مصر

الزيادة السكانية في مصر.. تقدم مُحرز وتحديات قائمة

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء، أن عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل 105.858مليون نسمة يوم 1 يناير 2024 مقابل 104.395 مليون نسمة في 1 يناير 2023 بزيادة قدرها 1.463مليون نسمة خلال عام واحد.

ووفقا للجهاز فقد بلغ معدل الزيادة الطبيعية 1.4% لعام 2023 حيث انخفضت بنسبة 8% مقارنة بعام 2022 وذلك لانخفاض أعداد المواليد خلال عام 2023 بنحو 149 ألفا. وقد انخفض معدل المواليد وفقاً للبيانات الأولية من 21.1 لكل ألف من السكان عام 2022 إلى (19.4) في الألف عام 2023، حيث سجلت محافظــات (أسيوط، سوهاج، قنا، المنيا، الأقصر) أعلى معدلات للمواليد، فيما سجلت محافظات بورسعيد ودمياط والدقهلية والسويس والغربية أقل المعدلات. 

ويعكس تراجع أعداد المواليد خلال آخر 5 سنوات الجهود الملموسة للدولة في مواجهة الزيادة السكانية وهو ما أظهرته أيضاً بيانات مسح صحة الأسرة المصرية لعام 2021 حيث انخفض معدل الإنـجاب من 3.5 مولود لكل سيدة عام 2014 إلى 2.85 مولود لكل سيدة. وعلى الرغم من هذا التقدم إلا أن أعداد المواليد الحالية – والتي تتجاوز 2 مليون مولود سنويا – تستنزف موارد الدولة وتلتهم جهود التنمية وتمثل تحدياً تجاه ما تطمح إليه الدولة في خفض معدلات الإنـجاب للحد الذي يسمح بأن يجني أفراد المجتمع ثـمار التنمية.

قراءة مؤشرات الزيادة السكانية في المسوح الصحية

يرتبط معدل الإنجاب الكلي للنساء بعدة محددات، منها السياق الاجتماعي حيث تزيد معدلات الإنجاب الكلي للمرأة الريفية عن المرأة الحضرية. كما يرتبط أيضًا بالمستوى التعليمي، فيقل في النساء اللواتي يرتفع مستواهن التعليمي عن الحاصلات على المؤهلات المتوسطة أو الأميات. إضافة إلى ارتباطه بعامل بالسن عند الزواج، حيث تزيد المعدلات مع الزواج المبكر، وتقل كلما أرتفع سن المرأة عند الزواج. كذلك، يرتبط المعدل بمدة الرضاعة الطبيعية، حيث يقل كلما زادت فترة الرضاعة الطبيعية. كما تلعب معرفة النساء بطرق تنظيم النسل دورًا مهمًا في خفض معدلات الإنجاب الكلي.

وقد عكس المسح الصحي لعام 1988 التقدم الكبير الذي تم إحرازه في الثمانينيات للتعامل مع المشكلة السكانية، حيث انخفضت معدلات الإنجاب الكلي بشكل مطرد على مدى عقد من الزمن، فبلغ متوسط معدل الخصوبة للنساء 4.4 مقارنة بـ 5.2 عام 1980، وقد تزامن هذا الانخفاض مع الالتفات إلى أهمية استخدام موانع الحمل والترويج لها، حيث خلص المسح الصحي لعام 1988 لاستخدام 38% من النساء آنذاك لوسائل تنظيم الأسرة المختلفة بزيادة قدرها 60% عن معدل 24% المسجل عام 1980.

وتشير نتائج المسوح المختلفة إلى أن معدل الإنجاب الكلي انخفض بصورة ملحوظة ومستمرة في الفترة 1980 حتى 2008، وكان الانخفاض في المعدل سريعًا، خاصة في الفترة من الثمانينيات إلى منتصف التسعينيات، أما خلال الفترة بين المسح السكاني 1995 حتى المسح السكاني 2008 فقد استمر معدل الإنجاب الكلي في الانخفاض، ولكن بمعدلات أبطأ. ولكن تغير هذا الاتجاه التنازلي في الفترة التالية لعام 2008، فارتفع المعدل بين المسحين 2008 و2014 ليبلغ 3.5 في عام 2014، ولعل هذا الارتفاع يرجع للأسباب الآتية:

