القضية الفلسطينيةمصر

بحث الأزمة … ملفات زيارة الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة

تأتي زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن اليوم إلى القاهرة، في ظل تدهور مستمر للأوضاع الميدانية والإنسانية في قطاع غزة، وهو تدهور مرشح للتصاعد بشكل أكبر في المدى المنظور، بالنظر إلى التداعيات التي تلت اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، وما تبعه من تفاعلات ميدانية شملت النطاق الإقليمي لفلسطين، وهو الوضع الذي يجعل من التواصل المصري – الفلسطيني في هذه المرحلة، ضرورة ملحة لبحث الأوضاع الحالية وسبل وقف تدهورها.

تأتي هذه الزيارة أيضاً بالتزامن مع بدء وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكن، الخميس الماضي، الجولة الشرق أوسطية الرابعة له منذ السابع من أكتوبر، والتي تشمل بجانب مصر والضفة الغربية، كل من تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات والسعودية وإسرائيل، وهي جولة تتناول ملفات عدة، لكن يبقى الملف الفلسطيني هو الملف الأساسي الذي سيتم بحثه فيها، سواء ما يتعلق بإمكانية إيجاد نقطة ارتكاز لهدنة إنسانية جديدة، أو زيادة حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة، أو منع توسع تأثيرات الوضع في غزة، على الوضع الأمني والاستراتيجي الإقليمي، خاصة في نطاق البحر الأحمر.

على المستوى الثنائي، كانت مصر حريصة بشكل دائم على إدامة التواصل مع القيادة الفلسطينية، من زاوية أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، هي النافذة الشرعية والقانونية الممثلة للشعب الفلسطيني على كافة الصعد، وكانت داعمة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسيسها عام 1964، كمظلة جامعة لكل الفصائل بهدف تحرير الأراضي الفلسطينية بكافة السبل الممكنة بما في ذلك العمل المسلح، وقد أستمر هذا الدعم والتواصل على مدار العقود الماضية، التي مرت فيها المنظمة بتحولات وتغيرات عديدة، خاصة بعد إعلان الزعيم الراحل ياسر عرفات في نوفمبر 1988، عن وثيقة استقلال فلسطين، ثم دخول المنظمة في سياق عملية السلام، عبر توقيع اتفاقية أوسلو، وهي الاتفاقية التي أسست للمسار الحالي الذي يستهدف إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.

التواصل المصري مع منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية،  سواء كان عبر التواصل الثنائي بين القيادة المصرية والقيادة الفلسطينية، أو عبر آلية التواصل الثلاثي التي تضم بجانب كلا الجانبين دولة الأردن، استهدفت وتيرته المستمرة تبادل الأراء والمباحثات حول تطورات الملف الفلسطيني، سواء كانت تلك التطورات متعلقة بمسار التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، أو الأحداث الأمنية الطارئة التي تنشب عن الإجراءات الإسرائيلية الميدانية، أو الملفات المرتبطة بالوضع الفلسطيني الداخلي، وهذا الأخير يبقى من الأهداف الأساسية لمصر والأردن، حيث توجب المصلحة الوطنية الفلسطينية المحافظة على كيان منظمة التحرير الفلسطينية على حاله، بالنظر إلى كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت إيجاد آلية تسمح بضم فصائل فلسطينية أخرى، وهو مسار عملت مصر منذ رعايتها اتفاق القاهرة للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية عام 2011 ، على البناء فيه بشكل إيجابي والدفع نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي بشكل كامل.

مسارات التحرك المصري في القضية الفلسطينية

بشكل عام، ظلت مصر على مدار عقود، الحاضن الأكبر لقضايا العرب الأشقاء، حيث سجل التاريخ مساهمات عديدة للدولة المصرية في إنهاء الأزمات في المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، تكريساً لدورها في محيطها العربي والإقليمي كدولة محورية ورئيسية في المنطقة العربية، وبما لها من ثقل إقليمي وعربي قوة ومكانة، وما يضيفه لها موقعها الجغرافي ودورها التاريخي.

وقد كانت القضية الفلسطينية دوماً، خلال كافة المراحل التي مرت بها المنطقة منذ عام 1948، حاضرة بقوة على مستويات عدة في الذهنية السياسية والشعبية المصرية، فمن جهة كانت الدماء المصرية أعوام 1948 و1956 و1967، وسيلة من وسائل دعم حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرض فلسطين بكل حرية وأمن، ومن جهة أخرى كانت المساندة السياسية الدائمة من جانب القاهرة، لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي المظلة الجامعة لكافة الفصائل الفلسطينية، خلال فترة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما تم تدشينه عبر مشاركة مصر في القمة العربية الثانية في الإسكندرية عام 1964، والتي رحبت بقيام منظمة التحرير الفلسطينية، واعتمدت قرار المنظمة بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني.

لم يتوقف الدعم المصري للقضية الفلسطينية خلال السنوات التالية، واستمر هذا الدعم واتخذ اشكالاً أخرى، خاصة بعد أن دخلت منظمة التحرير في إطار عملية تفاوضية مع تل أبيب، بداية من اتفاقية “غزة-أريحا” وصولاً إلى اتفاقية أوسلو للسلام عام 1993، علماً أن مصر حاولت خلال تفاوضها مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية “كامب ديفيد” أن توجد آلية لسلطة حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، لكن حال غياب منظمة التحرير عن هذه الجهود حينها، في التوصل لاتفاق حول هذا الأمر خلال عامي 1979 و1980.

الاهتمام مصر الدائم بالملف الفلسطيني على كافة المستويات، تم التأكيد عليه بشكل مستمر خلال المراحل اللاحقة لتوقيع اتفاقية أوسلو، وصولاً إلى الواقع المعاش حالياً، حيث أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي في مناسبات عدة، استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضية الفلسطينية، لكونها من ثوابت السياسة المصرية، ومواصلة بذل الجهود لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة. وقد تضمن التأكيد المصري المستمر على أهمية هذا الملف، إبراز المسارين الأساسيين اللذان يلخصان المقاربة المصرية الحالية للقضية الفلسطينية، الأول يرتبط بأهمية توحيد الجهود العربية والدولية لإعادة تنشيط الآليات الضالعة في مسار السلام في فلسطين، على أساس حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والمسار الثاني يتضمن التحرك بشكل أكبر لإنهاء حالة الانقسام التي يعاني منها الكيان الفلسطيني، وتحريك مسار المصالحة الوطنية وبناء قواعد الثقة بين الأطراف الفلسطينية.

مسار المصالحة الوطنية كان من أولويات مصر في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تولت مصر منذ نوفمبر 2002، رعاية الحوار الفلسطيني – الفلسطيني، عبر جولات متكررة استهدفت تحقيق الوفاق الفلسطيني، لكن أدت الأحداث التي شهدها قطاع غزة في يونيو 2007، إلى تكريس حالة الانقسام والخلاف بين قطاع غزة والضفة الغربية، ودخل ملف المصالحة الفلسطينية في جمود شبه كامل خلال السنوات التالية، إلى أن أعادت القاهرة تفعيل هذا المسار في أبريل 2011، عبر استضافتها اجتماعاً ضم ممثلين عن حركة فتح وحماس، تم خلاله الاتفاق على بنود وثيقة للوفاق الوطني، تم بحث آليات تنفيذها في ديسمبر 2011، خلال اجتماع استضافته القاهرة أيضا للفصائل الفلسطينية.

استمرت المساعي المصرية لتفعيل هذا المسار الذي كلما تمت فيه خطوة أصابه الجمود مرة أخرى، أدراكاً من القاهرة إلى أن توحيد الرؤى الفلسطينية هو المسار الوحيد الذي من خلاله يمكن إيجاد حلول دائمة للقضية الفلسطينية، وتكللت الجهود المصرية بالنجاح في أكتوبر 2017، عبر رعايتها اتفاق تاريخي للمصالحة الفلسطينية، وقعته حركتا التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، تم بموجبه التوافق على توحيد المؤسسات الحكومية وتمكين الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها كاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية.

تضارب الرؤي الفلسطينية جعل مسار المصالحة يتباطأ مرة أخرى خلال السنوات اللاحقة، لذا حرصت مصر على إدامة التواصل المشترك بين الفصائل الفلسطينية، فقامت برعاية نحو 20 اجتماعًا منذ 2017، استهدفت توحيد الصف الفلسطيني، كان من أهمها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني، التي استضافتها القاهرة في فبراير 2021، وشارك فيها 14 فصيلا فلسطينيا، هم من سبق لهم التوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة عام 2011، وتناولت المباحثات في هذه الجلسات الاتفاقيات والتفاهمات الثنائية التي تمت حول إجراء الانتخابات الفلسطينية،

ويبقى الاجتماع الأهم – بالنظر إلى التحديات التي شهدها الملف الفلسطيني على المستويين الميداني والسياسي خلال العامين الماضيين، هو الاجتماع الذي استضافته مدينة العلمين المصرية، في يوليو 2023، ليس فقط من أجل دفع مسار التواصل والتعاون والحوار بين هذه الفصائل، بل أيضاً لمواجهة تصاعد السياسات الإسرائيلية القمعية ضد الشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالاقتحامات والعمليات العسكرية المتكررة وتسارع النشاطات الاستيطانية. هنا لابد من الإشارة إلى أن مصر كانت تضع ضمن أولوياتها في هذا المسار، إيجاد آلية يمكن من خلالها المحافظة على كيان منظمة التحرير الفلسطينية، بالنظر إلى كونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت إيجاد آلية تسمح بضم فصائل فلسطينية أخرى مثل إليها، بحيث يتم التوصل إلى آلية عملية لتوحيد كافة الفصائل على مستوى القرار والتوجه.

في ما يتعلق بمسار السلام وإيجاد حلول سلمية للقضية الفلسطينية، دعمت مصر – كما سبق ذكره – كافة المؤتمرات والمبادرات السلمية في هذا الصدد، ومازالت تضع في سلم أولوياتها، التحرك في هذا الصدد على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ضمن مسار “حل الدولتين”، لذا كانت مواقفها المعلنة من بعض المبادرات السلمية التي تم طرحها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، متسقاً مع هذه القاعدة، ومن بينها المبادرة الأمريكية التي تم إعلانها أوائل عام 2020، والمعروفة إعلاميا باسم “صفقة القرن”، حيث دعت كافة الأطراف المعنية إلى الدراسة “المتأنّية” للرؤية الأميركيّة في هذا الصدد، ثم عادت وأكدت على دعمها الثابت والكامل للقضيّة الفلسطينيّة العادلة وللقيادة الفلسطينّية الشرعيّة، إصرارها على إحلال السلام والتوصّل إلى تسوية تعيد للشعب الفلسطينيّ كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلّة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقيّة، وذلك وفق الكلمة التي ألقاها وزير الخارجيّة المصري سامح شكري خلال الاجتماع الطارئ الذي عقدته الجامعة العربيّة في فبراير 2020، وهو ما تم التأكيد عليه عبر رعاية واستضافة مصر لمؤتمر القاهرة للسلام أواخر أكتوبر الماضي.

نجدة قطاع غزة ومساعي القاهرة لوقف التداعيات الميدانية

تحركت مصر في المسارات السالف ذكرها، وهي تواجه بشكل شبه دوري، تداعيات جولات التصعيد المتكررة من جانب الجيش الإسرائيلي ضد قطاع غزة، والتي تطورت خلال الأشهر الأخيرة لتشمل عدة مناطق في الضفة الغربية، منها مخيم جنين، لكن كانت جولات التصعيد ضد قطاع غزة دوماً هي الأكبر والأكثر صعوبة في إخمادها وإيقافها، وهنا يتجلى بشكل واضح حجم وأهمية الدور المصري في مثل هذه المناسبات، ومن أقرب الأمثلة على هذا الأمر، جولة التصعيد التي شهدها قطاع غزة في مايو 2021، والتي استمرت لمدة 11 يوم، وتمكنت مصر بعد جهود حثيثة، في أيقاف هذه الجولة التي كانت هي الأعنف منذ أعوام طويلة.

المسار المصري في مثل هذه المناسبات، يتضمن السير في عدة مستويات مختلفة، أولا وقف العمليات العسكرية وفرض هدنة لدواعي إنسانية، ثم الانتقال بعد ذلك إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، سيرتبط بطبيعة الحال بشروط ومطالب متعددة من كلا الطرفين، وهو ما يحتاج إلى وسيط نزيه يتمتع بثقة الجانب الفلسطيني، ويرتبط في نفس الوقت بعلاقات مع الجانب الإسرائيلي، تسمح له بممارسة مهام الوساطة، وهو ما يتوفر بشكل كامل في الجانب المصري، الذي لعب دور البطولة في التوصل للتهدئة خلال جولة مايو 2021 التصعيدية، حيث تصدر كل من مدير جهاز المخابرات العامة المصرية، اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية سامح شكري، جهود الوساطة بين الفصائل الفلسطينية من جهة والجانب الإسرائيلي من جهة أخرى، منذ اليوم الأول لاندلاع الاشتباكات، وهو ما أسفر عن إيقاف هذه الجولة العنيفة من القتال.

اللافت في هذا الإطار أن مصر لا تكتفي فقط بالعمل على إيقاف التصعيد والقتال، فمهام الإغاثة وإعادة الإعمار تبقى جزء أصيل من هذا الجهد، فبجانب القوافل المتعددة من المساعدات المصرية التي تمر بشكل دوري عبر معبر رفح، تعهدت مصر عقب جولة مايو 2021 التصعيدية، بالعمل بشكل ميداني أكبر على إعادة إعمار قطاع غزة، وخصصت لهذا الغرض، مبلغ يعد الأضخم في تاريخ القضية الفلسطينية “نصف مليار دولار”، وهو ما وسع بشكل كبير من هامش الدور المصري في الملف الفلسطيني، ليصبح ذو اتجاهات مختلفة.

بالعودة للمشهد الحالي، تستمر الجهود المصرية لوقف التصعيد الإسرائيلي الحالي في قطاع غزة، الذي دخل شهره الرابع، وذلك عبر التواصل الدبلوماسي والسياسي المستمر مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة في ظل التدمير الواضح الذي طال البنية التحتية لقطاع غزة، والعدد القياسي من الشهداء والجرحى، وتدهور الأوضاع الإنسانية بشكل لا يمكن قبوله، وسط استمرار لسياسة “التهجير القسري”، التي تنتهجها إسرائيل بهدف تغيير الوضع الديموغرافي لقطاع غزة، وهو ما أسفر عن وصول تعداد النازحين إلى محافظة رفح حسب الأمم المتحدة نحو 1.9 مليون شخص، أو ما يقرب من 85% من إجمالي سكان القطاع. هذه السياسة تقف القاهرة والأردن بشكل حاسم ضدها، وهو موقف تقدره كافة الأطراف الفلسطينية.

المسار الإنساني هو من أهم مسارات التحركات المصرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، خاصة خلال الجولة الحالية من التصعيد، وحقيقة الأمر أن نجاح مصر في إدارة ملف الهدنة الإنسانية المؤقتة، التي دامت لنحو أسبوع، كان نموذجاً للجهد النزيه الداعم للقضية الفلسطينية، حيث اتسم هذا الجهد بـ الشمولية” في إدارة مفاوضات الخاصة بتبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، فمن جانب استعدت مصر على المستوى اللوجستي منذ البداية لعملية تبادل  الأسرى وما يصاحبها من تفاعلات، عبر تهيئة الظروف في معبر رفح ومحيطه، وتجهيز ما يلزم من تجهيزات لإتمام هذه العملية بشكل سريع وآمن، وهذا يشمل أيضا الجانب المتعلق بالترتيبات الميدانية والأمنية المصاحبة لهذه العملية، سواء الاتفاق بشكل محدد على آلية نقل واستلام الأسرى الإسرائيليين، وعملية الكشف عليهم وتأمينهم بعد عبورهم للأراضي المصرية، وصولاً إلى كيفية انتقالهم إلى الجانب الإسرائيلي. وبالمثل كانت الترتيبات المتعلقة بكيفية الأفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وآلية ترحيلهم والإفراج عنهم.

وقد حرصت مصر أيضاً على أن يتم تتويج كل ما سبق، عبر سلسلة اتصالات عربية وإقليمية ودولية واسعة، سعت لحشد الدعم والتأييد الغربي والإقليمي لعملية التبادل وللهدنة، وفي نفس الوقت ركزت على محاولة تعديل مواقف بعض الدول الأوروبية، التي كانت خلال الفترة الماضية تتخذ موقفاً “رمادياً” تجاه ما يحدث في غزة. كذلك اتسمت التحركات السياسية والدبلوماسية المصرية، بالحرص على التعاون مع كافة الأطراف، وتجنب أية مزايدات أو محاولة “لاستراق الأضواء”، وكانت هذه التحركات بمثابة تأكيد على المفهوم المصري للعمل العربي المشترك، والتعاون مع الأطراف الدولية، حيث كانت الجهود المصرية مكملة ومتضامنة مع جهود قطر والولايات المتحدة الأمريكية.

يمكن القول أيضاً أن الإدارة المصرية الفعالة لملف المساعدات، سواء عبر رفض إخراج أي شخص من قطاع غزة إلا بالتزامن مع دخول مساعدات إنسانية وغذائية مقابله، أو التأمين السريع والناجز للمرافق الخاصة بتخزين كميات المساعدات الكبيرة التي وصلت إلى مصر، من أجل إرسالها إلى غزة، وهي مهمة صعبة بالنظر إلى أنها تحتاج إلى تجهيزات خاصة وعمليات فرز مستمرة من أجل تحديد المساعدات التي لها أولوية في الدخول إلى قطاع غزة، كانت جميعها عوامل فعالة في السماح بإدامة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، رغم وجود عراقيل إسرائيل مستمرة في هذا الصدد.

ثوابت مصرية متعلقة بالقضية الفلسطينية

أكدت مصر دوماً على مقاربتها للملف الفلسطيني، حيث تعتبر القاهرة القضية الفلسطينية قضيتها الأساسية على المستوى الإقليمي، وأن البوابة الأساسية والوحيدة لحل القضية الفلسطينية، تكمن في حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، مع الحفاظ على مواقف أساسية ثابتة ترفض الحلول الأحادية، التي تعيق إقامة الدولة الفلسطينية، مثل الاستيطان والإجراءات التي تتخذها إسرائيل في القدس، مع دعم الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة للاجئين.

كذلك يعتبر الحفاظ على الوضع القائم في غزة، يعتبر من الأولويات المصرية في المراحل السابقة واللاحقة، لأنه تم التلويح بشكل متكرر خلال السنوات الماضية، بإمكانية نقل سكان القطاع إلى مناطق أخرى خارجه، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، من زاوية أمنية ترتبط بالأمن الداخلي المصري، ومن زاوية سياسية واستراتيجية، ترتبط بأن حدوث هذا يعتبر تصفية للقضية الفلسطينية، ما يساهم في توسيع احتمالات التوتر ليس فقط في فلسطين، بل على المستوى الإقليمي.

من زاوية إنسانية، تنظر مصر إلى الشعب الفلسطيني بشكل عام، وإلى قاطني قطاع غزة بشكل خاص، كامتداد شعبي له روابط وثيقة بشمال سيناء، سواء كان ذلك عبر الروابط الاجتماعية والقبلية، أو حتى عبر الروابط الاقتصادية التي تولدت خلال العقود الأخيرة بين الجانبين، لذا من المهم بالنسبة للأمن القومي المصري، أن تكون الحالة الإنسانية والمعيشية لسكان قطاع غزة، في أوضاع مستقرة، تجنباً لأي محاولات للنزوح.

من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى أهمية التواصل المصري المستمر مع القيادة الفلسطينية الشرعية، مع ملاحظة أن القاهرة تحتفظ بعلاقات جيدة ومستمرة مع كافة الأطراف الفلسطينية، سواء كانت تلك الأطراف داخل منظمة التحرير الفلسطينية أو خارجها، لكن بطبيعة الحال، وبالنظر إلى وصول وزير الخارجية الأمريكي اليوم إلى الأردن، يبقى من المهم تنسيق المواقف العربية من أجل إيجاد نقاط ارتكاز مشتركة يمكن من خلالها تأطير الموقف العربي من التهديدات الماثلة أمام القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر، وتزايد احتمالات التصعيد وانزلاق الأوضاع الإقليمية إلى مواجهات مفتوحة ستؤثر بالقطع على الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية لدول المنطقة.

ملف الضفة الغربية يعتبر من الملفات الهامة التي ستتم مناقشتها بين القيادتين المصرية والفلسطينية، حيث بات من الواضح أن تل أبيب تريد تقويض قدرة السلطة الفلسطينية على إدارة الضفة الغربية، وأصبحت عمليات اقتحام المخيمات والمدن الفلسطينية ظاهرة يومية، وسط حالة انفلات واضحة للمستوطنين، الذين يعتدون بشكل يومي على الأفراد والممتلكات الفلسطينية. وأخيراً، تبقى رسالة الدعم المصرية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، مهمة في هذه المرحلة، التي تواجه فيها السلطة مرحلة عصيبة وتحديات كبيرة، وسط مساعي إسرائيلية لمنع أي دور لها فيما يتعلق بقطاع غزة.

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى