قراءة تحليلية في أرقام نتيجة انتخابات الرئاسة المصرية 2024
عكست نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي أفصحت عنها الهيئة الوطنية للانتخابات، إلى أي درجة سعت الدولة المصرية على مدار عقد كامل الاستثمار في بناء وعي المواطن المصري، والذي أثبت وبجدارة مدى وعيه وإدراكه لطبيعة المرحلة الحالية التي تمر بها مصر والمنطقة عمومًا.
وأتت انتخابات الرئاسة المصرية 2024 تأكيدًا لإرادة الشعب المصري، ودليل قوى على أن النزاهة والشفافية هما السبيل لإرساء قواعد الديمقراطية السليمة، فوفقًا للهيئة الوطنية للانتخابات اقتربت نسبة المشاركة من 67%، متخطية كافة نسب المشاركة في أي انتخابات سابقة، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات الرئاسة عام 2018 حوالي 41% مقابل 47.45% في انتخابات 2014، وبالتالي اعتبرت الانتخابات الرئاسية 2024 خطوة رئيسة في مسار الدولة نحو التحول الديمقراطي، والتعددية الحزبية والتنافسية السياسية.
أسباب المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024
إن الوعي وتنمية الفكر هما أساس بناء المجتمعات؛ ولا يمكن إغفال هذه الأسس إذا أردنا بناء دولة تتمتع بأسس الديمقراطية السليمة، لأن المواطن هو أساس أي عملية تنموية تقوم بها أي دولة، وبالتالي أدركت الدولة المصرية أهمية هذا الطرح جيدًا وعملت على مدار عشر سنوات على تطوير وتنمية وعي المواطن المصري، من خلال تبنى استراتيجية بناء الإنسان المصري في الداخل والخارج، وذلك لضمان مستوى أعلى له للتمتع بكافة حقوقه وعلى رأسها حقوقه السياسية، وتم ذلك من خلال اتباع عدد كبير من المبادرات والبرامج التنفيذية تضافرت فيها كل جهود مؤسسات الدولة المصرية لتحقيق المأمول منها وهي كالتالي:
– الاهتمام بالشباب:
والذي عد ركيزة أساسية في خطة الدولة واستراتيجيتها لبناء الإنسان المصري، خصوصًا وأن 60% من المجتمع المصري من فئة الشباب، حيث تبنت الدولة تجربة فريدة للعمل على تأهيلهم وتدريبهم في عدة تخصصات، فرفعت الدولة شعار التأهيل أولًا ثم التمكين، فتم تقديم نموذج للحوار القائم على الأهداف والرؤى المشتركة، من أجل تنمية الحياة السياسية وتقديم مشروع وطني يجمع كل الأطياف، وهي “تنسيقية شباب الأحزاب” وتضم 27 حزبًا ومجموعة من السياسيين المستقلين.
هذا بالإضافة إلى البرامج التدريبية لعدد كبير من الشباب قامت بها الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل، حتى رأينا الشباب في مواقع تنفيذية مهمة منها نواب للوزراء والمحافظين ونواب المحافظين، بالإضافة إلى الوصول إلى مجلسي الشيوخ والنواب، فمثلًا بلغ عدد الأعضاء من الشباب تحت سن الأربعين بمجلس النواب في دورته الحالية 2021-2026، نحو 124 نائبًا بنسبة 21% من إجمالي عدد النواب بالبرلمان.
الاهتمام بالمرأة:
تمثل المرأة حوالي 48% من المجتمع المصري، وبالتالي وضعت الدولة المصرية ملف تعزيز وترسيخ حقوق المرأة في المجتمع على قائمة الأولويات والاستراتيجيات الوطنية، حيث عززت من خطواتها على المستوى الوطني من أجل دعم المرأة وتمكينها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا إلى جانب توفير كل أوجه الرعاية والحماية لها، إدراكًا وإيمانًا بجدارتها وقدرتها على القيادة والريادة على أعلى مستوى، فضلًا عن كونها لاعبًا أساسيا في عمليات التنمية المستدامة، حيث تم الانطلاق في عام 2021 نحو تقدم المرأة للتعيين في مجلس الدولة والنيابة العامة، وشغل المرأة نسبة 28% من مجلس النواب، ونسبة 14% من مجلس الشيوخ، ونسبة 25% من الحقائب الوزارية وغيرها من الإجراءات التي ساهمت في تدعيم وتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، وبالتالي جاء حضور ووجود المرأة في الانتخابات الرئاسية 2024 قوى وكثيف وترجمة حقيقية للدور الفعال والمؤثر للخطوات التي قامت بها الدولة في فتراتها الماضية.
– الاهتمام بذوي الهمم:
شهدت مصر في الآونة الأخيرة، خاصة في السنوات الماضية، تقدمًا ملحوظًا في مجال دعم وتمكين الأشخاص ذوي الهمم، وذلك من خلال خلق مساحة ومناخ ملائم لتضافر جهود كل شرائح المجتمع من مؤسسات أكاديمية وتشريعية وغير ذلك لدعم أصحاب الهمم والقدرات الخاصة، إذ تم توجيه استثمارات عامة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة تقدر بمليار جنيه خلال عامي 2020/19 و2021/20 لتنفيذ 96 مشروعًا تنمويًا، تمثلت أهدافها الرئيسة في التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة، والعمل على تحويلها من فئة مستهلكة إلى فئة منتجة، وبالتالي وجدنا حضور كثيف من ذوي الهمم خصوصًا في ظل إصرار الهيئة الوطنية للانتخابات على تيسير كافة السُبل وإزالة كل العقبات لضمان تمثيل كافة الفئات في هذا الاستحقاق الدستوري، إذ تم توفير نموذج بطاقات الاقتراع بطريقة برايل للمكفوفين لأول مرة في تاريخ الاستحقاقات الرئاسية، بالإضافة إلى الإرشادات على الحوائط لذوي الإعاقات السمعية.
– الاهتمام بالمصريين بالخارج:
حرصت الدولة على التواصل المستمر مع المصريين بالخارج من خلال العمل على ربطهم بالدولة، فلقد بلغ عدد المصريين بالخارج حوالي 14 مليون مصري، وترجمت الدولة اهتمامها بهم من خلال إنشاء وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج سنة 2015 لتقديم الدعم الكامل لهم وحل المشكلات التي تواجههم. وإطلاق منظومة خدمة المواطنين والبوابة الإلكترونية والخط الساخن لحل مشكلات المصريين بالخارج استفاد منها 1.6 مليون مواطن، إلى جانب إطلاق النسخة الرابعة من مؤتمر «المصريين بالخارج» في يوليو بمشاركة نحو 1000 مصري بالخارج من أكثر من 56 دولة حول العالم، من بينهم ممثلون عن 66 رابطة جالية للمصريين بالخارج، هذا بالإضافة إلى العديد من المبادرات وبرامج الشراكة والتوأمة التي قامت بها الدولة ضمانًا لتعزيز أواصر الترابط بين المصريين في الخارج بوطنهم مصر، وتمت ترجمة هذا الأمر من خلال الإقبال الخارجي الواسع على الانتخابات الرئاسية 2024 في ظل التحديات اللوجستية وبعد المسافات وتقلبات الأحوال الجوية إلا أن إرادة المصريين في الخارج كانت فوق أي تحدٍ.
– الحوار الوطني:
اعتبر الحوار الوطني دليل قوي على فتح المجال العام وأداة أساسية لدعم وتعزيز حرية الرأي والتعبير في مصر، والذي تم إطلاقه في أبريل 2022، وسط مشاركة من مختلف فئات المجتمع المصري المعارضين قبل المؤيدين من مختلف التكتلات الحزبية والكيانات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والتنموية والخيرية وحتى المستقلين، حيث تم مناقشة 113 قضية في المحور السياسي، والمحور الاقتصادي، بالإضافة إلى المحور الاجتماعي، هذا ولم يكن هناك خطوط حمراء فلقد طُرحت كافة القضايا للنقاش للوصول بالدولة وتحقيق أهدافها، من أجل مناقشة أولويات العمل الوطني للمُضي قدمًا في بناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة، وهو ما أكده الرئيس السيسي اليوم في كلمته عقب إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية 2024 بدعوة الجميع لاستكمال جلسات الحوار الوطني.
ختامًا، جاءت المشاركة في الانتخابات الرئاسية 2024 معبرة عن مدى الفهم والإدراك للمصريين بالتحديات الإقليمية والدولية المحيطة بالدولة المصرية، فاشتعال الحرب على الحدود الشرقية ومخطط التهجير الإسرائيلي بالإضافة إلى احتدام الصراع على الحدود الجنوبية أصبح مفهوم للمواطن المصري بصورة كبيرة، فالمواطن المصري أدرك تمام الإدراك أن مصر تعد واحدة من الدول الرائدة في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولها تأثير كبير على صناعة القرارات الدولية، وبمشاركته السياسية في الانتخابات الرئاسية منح الفرصة لممثله السياسي للتأثير على القرارات الدولية التي تؤثر في مصر والمنطقة بشكل عام.