه المواد داخل البلاد عبر الحدود المصرية، فقد تم تقويض عمليات التهريب، وضبط القائمين عليها.
- الاتجار بالبشر: فقد نشطت عصابات تهريب المواطنين على المستوى الإقليمي، استغلالًا لتراجع قدرة بعض الدول على تحقيق سيطرة كاملة على مناطقها الحدودية، وقد نجحت عناصر الشرطة في تقويض تهريب المهاجرين انطلاقًا من البلاد، وضبط القائمين عليها، وإجهاض محاولات غسل الأموال المتحصلة منهم، والتي بلغت ما يقرب 253 مليون جنيه العام الماضي فقط.
- الجرائم الجنائية: انطلاقًا من مبدأ الحفاظ على الأمن والاستقرار، تحرص الوزارة على مكافحة الجريمة الجنائية بشتى صورها، حيث حققت نجاحات نوعية في القضاء على العديد من البؤر الإجرامية والتشكيلات العصابية، والتصدي للجرائم الضارة بالاقتصاد الوطني، حيث بلغت قيمة مضبوطات جرائم الأموال العامة 3.7 مليارات جنيه. ووفقًا للإحصائيات، فقد انخفضت معدلات الجريمة بنسبة 13.9% مقارنة بالعام السابق.
- القضاء على العشوائيات: فتزامنًا مع استراتيجية الدولة المصرية، أسهمت مجهودات وزارة الداخلية في القضاء على العشوائيات التي كانت تمثل بيئة حاضنة للأعمال الإجرامية،
- توظيف التكنولوجيا في خدمة الأمن: فقد تم تطوير منظومة الأدلة الجنائية، ودعمها بمعامل تخصصية وفقًا لأعلى المقاييس الدولية، كما تم استحداث مركز العمليات الأمنية وتزويده بأحدث التقنيات والوسائل التكنولوجية، لإدارة ومتابعة المهام الأمنية الميدانية اليومية، وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي بما يكفل الحفاظ على سلامة أمن الوطن والمواطن.
- العدالة الإصلاحية: تقوم وزارة الداخلية بدورها ضمن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، إذ قامت بعدد من الإجراءات والإصلاحات التي من شأنها إعادة تأهيل المحكوم عليهم وإصلاح سلوكهم حتى يخرجوا بعد انقضاء مدتهم كأفراد صالحة ومنتجة يمكن دمجهم في المجتمع ويبدؤون حياة جديدة بفضل مراكز الإصلاح والتأهيل.
ولقد استحوذت التجربة المصرية في الإصلاح على أنظار العالم، حيث أشادت بها المنظمات الدولية المعنية؛ كونها أحد أبرز التجارب خلال الفترة الأخيرة في مجال تحسين مراكز الاحتجاز، وفي هذا الصدد، تم استقبال عدد من الوفود الأجنبية الكبرى، للوقوف على تفصيلات التجربة ونقلها إلى بلادهم.
- الدور المجتمعي: تحرص الوزارة على رفع الأعباء عن كاهل الأهالي من محدودي الدخل، والتوسع في المبادرات التكافلية، وتيسير تقديم الخدمات الأمنية الجماهيرية، لا سيما لكبار السن وذوي الهمم، واستحداث مراكز متطورة –ثابتة ومتحركة- لإتاحة تلك الخدمات دون عناء، هذا بجانب الاهتمام بتوعية المواطنين وخاصة النشء؛ حتى يتم تطوير مستوى إدراك الجيل الجديد ببطولات الجيش والشرطة للوطن، لغرس قيم التضحية والفداء في نفوسهم.