القمة الأردنية المصرية.. مساعٍ حثيثة لوقف الحرب الجارية على قطاع غزة
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الأربعاء 27 ديسمبر 2023، الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن بمطار القاهرة، وتأتي الزيارة في إطار عقد قمة مصرية- أردنية مشتركة، بهدف بحث تطورات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي إطار حرص الجانبين على مواصلة التنسيق المنتظم من أجل تضافر الجهود لصون الأمن القومي العربي. وناقشت القمة عددًا من الملفات المهمة في مقدمتها سُبل وقف إطلاق النار في القطاع، والدفع باتجاه إيجاد أفق سياسي للقضية الفلسطينية.
وتأتي الجهود الدبلوماسية المشتركة بين البلدين في إطار الدعم المستمر والتاريخي للقضية الفلسطينية على مدار عقود منذ عام 1948، حيث ظلت القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى، واحتلت مساحة كبيرة من الاهتمام المصري والأردني، وسعت الدولتان لدفع عملية السلام وحل القضية، واتخذتا السلام طريقًا استراتيجيًا للحفاظ على مقدرات وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، في إطار مبدأ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووفقًا للمبادرة العربية للسلام لعام 2002، ومقررات الشرعية الدولية بهذا الشأن.
وتؤكد زيارة ملك الأردن اليوم الأربعاء وعقد القمة المصرية -الأردنية المشتركة مع مصر، استمرار التنسيق والتعاون الحثيث بين الطرفين وتوحيد الرؤى والمواقف بين مصر والأردن تجاه القضية الفلسطينية، ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال تسليط الضوء على بعض المواقف المهمة للطرفين:
أولا: جهود وقف الحرب الجارية على قطاع غزة
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، تكثفت الجهود المشتركة من الطرفين المصري والأردني من أجل وقف إطلاق النار، وبحث جهود وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2720 بشأن زيادة نفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وإنشاء آلية أممية لمراقبة ومتابعة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وذلك على ضوء العوائق والعراقيل التي يضعها الجانب الإسرائيلي على دخول المساعدات، وهو ما يعكس مساعي الدولتين لقيادة الجهود العربية لوقف الحرب الجارية وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
في وقت سابق خلال نوفمبر الماضي، عقدت قمة مصرية أردنية، أكدت على خطورة استمرار غياب الأفق السياسي وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها، وشدد الطرفان آنذاك على ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية، وعلى أهمية مواصلة التنسيق والتشاور مع الفلسطينيين إزاء القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما رحب الزعيمان في تلك القمة بالهدنة الإنسانية المعلنة في قطاع غزة، وضرورة وقف إطلاق النار تجسيدًا للتوافق الدولي المتمثل في قراري مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ذوي الصلة، كما جدد الطرفان رفضهما لسياسات التجويع والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني.
ثانيا: رفض مخططات التهجير وتصفية القضية الفلسطينية
منذ طرح فكرة مخططات التهجير مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت مصر والأردن بقوة موقفهما الرافض والواضح لمخططات التهجير أو إيجاد أي ظروف تفرض التهجير على الفلسطينيين سواء من غزة إلى سيناء أو من الضفة الغربية إلى الأردن أو حتى التهجير على المستوى الداخلي، وذلك من خلال تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي “لا تهجير للفلسطينيين في قطاع غزة إلى مصر” والذي أعقبه مباشرة تصريح لملك الأردن عبد الله الثاني “الموقف الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأكيده رفض مصر تهجير الأشقاء الفلسطينيين عن أرضهم باعتباره خطًا أحمر، يجسد الموقف المشترك”.
وفي اللقاء المشترك بين الطرفين اليوم في القاهرة، أعاد الزعيمان رفضهما التام لجميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية، أو لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم أو نزوحهم داخليًا، وأشار الطرفان إلى أن الحل الوحيد الذي يجب أن يدفع المجتمع الدولي نحو تنفيذه هو الوقف الفوري لإطلاق النار ونفاذ المساعدات الإغاثية بالكميات والأحجام والسرعة اللازمة.
