إقالة بولتون تغيير أدوات أم بداية نهاية تيار الصقور بإدارة ترامب
مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لسدة الحكم غلب على فريقه التناقض حيث تبنى كل طرف من الأطراف مواقف قد تشكل عائقا أمام الأطراف الأخرى، لذلك استشعر ضرورة توحيد الفريق الذي سيقود الأمن القومي والسياسة الخارجية.
ومن هنا نلحظ تعدد التغييرات التي قام بها ترامب من أجل تقوية فريقه وجعله أكثر تماسكا وتناغما، كتعيين مايك بومبيو وزيرا للخارجية محل ريكس تيلرسون، وكذا تعيين جون بولتون مستشارا للأمن القومي خلفًا لهربرت رايموند مكماستر.
وتعد السمة البارزة لفريق ترامب الحالي هى غلبة تيار “الصقور”، ويقصد به التيار المحافظ الذي يتبنى مواقف مشتددة ويريد تحقيق أهدافه بأي طريقة وثمن، ويرفض تقديم التنازلات. إلا أن إقالة جون بولتون في 10 سبتمبر الجاري، قد تنذر ببداية نهج جديد من قبل الرئيس ترامب يقل فيها اعتماده على الصقور. حيث أكد الرئيس ترامب أنه “يختلف بشدة مع كثير من اقتراحات بولتون”، وبناء على ذلك طلب ترامب من بولتون تقديم استقالته.
إقالة جون بولتون
قال ترامب عبر حسابه الشخصي على تويتر”أبلغت جون بولتون الليلة الماضية إنه لم تعد ثمة حاجة لخدماته في البيت الأبيض، اختلفت بشدة مع كثير من اقتراحاته مثلي مثل آخرين في الإدارة”. وفي المقابل ناقض بولتون الرئيس في تغريدة له، مؤكدا أنه هو الذي عرض الاستقالة على ترامب يوم 9 سبتمبر الجاري، وأن ترامب رد “إنه سيناقش الموضوع في اليوم التالي”.
ويعد خروج بولتون من منصبه هي المرة الثالثة لشغر هذا المنصب خلال فترة حكم الرئيس ترامب. المستشار الأول هو الفريق المتقاعد مايكل فلين، كان ضابطا عسكريا محترفا. وفقا لصحيفة واشنطن بوست، كذب فلين على نائب الرئيس مايك بينس بشأن المحادثات مع المسئولين الروس ، كما كذب فلين أيضا على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي. واستخلف فلين الجنرال هربرت رايموند مكماستر، هو رجل عسكري شديد الدقة، كان على خلاف مع الرئيس ترامب أودى في النهاية إلى الإطاحة به.
ذكرت بعض التحليلات أن الرئيس ترامب لم يعد يطيق ميول بولتون المتشددة، والمعارك البيروقراطية التي يخوضها. كما تشير إلى وجود عدد من نقاط الخلاف، أبرزها، المباحثات مع قادة طالبان ودعوتهم إلى كامب ديفيد، والتي تراجع عنها ترامب في اللحظة الأخيرة.
وترددت الأنباء حول كون بولتون السبب في انهيار القمة التي عقدت في فبراير الماضي بين الرئيس ترامب ورئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون. كما قاد بولتون سياسة ترامب المتشددة ضد إيران، بداية من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي الذي أبرم عام 2015، ووصولًا لمعاودة فرض العقوبات الموسعة. ومعارضته كذلك عودة روسيا إلى مجموعة الدول الصناعية الكبرى G7. إضافة إلى موقفه من أزمة فنزويلا التي تعامل معها من خلال قناعة بأن نظام نيكولاس مادورو على وشك السقوط، الأمر الذي أحرج الهيبة الأمريكية.
قال الكاتب كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية، لشبكة CNBC إنه بدون بولتون، قد تتخذ الولايات المتحدة موقفًا أكثر مرونة تجاه إيران وأفغانستان وفنزويلا.
من هو بولتون؟
المحامي جون بولتون الذي بدأ حياته السياسية في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان، حيث تولى عدة مناصب في عهد إدارتي ريجان وبوش الأب، وانتهى به الحال مستشارًا للأمن القومي في إدارة ترامب. يُعرف بكونه أحد صقور الدفاع في أمريكا، ويدافع بقوة عن النفوذ والهيمنة الأمريكية، ودعم قرار غزو العراق بقوة عام 2003. يعارض أي اتفاق مع كوريا الشمالية وكذا الاتفاق النووي مع إيران، حيث يدعو لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية وإيران. يتبنى موقفا متشددا تجاه روسيا، ويرفض “حل الدولتين” في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ويعارض انضمام الولايات المتحدة للمحكمة الجنائية الدولية.
أقطاب تيار الصقور في إدارة ترامب
تختلف التحليلات بشأن دوافع الرئيس ترامب خلف الإطاحة غير المتوقعة ببولتون، حيث يذهب فريق منها إلى الاستناد إلى الخلافات حول أدوات تنفيذ السياسة الخارجية وليس حول مضمونها. بمعنى آخر، قد يكون لدى الرئيس ترامب رغبة للاستمرار في السياسة المتشددة ولكن بأدوات مختلفة عن تلك التي يتبناها بولتون، بوصفه شخصا شديد الإيمان بالأداة العسكرية. بينما يذهب الفريق الآخر إلى أن السلسلة المتواصلة من الإخفاقات على صعيد السياسة الأمريكية قد دفعت الرئيس ترامب إلى تبني سياسة أكثر مرونة، ومن ثم فإن عليه التخفيف قليلًا أو حتى التخلي على سياسة تيار الصقور الذي يحلق داخل إدارته. لذلك، يمكن النظر إلى إقالة ترامب في إطار قناعة ترامب بضرورة تغيير مضمون سياسته الخارجية. إلا أن الإطاحة ببولتون لا تعني انتهاء فريق الصقور داخل إدارة ترامب، ويمكن الإشارة إلى أبرز أقطاب الصقور في البيت الأبيض على النحو التالي:
مايك بومبيو
تخرج في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وقبل انضمامه للكونجرس أسس شركة لقطع غيار الطائرات وأخرى للإمدادات النفطية. يعد بومبيو عضوًا جمهوريًا متشددًا في الكونجرس الأمريكي لثلاث دورات عن ولاية كنساس، وعلى الرغم من امتلاكه خلفية سياسية، لكنه يبدو كرجل أعمال أكثر مما هو سياسي. عينه ترامب بعد وصوله لسدة الحكم مديرًا لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”. وفي 13 مارس 2018، أعلن ترامب نيته تعيين بومبيو لشغل منصب وزير الخارجية، خلفًا لتيلرسون.
ويعتبر من التيار المناوىء لموسكو، ومعارضًا شرسًا للإتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. كما أنه من معارضي إغلاق معتقل جوانتانامو. وقد اتهم بومبيو بالإسلاموفوبيا بعد تصريحاته عقب هجمات ماراثون بوسطن عام 2013.
مايك بنس
يمتلك تاريخا سياسيا عريضا، لكن معظم أعماله تتعلق بولاية إنديانا. حصل على بكالوريوس التاريخ من جامعة هانوفر، وفي تلك الفترة عمّق من إيمانه المسيحي الذي يراه القوة الدافعة في الحياة، حيث نشأ في كنف أسرة كاثوليكية ذات أصول إيرلندية. وبعدها دخل كلية القانون بجامعة إنديانا، وقد حصل على الدكتوراه عام 1986. وبعد التخرج قاد مؤسسة إنديانا لمراجعة السياسات، كما قدّم برنامج “مايك شو” في الإذاعة والتلفزيون بإنديانا. وقد فشل مرتين في دخول الكونجرس إلا أنه نجح في المرة الثالثة ليجدد ولايته بعدها لست دورات، ويصبح حاكم إنديانا الذي حقق أكبررفاهية وازدهار اقتصادي منذ قرنين.
بدأ حياته السياسة متأثرًا بالديمقراطيين، ومستلهما بالرئيس كينيدي، لكنه دخل الكونجرس لأول مرة عن الحزب الجمهوري عام 2000. في بداية السباق الانتخابي دعم بنس المرشح تيد، ولم يكن على توافق مع ترامب، وأدان حينها فكرة منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، لكن عاد ليصبح من أكثر المقربين من ترامب وشغل منصب نائبه.كان من الداعمين لغزو العراق، ويدعو لضرب النظام السوري، ويتنبى موقف متشدد تجاه موقف روسيا في سوريا. ويرفض إغلاق معتقل جوانتانامو، ويعارض الاتفاق النووي مع إيران ويراه ضد مصلحة الولايات المتحدة. وعلى الرغم من كونه أقل تشددًا من بولتون، إلا أنه لا يزال يدعم النهج العنيف تجاه إيران.
جاريد كوشنر
ولد ونشأ في كنف عائلة يهودية، يعد أكبر مستشاري البيت الأبيض، وزوج ابنة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “إيفانكا”. بعد تخرجه، استغل حادثة سجن والده “شارل كوشنر” بتهمة التهرب الضريبي ليرسخ وجوده في عالم العقارات، فاستثمر في عقارات منهاتن بنيويورك، واشترى ناطحة سحاب قرب أبراج ترامب بمبلغ 1.8 مليار دولار، كما اشترى أسبوعية “نيويورك أوبزيرفر” بمبلغ 10 ملايين دولار.
وعلى الرغم مما واجهه من مشكلات مالية جراء الأزمة المالية عام 2008، إلا أن استثماراته عادت لتنتعش فيما بعد. بعد فوز ترامب وظهور شبهات التدخل الروسي، استمعت لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي لكوشنر في 26 يوليو 2017، ضمن التحقيقات في علاقة حملة ترامب بالروس. ومنذ الأيام الأولى لإدارة ترامب، تولى جاريد التحضير للخطة التي روّج لها ترامب، باعتبارها وسيلة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وجلب السلام للشرق الأوسط، المعروفة بــــــ”صفقة القرن”.