مقالات رأي

أي مشروع صوت له المصريون في الانتخابات الرئاسية 2024؟

اتسمت الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بالإقبال الكثيف للناخبين منذ أول يوم، سواء في الخارج أو الداخل المصري كما شهدناها بالفضائيات، فوفق المؤشرات الأولية سجلت المشاركة نسبة مرتفعة جدًّا مقارنة بنظيرتها في الانتخابات الرئاسية لعامي 2014 و2018. لكن بالرجوع إلى نسبة مشاركة المواطنين في الانتخابات الرئاسية 2012، وقيل إنها الأعلى في تاريخ مصر فقد بلغت 51%.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ماذا تخبرنا المقارنة بين نسبتي مشاركة المصريين في الانتخابات الرئاسية عامي 2012 و2024؟

في عام 2012 وفى ظل حالة السيولة التي عاشتها مصر والإقليم، كانت نسبة المشاركة عالية نزل الناخبون تحركهم تيارات سياسية مرتبطة بالحشد من أجل تنفيذ مشروع سياسي لمصر التي يريدها على حساب الأطراف الأخرى. وقد نجح الإخوان المسلمون في استغلال الأوضاع السياسية وتمكنوا من التأثير بما جعل نتائج الانتخابات لصالحهم، ولا يخفى ارتباط المشروع السياسي للإخوان المسلمين بأطراف خارجية إقليمية ودولية دعمته من أجل تنفيذ المشروع الإخواني في المنطقة انطلاقًا من مصر.

إقبال المصريين على التصويت الكثيف في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 حمل عدة رسائل في اتجاهات مختلفة، منها صراعات الإقليم، حيث يشهد السودان تناحرًا بين أطراف داخلية، ونزوحًا جماعيًّا لسكانه، وعلى حدودنا الغربية حيث ليبيا الممزقة بين أطراف داخلية وتدخلات من دول إقليمية، وصولًا للمأساة الإنسانية في غزة، والتي يخطط للتخلص منها على حساب الأمن القومي المصري، عبر تهجير سكانه وتصفية القضية.

ومن ثم كان الإقبال التاريخي للناخبين للتصويت في الانتخابات تصويتًا للمشروع الوطني المصري، للدولة المصرية القادرة على حماية حدودها، وحفظ مصالحها. لم يكن التصويت هنا لمشروع ديني أو لتيار سياسي يغير ثوابت ومصالح مصر. 

ومن ثم فإن نسبة الإقبال العالية تعنى ممارسة المصريين حقوقهم السياسية بهدف تجديد الثقة في مؤسسات الدولة المنوط بها حماية أركان الدولة المصرية ومصالحها في مواجهة التهديدات الإقليمية، وعلى رأس هذه المؤسسات القوات المسلحة المصرية الضامن للأمن والاستقرار. 

فمصر ليس لديها جيش طائفي أو من عرقيات مختلفة بل جيش وطني نسيجه واحد وعقيدته العسكرية واحدة وهو ما ساهم في وقوف الجيش قويًّا متماسكًا في مواجهة محاولات تفكيك الدول التي بدأت في الشرق الأوسط منذ 2011.

أي أن التصويت عام 2012 كان لصالح مشروعات إقليمية تتنافس على بسط النفوذ داخل بعض الدول العربية، وكان أهمها تصعيد الإخوان المسلمين في المنطقة، انطلاقًا من مصر، عبر أداة الإخوان المسلمين، في حين التصويت في الانتخابات الرئاسية 2024 هو لصالح حماية مصر من التهديدات الإقليمية ودعم ومساندة الدولة، وهو ما يسمى في العلوم السياسية Rally round the flag حيث تدعم جميع التيارات السياسية الحكومة.

وهو ما يمنح على الجانب الآخر الدولة قوة للتحرك في ملفات السياسة الخارجية بخيارات أكبر وأكثر تنويعًا استنادًا للدعم الشعبي.

أي أن قوة المصريين تنبع من الالتفات حول الدولة بما يؤشر لوعى وقوة المصريين وفطرتهم السليمة للحفاظ على وطنهم بدلًا من الهروب خلف انتماءات أولية فككت الدولة المركزية في بعض دول الإقليم، ولحسن الطالع أن مصر ليس بها أقليات عرقية أو إثنية أو مذهبية، ومن ثم سيظل التماسك الداخلي أهم ما يميز النسيج المصري.

ليس العامل الإقليمي فقط ما يفسر الإقبال الكثيف في التصويت بل هناك عامل داخلي، وهو قدرة مؤسسات الدولة ونجاحها في توفير الأمن ومحاربة الإرهاب، سواء في سيناء أو في المدن المصرية، ومن ثم التصويت يحمل رسالة مفادها الحرص على استمرار الأمن والاستقرار الذي يعيشه المواطن.

ولا يغيب أن المشهد السياسي داخليًّا كان قد تم تأهيله منذ تدشين الحوار الوطني، حيث أعد المناخ للحوار بين الأحزاب والأطراف المختلفة، أي تحقيق ائتلاف وطني بأصوات مختلفة تحت مظلة وطنية.

إن جهود مؤسسات الدولة المعنية بالمشهد السياسي تخلق ثقافة جديدة هي “الاختلاف تحت ظل الوطن”.

إن انتخابات 2024 ليست تاريخية فقط لنسب التصويت العالية للمصريين، بل لأنها تصويت لمشروع الدولة الوطنية ومؤسساتها، في محيط إقليمي تشهد معظم دوله صراعات ومآسي ممتدة، وتدخلات إقليمية تتجاذبها لخدمة مصالحها.

نقلًا عن صحيفة المصري اليوم

د. هدى رؤوف

أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى