السودان

إعلان ” أديس أبابا”: هل يمكن أن تقود تحركات القوى المدنية السودانية لإحلال السلام؟

بعد يومين من لقاءات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية ” تقدم” برئاسة عبد الله حمدوك بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لبحث سبل إنهاء الحرب في السودان؛ أفضت اجتماعاتهما إلى ” إعلان أديس أبابا” الذي يشتمل على بنود تتضمن رؤى إحلال السلام في السودان. 

وفي سياق إرجاء اللقاء الذي ترعاه الإيجاد بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وحميدتي، وعلى خلفية إخفاق الوساطات في ضمان وقف إطلاق النار؛ فإن البدء من حيث يجب أن ينتهي مسار السلام، يطرح نفسه تساؤلًا حول إمكانية أن تفرض القوى المدنية ليس نفسها كطرف في المشهد ولكن مدى إمكانيتها في فرض السلام الغائب في البلاد.  

مواقف متجزأة 

بعد أشهر من تحركات القوى المدنية السودانية إقليميًا ودوليًا لإعادة توحيد جبهتها المنقسمة في محاولة منها لإعادة فرض رؤيتها في أية ترتيبات مستقبلية للسلام، تم تتويج تلك الجهود بذلك اللقاء الذي جمعها بقائد الدعم السريع في أديس أبابا في الأول من يناير الجاري، لبحث حلول الأزمة المتفاقمة في البلاد. 

إعادة انتاج الحل:

التقت القوى المدنية السودانية بقائد الدعم السريع في أديس أبابا في إطار جهودها لوقف إطلاق النار ومعالجة الأزمة الإنسانية في إطار عملية سياسية أشمل؛ ترتكز على محاور أربعة تتمثل في: وقف إطلاق النار، فتح مسارات آمنة لمعالجة الأزمة الإنسانية، الإصلاح الأمني والعسكري، قضايا العدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسسي. 

وتستند “تقدم” في رؤيتها على توحيد جهود مباحثات جدة ومنبر الإيجاد وفق ما خرجت به رؤية الاتحاد الأفريقي في 25 يونيو 2023، إذ جاءت مخرجات اللقاء متضمنة 6 بنود وهى كالتالي:

  •  أولًا: وقف إطلاق النار الدائم وتحويل الخرطوم لعاصمة منزوعة السلاح.
  •  ثانيًا: إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن الخرطوم.
  •  ثالثًا: نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الاستراتيجية في العاصمة.
  •  رابعًا: معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.
  • خامسًا: إشراك قوات الشرطة والأمن في عملية تأمين المرافق العامة.
  •  سادسًا: البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

واستبقت القوى المدنية تطوارت المشهد، الذي لا يدعم في اللحظة الراهنة أية ترتيبات سياسية مستقبلية، بإعادة طرح رؤيتها السابقة في الانتقال الديمقراطي التي تضمنتها وثيقة “الاتفاق الإطاري” التي وقعتها مع المجلس السيادي برعاية الرباعية، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع على خلفية التناقضات المتعلقة بقضايا الإصلاح الأمني والعسكري. 

إعادة تهيئة المظلة:

يأتي إعلان ” أديس أبابا” كأول ترجمة فعلية للدور المأمول للقوى المدنية في طرح رؤيتها في ذلك المشهد، الذي ساهم في خفوت صوتها وانحسار دورها، بعدما غطى صوت البندقية على صوت الحوار، إذ اكتفت القوى المدنية في بداية اندلاع الأزمة بالصمت وإعلان حيادها عن تأييد طرف على الأخر، إلى أن بدأ دورها في التشكل من أوغندا في الثالث من يوليو الماضي. 

وكانت تلك التحركات الإقليمية للقوى المدنية أولى التحركات التي حاولت من ورائها استعادة المسار السياسي والانتقالي الذي أجهضته تناقضات الأطراف العسكرية حول قضايا الإصلاح الأمني والعسكري؛ وجاءت بعد أن هيأت لها المواقف الأمريكية التي أوضحتها في إطار مباحثات جدة التي دعت خلالها إلى ضرورة إشراك القوى المدنية كخطوة تالية بعد تأمين وقف إطلاق النار، كجزء من إنجاز اتفاق سياسي أشمل. 

وعلى مدار خمسة أشهر، استطاعت القوى المدنية في أديس أبابا إعادة إنتاج مظلة الحرية والتغيير تحت مسمى تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية السودانية ” تقدم”، دون أن يضمن ذلك توحيد كافة القوى التي انشقت عنها من قبل، وتحديدًا الكتلة الديمقراطية التي تضم حركات الكفاح المسلح، التي باتت هي الأخرى منقسمة على نفسها، في ضوء مواقف الفصائل والأجنحة المختلفة من الصراع.  

سياقات متناقضة 

لا تدعم السياقات الراهنة على كافة المستويات العسكرية والسياسية، تحركات القوى المدنية لإعادة انتاج أي اتفاق سياسي طويل الأمد، بل على النقيض من ذلك، تدعم تلك الحركات حالة من الاستقطاب، ما لم يبدأ التوافق بين الأطراف العسكرية أولًا، ومن ثمّ الحديث عن دمج القوى المدنية في ترتيبات سياسية متفق عليها.

اللقاء المنتظر:

يأتي ذلك اللقاء بعد مراسلة تنسيقة القوى المدنية كلًا من ” البرهان” و”حميدتي” قبل إسبوع، دعتهما فيه إلى لقاءات عاجلة لبحث وقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية والطارئة؛ كجزء من جهود الدفع بالحلول السلمية ووقف إطار النار والمطروحة من المبادرات الإقليمية المتعددة. 

وبعد أن أعلنت جيبوتي رئيس الدورة الحالية ومستضيفة مقر الإيجاد، عن إرجاء اللقاء حتى إشعار آخر وتحديدًا بعد الانتهاء من أعياد الميلاد، تزامنًا مع تواجد حميدتي لديهم قادمًا من أوغندا وإثيوبيا، في أول جولة إقليمية له منذ اندلاع الصراع؛ استضافت أديس أبابا ذلك اللقاء بينه وبين القوى المدنية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، قبل أن تستضيف جيبوتي اللقاء المنتظر بين البرهان وحميدتي. 

ويتناقض توقيت ذلك اللقاء مع ترتيبات المشهد المعقد، إذ إن الحوار المدني – العسكري، من المفترض له أن يأتي خطوة تالية على التوافق العسكري – العسكري؛ خاصة وأن التطورات العسكرية والاتجاهات السياسية لا تعكس أي تقارب في الرؤى بين الطرفين المتصارعين؛ إذ جاءت الموافقة على ذلك اللقاء المشروط في سياق من التقدم العسكري للدعم السريع في ولاية الجزيرة وسط السودان، بعد تمددها في ولايات دارفور، دون وجود أية بوادر انفراجه أو تقارب في الرؤى، عكستها خطابات ” البرهان” و”حميدتي” بمناسبة ذكرى استقلال السودان الثامنة والستين؛ إذ أكدّ الأول على استمرار المقاومة الشعبية وانتقد موقف القوى المدنية وكذلك الدول الإقليمية المتقاربة مع حميدتي، فيما استمر الأخير في تقديم نفسه داعم الديمقراطية في مواجهة الإسلاميين الذين يحركون الصراع من وراء ستار. 

الوساطات المتعثرة:

كان المفترض أن يحدث لقاء مسبق بين ” البرهان” و “حميدتي” في 28 ديسمبر الماضي، برعاية الإيجاد التي حاولت عقد ذلك اللقاء المشروط منذ يونيو الماضي، لكنها قوبل بعراقيل واعتبارات متعددة، أهمها الرفض المتبادل بين الطرفين للجلوس سويًا، نظرًا لعدم اعتراف أي منهما بشرعية الآخر. 

وجاء ذلك التحول اللافت بالحديث عن موافقة كل من البرهان وحميدتي بعقد لقاء مباشر بينهما، بعد قمة الإيجاد الاستثنائية الأخيرة “41”، التي تحفظت الخارجية السودانية على صيغة مخرجاتها بما فيها الإشارة إلى عقد لقاء مباشر بين الرجلين، وهو ذات الموقف الذي قوبلت به مبادرة الإيجاد في يونيو الماضي حينما دعت كينيا إلى عقد لقاء مباشر بين الطرفين. 

وتأتي تلك الجهود الأفريقية في ظل تعثر مباحثات جدة في تثبيت أية هدنة إنسانية أو إحداث أي تقارب في الرؤى بين الطرفين، إذ أخفقت الجولة الثانية لمباحثات جدة، في نوفمبر الماضي، بحضور ممثلين عن الإيجاد للمرة الأولى، في تحقيق أي تقدم ملموس، وفي ظل انحسار دور مبادرة دول الجوار؛ في الوقت الذي يتمدد في نطاق المعارك وتتفاقم الأوضاع الإنسانية؛ مما هيئ الطريق أمام دول الإيجاد لإعادة هندسة المشهد وفق رؤيتها وحساباتها. 

الأوضاع المتردية:

ربما سوء الأوضاع الإنسانية وتفاقم التطورات العسكرية هو المشهد الوحيد محل الإجماع بين كافة الأطراف والمتابعين للمشهد، على نحوٍ يجعل من وقف الصراع ضرورة حتمية لأبعاد إنسانية أو أبعاد تتعلق بالمخاوف من الدخول في طور الحرب ضد الكل، التي باتت اتجاهات تسليح المدنيين ترجحها بشدة. 

لكن بخلاف المسؤولية الأخلاقية والدولية، يتعذر إيجاد دافع حقيقي لدى أطراف الصراع أنفسهم من إنهائه، في الوقت الذي لا ترجح فيه موازين القوى على الأرض كذلك حسمه بشكل يدفع للعودة لمائدة الحوار، وإن كانت بعض التطورات الميدانية هي التي دفعت بإبداء قدرًا من المرونة للمرة الأولى، تمثلت في الموافقة المشروطة على عقد لقاء مباشر بين الطرفين للمرة الأولى، دون توقع ما سيفضي إليه إن حدث. 

كذلك تدفع الأوضاع الإنسانية بضرورة وقف الصراع، ليس لما تحمله من مسؤولية أخلاقية بقدر ما يترتب على تلك الأزمة من تبعات سياسية وقانونية، سواء المتمثلة فيما تتحمله دول الجوار من تكلفة، أو ما ينتظر طرفي الصراع من مسؤولية قانونية، تدعمها اتجاهات الجنائية الدولية بتحميل الأطراف مسؤوليتهم عن الانتهاكات الإنسانية المرتكبة.

في الأخير، ليس من المتوقع، أن تفضي التوافقات الجزئية التي تقودها القوى المدنية ويرعاها وسطاء السلام إلى توافق حقيقي، دون أخذ الاعتبارات التي قادت إلى الصراع بالأساس في الاعتبار، ودون النظر إلى توازنات القوى العسكرية والانتماءات القبلية المحركة للصراع.

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى