أبرز التحديات الإقليمية على أجندة رئيس مصر القادم
يعاني المحيط الإقليمي للدولة المصرية بما يشتمل عليه من دوائر مختلفة يتشابك معها الموقع الجيوسياسي لمصر، من حالة تأزم متعددة الأبعاد، وهي الحالة التي تتفاعل معها الدولة المصرية وتؤثر وتتأثر بها، انطلاقًا من طبيعة ومحورية الدور الإقليمي لمصر، وكذا حفاظًا على أمنها القومي في مواجهة التداعيات المترتبة على هذه الأزمات، ويجد المتابع لأنماط التهديدات والأزمات الإقليمية المحيطة بالدولة المصرية، أن هذه الأزمات تتخذ أكثر من نمط سواءً ما يتعلق بأزمات دول الجوار وما يشهده بعضها من حروب، أو ما يتعلق بأزمات الأمن التقليدي كالإرهاب وانتشار الميليشيات المسلحة والمرتزقة في العديد من المناطق، أو ما يتعلق بأزمات الأمن غير التقليدية، كتهديدات الأمن البحري وتداعيات التغيرات المناخية، وقد دفعت كل هذه الاعتبارات باتجاه تحول ملف تهديدات الأمن الإقليمي إلى واحد من أهم الملفات والأولويات بالنسبة للرئيس المصري القادم، خصوصًا في ضوء ما تحمله هذه الأزمات من انعكاسات وتداعيات على الدولة المصرية.
أبرز مهددات الأمن الإقليمي لمصر
يشهد المحيط الإقليمي للدولة المصرية العديد من المهددات والتحديات البارزة، الأمر الذي يجعل ملف التعامل مع هذه التهديدات على رأس أولويات الرئيس القادم، ويمكن إبراز هذه المهددات على النحو التالي:
1- أزمات دول الجوار: يعد ملف أزمات دول الجوار المصري أحد المهددات الرئيسة للأمن القومي المصري، وذلك في ضوء اعتبارين رئيسين، الأول، أن كافة الدول والمناطق المحاذية لمصر تشهد أزمات ممتدة ومتعددة الأبعاد، بدايةً من الحدود الجنوبية لمصر واستمرار الأزمة السودانية، مرورًا بالحدود الغربية وما تشهده من استمرار الأزمة الليبية، وصولًا للحدود الشرقية والحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة، أما الاعتبار الثاني، فيتمثل في كون كل هذه الأزمات تحمل تداعيات وتأثيرات مباشرة على الدولة المصرية، وهي التداعيات التي لا تقتصر فقط على حدود ملف اللاجئين، وإنما تشمل تهديدات أخرى مرتبطة بالأمن القومي والسيادة المصرية.
ولعل النموذج الأبرز لهذا النوع من التهديد، يتجسد في حالة القضية الفلسطينية، والتي تشهد تصعيدًا غير مسبوقًا على مستوى الكم والكيف، إذ إننا أمام قصف وعمليات عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة، وأهداف إسرائيلية أكثر خطورة ومختلفة عن الأهداف التقليدية للعمليات السابقة، وهي الأهداف التي تمثل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، على غرار ملف التهجير، إذ تسعى إسرائيل للدفع باتجاه تهجير الشعب الفلسطيني إلى أراضي سيناء.
2- أزمات الدولة الوطنية في بعض البلاد: لا تزال العديد من الدول العربية تواجه إشكالات تتعلق بشكل أساسي بغياب الدولة الوطنية، بمعنى غياب سلطة مركزية قوية ومتماسكة قادرة على فرض سيطرتها على كافة مناطق الإقليم الجغرافي للدولة، وتحظى بالاعتراف والشرعية الدولية، ويتجسد ذلك في العديد من الحالات في سوريا واليمن وليبيا والسودان، ويمثل استمرار هذه الحالة تهديدًا للأمن القومي العربي والمصري، على اعتبار أنه يدفع باتجاه تنامي الأزمات الأمنية في المنطقة، ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية لهذه الدول، وبالتالي فإن التعامل وفق ثوابت السياسة الخارجية المصرية في العشر سنوات الأخيرة مع هذه الأزمات، سوف يكون أحد الملفات الرئيسة بالنسبة للرئيس القادم، في ضوء المكانة الجيوسياسية للدولة المصرية في المنطقة، وكذا تعويل هذه الدول على الدور المصري من أجل الدفع باتجاه التوصل إلى تسويات دائمة لأزماتها.
3- ملف القضية الفلسطينية: عبرت دورة التصعيد الراهنة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023، عن فرضية كانت تؤكد الدولة المصرية دائمًا عليها، وهي أن تحقيق الأمن الإقليمي للمنطقة مرهون بالمعالجة الشاملة والجذرية للقضية الفلسطينية على قاعدة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وفق ما أقرته الشرعية الدولية، ولعل ما خلفه التصعيد الراهن من تداعيات مباشرة على الدولة المصرية، فضلًا عما حمله من تداعيات على المنطقة ككل، يدفع باتجاه جعل ملف الوصول إلى تسوية خاصة بالقضية الفلسطينية على رأس أولويات الرئيس القادم، بما يضمن حقوق الشعب الفلسطيني، وكذا يضمن عدم تكرر دورات الصراع مرة أخرى.
4- استمرار التهديدات الإرهابية بالمنطقة: على الرغم مما حققته جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة من نجاحات نسبية في السنوات الأخيرة مما أدى إلى تقويض أنشطة تنظيمات العنف، إلا أن التهديد الإرهابي والميليشياوي ظل التهديد الأبرز بالنسبة لكافة دول المنطقة، وتشهد العديد من دول الجوار وخصوصًا السودان وليبيا انتشارًا واسعًا وتناميًا في حضور الميليشيات والتنظيمات الإرهابية في البلاد، حتى أن التقرير السنوي الأخير لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب صنف الدولتين في إطار الدول التي تمثل “ملاذات آمنة للإرهاب”، ويمثل انتشار هذه التنظيمات في دول الجوار تهديدًا مباشرًا للدولة المصرية، وإلى جانب ذلك تشهد المنطقة استمرارًا لحضور تنظيمات داعش والقاعدة، وخصوصًا دول العراق وسوريا واليمن.
5- مهددات الأمن المائي لمصر: يقع ملف الأمن المائي في قلب المحددات الحاكمة للأمن القومي للدولة المصرية، ويعد هذا الملف حاليًا على رأس أولويات الرئيس المصري القادم، وذلك في ضوء سعي إثيوبيا لفرض أمر واقع جديد يأتي على حساب الحقوق المائية لمصر والسودان، وقد تبنت مصر في السنوات الأخيرة ومنذ ثورة 30 يونيو 2013 العديد من التحركات الدبلوماسية التي أكدت على الثوابت المصرية في هذا الصدد، متمثلةً في ضرورة الوصول إلى اتفاق ملزم لكافة الأطراف مما يضمن لإثيوبيا التنمية، ويضمن لمصر والسودان حق البقاء والوجود وهو الحق الذي لا يتعارض مع الحق في التنمية، كذلك أكدت الدبلوماسية المصرية على حق مصر في اتخذا كافة الإجراءات من أجل ضمان أمنها المائي والقومي.
6- تهديدات الأمن البحري: لا تقتصر أهمية ملف التحديات الإقليمية التي تواجه الرئيس القادم، على حدود التهديدات التقليدية، وإنما تمتد لتشمل التهديدات غير التقليدية، والتي يقع ملف تهديدات الأمن البحري في القلب منها، ويُقصد بتهديدات الأمن البحري قيام أفراد أو مجموعات بالاستخدام الممنهج للعنف ضد خدمات النقل أو الشحن البحري الدولية لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، ويدخل في هذا الإطار عدد من أنماط التهديد كاستخدام المجال البحري كوسيلة لشن هجمات على أهداف برية، أو اختطاف القطع البحرية واحتجاز الرهائن من قبل مجموعات مسلحة، أو تنفيذ هجمات ضد أهداف بحرية ذات قيمة عالية، ولعل حالة الاستقطاب والحشد التي تشهدها منطقة البحر الأحمر حاليًا تمثل تعبيرًا عن ذلك، عقب انخراط مجموعة الحوثي اليمنية في إطار تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمر الذي يزيد من التخوفات بخصوص الملاحة البحرية في المنطقة.
وفي الختام، يمكن القول إن ملف التحديات الإقليمية وتهديدات الأمن الإقليمي، سوف يكون على رأس أولويات الرئيس القادم لمصر، وذلك في ضوء الطبيعة الجيوسياسية للدولة المصرية ووزنها الاستراتيجي، بما يفرض عليها التفاعل مع بيئتها المحيطة والتأثر بها، فضلًا عن اعتبارات أخرى ترتبط بتنامي وتيرة وحجم هذه التحديات والتهديدات بالشكل الذي جعلها تمثل مصدر تهديد وجودي بالنسبة للدولة المصرية.