ثالثًا: قيادة مشتركة للجهود الإغاثية والإنسانية
يجدر الإشارة إلى أن التشاور والتنسيق والتواصل المستمر بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني منذ اللحظة الأولى للحرب ساهم في تخفيف حدتها على أهالي غزة عبر الضغط المستمر لإنفاذ المساعدات الإنسانية في ظل التعنت الإسرائيلي في هذا الشأن، ويستمر حتى اليوم في بذل الجهود الحثيثة من أجل استمرار وزيادة إدخال المساعدات ووقف الحرب.
وتشير الأرقام إلى أن مصر أرسلت 13 ألف طن من المستلزمات الإنسانية بالتعاون مع التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي ومؤسسة حياة كريمة والهلال الأحمر المصري، وتمثل حجم المساعدات التي قدمتها مصر للشعب الفلسطيني 80% من إجمالي المساعدات الدولية للقطاع، وهي بذلك الأولى دوليًا. فيما قدمت الأردن مساعدات للقطاع بلغت 89 شاحنة و28 طائرة، وفقًا للهيئة الخيرية الهاشمية في الأردن. هذا بالإضافة إلى التنسيق الدبلوماسي والإنساني بين مصر والأردن الذي لعب دورًا كبيرًا في إدخال المستشفى الميداني الأردني لعلاج أبناء غزة جراء الحرب الإسرائيلية الدائرة، مما يعكس دور مصر والأردن في تخفيف حدة هذه الحرب على قطاع غزة.
إضافة إلى ما سبق فهناك دور محوري للهلال الأحمر المصري يتمثل في استلام المساعدات سواء الأردنية أو الدولية مباشرة منذ وصولها إلى مطار العريش، ثم تخزينها في المستودعات في رفح ومن ثم تجهيزها وإدخالها إلى قطاع غزة، وأيضًا والتنسيق مع الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية لإدخال المساعدات إلى القطاع.
رابعا: رفض ممارسات الاحتلال في الضفة الغربية
تؤكد مصر والأردن دائمًا على رفضها لمصادرة الأراضي والمنازل الفلسطينية في الضفة الغربية لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وتجلى ذلك من خلال تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي وتأكيده على عدم جواز الاستيلاء على الأرض بالقوة، وأن جميع الإجراءات التشريعية والإدارية التي اتخذت من قبل إسرائيل باعتبارها قوة احتلال، والتي يمكن أن تغير من معالم أو وضع المدينة المقدسة، ليس لها صلاحية قانونية وتمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية جنيف الرابعة، وإشارته لموقف مصر الثابت إزاء رفض وإدانة أية إجراءات إسرائيلية لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم لمدينة القدس ومقدساتها. كما ترفض الأردن هي الأخرى سياسات الاحتلال الإسرائيلي المستمرة المتمثلة في الاقتحامات للمدن الفلسطينية كافة خاصة في الضفة الغربية وسياسات المستوطنين المتطرفين العنيفة تجاه سكان الضفة، والذي يعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني، مؤكدة على أن تلك الحملات التي يشنها الاحتلال في أراضي الضفة لن تؤدي سوى إلى مزيد من التدهور والعنف، وتعقيد المسار السلمي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية.
خلاصة القول؛ تكتسب العلاقات التاريخية المصرية الأردنية أهمية خاصة نظرًا للدور الإقليمي المهم الذي تلعبه الدولتان في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد المنطقة، وتشترك القاهرة وعمان في نفس القدر من التداعيات للحرب التي يعيشها قطاع غزة على أمنهما القومي. وعلى المستوى السياسي والدبلوماسي للبلدين، عقدت عشرات اللقاءات والمؤتمرات التي تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية على مدار عقود، وتعد مصر والأردن من أكثر الدول العربية دفاعًا عن القضية الفلسطينية والأكثر عرضة للمخاطر المترتبة عن تبعات الأحداث التي يشهدها قطاع غزة منذ 3 أشهر تقريبًا بعد بدء الحرب على قطاع غزة.
وتعكس زيارة ملك الأردن عبد الله الثاني لمصر وعقد القمة المشتركة في القاهرة، وحدة الرؤى والتعاون التاريخي والوثيق بين بين البلدين في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية عامة وفي ملف القضية الفلسطينية بشكل خاص. وتشير المواقف المصرية والأردنية إلى استمرار الجهود من أجل وقف إطلاق النار وتيسير دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى رفض أي مخططات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، ودعم الأداة الدبلوماسية والسياسية من أجل إيقاف الحرب الجارية وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.