  • يتم حساب معدل الإنجاب الكلي في فترة الثلاث سنوات السابقة للمسح، وبالتالي فإن النسبة المتزايدة في عام 2014 ترجع للفترة من 2011-2014.
  • وجود اضطرابات سياسية وأمنية في الفترة السابقة لمسح 2014، مما أدى إلى انصراف الدولة بصورة مؤقتة عن إدراج برنامج تنظيم النسل في أولويات الحكومة آنذاك، وانشغالها بالحفاظ على كيان الدولة واستعادة الأمن.
  • عدم توفر بعض أنواع وسائل منع الحمل في تلك الفترة في الصيدليات في بعض المحافظات؛ مما أدى إلى تعذر وصول النساء إليها.
  •  تراجع مؤشرات تمكين النساء على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في ظل فترة حكم الجماعة الإرهابية المحظورة. 
https://ecss.com.eg/wp-content/uploads/2023/12/image-9.png

وبالرجوع إلى المؤشرات مرة أخرى نجد معاودة الانخفاض في معدل الإنجاب الكلي في الفترة بين 2014و 2021، ويعد هذا تقدمًا مهمًا بكل المقاييس، ولكنه لا يزال بعيدًا عن خفض معدل الإنجاب الكلي إلى2.4، وهو ما كان مستهدف في الخطة التنفيذية الخمسية للاستراتيجية القومية للسكان المنتهية في عام 2020، والتي تم تحديثها بالاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030.

https://ecss.com.eg/wp-content/uploads/2023/12/image-10.png

الأطفال غير المخطط لإنجابهم وتأثيره على الزيادة السكانية

الأطفال غير المخطط لهم هم “الأطفال الناتجة عن الحمل غير المخطط له لمدة 5 سنوات قبل إجراء المسح الصحي”، وقد انخفض معدل الأطفال غير المخطط لهم بشكل ملحوظ من الفترة 1988-2008 من 33% إلى 14%. إلا أن النسبة بدأت في الزيادة مرة أخرى حتى وصلت إلى 20% عام 2021.

ومن الملاحظ ارتباط معدل الأطفال غير المخطط لهم بعاملين، أولهما: ما يندرج تحت مؤشر “الحاجة غير الملباة لتنظيم الأسرة”، وهو مؤشر أطلق في المسح الصحي لعام 2008، وعرف بأنه” يشمل السيدات في سن الإنجاب اللائي لم يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة، ولكنهن يرغبن في تأجيل الإنجاب أو إيقاف الإنجاب كليًا، ويوضح المؤشر في المسح الصحي 2014 بأن هناك زيادة في إعداد هؤلاء السيدات بنسبة تصل إلى 13%.

والعامل الثاني: وهو الاعتقاد الطبي الشائع بين النساء بأنهن محميات من الحمل والإنجاب خلال فترة الرضاعة، إذا يشير استطلاع خاص بالمسح الصحي لعام 2014، بأن 72% من النساء يعتقدن بأن الرضاعة إحدى وسائل منع الحمل لحين فطام الطفل، وهو اعتقادا خاطئا.

وبناءً عليه، يمكن خفض معدل الإنجاب الكلي إذا حققت السيدات رغباتهن الإنجابية، وتم خفض معدل الحاجة غير الملباة، وذلك عن طريق تقديم المشورة المناسبة للسيدة في اختيار الوسيلة المناسبة لها، ومتابعة التغيرات والأعراض الجانبية، وإتاحة البديل المناسب في حالة وجود أعراض جانبية بدلًا من التوقف عن استخدام وسائل منع الحمل.

https://ecss.com.eg/wp-content/uploads/2023/12/image-11.png

وتبرز نتائج المسوح الصحية في الفترة الأخيرة إحراز الدولة تقدمًا ملحوظًا في خفض معدلات الإنجاب الكلي وزيادة الوعي تجاه الممارسات الإنجابية لدى السيدات، وهو ما يمهد إلى مزيد التقدم في هذا الملف، نتيجة لجاهزية البيئة المواتية له عن السنوات السابقة في ظل وجود المشروع القومي لتطوير الريف المصري “حياة كريمة”، وإطلاق الدولة للمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية والاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية لعام 2023، وعزم الدولة على تمكين المرأة المصرية في كافة القطاعات.

جهود ملموسة للحد من تداعيات الزيادة السكانية

تبنت الدولة المصرية خطة وطنية شاملة، لإعادة رسم الخريطة السكانية واستيعاب الزيادة السكانية المستمرة والتكدس السكاني في الوادي من خلال خمسة محاور رئيسية: أولها؛ القضاء على العشوائيات والمناطق غير الامنة وغير المخططة حيث بلغ عدد المناطق غير الآمنة التي طُورت من عام 2014 حتى عام 2020 نحو 296 منطقة من إجمالي 357 منطقة وانخفض عدد السكان في المناطق غير الآمنة بنسبة 35% عام 2019. وتستهدف استراتيجية التنمية المستدامة لمصر خفض عدد السكان في المناطق غير الامنة بنسبة 100% بحلول عام 2030. وثانيها يتمثل في بناء المدن الجديدة وإعادة توزيع السكان بعيداً عن الشريط الضيق لوادي النيل حيث عملت الدولة على انشاء 26 مدينة جديدة يتوقع استيعابها لـ 30 مليون نسمة عقب الانتهاء من انشاءها بصورة كلية. وثالثًا؛ تقليص الفجوة بين الريف والحضر وبالتالي خفض معدلات الهجرة الداخلية عن طريق المشروع القومي لتنمية وتطوير القري المصرية” حياة كريمة” .

أما فيما يخص محور تمكين المرأة، فقد قطعت الدولة المصرية شوطًا كبيرًا في تعزيز حقوقهن وتمكينهن في كافة المجالات. ودأبت الدولة منذ عام 2014 على رفع مستوى الوعي وسخّرت لذلك كل مصادر قوتها، بهدف خلق ثقافة مناسبة تبني مجتمعًا يُقَدّر مشاركة المرأة ومساهمتها ويمدها بصلاحيات متساوية في صنع القرار.  وتمثلت أهم أوجه التمكين الاقتصادي في الجوانب التشريعية كتعديل قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنه 2016، علاوة على مشروع “قانون الصندوق القومي لرعاية المرأة المصرية” والذي يهدف إلى تقديم الرعاية للمرأة في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية، من خلال دعم وزيادة مساهمتهن في الخطط القومية للتنمية. وإقامة وتمويل عدد من البرامج والمشروعات الخاصة بتمكينهن اقتصاديًّا.

أما عن الدعم النقدي للمرأة فحسب التقرير الصادر عن جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة في أغسطس 2019، فقد تزايد إجمالي القروض التي ضخها جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة للسيدات؛ ليرتفع إلى 118806 مشروعا خلال عام 2018، بإجمالي مبالغ منصرفة بلغت 1,885 مليار جنيه خلال هذا العام. كما زادت نسب المشروعات الموجهة للمرأة من 9% في عام 2014 إلى حوالي 68.8% في عام 2018؛ وتعد تلك الزيادة أكبر من المستهدف في استراتيجية التمكين بنحو 19%. كما زادت نسبة النساء اللاتي يمتلكن حسابًا في مؤسسة مالية من 6.5% من إجمالي النساء في الفئة العمرية 15 عامًا فأكثر في عام 2011 إلى نحو 27% في عام 2017. ويرجع ذلك إلى تبني الحكومة استراتيجية الشمول المالي.

ناهيك عن الإجراءات التي اتخذتها الدولة المصرية في توقيع رئيس الوزراء مراسم بروتوكول تعاون بين وزارتَي التخطيط والتنمية الاقتصادية، والمالية، بشأن برنامج الحوافز المادية بالمشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، يقضي بأن الدولة ستدّخر مبلغ 1000 جنيه مصري سنوياً لكل امرأة متزوجة لديها طفلان بحد أقصى، ويتم تحصيل المبلغ المتراكم مع بلوغ المرأة 45 عاماً.

إضافة إلى إطلاق استراتيجية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية عام 2022 بهدف تحسين الخصائص الديموغرافية مثل التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والثقافة إضافة إلى ضبط النمو السكاني. وقد تضمنت الاستراتيجية كذلك عدة محاور: هي التمكين الاقتصادي للمرأة، وتحسين خدمات تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية وإتاحتها بالمجان للجميع، والتوعية الثقافية والتدخلات التربوية، بالإضافة إلى التحول الرقمي والإصلاح التشريعي. 

كذلك تم إطلاق حملة “نظمي” للتعريف بمفهوم صحة الأسرة والصحة الإنجابية للعاملات والعاملين بالجهاز الإداري للدولة بالمجان، وذلك بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، حيث شملت الحملة 16 وزارة على مدار ثلاثة أشهر ثم امتدت لبقية الوزارات.

وتحت عنوان “سكان أصحاء من أجل تنمية مستدامة”، وعلى هامش افتتاح المؤتمر العالمي للصحة والسكان والتنمية 2023، أطلقت الدولة المصرية ” الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030، والتي تستهدف النظر إلى السكان باعتبارهم أحد أهم عناصر القوة الشاملة للدولة، مؤكدة من خلال الاستراتيجية التزامها بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيـــق التوازن بين معـــدلات النمو الســـكاني والمـــوارد المتاحـــة بالدولة، وتعظيـــم الاســـتثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصهـــا، وذلـــك فـــي إطـــار تحقيـــق التنمية المستدامة.

تحديات قائمة 

تركز الدولة المصرية على رفع الوعي المجتمعي بالحقوق الخاصة بالصحة الإنجابية لتبني سلوكيات واختيارات إنجابية سليمة والقضاء على التحديات الثقافية التي تؤدي إلى تفاقم الأزمة إلا أن هناك بعض الأفكار التي لا تزال تمثل تحديا للدولة فيما يخص ملف الزيادة السكانية مثلا: 

  • نمو الأفكار التي تناهض تمكين المرأة مما يؤدي إلى تناقص دور المرأة في المجال العام وانحسار دورها على المساهمة داخل المنزل مما يتيح المجال لمزيد من الإنجاب الذي يفوق قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية.
  • التحالف بين الأعراف القائمة على التراث الشعبي حول مفهوم العزوة وما يقابلها عند التيارات المتشددة بمفهوم نصرة الدين بالإنجاب. من خلال الترويج لبعض المفاهيم المغلوطة حول آيات من القرآن أو السنة مثل حديث” تناكحوا تناسلوا أباهي بكم الأمم يوم القيامة” و” تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم”.
  • انحسار دور رجل الدين في نشر الوعي بالقضية السكانية وانخفاض معدلات تناول تلك القضية على منابر المساجد وفي خطب الجمعة مما يخلق هالة من الغموض حول تفسيرات الدين للعديد من الأحاديث والآيات التي تتناول قضية الانجاب.
  • الأفكار السلبية حول إنجاب الفتيات واعتباره وصمة عار للرجل وبالتالي تتجه الاسرة للمزيد من الانجاب حتى يأتي الولد” الذكر” الذي يعد سندًا لإخوته الاناث.
  • المفهوم الرائج بين النساء بأن الانجاب هو ما يدعم وصائل الاسرة ويمنع الزوج من الانفصال او الزواج مرة أخرى.
  • الزواج فيما يسمي بـ ” بيت العيلة” والذي يؤدي الي التنافس بين النساء من اجل إنجاب المزيد من الذكور.
  • انتشار العادات السيئة في المجتمع مثل الزواج المبكر الذي بدوره يطيل مدة الانجاب لدي السيدة ويسمح بإنجاب المزيد من الأطفال.

ولمعالجة تلك التحديات يوصي بعمل التالي: 

  • صياغة خطاب ديني معاصر يتناول الزيادة السكانية من منطلق علاقتها بالموارد الطبيعية المتاحة على المستوى القومي.
  • تعزيز مفهوم التكلفة الاقتصادية لكل طفل.
  • الاستثمار في وعي كل المواطنين الجاهزين للتعامل مع الأسرة بداية من أسرة المنشأ وهي” العائلة أو الأسرة الممتدة”، والتي تمثل الركيزة الأساسية في مشكلة النمو السكاني، فهي التي تقوم ببث الأفكار السلبية الخاصة بسرعة الانجاب بعد الزواج وكثرة إنجاب الأطفال.
  • التعامل مع القضية السكانية ينبغي أن يكون تعاملًا شاملًا وأن يكون هناك خريطة للمفاهيم المغلوطة التي تعوق عملية التنمية، وأن يتم التعامل مع كل مفهوم على حدة.
  • التوسع في برامج المقبلين على الزواج القائمة على خطاب ديني يجمع ما بين المدخل الاجتماعي في القضية الدينية.
  • تفعيل دور القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني لتعديل اتجاهات المجتمع تجاه قضية الزيادة السكانية.
  • إدراج مناهج خاصة بالصحة الإنجابية والثقافة الصحية في المراحل التعليمية خاصة الثانوية.
  • ضرورة الإسراع في إصدار قانون منع زواج القاصرات؛ إذ إنه ومنذ عام 2019 توقف العمل على مشروع القانون رغم أهميته ورغم توجيه الرئيس عد الفتاح السيسي بضرورة السرعة في إخراجه.

آلاء برانية

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى