الحرب على قطاع غزة.. ما بين التنمية المستدامة ومخرجات مؤتمر المناخ (COP28)
قرر مجلس الوزراء الفلسطيني في دورته الـ 90 لعام 2016 تشكيل فريق وطني لقيادة وتنسيق الجهود الوطنية لتنفيذ خطة الأمم المتحدة 2030 للتنمية المستدامة وبعد مرور 7 سنوات على هذا القرار، يمكن التأكيد على أن مخرجات ونتائج هذا الفريق الوطني لم تتحقق كافةً، وظل العائق الرئيس أمام تحقيق هذه الأهداف والغايات هو سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل إلغاء جميع وسائل التنمية في فلسطين كافة وفي غزة بشكل خاص، أبرزها حصار قطاع غزة وأخرها الحرب الجارية منذ السابع من أكتوبر الماضي ومستمرة حتى الآن.
أدت الحرب الحالية إلى كارثة إنسانية تهدد حياة ورفاهية أكثر من 2 مليون إنسان، وأسفر العدوان عن مقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني، وإصابة أكثر من 52 ألفًا آخرين 70% منهم من النساء والأطفال، في حصيلة غير نهائية. كما دمرت حملة القصف البنية التحتية الحيوية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والصرف الصحي ومحطات الطاقة، مما ترك السكان دون إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. ولا يشكل الوضع في غزة انتهاكًا خطيرًا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل يمثل أيضًا انتهاكًا لأهداف التنمية المستدامة، التي تمثل دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر، وحماية الكوكب، وضمان حصول الجميع بحلول عام 2030 على حقوقهم.
وبالتزامن مع الحرب الجارية على قطاع غزة، كان وفد الحكومة الإسرائيلية من أبرز الوفود الحاضرة في مؤتمر المناخ للأطراف الثامن والعشرين خلال شهر ديسمبر الجاري في دبي، بالإضافة إلى أن إسرائيل طرف في الاتفاقية النهائية للمؤتمر والتي كان من أبرز ما توصلت إليه “خفض الوقود الأحفوري” عالميًا، وهو ما تستخدمه إسرائيل في حربها الجارية على القطاع حاليًا، حيث استخدم جيش الاحتلال أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، مما يعكس بوضوح ازدواجية المواقف التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية. وفيما يلي سيتم استعراض أوضاع أهداف التنمية المستدامة في قطاع غزة بعد الحرب الجارية عليه.
وضع أهداف التنمية المستدامة الاقتصادية في قطاع غزة
تتمثل أبرز الأهداف الاقتصادية المستدامة في ضمان حصول الجميع على الطاقة الحديثة (الهدف السابع)، وبتسليط الضوء على قطاع الطاقة في غزة فقد تأثر بشدة بسبب الحرب، حيث ألحقت الغارات الجوية الإسرائيلية أضرارًا بمحطة توليد الكهرباء وخطوط النقل، مما أدى إلى خفض إمدادات الكهرباء. بالإضافة إلى هدف تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير العمل اللائق (الهدف الثامن)، والذي تم عرقلته أيضًا بسبب الحرب التي دمرت اقتصاد غزة الهش والراكد بالفعل، والذي يعاني من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والاعتماد على المساعدات بسبب الحصار وجائحة كورونا. ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، فقد أكثر من 77 ألف عامل في غزة وظائفهم أو مصادر دخلهم نتيجة الصراع، كما تضررت أو دمرت أكثر من 16 ألف شركة.
وبالنسبة إلى الأهداف الاقتصادية الأخرى المتمثلة في وجود بنية تحتية قادرة على الصمود (الهدف التاسع)، فقد تسببت الحرب في تدمير أو إتلاف جزء كبير من البنية التحتية والمرافق الصناعية في غزة، والتي كانت بالفعل نادرة وعفا عليها الزمن بسبب الحصار والحروب السابقة. وأدت الحرب إلى تعرض شعب غزة، لمزيد من التهميش والحرمان من حقوقه وحرياته الأساسية وهو عكس ما نصت عليه هدف الحد من عدم المساواة داخل البلدان (الهدف العاشر).
كما حولت الحرب قطاع غزة الذي يعد واحدًا من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان والتحضر في العالم، إلى منطقة حرب، حيث لا يوجد مكان آمن أو مستدام. واستهدفت الغارات الجوية الإسرائيلية المباني السكنية والمرافق العامة والمواقع الثقافية والتاريخية، مما أدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأشخاص وتدمير النسيج الاجتماعي والتراث الثقافي في غزة مما عرقل أيضًا تحقيق (الهدف الحادي عشر) المتمثل في جعل المدن آمنة وقادرة على الصمود. وعن وضع ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة (الهدف الثاني عشر)، أدت الحرب إلى تعطيل أنماط الاستهلاك والإنتاج في غزة، والتي كانت بالفعل غير مستدامة وغير فعالة بسبب الحصار ونقص الموارد، وانعدام وجود منتجات محلية بالأساس، مثل الأغذية والملابس والحرف اليدوية، وأصبح الاعتماد الحالي على المساعدات بشكل أساسي.
استحالة تحقيق الأهداف الاجتماعية المستدامة في غزة
بالحديث عن وضع القضاء على الفقر في غزة (الهدف الأول)، فقد كان قطاع غزة قبل الحرب عليه منذ حصار 2007 أحد أفقر المناطق وأكثرها كثافة سكانية في العالم، وصلت نسبة الفقر في القطاع 90% بعد الحرب. وعن القضاء على الجوع (الهدف الثاني) فقد تسبب الحرب والحصار في انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في غزة، حيث تعاني أكثر من 60% من الأسر من انعدام الأمن الغذائي ويعاني 40% من الأطفال من التقزم وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، ويحتاج أكثر من 1.6 مليون شخص في غزة إلى مساعدات غذائية طارئة.
وفيما يتعلق بالأوضاع الصحية (الهدف الثالث) أصيب ما يقرب من 50 ألف شخص ويحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة بسبب الحرب على القطاع، وهناك نقص في الأدوية والمعدات والموظفين. وأدت الهجمات الإسرائيلية إلى إتلاف وتدمير أكثر من 30 منشأة صحية، بما في ذلك مجمع الشفاء الطبي، وهو أكبر مستشفى في غزة. كما تعطل قطاع التعليم (الهدف الرابع) في غزة بسبب العدوان الذي أدى إلى إلحاق الضرر أو الدمار بأكثر من 200 مدرسة، مما أثر على أكثر من 600,000 طالب، وتم استخدام العديد من المدارس كملاجئ للنازحين داخليًا.
كما تفاقمت أوجه عدم المساواة بين الجنسين (الهدف الخامس) حيث تواجه النساء والفتيات أشكالًا متعددة من التمييز والعنف، بالإضافة إلى حاجة 250,000 امرأة وفتاة في غزة إلى الحماية وخدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأكثر من 40,000 امرأة حامل معرضة لخطر المضاعفات والولادات غير الآمنة بسبب عدم إمكانية الوصول إلى خدمات رعاية صحة الأم. وفيما يتعلق بضمان توافر المياه (الهدف السادس)، فقد تعرضت البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في غزة، لأضرار بالغة بسبب الهجمات الإسرائيلية. ووفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن أكثر من 800,000 شخص في غزة لا يحصلون على خدمات المياه والصرف الصحي إلا بشكل محدود أو معدوم.
وفيما يتعلق ببناء المجتمعات السلمية (الهدف السادس عشر)، فبشكل واضح انتهك العدوان الإسرائيلي السلام والأمن لسكان غزة الذين يعيشون في ظل حالة حرب وحصار منذ سنوات، كذلك انتهك حقوق الإنسان وكرامة سكان غزة، الذين تعرضوا لهجمات عشوائية. كما أدت الحرب إلى تقويض سيادة القانون وإمكانية الوصول إلى العدالة لسكان غزة، وإضعاف المؤسسات والحكم التي تم تقسيمها وعزلها بسبب التفتت السياسي والإقليمي للأراضي الفلسطينية.
وأخيرًا بالنسبة إلى الشراكة العالمية من أجل تحقيق الأهداف كافةً (الهدف السابع عشر)، أعاقت الحرب تعبئة وتخصيص الموارد المالية والفنية والبشرية لتنمية القطاع، كما أدت إلى تعطيل التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة المشاركين في تنمية غزة، مثل السلطة الفلسطينية، ووكالات الأمم المتحدة، والدول المانحة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص.
تدمير البيئة البرية والبحرية في قطاع غزة
فيما يتعلق باتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ (الهدف الثالث عشر)، فقد ساهمت الحرب في تفاقم تغير المناخ وآثاره على الصعيدين المحلي والعالمي. وخلال الحرب تم إطلاق كميات كبيرة من الغازات الدفيئة والملوثات في الغلاف الجوي، مما أثر على جودة الهواء والمناخ في المنطقة وخارجها. كما ألحق النزاع أضرارًا بالموارد الطبيعية والنظم البيئية في غزة.
وعن وضع الحياة تحت المياه (الهدف الرابع عشر)، فقد تسبب الصراع في تلوث مياه البحر والمناطق الساحلية على نطاق واسع بسبب مياه الصرف الصحي والحطام والمتفجرات، مما أثر على التنوع البيولوجي البحري ومصايد الأسماك. وعن الحياة على البر (الهدف الخامس عشر)، أدت الحرب إلى تدمير أو تدهور النظم البيئية الأرضية في غزة، وتسببت الحرب في إزالة الغابات وتدهور الأراضي وفقدان التنوع البيولوجي، مما أثر على الحياة النباتية والحيوانية في غزة.
الحرب في غزة ومؤتمر المناخ للأطراف 28.. ازدواجية المواقف الإسرائيلية
عُقد مؤتمر المناخ للأطراف الثامن والعشرين ما بين نهاية نوفمبر ومنتصف ديسمبر الجاري في دبي بالإمارات العربية المتحدة، وكان من أبرز مخرجات المؤتمر هو خفض الوقود الاحفوري عالميًا، وزيادة تمويل صندوق الخسائر والأضرار إلى 800 مليون. وعلى الرغم من أن وفد الحكومة الإسرائيلية من أبرز الدول الحاضرة في المؤتمر، وبذلك هو جزء من الاتفاق الأخير للمؤتمر، إلا أنه على النقيض تمامًا يستمر في الحرب على قطاع غزة مستخدمًا الوقود الأحفوري بكل أشكاله واستخدام الفسفور الأبيض بكميات كبيرة للغاية.
وتمتد آثار الدمار التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على غزة إلى ما هو أبعد من الخسائر البشرية المباشرة، حيث أدى الحصار المستمر منذ 16 عامًا والهجمات العسكرية المتتالية على القطاع إلى تدهور بيئي طويل الأمد، وتلوث حاد، وأزمة صحية عامة مستعصية. قبل القصف الحالي، كانت 96% من المياه في غزة تعتبر غير صالحة للاستهلاك البشري بسبب ممارسات جيش الاحتلال المستمرة.
وأدى القصف الإسرائيلي الحالي إلى تدمير البنية التحتية والأراضي الزراعية، وتسوية 60% من الوحدات السكنية بالأرض. ويؤدي الدخان السام والجسيمات المنبعثة من الذخائر والحطام إلى تلويث الهواء والتربة والمياه. كما استخدمت إسرائيل في عدوانها قنابل “الفسفور الأبيض” وهي مادة كيميائية شديدة السمية تسبب حروقًا شديدة، ويمكن أن تتسرب إلى عمق التربة وشبكات المياه وتبقى هناك لسنوات عديدة، إضافة إلى ما سبق فقد ألقت إسرائيل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على قطاع غزة، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين.
خلاصة القول؛ دقت الحرب على قطاع غزة ناقوس الخطر من أن سكان غزة، الذين أصبحوا الآن عرضة بشكل متزايد لتأثيرات تغير المناخ، في المنطقة التي ترتفع فيها درجة الحرارة بالفعل بمعدل ضعفي المتوسط العالمي. كما انعدمت جميع أشكال الحياة في القطاع من الناحية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية بسبب ممارسات جيش الاحتلال المستمرة، ودمرت الحرب جميع شعارات التنمية المستدامة وأبرزها “عدم ترك أحد خلف الركب” حيث أصبح الأن شعب قطاع غزة كاملًا “خلف الركب”، ولا مجال للدعوة “للاستدامة” في غزة والتي في جوهرها تتضمن عالم أكثر إنصافًا، حيث كشفت الأحداث التي وقعت منذ السابع من أكتوبر عن تباين كبير وازدواجية معايير ومواقف المجتمع الدولي مقارنة بقيمه المعلنة.