مقالات رأي

هل حياة كريمة والتحالف الوطنى القوة الناعمة المصرية الجديدة؟

تعرف مصر العمل الخيرى منذ عشرات السنين، ساد بين المصريين ثقافة التكاتف وانتشرت الجمعيات الخيرية التي تجمع تبرعات وتمنحها للمحتاجين، ولمعظم الجمعيات صفة الدينية، وتبرع المواطن في شكل زكاة لدى المسلمين والعشور لدى الأقباط.

مؤخرًا، ظهرت مؤسسة حياة كريمة للقرى المصرية إلى جانب التحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى كأحد المشروعات التنموية التي دعمتها الدولة، السؤال: ما الجديد الذي قدمه كل منهما للعمل الخيرى والأهلى في مصر؟ وماذا يعنى ارتباط الكيانين بأزمة غزة الأخيرة؟

الإجابة تتمحور حول مهام حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى والذى سار في مسارين متوازيين، الأول العمل التنموى داخل مصر، والثانى التداخل مع أزمات الإقليم، وهو ما تجلى في أزمة غزة الأخيرة. لقد اضطلعت الجمعيات والمؤسسات الخيرية في مصر على القيام بدور خيرى ورعائى للفقراء، لا يتعدى توزيع المساعدات العينية والنقدية، ولم تتعد الجمعيات الخيرية الحدود الجغرافية الضيقة حتى داخل المحافظة.

لم يتصور أحد أن يكون هناك تغير في طبيعة العمل الأهلى في مصر يدفع ليس فقط في خفض نسب الفقر وتحسين مستويات المعيشة عبر مساندة دور الدولة وسد الثغرات في الأماكن والمجالات التي قد تعجز الحكومة عن الوصول لها، بل تعزيز استراتيجية الدولة لبناء الشخصية المصرية، وتعدى حدود الدور الننموى إلى خارج مصر كإحدى أدوات السياسة الخارجية، ومن ثم يمكن القول إن حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى أدوات جديدة لدعم قوة مصر الناعمة وأدوات التاثير الإيجابى في ملفات السياسة الخارجية.

والسؤال: كيف قامت حياة كريمة والتحالف الوطنى بالدور المتشابك محليًّا وإقليميًّا؟

أولًا- محليًّا: التنمية في أي دولة هي تراكم لرأس المال بشكل عام، ضمن أنواع كثيرة لرأس المال، هناك رأس المال الاجتماعى، بمعنى كيف يمكن تعبئة القوى الاجتماعية بحيث تتكافل وتتشارك فيما بينها في عملية التغيير وإعلاء شان الوطن، وعدم سماح المجتمع لأى مواطن بأن يقع سواء بسبب الفقر أو المرض؟!.

تأسس دور ومهام حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى ليس لجمع التبرعات والمساعدات وتوزيعها، بل اعتبار أن التنمية والتوازن الاجتماعى والسلم الاجتماعى مسائل حيوية. ولأن رأس المال الاجتماعى يشمل موارد وطاقات كامنة في الشبكات الاجتماعية فاستهدفت حياة كريمة والتحالف العمل على تعبئة الموارد، والاستفادة منها بإعلاء قيم التضامن والعمل المشترك وتسهيل الحراك الاجتماعى، والتمكين الاقتصادى والاجتماعى عبر آليات منها السكن الكريم والبنية التحتية والخدمات الطبية والتدريب والتشغيل والتدخلات الاجتماعية إلى جانب البيئية.

لذا رسخت حياة كريمة بالتعاون مع التحالف الوطنى تغيير ثقافة العمل الأهلى والخيرى إلى ثقافة تنموية، ليس المهم أن يتوفر للناس حد أدنى من الحياة بالطعام وإنما أن يشاركوا بالحياة ومن ثم إدارة الثروة الموجودة بالبلد. كما عملا على حفظ أكثر من 75% من الجهد والموارد نتيجة التنسيق والتكامل بين المؤسسات المختلفة المنضوية تحت لوائهما، لمحاربة الفقر ليس من محاور ضيقة تركز على الطعام واللبس بل من منظور بناء الشخصية.

خلقت حياة كريمة ثقافة جديدة بحيث لا يتم التبرع لحاجة معينة، إنما التبرع موجه لنشاط أكبر هو التعليم والصحة، إن نشاطها ليس إحسانًا إنما هو منظور تنموى للصحة والتعليم وجلسات التغذية وتنظيم الأسرة وبالتالى رفع مؤْشرات التنمية لدى الأسر الفقيرة.

ثانيًا- إقليميًّا: اندمجت كل من حياة كريمة والتحالف الوطنى مع أزمة غزة منذ بدايتها، ومع إعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى، من استاد القاهرة، إشارة بدء قافلة مساعدات لدعم الفلسطينيين، تحركت 106 قاطرات تحمل كميات ضخمة من المساعدات الإنسانية إلى مدينة العريش. ومع تعنت إسرائيل ومنع دخول المساعدات الإنسانية ظل شباب التحالف الوطنى صامدين لإيصال المساعدات للفلسطينيين.

ومن بين الجهود الأخرى إطلاق مبادرة «من إنسان لإنسان» ومبادرة «من طفل لطفل» بمشاركة طلاب المدارس لتوعيتهم بالقضية.بما عكس أن القضية الفلسطينية راسخة في وجدان كل مصرى، وفى أجندة الدولة المصرية. وفى عام 2021 أعلنت حياة كريمة تأييدها الكامل ودعمها لمبادرة الرئيس السيسى بتقديم مصر مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية مخصصة لصالح إعادة إعمار قطاع غزة.

ومن ثم يمكن لمؤسسة حياة كريمة والتحالف الوطنى وانطلاقًا من الدور في غزة، أن يشكلا قوة ناعمة جديدة يمكن من خلالها لعب دور تنموى غير رسمى في دعم تنمية المناطق المأزومة في غزة والسودان وليبيا وسوريا عبر التشبيك مع المؤسسات التنموية الإقليمية والدولية، ولعب دور في إعادة الإعمار بما يرسخ لتواجد مصرى شعبى في ميادين الصحة والتعليم والتنمية على نحو لا يترك سكان تلك المناطق تحت تاثير النفوذ غير العربى، وعلى نحو يعيد الروابط بين مصر والشعوب العربية، عبر المشاركة في تقديم كافة سبل الدعم الممكنة بالجهود المادية والمعنوية والخبرات والجهود التنموية.

لقد شكلت مؤسسة حياة كريمة والتحالف الوطنى للعمل الأهلى والتنموى ليس فقط شيوع ثقافة العمل المجتمعى والخدمى بالمجتمع، وإنما كيف يتحول العمل الأهلى إلى قوة ناعمة خارج الحدود إلى جانب الجهود الدبلوماسية.

نقلاً عن المصري اليوم

د. هدى رؤوف

أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة الدراسات الإيرانية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى