تغير المناخ

من شرم الشيخ إلى دبي: ملفات مؤتمر المناخ “كوب 28”

انطلقت الخميس 30 نوفمبر 2023، وعلى مدار أسبوعين، فعاليات مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “كوب 28” في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وسط ظروف عالمية استثنائية متلاحقة منذ عام 2020، مما يجعل هذا المؤتمر يراه البعض من أهم مؤتمرات المناخ منذ عام 2015 في باريس؛ إذ يعد هذا المؤتمر عام التقييم العالمي الأول لما تم تحقيقه منذ اتفاقية باريس للمناخ 2015، بالإضافة إلى إعادة تحديد الدول لأهدافها الوطنية واتخاذ خطوات أسرع نحو خفض الانبعاثات الكربونية والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري والتحول نحو الطاقة النظيفة.

مؤتمر المناخ “كوب 28”

تعد دولة الإمارات ثاني دولة خليجية تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ بعد قطر عام 2012، حيث وافقت بالإجماع دول آسيا على ترشيح الامارات لاستضافة المؤتمر بعد مصر في عام 2022. سيتم تنظيم المؤتمر لأكثر من أسبوعين في مدينة إكسبو بدبي وسط مشاركة رسمية من أكثر من 180 رئيس دولة، إضافة إلى الوفود الرسمية ومنظمات غير حكومية ووكالات دولية وإعلامية. وكما هو الحال، سينقسم المؤتمر إلى المنطقة الزرقاء التي تشمل المفاوضات الرسمية وكلمات الوفود الرئاسية الرسمية المشاركة، والمنطقة الخضراء التي تمثل فرصة للقطاع الخاص لعرض مساهماته وحلوله لتحدي المناخ، وسط فعاليات شبابية في المجالات المختلفة.

بدأت فعاليات المؤتمر بتسليم الوزير سامح شكري وزير الخارجية المصري ورئيس الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ ” كوب27″ رئاسة المؤتمر إلى السيد سلطان الجابر رئيس الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر المناخ ” كوب 28″ بعد أن دعا في مستهل المؤتمر إلى الوقوف دقيقة صمت على أرواح “جميع المدنيين الذين قُتلوا” في غزة. وأكد “الجابر” خلال كلمته على دور مصر الملموس خلال رئاستها للمؤتمر والجهود المبذولة في حل قضايا المناخ والإسراع في العمل المناخي للوفاء بأهداف اتفاقية باريس 2015، مشيرًا إلى أهمية الانتقال السريع لمرحلة التنفيذ لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة والتحول نحو الطاقة النظيفة.

يهدف المؤتمر إلى تحقيق عدة مسارات تشمل تسريع انتقال الطاقة وخفض الانبعاثات قبل عام 2030، ووضع مسألة تمويل المناخ حيز التنفيذ بشكل أكثر فاعلية، سواء من خلال الاتفاق على تفعيل صندوق الخسائر والأضرار لمساعدة الدول النامية في مكافحة تغير المناخ، أو زيادة الاستثمارات المطروحة لزيادة الاعتماد على التقنيات منخفضة الكربون مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري في القطاعات المختلفة. 

نتائج مؤتمر المناخ “كوب 27”

أكدت الوكالات الإعلامية العالمية على نجاح مصر في استضافة الدورة السابعة والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغُّير المناخ (27COP) العام الماضي بشرم الشيخ، سواء على المستوى التنظيمي واللوجيستي، أو على مستوى النتائج والمخرجات التي حققت مكاسب على المستوى المحلي والدولي لا مثيل لها وسط التحديات العالمية التي يمر بها العالم خلال تلك الفترة.

لقد حققت مصر على المستوى الوطني عدًدا من المكاسب؛ إذ نجحت في حشد التمويل اللازم لبرنامج الطاقة والغذاء والمياه (NWFE)، مع تنفيذ جزئي لخطة المساهمات الوطنية المحدثة من خلال مؤسسات التمويل الدولية بمبلغ يتجاوز 10 مليارات دولار أمريكي، بالإضافة إلى التوسع في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والنقل النظيف والهيدروجين الأخضر بتوقيع اتفاقيات تجاوزت 85 مليار دولار، علاوة على إطلاق كلا من “الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 “، و”الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر” للتأكيد على الخطوات الجادة التي تتخذها مصر نحو التحول الأخضر، وسعي مصر لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة الجديدة والمتجددة، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للدخول للسوق الطوعي للكربون، ومشروعات الحد من تغير المناخ.

وامتدت المكاسب على المستوى الإقليمي؛ فكانت أفريقيا في قلب الجهود المصرية، وكان من أهم نتائج المفاوضات إطلاق ثلاث مبادرات أفريقية مهمة هي: الانتقال العادل للطاقة في أفريقيا، ومبادرة المرأة الأفريقية والتكيف مع تغير المناخ -باعتبارها الأكثر تأثرًا بتغير المناخ- ومبادرة المخلفات العالمية 50 بحلول عام 2050، والتي يتم تنفيذها بمشاركة البنك الدولي و10 دول أفريقية، والتي تهدف إلى معالجة وإعادة تدوير ما لا يقل عن 50٪ من المخلفات الصلبة المنتجة في أفريقيا بحلول عام 2050.

أما على المستوي العالمي، فقد كان الاتفاق على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار إنجازًا خارج التوقعات، خاصة في ظل الظروف الدولية القائمة، مع كونه خطوة مهمة طال انتظارها لعدة سنوات للتقدم في مسار العدالة المناخية، وتوفير تمويل تكميلي للدول النامية المتضررة من الآثار السلبية لتغير المناخ، والاتفاق على برنامج عمل التخفيف، واستكمال المفاوضات على الهدف العالمي للتكيف والتمويل.

أهمية مؤتمر المناخ هذا العام “كوب28”

يكتسب مؤتمر هذا العام أهمية قصوى في مسارات العمل المناخي، خاصة بعد الأحداث المناخية القاسية والمتلاحقة التي شهدها العالم هذا العام، من ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة ونوبات الجفاف والأعاصير والفيضانات، وارتفاع معدلات حرائق الغابات في مناطق متعددة من العالم. فقد سجل عام 2023 الأكثر سخونة منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. 

ومن المقرر أن يناقش “كوب 28” المخاطر الناتجة عن الاضطرابات الجیوسیاسیة والتي تھدد الاستقرار العالمي، والنمو السريع للطاقة المتجددة منخفضة التكلفة، والتقنيات منخفضة الانبعاثات، والمخاوف الكبيرة المتعلقة بضمان أمن الطاقة. وستتم كذلك مناقشة ضرورة المضي قدمًا في تحقيق أهداف خفض الانبعاثات وفقًا لسيناريو 1.5 درجة مئوية، من خلال تحول الطاقة وتوفير الدعم الشامل لمواجهة تغير المناخ والتداعيات المرتبطة به على البيئة والغذاء والطاقة والصحة. وسيناقش كذلك القضايا المتعلقة بتمويل المناخ وتحقيق العدالة المناخية.

وقد عُقدت عدة اجتماعات تحضيرية سبقت انطلاق المؤتمر؛ في محاولة للتوصل إلى اتفاقات بشأن عدد من القضايا المهمة والإعلان عنها بنهاية المؤتمر على رأسها ( تفعيل إنشاء صندوق الخسائر والأضرار ودخوله حيذ التنفيذ بحلول عام 2024 – اتفاق بشأن خفض غاز الميثان – الاتفاق على التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري – محاولة دمج تقنيات حجز والتقاط الكربون في تحول الطاقة العالمي – مبادرة لحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي – الأمن الغذائي في ظل التحديات العالمية وتغير المناخ – اتفاق بشأن إنهاء إزالة الغابات)، وهناك أيضًا اقتراحات لإصدار إعلان سياسي منفصل يشجع الجهات الفاعلة غير الحكومية على المساهمة في معالجة تغير المناخ في محاولة لجذب مزيد من التمويل.

ويخصص مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 28” لأول مرة على الإطلاق يومًا للتجارة؛ بهدف مناقشة مساهمتها في الانبعاثات الكربونية العالمية، وكيفية تعزيز دور التجارة في التحول إلى الطاقة النظيفة، وسينعقد يوم التجارة في الرابع من ديسمبر، وسيشارك به مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد»، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمات عالمية أخرى مثل المنتدى الاقتصادي العالمي وغرفة التجارة الدولية.

هل سيشهد “كوب 28 ” تعاون أمريكيًا صينيًا؟

يُنظر إلى التعاون بين الولايات المتحدة والصين، أكبر مصدرين لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميًا، على أنه ضروري لضمان الإجماع خلال “كوب 28″؛ فالتوصل إلى اتفاق في القضايا الخلافية بين الدولتين من شأنه أن يعزز العمل المناخي العالمي ويسرع من وتيرته بشكل كبير وفعال. ومن أهم هذه القضايا المسائل المتعلقة بتمويل المناخ، سواء اتفاق 100 مليار دولار لتعويض الدول النامية، أو التمويل اللازم لنقل التكنولوجيا والتقنيات منخفضة الكربون وتحول الطاقة في الدول النامية، أو الاستثمارات اللازمة للتحول للطاقة النظافة واقتصاد الهيدروجين لضمان امن الطاقة وتنوعها. 

وتعمل زعامة الولايات المتحدة والصين للعمل المناخي العالمي على تحقيق الأهداف المناخية بحلول 2030 والوصول إلى صافي الصفر الكربوني بحلول عام 2050 وفقًا لتوقعات وتقارير المؤسسات الدولية المعنية بتغير المناخ وعلي رأسها اللجنة الدولية المعنية بتغير المناخ “UNFCCC” وبالتالي الحد من ارتفاع معدلات درجة الحرارة عند أقل من درجتين والوصل بها إلى 1.5 درجة مئوية؛ إذ إنه بتعطيل العمل المناخي أو عرقلته ربما ستتحقق سيناريوهات أكثر خطورة تصل إلى 2.3 -2.7 درجة مئوية وهو ما ينذر بكارثة للكوكب أجمع. في هذا الإطار؛ تسعي مصر دائمًا إلى مجاراة التحول العالمي للاقتصاد الأخضر من خلال الخطط والسياسات والاستثمارات في الطاقة المتجددة والصناعات الخضراء منخفضة الكربون و النقل الكهربائي والزراعة الحديثة وترشيد استهلاك المياه، وبرامج الحفاظ على التنوع البيولوجي وحسن استخدام الأراضي وغيرها من الإجراءات والأنشطة التي تحرص على تنفيذها لمواجهة التغير المناخي. ذلك علاوة على إطلاق ودعم المبادرات البيئية سواء على مستوى الأفراد أو الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة أو على مستوى الاستثمارات الدولية والمشروعات الكبرى لتحقيق استراتيجيتها المستدامة 2030. فضلًا عن دورها الدائم في دعم العمل المناخي في أفريقيا وجهود التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، وعليه توجه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم إلى دولة الامارات للمشاركة في مؤتمر المناخ كوب 28 وإلقاء كلمته بشأن جهود مصر في ملف تغير المناخ محليًا ودوليًا.

كاتب

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى