قراءة في أبعاد ودلالات انفجارات مدينة كرمان الإيرانية
أفادت وسائل إعلام إيرانية بارتفاع عدد ضحايا الانفجارين اللذان حدثا بالقرب من مقبرة قاسم سليماني بمدينة كرمان الجنوبية، إلى أكثر من 108 قتيلاً وأكثر من 190 جريحاً، وقد جاء الانفجاران بالتزامن مع مراسم إحياء ذكرى مقتل “سليماني”، والذي قُتل في 2020 بطائرة مسيرة أمريكية في مطار بغداد، وفي هذا السياق قالت السلطات المحلية في مدينة كرمان الإيرانية إن الانفجارين ناتجان عن هجوم إرهابي تم عبر زراعة قنابل، كذلك أشارت وكالة تسنيم الإيرانية إلى أن الانفجارين تما بواسطة حقيبتين مفخختين تم تفجيرهما عن بعد.
يمكن قراءة الانفجارات التي شهدتها مدينة كرمان الإيرانية في ضوء بعض السياقات والاعتبارات الرئيسية، وذلك على النحو التالي:
– الملاحظة الأولى الخاصة بالانفجارين الذان شهدتهما مدينة كرمان الجنوبية الإيرانية، تتمثل في أنهما ناتجين عن عمل إرهابي، وهو أمر تعكسه جملة من الاعتبارات الرئيسية، أولها التأكيدات الرسمية الإيرانية لهذه الفرضية، وثانيها الحيثيات الخاصة بالعملية إذ تؤكد المعطيات الخاصة بالعملية أنها تمت عبر حقيبتان تحويان مواد متفجرة عند مدخل غولزار شهداء كرمان، وقد كان الانفجار الأول على بعد 700 متر من قبر “سليماني” والانفجار الثاني كان على بعد كيلومتر واحد من القبر وكان خارج مسار الزوار وبوابات التفتيش، ما يعبر عن أن منفذي العملية قاموا بتفجير هذه القنابل عن بعد، أما الاعتبار الثالث فيرتبط بالدلالات الرمزية للعملية نفسها من حيث كونها جاءت بالتزامن مع إحياء الذكرى الرابعة لمقتل “سليماني”.
– تذهب كافة المؤشرات الراهنة إلى أن إسرائيل أو بالتحديد جهاز الموساد، هم الجهات المسؤولة عن التفجيرين، خصوصاً وأنهما يأتيان بالتزامن مع حالة التصعيد الإقليمي الراهنة التي تشهدها المنطقة على إثر التطورات المصاحبة لحرب غزة، وخلال الـ 24 ساعة الماضية يمكن رصد بعض المؤشرات المهمة التي عبرت عن توجه إسرائيل نحو رفع وتيرة التصعيد مع إيران وبعض حلفاؤها في المنطقة، حيث اغتالت إسرائيل القيادي في حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت المعقل الرئيسي لحزب الله بلبنان، كذلك نفذ سلاح الطيران الإسرائيلي غارات جوية يوم أمس على بعض التمركزات للجيش السوري وبعض الفصائل الإيرانية في محيط دمشق، وفي بلدة كناكر على بعد حوالي 25 كم من المناطق المحتلة في مرتفعات الجولان، وقد سبق ذلك في 25 ديسمبر اغتيال إسرائيل لرضا موسوي أحد أهم قيادات الحرس الثوري الإيراني بسوريا.
– عاد الملف النووي الإيراني إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، وذلك بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 28 ديسمبر الماضي، أن إيران عادت خلال الأسابيع الأخيرة لتسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، القريبة من نسبة 90 في المائة المطلوبة لتطوير سلاح نووي، في تراجع عن تباطؤ بدأت به قبل نحو 6 أشهر، وفي 15 نوفمبر 2023 أفادت الوكالة بأن مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60% لدى إيران يكفيها من أجل تصنيع 3 قنابل نووية، ووجه الملاحظة هنا أن كافة العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية في العمق الإيراني كانت تأتي في أعقاب تحركات إيرانية جديدة في ملف تخصيب اليورانيوم.
– لا يمكن قراءة الانفجارين الأخيرين بمعزل عن التطورات في البحر الأحمر، إذ تبنت إيران في الأيام الماضية تحركات متنامية على مستوى دعم الحوثيين في عملياتهم في البحر الأحمر ضد أهداف إسرائيلية، كان أهمها إرسال إيران للمدمرة “ألبرز” إلى البحر الأحمر، وذلك بعد يوم واحد فقط من تعرض القوات البحرية التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن، لهجوم أمريكي أودى بحياة عشرة من عناصرها، فضلاً عن تأكيد وزير الدفاع الإيراني في تصريحات صباح اليوم الأربعاء على “دعم إيران المطلق للحوثيين على جميع الأبعاد”.
– جاءت العملية الأخيرة بالتزامن مع تصاعد التحريض من بعض الدوائر الإسرائيلية ضد إيران، ففي صباح اليوم قال وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يسرائيل كاتس إنهم يخوضون ما أسماها حرباً عالمية ثالثة ضد إيران، واتهم طهران بالعمل على تطوير سلاح نووي، مشيراً إلى أن مواجهة التحركات الإيرانية تقع على رأس أولوياته، وفي سياق متصل قال الناشط السياسي الإسرائيلي وحيد بهشتي (من أصول إيرانية) في كلمة أمام الكنيست الإسرائيلي اليوم إن “إسرائيل لا ينبغي أن تخجل من مهاجمة قواعد الحرس الثوري والمواقع النووية الإيرانية ومنازل كبار المسؤولين في هذا النظام داخل إيران. لأن هذه هي اللغة الوحيدة التي يتحدث بها النظام الإيراني ويفهمها” وفق تعبيره.
في الختام، يمكن القول إن كافة المؤشرات الراهنة تذهب باتجاه مسؤولية إسرائيل عن الانفجارين الأخيرين في إيران، فيما يبدو أنه تصعيد يستهدف إيصال جملة من الرسائل لطهران، سواءً على مستوى إظهار قدرة إسرائيل العالية على استهداف العمق الإيراني خصوصاً مع تنامي المؤشرات على تعاون بعض الدوائر الإيرانية المعارضة مع إسرائيل، كذلك تُريد إسرائيل التأكيد على فرضية أن تداعيات الحرب على غزة سوف تطال إيران وكافة حلفاؤها في المنطقة، لكن خصوصية هذه العملية ترتبط بكونها تعبيراً عن نمط التصعيد الإسرائيلي ضد إيران وهو النمط الذي يغلب عليه الطابع الاستخباراتي الدقيق أكثر من كونه أميل للمواجهة المباشرة والمفتوحة.