انفجارا كرمان بإيران .. التوقيت والتداعيات المحتملة
تزامنًا مع الذكرى الرابعة لمقتله، قالت وسائل إعلام إيرانية إن 200 شخص على الأقل قُتلوا وأصيب 188 أخرين إثر وقوع انفجارين بالقرب من مقبرة قائد “فيلق القدس” السابق، قاسم سليماني، في مدينة كرمان بالمحافظة التي تحمل الاسم نفسه جنوبي إيران. حيث تم تفجير عبوتين في محيط المقبرة عن طريق أجهزة التحكم عن بُعد، وفق ما أشارت إليه تقارير معنية.
وأوضحت هيئة الطواريء الطبية في محافظة كرمان أن “الانفجارين ناجمان عن عبوتين مفخختين في مقبرة كرمان على الطريق المؤدي إلى قبر قاسم سليماني”. وفي الدقائق الأولى للحادث، أعلن التلفزيون الرسمي الإيراني عن سماع دوي انفجار في محيط مسجد “صاحب الزمان” بمدينة كرمان، وهي المنطقة التي تتواجد بها مقبرة سليماني. وبعدها بوقت قليل، أفاد التلفزيون الإيراني أيضًا بوقوع انفجار ثانٍ في المكان نفسه.
ووصفت محافظة كرمان الانفجارين بأنهما “هجوم إرهابي”، فيما استهدف أحد الانفجارين قوات الشرطة المنظمة لمراسم إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني، بينما وقع مصابون أخرون في الحادثين بسبب قوة تدافع المواطنين بعد حدوث الانفجارين.
وقد أوضح وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، أن “هذه الحادثة وقعت بعد الساعة 3 عصر يوم الأربعاء 3 يناير، وقد وقع الانفجار الثاني حينما بادر زوار المقبرة بمساعدة المصابين”، مشددًا على أن “القوات الأمنية والعسكرية الإيرانية سوف ترد بقوة على هذا الحادث”، فيما نشرت وكالة أنباء “مهر” الإيرانية التابعة للحرس الثوري مقطع فيديو للحظة وقوع الانفجار قرب المقبرة، وظهر به تجمع لآلاف الأشخاص في مراسم إحياء ذكرى مقتل سليماني.
ودعت منظمة نقل الدم الإيرانية في محافظة كرمان المواطنين إلى التبرع بالدم للمصابين، وذلك في الوقت الذي انتقل فيه وزير الصحة الإيراني، بهرام عين اللهي، إلى مكان الحادث. وقد أعلن وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، استعادة السلطات الأمنية السيطرة على الأوضاع في كرمان، قائلًا إن “الأوضاع في مدينة كرمان عادية”.
ونشرت القوات الأمنية الإيرانية عناصرها في مكان الحادث، وتوجهت سيارات الإسعاف للمكان. وقد أشار شهود عيان إلى وقوع انفجار عبوات غاز في كرمان قبيل وقوع الحادث إلا أن الجهات الرسمية لم هذه الفرضية. وأعلنت الحكومة الإيرانية يوم الخميس يوم حداد عام بسبب الحادثين.
ردود الفعل والروايات المحلية داخل إيران
خامنئي يهدد “الجناة”
في رسالة مكتوبة له حول الحادث، توعّد المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، بمعاقبة المتسببين في الحادث، قائلًا “ليعلم الجناة أن جنود سليماني لن يتحملوا تلك الجريمة”. وأضاف المرشد في رسالته “لم يتحمل الجناة قساة القلب حب الناس لزيارة قائدهم سليماني”، مشيرًا إلى أن “كل الأيادي الملوثة بدماء الأبرياء وجميع العقول المفسدة والشريرة التي دفعت الجناة لارتكاب هذا الضلال، سيتم معاقبتهم بشكل عادل، وليعلموا أن هذه الحادثة الأليمة سيكون لها رد قاس”.
الحرس الثوري يتهم إسرائيل والولايات المتحدة
بعد الحادث بساعات قليلة، اتهم قائد “فيلق القدس” الإيراني، إسماعيل قاآني الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالوقوف وراء الحادث، علاوة على تهديده لواشنطن بمواجهة “عواقب دعمها لإسرائيل”. فقد قال قاآني، خلال مراسم إحياء ذكرى مقتل قاسم سليماني التي عُقدت في “مصلى الخميني” في العاصمة طهران حسب تقرير نشرته وكالة أنباء “فارس” الإيرانية في نسختها الفارسية في يوم الحادث، إن “يومًا ما سينبغي على الولايات المتحدة تحمل تبعات تدخلها ودعمها لإسرائيل”.
وأضاف قاآني “اليوم يجب أن نبارك ونعزي أيضًا جميع الإيرانيين الذين كانوا في مدينة كرمان وتعرض أخوانهم وأبناؤهم لهجوم قام به مدعومون من الولايات المتحدة وإسرائيل”. وربط قاآني، في جملة صريحة، ما بين حادثة تفجيرات كرمان في ذكرى مقتل سليماني ومقتل القائد السابق في “فيلق القدس” الإيراني بسوريا، رضا موسوي، يوم 25 ديسمبر 2023، في عملية نسبتها طهران لإسرائيل، حيث قال “مقتل سليماني أو مقتل رضا موسوي وحادث كرمان الإرهابي يؤكدوا كيف أصبح العدو ضعيفًا، ولكنه لا يعلم أن المقاومة والجمهورية الإسلامية لن تتخلى عن مسار اقتلاع إسرائيل بكل ما لديها، ونحن سنمضي حتى تفكك هذا الكيان وحكم الإمام”، على حد تعبيره.
الروايات المحلية الإيرانية حول الحادث
أفادت وكالة أنباء “تسنيم” شبه الرسمية أنه “كانت هناك حقيبتان عند مدخل جولزار شهداء كرمان، ويبدو أن منفذ أو منفذي هذه الحادثة قاموا بتفجير القنابل عن طريق التحكم عن بُعد”. وأشارت الوكالة إلى أن الانفجار الأول “وقع على بُعد 700 متر من مقبرة قاسم سليماني، أما الثاني فقد كان على بُعد كيلومترًا واحدًا منها وحدث بعيدًا عن تجمعات الزوار وأبواب التفتيش الأمنية. وقال موقع “الديبلوماسية الإيرانية” التحليلي التابع للحكومة الإيرانية بعد الحادث إن المسافة الجغرافية بين منطقتي وقوع الحادثين تبلغ 300 متر.
وبعد ساعة واحدة من وقوع الانفجارين، تجمع زوار إيرانيون حول مقبرة “سليماني” وهتفوا بشعارات مناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل وما تسميهم أدبيات النظام الإيراني “المنافقين”، في إشارة إلى الجماعات الإيرانية المعارضة التي تقيم في الخارج. وغالبًا ما تُطلق وسائل الإعلام في إيران اسم “زمرة المنافقين” على منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية.
وأشار موقع “الديبلوماسية الإيرانية” في تقرير خاص له يوم وقوع الحادث (3 يناير 2024) إلى 3 روايات حول نوع الانفجارين، كانت كالتالي:
- الرواية الأولى، تقول إن عبوات الانفجار كانت في حقائب محمولة يتم التحكم فيها عن بعد وكانت في مجمع قمامة على الأرض.
- الرواية الثانية، وتشير إلى وجود سيارة من نوع “بيجو” في مكان الحادث وانفجرت فور توقفها في مكان الحادث.
- الرواية الثالثة، تقول إن شخصًا انتحاريًا مجهولًا حتى الآن قد فجّر نفسه في مكان الحادث، إلا أن السلطات الإيرانية قد كذّبت هذه الحادثة.
ورجّحت وكالة أنباء “تسنيم” الرواية الأولى التي تقول إن الحادث وقع عبر تفجير حقائب في مجمع قمامة على الأرض، وأن المتسببين في هذه الحادثة قد وضعوا متفجرات في الحقائب المحولة وتحكموا بها من خلال “الريموت” وقاموا بتفجيرها.
ونفت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية “إيرنا” في تقرير لها حول الحادث مقتل أحد قادة الحرس الثوري الإيراني في الحادثين، وهي الروايات التي ذهبت إليها بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية. حيث أشارت الوكالة الإيرانية إلى أنه لم يكن أي من أعضاء الحرس الثوري حاضرًا في مكان الحادث وقت وقوعه. ومع ذلك، فإن “إيرنا” قد أكدت مقتل 3 أشخاص من قوات الشرطة الإيرانية في التفجيرين.
وحذّر وزير الداخلية الإيراني وحيدي عقب الحادث، في كلمة تلفزيونية له، من أن “هذه المؤامرة تأتي في سياق المؤامرات السابقة”، قائلًا إن إيران سوف ترد “بشدة وقوة عن طريق قواتها الأمنية في أقل وقت زمني ممكن”.
وقالت الوكالة في تقريرها إن شائعات قد أعقبت وقوع الحادث على وسائل التواصل الاجتماعية في إيران، مفادها أن انفجارًا ثالثًا وقع في مستشفى مجاور لمكان الحادث، وحتى وقوع عمليات تبادل لإطلاق النار في إحدى الشوارع الجانبية. وعلّقت الوكالة على ذلك قائلة إن “المسؤولين لم يؤكدوا حتى الآن هذا الأمر، ولم ترد روايات حول صحة ذلك”.
كيف سترد إيران؟
جاء التفجيران اللذان استهدفا مقبرة سليماني في مدينة كرمان في ظل تصعيد إيراني إسرائيلي بعد مقتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا في هجمات متفرقة كان أبرزهم القائد البارز السابق في “فيلق القدس” ورفيق قاسم سليماني السابق و”أمين سره”، حسب وصف الإعلام الإيراني، رضا موسوي. وقد اتهمت إيران إسرائيل بشكل صريح بالوقوف وراء هذه العمليات، مثلما اتهم قائد “فيلق القدس” الحالي، إسماعيل قاآني، إسرائيل والولايات المتحدة بـ “الوقوف وراء عملية كرمان”.
وجاءت عمليات استهداف هؤلاء القادة الإيرانيين العسكريين بالأساس، بالتزامن مع استهداف وكلاء إيرانيين مصالح إسرائيلية وأمريكية في المنطقة، على رأسها تلك العمليات التي تقوم بها ميليشيات “الحوثيين” في البحر الأحمر ضد السفن المتوجهة لإسرائيل. وهو ما توعدت إسرائيل أكثر من مرة بالرد عليه على لسان عدد من مسؤوليها خلال الفترة الماضية. كما أن تصريح المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، رمضان شريف، قبل أيام بأن عملية “طوفان الأقصى” قد جاءت ردًا على مقتل قاسم سليماني قد أثار الريبة والاستياء معًا في إسرائيل، وهي تصريحات سبقت بأيام عملية كرمان.
وإذا كانت إيران قد توعّدت إسرائيل بالرد على عملية مقتل رضا موسوي، بالإضافة إلى الرد المتوقع على مقتل عدد من القادة الأخرين في الحرس الثوري في غارة على مطار دمق الدولي يوم 28 ديسمبر 2023، فإن اتهام إسماعيل قاآني لإسرائيل مرة أخرى بالوقوف وراء عملية كرمان، وكذلك تأكيد المرشد الإيراني خامئني على أن بلاده سوف ترد على “الجناة” الذين ارتكبوا حادث كرمان، قد يقودنا إجمالًا إلى أن طهران قد ترفع من مستوى تصعيدها العسكري مع إسرائيل في وقت وجيز؛ نظرًا لتكرار اتهامها لإسرائيل بالوقوف وراء عمليات ضدها سواء في سوريا أو في داخل إيران ذاتها.
وفي السياق نفسه، فإن تأكيد الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، في نفس يوم وقوع حادثة كرمان على أن “حزب الله اليوم أكثر استعدادًا وجرأةً للمواجهة” مع إسرائيل قد يمثل مؤشرًا أخر على إمكانية حدوث تصعيد إيراني إسرائيلي خلال الفترة المقبلة من المرجح ألا تكون الولايات المتحدة بمعزل عن تشابكاته.