في ظل الملفات المشتركة بين البلدين الأفريقيتين، تلقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود دعوة رسمية من الرئيس المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي للاجتماع في القاهرة. وقد وصل الرئيس الصومالي اليوم 21 يناير إلى مطار القاهرة، لبحث عدد من الملفات على رأسها الأطماع الإثيوبية في الأراضي الصومالية، والتأكيد على حماية وحدة وسيادة الصومال على كامل أراضيها، بالإضافة إلى مناقشة الدعم المصري للاستقرار السياسي والأمني في الصومال، خصوصَا فيما يتعلق بالمواجهات مع “حركة الشباب” الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة.
ومن المقرر أن يلتقي الرئيس الصومالي نظيره المصري، والأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد أبو الغيط، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لبحث مستجدات الأوضاع في المنطقة. وتحمل زيارة الرئيس الصومالي للقاهرة أبعادًا استراتيجية مهمة، في إطار التأكيد على الحرص المصري- الصومالي على تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون بين البلدين على كافة الأصعدة، خصوصًا التعاون في المجال الأمني، لمواجهة تزايد هجمات حركة الشباب الإرهابية في الداخل الصومالي، فضلًا على تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
العلاقات المصرية الصومالية.. علاقات قوية على مدار السنوات
منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تبادلت القاهرة ومقديشو الزيارات واللقاءات الدبلوماسية بما يزيد عن 20 زيارة ولقاء على مدار العقد (2014-2024)، فضلًا عن توقيع ما يفوق 15 مذكرة تعاون بين الطرفين في العديد من المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ويعد عام 2023 نقلة جديدة في تاريخ المذكرات الموقعة المشتركة بين البلدين حيث شهد توقيع 5 مذكرات جديدة في مجالات متخلفة. وشهدت العلاقات الصومالية المصرية حالة من التطور الإيجابي في الفترة الأخيرة والذي تجسد بشكل واضح في العديد من الأحداث والفعاليات، كان أبرزها حضور كبار المسؤولين المصريين وعلى رأسهم رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، نيابة عن الرئيس السيسي، حفل تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مقديشيو، وهو ما يعتبره المحللون مؤشرًا طيبًا على عودة الدفء وبث الروح من جديد في العلاقات الصومالية المصرية، بعدما شهدت حالة من الفتور في ظل السنوات الماضية.
وتجمع البلدين علاقات قوية ووطيدة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ بداية من عصر الفراعنة وقدماء المصريين ومرورا بالفتح العربي الإسلامي لإفريقيا، وصولًا للعصر الحديث وما شهده من علاقة قوية بين البلدين، سيما في ظل طبيعة الموقع الجغرافي الحيوي والاستراتيجي لدولة الصومال بشرق أفريقيا وفي منطقة القرن الإفريقي، ما يجعل أمنها امتدادًا مهمًا للأمن القومي المصري.
وبعد تولي الرئيس الحالي حسن شيخ محمود الصومالي رئاسة بلاده، زار مصر في يوليو 2022 استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتم مناقشة التقدم المحرز في مشروعات التعاون الثنائي بين البلدين، وتم الاتفاق على أهمية العمل المشترك وتعزيز جهود التنمية الاقتصادية في الصومال، ومكافحة الإرهاب والفكر المتطرف من خلال توفير التدريب اللازم، لبناء قدرات الكوادر الصومالية في مختلف المجالات. وفي نوفمبر 2022 التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، وذلك على هامش مشاركته في القمة العربية في الجزائر، أكد الطرفين خلالها على اعتزازهما بعلاقاتهما التاريخية وحرص البلدين على تعزيز التشاور والتنسيق بشأن مختلف الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك لاسيما المتعلقة بأمن البحر الأحمر، والتغلب على التحديات المختلفة، وعلى رأسها خطر الإرهاب.
وتعد الزيارة الحالية هي الثانية في عهد الرئيس الصومالي الحالي، والتي يتوقع أن تتضمن مناقشة قضايا أمنية مشتركة على رأسها التصرفات الإثيوبية الأحادية فيما يتعلق بالسيطرة على أرض الصومال، وأيضًا فيما يتعلق بتطورات الأوضاع فيما يرتبط بقضية سد النهضة، وتأثير تلك التحركات الأحادية على الأمن الإقليمي للمنطقة بأكملها.
ملف “أرض الصومال” على رأس أولويات الزيارة الصومالية المصرية
أشار السفير الصومالي في مصر إلياس شيخ عمر أبو بكر، إلى أهمية الزيارة التي تأتي في توقيت شديد الحساسية نظرًا لما تواجهه الصومال من انتهاك إثيوبي لسيادتها على أراضيها، عقب إبرام مذكرة التفاهم غير القانونية بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال الواقع شمال غرب الصومال، وأكد حرص بلاده على تنسيق المواقف مع مصر نظرًا للدور المحوري الذي تلعبه في المنطقة وفي القارة الأفريقية. وكانت إثيوبيا قد أعلنت في يناير الجاري عن توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال “صوماليلاند” الانفصالي، لتحقيق ما وصفه مسؤول في حكومة أديس أبابا بـتطلعات بلاده في تأمين الوصول إلى البحر الأحمر، حيث يُمنح بموجبها لإثيوبيا الحق في إقامة قاعدة عسكرية إثيوبية بالقرب من ميناء بربرة بطول 20 كيلومتر من أراضيه لمدة 50 عامًا عبر اتفاقية “إيجار”، في مقابل الاعتراف الإثيوبي بـ “أرض الصومال” كدولة مستقلة بعد استقلالها من جانب واحد في عام 1991، إضافة إلى حصولها على نسبة تقدر بـ 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية. وقوبل هذا الاتفاق بتنديد دول عدة لما يمثله من تحديات أمنية على دول المنطقة بأكملها وليس فقط على الصومال.
ونتيجة لتلك التحركات الإثيوبية الأحادية والخرق لسيادة الصومال على أراضيها، سارعت مصر إلى إعلان رفضها لتلك التحركات، بعد يومين فقط من توقيع مذكرة التفاهم التي أثارت حالة من الجدل في منطقة القرن الإفريقي. وأجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتصال هاتفي مع الرئيس الصومالي أشار فيه إلى دعم مصر لوحدة وسيادة الصومال وسلامة أراضيه. وقد تلي ذلك دعوة مقديشو وفد مصري رفيع المستوى لمناقشة الأزمة، وخلال اللقاء نقل الوفد المصري للرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، دعم نظيره المصري عبد الفتاح السيسي لسيادة ووحدة الأراضي الصومالية، مشددًا على معارضة القاهرة لأي تعدٍ على تلك المبادئ.
وذكر بيان للخارجية المصرية أن القاهرة قدرت خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول في المنطقة وخارجها، التي تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، في الوقت الذي تشهد فيه القارة الإفريقية زيادةً في الصراعات والنزاعات التي تقتضي تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلًا من تأجيجها على نحو غير مسؤول. وتمثل مذكرة التفاهم بين أديس أبابا وأرض الصومال تهديدًا للأمن الأفريقي بشكل عام لما تحمله من تهديدات مختلفة، وتكشف عن سعي إثيوبيا لإثارة القلاقل عبر التحركات الأحادية التي تتخذها نهجًا لها، وهو ما يتمثل بشكل واضح في قضية سد النهضة والخلافات مع مصر والسودان بوصفهما دولتي المصب.
تداعيات اتفاق إثيوبيا وأرض الصومال على الأمن الإقليمي
بتتبع التطورات الإقليمية الحادثة في القارة الأفريقية ككل، والأزمات الأمنية والإرهابية في منطقة القرن الأفريقي بشكل خاص، يمكن القول بأن اتفاق “أرض الصومال” سيكون له تداعياته الوخيمة على مستقبل العلاقات الإثيوبية الإقليمية، كما يهدد من تزايد الأزمة الأمنية المتمثلة في انتشار الإرهاب وزيادة هجمات حركة الشباب واتساع رقعتها، وذلك على النحو التالي:
1- تضاعف انتشار الإرهاب في القارة الأفريقية: من المتوقع أن يترتب على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وأثيوبيا سحب الجنود الإثيوبيين في الصومال، والمنتشرين كجزء من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية لمكافحة الإرهاب. ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى عرقلة خطة الحكومة الصومالية التي تهدف إلى تطهير جنوب الصومال بشكل كامل من حركة الشباب في نهاية 2024. كما يمكن أن تقوم حركة الشباب الإرهابية باستغلال توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال في تعزيز التجنيد ودعم التمويل، الأمر الذي قد يعزز من تصاعد خطر التطرف والعنف في المنطقة. ومن المرجح أن يتمدد عناصر الحركة إلى إقليم أرض الصومال، في إطار اقتناعها بمقاومة الغزو الإثيوبي الذي استولى على جزء من سواحل الصومال؛ الأمر الذي يعزز التطرف والعنف على الصعيدين المحلي والإقليمي، بما يهدد أمن القرن الأفريقي، وما قد يترتب عليه من عسكرة المنطقة بتدافع القوى الأجنبية نحوها.
احتمالية توتر العلاقات الإقليمية في القرن الأفريقي: ربما تتصاعد المواقف الرافضة من دول القرن الأفريقي للخطوة الإثيوبية بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، خاصةً أن هذه الخطوة من شأنها أن تشجع بعض القوميات والقبائل على المطالبة بالانفصال والاستقلال عن الدولة الأم، وهو ما يهدد أمن دول المنطقة ووحدتها وتماسكها.
وقد تواجه إثيوبيا العديد من التوترات الإقليمية لا سيما مع الحكومة الصومالية التي استدعت سفيرها لدى أديس أبابا للتشاور، حيث قد يسهم الاتفاق في فقدان السيطرة على ميناء بربرة مستقبلًا، بمعنى خسارة الأصول الاستراتيجية للإقليم، الأمر الذي قد يعمق من الانقسامات الداخلية مع تصاعد الهجمات الإرهابية، مما يفاقم من حالة عدم الاستقرار في القرن الإفريقي. كما قد ينتج عن استخدام إثيوبيا لميناء “بربرة” حرمان جيبوتي من مكانتها باعتبارها الميناء الوحيد الذي تعتمد عليه أديس أبابا بشكل أساسي في تجارتها، الأمر الذي قد يجعلها تفقد قدرًا كبيرًا من دخلها من الرسوم والضرائب، وتخشى أريتريا أيضًا من الاتفاق، حيث كان تسعى أسمرة لإبقاء إثيوبيا حبيسة خوفًا من أطماعها التوسعية.
خلاصة القول؛ تأتي الزيارة الصومالية لمصر في ضوء العديد من التحديات الإقليمية التي تواجه البلدين، وفي إطار تعزيز التعاون المشترك بينهم، ومن المنتظر ان تُسفر هذه الزيارة الحالية عن اتفاق بين الطرفين لمواجهة الأزمة الحالية المتمثلة في تداعيات توقيع اتفاق “أرض الصومال”، وحماية المصالح المشتركة بين البلدين وأمنهما القومي، وأيضًا تحجيم التداعيات المحتملة للاتفاق، خاصة فيما يتعلق يوقف انتشار الإرهاب في القارة الأفريقية. وتأتي تلك التحركات المصرية في إطار الجهود النشطة على مدار 10 سنوات والتي تسعى من خلالها إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في القارة السمراء، وبموجب الالتزام بمبادئ القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي، التي تنص على الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها.