آسياالأمريكتان

تصاعد التوترات.. قراءة في التداعيات المحتملة للعقوبات الصينية على شركات أمريكية

على خلفية التوترات التجارية والأمنية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وفي أحدث تطور لما تشهده العلاقات الصينية الأمريكية؛ فرضت بكين عقوبات على 5 شركات أمريكية للصناعات الدفاعية، وذلك كرد أولي على إعلان هذه الشركات عن مبيعات أسلحة أمريكية مرتقبة إلى تايوان. وتمثلت العقوبات الصينية في تجميد أصول تلك الشركات الأمريكية في الصين ومنع الكيانات والأفراد في الصين من التعامل أو التعاون معها. كما تأتي الخطوة الصينية أيضًا كرد فعل على العقوبات الأحادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على الشركات والأفراد الصينيين. وتستند بكين إلى أن الخطوات الأمريكية تضر بسيادتها ومصالحها الأمنية وتقوض السلام في مضيق تايوان.

في السياق ذاته، فإن التوتر بين الصين وتايوان له جذور عميقة في العلاقات السياسية والتاريخية والاقتصادية بين البلدين. فتاريخيًا، تعتبر الصين تايوان جزءًا لا يتجزأ من أراضيها وتدعي السيادة عليها، في حين تعتبر تايوان نفسها دولة مستقلة وتتمسك بالحكم الذاتي. ولأسباب مختلفة اقتصاديًا واستراتيجيًا وسياسيًا تدافع الولايات المتحدة الأمريكية عن تايوان وتمدها بالأسلحة، وهو ما يثير غضب الصين. 

وفي السطور التالية سنتطرق لطبيعة الخلاف الصيني الأمريكي حول تايوان. ودوافع الولايات المتحدة الأمريكية، وأسباب غضب الصين. مع استعراض لموقف الصين من فرض العقوبات على الشركات الأمريكية، وتداعيات ذلك الأمر.

دوافع أمريكية

أعلنت الخارجية الأمريكية عن مبيعات عسكرية خارجية محتملة لتايوان تقدر بنحو 300 مليون دولار، ويأتي القرار الأمريكي في سياق إيمان الولايات المتحدة الأمريكية بأن مبيعات الأسلحة لتايوان تعزز القدرة الدفاعية للأخيرة. كما تعتبر الولايات المتحدة دعمها لتايوان جزءًا من سياستها الخارجية. فضلًا عن المصالح الاستراتيجية، فتايوان ذات موقع استراتيجي مهم على المحيط الهادئ، وبالتالي تخشى الولايات المتحدة من السيطرة الصينية عليها لما يمثله من تهديدات لمصالحها في المنطقة، وبالتالي ترى واشنطن أن دعم تايوان يحافظ على التوازن الإقليمي والاستقرار في منطقة آسيا. أيضًا هناك الاعتبارات الاقتصادية، فتايوان شريك تجاري مهم وسوق كبيرة للولايات المتحدة التي تخشى فقدان نفوذها وعلاقتها معه. وبالتالي فإن الدعم العسكري الأمريكي لتايوان يهدف بالأساس لتعزيز الردع الإستراتيجي ضد النفوذ الصيني المتنامي في المنطقة. 

وهذه ليست المرة الأولى، التي تعلن فيها الولايات المتحدة عن إرسال مساعدات عسكرية لتايوان، ففي يوليو عام 2023، أعلنت واشنطن عن حزمة أسلحة بقيمة 345مليون دولار لتايوان، تضمنت طائرات بدون طيار، وذخائر وأسلحة أخرى. وكانت هذه هي الدفعة الأولى من إجمالي مليار دولار خصصتها الولايات المتحدة لنقل أسلحة إلى تايوان بعد موافقة البنتاجون على الصفقة. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة سلطة جديدة من الكونجرس لنقل المعدات العسكرية مباشرة من مخزون البنتاجون إلى تايوان. وتتم عملية النقل بموجب سلطة السحب الرئاسي، وهي نفس الآلية التي تستخدمها واشنطن لإرسال أسلحة إلى أوكرانيا. لكنَّ هذا الدعم الأمريكي قد أثار غضب الصين، وزاد من توتر العلاقات الأمريكية الصينية. حيث تعارض الصين المساعدات  الأمريكية إلى تايوان التي تعتبرها جزءًا من أراضيها.

غضب صيني

وردًا على الخطوة الأمريكية، فرضت الصين عقوبات على 5 شركات أمريكية للصناعات الدفاعية، وهذه الشركات هي “بي أيه إي سيستمز لاند اَند أرمامنت”، و”ألاينت تيكسيستمز أوبريشن”، و” إيروفيرونمنت”، و”فياسات”، و”داتا لينك سولوشنز”. وتمثلت الإجراءات العقابية الصينية في تجميد أصول تلك الشركات في الصين، ومنع الكيانات والأفراد من التعامل أو التعاون معها. وتعتبر الحكومة الصينية مبيعات الأسلحة هذه بمثابة تدخل في شؤونها الداخلية وانتهاك لسيادتها.

في السياق ذاته، كثف جيش التحرير الشعبي الصيني تدريباته العسكرية على المضيق  وعزز جاهزيته حول مضيق تايوان، حيث تريد الصين إرسال رسالة قوية بأنها لن تتهاون في قضية السيادة على تايوان، وأيضًا تأكيد التزامها بالقضية الوطنية والتأكيد على استعدادها لحماية سيادتها ووحدة أراضيها. كما تعمل على تعزيز قدرة الردع العسكري تجاه أي محاولات للاستقلال من جانب الأخيرة. 

وهذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها الصين عقوبات على شركات أمريكية؛ بسبب مبيعات أسلحة إلى تايوان، ففي أوائل عام الماضي، وضعت الصين شركة “لوكهيد مارتن” وشركة “رايثيون ميسيلز اَند ديفينس” على قائمة الكيانات غير الموثوقة، كما حظرت عليهما الدخول في أنشطة تتعلق بالاستيراد أو التصدير في الصين، كما منعتهما من القيام باستثمارات جديدة في البلاد. 

وتأتي هذه الخطوات المتكررة من قبل الصين كرد فعل على مبيعات الأسلحة الأمريكية لتايوان التي ترى أنها تنتهك سيادتها وتعارض مصالحها الوطنية، وتقابل أي مبيعات للأسلحة إلى تايوان برد فعل سريع يهدف إلى تشديد الضغط والتأكيد على موقفها السيادي.

كما تستخدم الصين تلك العقوبات كوسيلة للرد والضغط السياسي والاقتصادي على الشركات الأمريكية كجزء من استراتيجيتها للتأكيد على رفضها لأي تدخلات تُعتبر مساسًا بسيادتها. لكنَّ هذه الإجراءات تسهم في تصعيد التوترات بين البلدين وتعكس الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، مما ينعكس على حالة الأمن والاستقرار في تلك البقعة من العالم.

التداعيات المحتملة

بالتأكيد سيكون لقرار الصين بفرض عقوبات على الشركات الأمريكية الخمس كرد فعل على قرار الولايات المتحدة الأمريكية تزويد تايوان بالأسلحة؛ بعض التداعيات المُحتملة على العلاقات الثنائية بين البلدين، وكذلك على الوضع العام في المنطقة، من خلال التالي:

  • أولًا: من المرجح أن تثير هذه الخطوة غضب واشنطن لأنها تأتي بعد ارتباطات رفيعة المستوى بما في ذلك زيارات وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” ووزير الخزانة الأمريكية “جانبيت يلين” إلى الصين والتي تهدف إلى إعادة بناء العلاقات. ولكن هذه التطورات الأخيرة قد تعيق أي فرصة لبناء جسور في المُستقبل بين البلدين.
  • ثانيًا: تهدف العقوبات إلى تقييد وصول الشركات الأمريكية إلى السوق الصينية، وقد تؤثر أيضًا على سلاسل التوريد الخاصة بها والتي تشمل الشركات المصنعة الصينية. وتعد الصين سوقًا مهمًا لشركات الدفاع الأمريكية، وقد تؤدي هذه العقوبات إلى خسائر مالية والإضرار بسمعة الشركات الأمريكية.
  • ثالثًا: هذه العقوبات يمكن أن تزيد من تصعيد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يؤثر على جوانب مختلفة من علاقتهما الثنائية، بما في ذلك التجارة والتكنولوجيا والعلاقات الدبلوماسية.

أخيرًا، تمثل العقوبات الصينية تصعيدًا آخر للنزاع الأمريكي الصيني، كما قد يترتب على تلك الخلافات خطرًا على الاقتصاد العالمي وعلى استقرار المنطقة.  وفي الوقت الذي ترى فيه الصين أن أي مبيعات للأسلحة لتايوان أمرًا بالغ الحساسية بالنسبة لها؛ قد يكون الحل الأمثل لتجنب أي تصعيد محتمل هو إيجاد حوارًا يستوعب مخاوف الطرفين، وفهم مصالح كل طرف،  مع أهمية الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة وجهود دبلوماسية لمنع المزيد من تصعيد التوترات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وتايوان.  

أحمد السيد

باحث ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى