الانفتاح السياسي.. ماذا بعد انتخابات 2024؟
شهدت الانتخابات الرئاسية 2024 أكبر نسبة مشاركة سياسية على مدار العقود الماضية بنسبة 66.8% من عدد المقيدين بقواعد البيانات الانتخابية، كما جاء المشهد الانتخابي ليدلل على التعددية الحزبية من خلال وجود مرشح مستقل اختار أن يكون ظهيره شعبيًا، وثلاثة رؤساء أحزاب بأيديولوجيات مختلفة، بأقل نسبة للأصوات الباطلة على مدار عقود؛ وربما جاء هذا نتيجة الانفتاح السياسي الذي شهدته الدولة المصرية، بدايةً من إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021، وتدشين الحوار الوطني في أبريل 2022، تنفيذًا لدعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في حفل إفطار الأسرة المصرية، ليضم كافة القوى السياسية والحزبية والخبراء والباحثين والأكاديميين، لمناقشة سبل تطوير الحياة السياسية، وبالتالي فإن المشهد الحالي للانتخابات الرئاسية، يضعنا أمام توقعات بتحول وتطوير مستمر للمشهد “السياسي” وإصلاح الحياة السياسية، والذي سيظهر خلال المدة الرئاسية الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسي.
أولًا مباشرة الحقوق السياسية
تمثلت المشاركة السياسية عنصرًا جاذبًا في زيادة الوعي بأهمية ممارسة الحق الدستوري، وهو ما ظهر في نسبة التصويت بنحو 65%، وهو الأمر المنبثق من قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، وتعديلاته بقانون رقم 140 لسنة 2020، حول تحديد شروط من لهم الحق في التصويت وفئتهم، وزيادة عدد الاستحقاقات الانتخابية للتصويت، وتحديد نسبة المرأة في العملية النيابية بنحو 25%، تنفيذًا لأحكام الدستور المعدل في 2019، مع التأكيد على نظام القوائم 50% بتقسيم المحافظات 4 دوائر انتخابية، والفردي 50% مع تحديد أعداد التمييز النسبي لبعض الفئات، وزيادة عدد المقاعد المخصصة للبرلمان، واستحداث مجلس الشيوخ.
وشهدت الانتخابات الرئاسية الحالية، أطروحات حول إمكانية إضافة بعض ممن لا يقدرون من التصويت نتيجة وجود عائق مادي للتصويت، مثل المحبوسين الاحتياطيين أو عدم توافر لجان فرعية لهم، كما شهدت مناقشات الحوار الوطني مناقشات مطولة حول “القانون الحالي لمباشرة الحقوق السياسية” والذي تم وصفه بالجيد، مع المطالبة على ضرورة توفير وسائل جذب لحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، وبالتالي فإنه لزيادة تطوير العمليات الانتخابية القادمة والمشاركات السياسية، فيمكننا النظر في الآتي:
- بدء البرلمان في النظر لتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، ففيما يتعلق بالعائق المادي، من الممكن أن يتقدم كل من يقع تحت حكم الحبس الاحتياطي بطلب للهيئة الوطنية للانتخابات لمباشرة حقه السياسي، مع توفير سُبل للتصويت في أماكن تواجدهم بإشراف وزارة الداخلية، مع النظر في تقليل المدة المحددة بنحو 5 سنوات لعودة المحرومين من مباشرة حقوقهم الانتخابية، لمدة زمنية يقرها الحوار المجتمعي عند مناقشة التعديلات.
- على مستوى تدريب وتأهيل المجتمع للمشاركة الإيجابية، فيمكن التنسيق مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تنفيذ “مشروع المواطن” وهي مبادرة دولية تستخدم كافة المواطنين في الدولة لتدريب الشباب على مفهوم المشاركة ودورهم في إحداث التغيير ووضع سياسات للحكومات يمكن تطبيقها، بجانب استلهام التجربة الألمانية المعروفة باسم “مراقبة البرلمان” من خلال تفاعل الشباب مع نوابهم على المستوى الاتحادي والأوروبي، ويتم الإجابة عليهم بشكل مستمر، في إطار التواصل والتفاعل ومتابعة تنفيذ توصياتهم، ويتم تدريب الشباب على هذا الأمر من خلال عمل مخيمات خلال الإجازة الصيفية تحت عنوان “مخيمات التفاعل السياسي” يتم فيها تدريب الشباب بشكل تفاعلي من سن 18 سنة حتى 30 سنة على دورهم في وضع السياسات، واستخدام الأفكار في صنع القرارات الحكومية، لإدماجهم في العملية السياسية.
- تبني عدد من القرارات المتعلقة بحرية تداول المعلومات والحصول على البيانات.
ثانيًا التمثيل النيابي
من خلال تشكيل انتخابات المحليات وتنظيمها قانونًا على أن تضم نسب من الشباب والمرأة من سن 25 عامًا، لضمان المشاركة الفعالة من الكتلة التصويتية الأكبر، فمنذ تأجيل انتخابات المحليات في فبراير 2008 لم تشهد مصر انتخابات محلية، وبعد مرور 15 عامًا وتأسيسًا على ترسيخ مفهوم الحكم الرشيد، وتنفيذًا للامركزية وتنفيذ أحكام الدستور، وتخفيفًا عن كاهل عن الحكومة والمجلس التشريعي من أعباء، فمن المنتظر إعادة النظر في تنفيذ الحكم المحلي وقانون المحليات، وربما هو الأمر الذي تناولته الرؤية الانتخابية للمرشح الفائز بالانتخابات الرئاسية 2024 الرئيس عبد الفتاح السيسي.
بالإضافة إعادة مناقشة فكرة القائمة النسبية والقائمة المغلقة، والتي توصلت لها المناقشات داخل الحوار الوطني باقتراح الأنظمة الانتخابية الثلاث وتتمثل في “الإبقاء على النظام الحالي بانتخاب 50% من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ عبر القائمة المطلقة المغلقة، و50% فردي، والنظام الثاني أن يتم بانتخاب كل الأعضاء بالقائمة النسبية غير المنقوصة، بينما الثالث هو النظام المختلط وذلك بانتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية، وصياغة الطريقة الأنسب لطرحها، من خلال اهتمام القوى المدنية بالتركيز على الحصول على تمثيل نسبي في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي تدعمها فكرة القائمة النسبية، مقابل القوى التي تحظى بأغلبية في المجلس التشريعي بشقيه والتي تدعم فكرة القائمة المغلقة للحفاظ على التمثيل المميز للفئات النوعية والتي أقرها الدستور، حيث نصت المادة 102 من الدستور المعدل 2019 بتخصيص 25% من إجمالي عدد المقاعد للمرأة بجانب تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة والمصريين المقيمين في الخارج تمثيلًا ملائمًا في مجلس النواب على النحو الذي يحدده القانون وفقًا للمادتين (243 و244) من الدستور، وصعوبة تحديد النسب الفعلية للتمثيل مما قد يؤدي للطعن في نتائج انتخابات البرلمان، ولضمان التمثيل العادل للأحزاب الصغيرة والمستقلة فإن الائتلافات الانتخابية تقضي على هذه الفكرة، هذا بجانب الدفع نحو فكرة زيادة أعضاء البرلمان المكون من (568) عضوًا والمحدد بقانون 140 لسنة 2020 ليكون معبرًا عن عدد السكان، وعليه فمن المقترح تبني فكرة “النظام المختلط وذلك بانتخاب 50% من الأعضاء بالنظام الفردي و25% بنظام القائمة المطلقة و25% بنظام القائمة النسبية” على أن تتضمن الدوائر الانتخابية 8 دوائر بدلًا من 4 دوائر، تضم كل دائرة قائمتين “مغلقة ونسبية”، وأن يكون من شروط القائمة النسبية اختيار على الأقل ما نسبته 25% من النساء في القائمة النسبية مع ضمان تمثيل متنوع.
ثالثًا: التعددية الحزبية
تقوم على دعم فكرة التعددية الحزبية ودعم الأحزاب من خلال تحقيق التناسب بين العدد الفعلي للأحزاب والتي وصلت إلى 108 أحزاب، فيما لا يتم تمثيلهم جميعًا في البرلمان، وبالتالي يمكن النظر في “تعديل قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977، ومرسوم بقانون رقم 12 لسنة 2011 الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة”، من أجل السماح بالتكتلات ودمج الأحزاب “ذات الأيديولوجية الموحدة” لإمكانية التنافس الفعلي، مع إدراج مفاهيم الحوكمة في الرقابة على الأحزاب، وتحديد نظام داخلي يضمن التداول الديمقراطي للآراء ومبادئ الحزب، وتولي رئاسة التكتل والهيئة العليا المعاونة، وتحديد عقوبات داخلية لكل من يخالف النظام الأساسي، وأن يكون العقاب داخليًا بالحرمان أو الاستمرار في العمل الحزبي، بعيدًا عن القضاء إلا في حال ارتكاب جرائم مالية أو ضد الأمن القومي، مع إتاحة فرص الحصول على “تبرعات ومنح لدعم التكتلات الحزبية” حتى يكون حافز للدمج على أن يكون هناك كشف حساب ختامي تحت إشراف الجهاز المركزي للمحاسبات لضمان عدم الصرف في أوجه غير قانونية أو شبهة الفساد المالي.
وإجراء انتخابات هامشية (إلكترونية) لكافة الأحزاب والتكتلات السياسية بنظام التصويت التفضيلي أو التتابعي – أي تصويت المقترعين لمرشح واحد مع الترتيب التنازلي للمرشحين الآخرين وصولًا للأغلبية المطلقة للمرشح الفردي، وبموجبها يتم تحديد نسبة مئوية من الأصوات العامة كحد أدنى يجب أن تحصل عليه الأحزاب للتأهل للمشاركة في القوائم النسبية التي سيتم تطبيقها، والتوزيع العادل للمقاعد، لضمان تمثيل الأحزاب الصغيرة في القوائم البرلمانية.
والعمل على الاستفادة من مكتسبات الانتخابات الحالية والاستمرار في عقد الأحزاب لمؤتمرات جماهيرية والتواصل مع الشارع المصري لضمان أن يكون معبرًا عنه، وبالتالي تعريف المواطن المصري بأهمية تلك الأحزاب والانضمام إليها.
وختامًا، فمن المتوقع أن تبني الدولة المصرية ممثلة في القيادة السياسية على مكتسبات العملية الانتخابية الحالية، في ظل نهج الإصلاح السياسي لترسيخ مبادئ الديمقراطية وقواعد الحكم الرشيد مع زيادة انخراط القوى السياسية في العملية الانتخابية، والبناء عليها، نتيجة التكاتف المجتمعي الذي ظهر في الانتخابات الحالية، وهو ما ستشهده الأيام المقبلة.