كتب عربية ودولية

” إسرائيل وإفريقيا: حالة فريدة في العلاقات الخارجية لإسرائيل”

عرض: هبه شكري

شهِدت العلاقات الإسرائيلية الأفريقية تطّوراً خلال العقود الماضية على كافة الأصعدة، فمنذ قيام الدولة العبرية، لاقت تلك العلاقات اهتماماً كبيراً من قِبَل صُنَّاع السياسة الخارجية الإسرائيلية نظراً لما تُمثّله القارة السمراء من أهمية لإسرائيل و لكونها مدخلاً لتوسيع نفوذها على المستويين الإقليمي والدولي.

ويحمل كتاب ‏” إسرائيل وإفريقيا: حالة فريدة في العلاقات الخارجية لإسرائيل‏” أهمية خاصة، حيث يتناول الكاتب علاقات إسرائيل مع بلدان القارة السوداء من جوانب مختلفة ويضُّم النقاش في طيّه رؤى استراتيجية واقتصادية وثقافية. وبالنظر إلى خلفية مؤلف الكتاب ” آريه عوديد”، نجد أنه يُعَّد من أبرز الدبلوماسيين الإسرائيليين والذي كان مُطلعاً على عملية نسج العلاقات الإسرائيلية الإفريقية؛ حيث شغل مناصب دبلوماسية عدة في أوغندا ومالاويوكينيا وسوازيلاند ولاسوتو وزامبيا وموريشيوس وجزر سيشيل. واهتم كثيراً بشئون أفريقيا في وزارة الخارجية الإسرائيلية كما نشر العديد من الكتب والمقالات عن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية والإسلام في إفريقيا و كذلك عن اللغة السواحيلية.

ويتناول الكتاب العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بشكل مُفصّل منذ تأسيس دولة إسرائيل، وتنبُع أهميته من كونه أول تجربة شاملة لوصف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا من كل جوانبها، منذ العلاقات الأولى في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي إلى الآن. كما يتناول هذا الكتاب الدوافع التي دفعت إسرائيل للعمل في القارة الأفريقية، وأنواع العمل المدني والأمني، وكذلك التغييرات التي طرأت على العلاقات مع دول القارة وما يحيطها؛ ويثير مؤلفه التساؤلات حول مدى استفادة إسرائيل من إنجازاتها و فشلها في إفريقيا، وما إذا كانت تطبق ما تم الاستفادة به بعد عودة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية أم لا!

 قسًّم الكاتب المراحل التي مرت بها العلاقات الإسرائيلية الإفريقية إلى ثلاث مراحل، وهي كالتالي:

المرحلة الأولى: شهر العسل

اعتبر الكاتب أن السنوات العشر الأولى للنشاط الإسرائيلي في إفريقيا (1957-1967) كانت الأهم لتوطيد العلاقات، فقد أظهرت القيادة والشعب في إسرائيل في تلك الفترة رغبة قوية وحماس شديدين في مساعدة الدول الجديدة، التي تحررت من الحكم الاستعماري.

وتناول الكتاب الأهداف المختلفة التي دفعت إسرائيل لتوطيد علاقتها بالدول الإفريقية، حيث جاء الدافع السياسي ليشجع إسرائيل على بذل مجهودات من أجل إفشال تطلعات الدول العربية لعزلها سياسيا ونزع شرعيتها؛ وفي هذا الإطار كان يجب إظهار التواجد السياسي والاقتصادي في عشرات الدول الأفريقية وإقامة علاقات صداقة معها، فكان اختراق الحصار الحصار السياسي العربي من خلال إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الجديدة من أهم أهداف إسرائيل في السنوات الأولي، هذا بالإضافة إلى أن وجود أعداد كبيرة من المسلمين في إفريقيا كان أحيانا دافعاً للتعاون معها، وذلك لمنع تحول الصراع السياسي العربي الإسرائيلي إلى صراع ذي طابع ديني بين إسرائيل و العالم الإسلامي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أدركت إسرائيل أهمية القارة الإفريقية ككتلة تصويتية من الممكن أن تضُر بإسرائيل من خلال التصويت على القرارات التي تدين الممارسات الإسرائيلية سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وقد زادت مخاوفها بعد إدانة إسرائيل في بعض المؤتمرات التي عُقدت في تلك الفترة وعلى رأسها “مؤتمر الدار البيضاء” و”قمة باندونج”.

وفيما يخص الأهداف الاقتصادية لإسرائيل، فقد أشارالكاتب إلى إدراك إسرائيل لأهمية القارة الاقتصادية نظراً لما تمتلكه العديد من دولها من كميات كبيرة من النفط والمواد الخام، فقد كانت إسرائيل تهدف بشكل كبير إلى توسيع حجم التجارة مع شرق إفريقيا والذي بدوره قد يساعد على نشاط ميناء إيلات. وعلى الجانب الآخر فقد كانت هناك أهداف استراتيجية وأيديولوجية، حيث تقع إثيوبيا وإريتريا على ساحل البحر الأحمر وباب المندب، بالإضافة إلى وقوع إثيوبيا وأوغندا وكينيا على الحدود مع الدول العربية. وقد ركزت إسرائيل على استغلال العامل الإنساني في علاقتها مع الدول الإفريقية، فقد ساد في إسرائيل الشعور بالتضامن ومشاركة المصير مع الأفارقة . فالشعب اليهودي، الذي عانى من التفرقة العنصرية، والإهانة والازدراء، شعر بالتقارب مع شعوب أفريقيا التي عانت لسنوات طويلة من التفرقة العنصرية وأبدت إسرائيل عن رغبتها في المساهمة بتجربتها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول حديثة الاستقلال.

وقد أكدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير على الالتزام الإنساني لإسرائيل في علاقاتها مع الدول الإفريقية وقد كانت من أشد المؤيدين لتنمية العلاقات، وفي إطار ذلك قامت بالعديد من الجولات التي شملت عدة دول إفريقية.

بناء الصداقة

عملت إسرائيل على تعزيز تواجدها في القارة  وبناء روابط مع الدول الإفريقية بشكل مكثف، فتمت دعوة الطلاب الأفارقة للدراسة بإسرائيل من خلال تواصل الهستدروت ” اتحاد نقابات العمال” معهم،  وكانت أول دولة تركز فيها النشاط الإسرائيلي هي غانا التي حصلت على استقلالها عام 1957، ثم تلى ذلك إقامة علاقات دبلوماسية مع كل الدول الإفريقية التي حصلت على الاستقلال ماعدا الصومال و موريتانيا (نظراً للتأثير العربي عليهما). وقامت إسرائيل بإرسال المندوبين للتعرف على طبيعة و احتياجات الدول الإفريقية، وتلى ذلك زيارات متبادلة بين القادة الإسرائيليين والأفارقة، وفي نفس السياق، اتّسع النشاط الإسرائيلي في القارة- وتقرر في بداية الستينيات إنشاء قسم خاص، في قسم الأبحاث التابع لوزارة الخارجية ليتابع التطورات في أفريقيا. كما عملت إسرائيل على تكثيف التواصل مع حركات التحرر الوطني وقامت بتقديم المنح الدراسية والمساعدات المالية لهم.

ودفع تزايد النشاط الإسرائيلي بالدول العربية للعمل على استعادة نشاطها على الساحة الإفريقية، فبدأوا في ممارسة الضغوط على الدول الإفريقية من أجل إبعاد إسرائيل عن تلك المنطقة، وتم ذلك من خلال صدور قرارات من قبل جامعة الدول العربية تدين علاقات بعض الدول الافريقية بإسرائيل وغيرها تدين الممارسات الإسرائيلية، كما قامت بعض الدول، خاصة السعودية وليبيا، بتقديم المساعدات المالية للدول الإفريقية لمواجهة التأثير الإسرائيلي على تلك الدول.

وبشكل عام، فقد عملت إسرائيل على تقوية وجودها في أفريقيا من خلال مسارين أساسيين المسار السياسي-الإعلامي، والمسار الماشافي (مركز التعاون الدولي). فكان لنشاط مركز التعاون الدولي الأثر الكبير على العلاقات الإسرائيلية الأفريقية من خلال تقديم المساعدة المالية والفنية والعسكرية وعملت على الترويج لأن المساعدات الإسرائيلية لإفريقيا هي مساعدات “إنسانية” بامتياز وشدد الزعماء الإسرائيليون على عدم ربط المساعدات بشروط  سياسية.

تدهور العلاقات

وأشار الكاتب إلى إن انتصار إسرائيل في يونيو 1967، والهزيمة التي لحقت بالعرب وبمصر خاصة – العضو البارز في منظمة الوحدة الأفريقية – قد صعَّبت حتى على الأفارقة المعتدلين تجاهل مطالب الدول العربية الأعضاء في المنظمة، وطرح قضية النزاع العربي الإسرائيلي وإظهار التضامن مع العرب، وقد أثر ذلك على العلاقات الإسرائيلية الإفريقية بشكل كبير.

وفي تلك الفترة زاد النشاط العربي في المنظمات الإقليمية والدولية ضد إسرائيل، وأسفر هذا النشاط عن صدور قرارات من منظمة الوحدة الإفريقية وجامعة الدول العربية تدين إسرائيل وتطالبها بالانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة، وبالتدريج احتلت القضية الفلسطينية مكانة مهمة في جدول أعمال منظمة الوحدة الأفريقية، وفي المقابل؛ انخفضت أهمية المساعدات الإسرائيلية لأفريقيا وكذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية، وأدرك القادة الأفارقة أن إسرائيل تحتاج إليهم أكثر مما يحتاجون إليها.

ويرى الكاتب أن نتائج الجهود العربية قد ظهرت من خلال تصويت الدول الإفريقية ضد إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1970، مما اعتُبر تقطة تحول في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية. كما أسفرت تلك الجهود عن تزايد أهمية القضية الفلسطينية على أجندة منظمة الوحدة الإفريقية، وقد تجسد ذلك في تشكيل لجنة مكونة من أربعة رؤساء أفارقة ( رؤساء السنغال والكاميرون وزائير ونيجيريا) للتوسط بين مصر و إسرائيل ومحاولة التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، وبالرغم من فشل اللجنة في تحقيق مهمتها، إلا أن تلك الخطوة مثلت نقطة تحول من حيث انخراط الدول الإفريقية في الصراع العربي الإسرائيلي.

المرحلة الثانية : القطيعة

استعرض الكتاب الجهود العربية في إفريقية أثناء قطع علاقاتها بإسرائيل، وقدأكد الكاتب على أن الدول العربية عملت بشكل مكثف، منذ نجاحها في مؤتمر منظمة الو حدة الأفريقية في الرباط، في تمرير قرارات متشددة ضد إسرائيل؛ كما عملت على توسيع نشاطها المعادي لإسرائيل في كل مؤتمر دولي  وواصلت جهودها في العمل على قطع العلاقات بين جميع الدول الأفريقية وبين إسرائيل . وكانت الساحات الرئيسية لهذا الصراع السياسي من أجل تحقيق هذا الهدف هي: منظمة الوحدة الأفريقية ، والأمم المتحدة؛ والسلاح الرئيسي في هذا الصراع هو قضية “الأراضي المحتلة”.

عملية قطع العلاقات

واعتبر الكاتب أن قطع العلاقات الدبلوماسية قد مر بثلاث مراحل، وهي كالتالي:

المرحلة الأولى: بدأت قبل مؤتمر الرباط، عندما قامت كل من غينيا وأوغند ا بقطع علاقتها مع إسرائيل. وكانت هذه حالة منفردة لم يكن لها تأثير فوري وحقيقي على العلاقات الأفريقية الإسرائيلية.

المرحلة الثانية: عندما قامت ست دول أفريقية بقطع علاقاتها مع إسرائيل، بعد مؤتمر الرباط.

المرحلة الثالثة : عشية حرب يوم الغفران (أكتوبر 1973 )، وخلالها وبعدها،عندما قامت 22 دولة أفريقية -الواحدة تلو الأخرى – بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل. وحتى ذلك الحين كانت 30 دولة من إجمالي 34 دولة أفريقية مستقلة قامت بقطع العلاقات.

وجدير بالذكر، أنه بعد انعقاد القمة العاشرة لمنظمة الوحدة الإفريقية في مايو 1973 بدأت الدول بقطع العلاقات مع إسرائيل بشكل متتالي، ورأى الكاتب أن هناك ظواهر سلبية قد ظهرت في العلاقات الثنائية مع بعض الدول الأفريقية المهمة فور انتهاء القمة العاشرة ، وزادت هذه الظواهر بعد انعقاد قمة دول عدم الانحياز في الجزائر؛ حيث أعلنت بعض الدول صرحة أنها تفكر في دراسةمستقبل علاقاتها مع إسرائيل، وقامت بعضها بتقليص التعاون معها. وكانتهناك دول عرضت ثمنا لموافقتها على استمرار العلاقات مع إسرئيل، وزادت من مطالبها للمساعدات الإسرائيلية محذِّرة من عواقب عدم الاستجابة لهذهالمطالب. أما الدول، التي اعتبرت صديقة لإسرائيل، مثل: ساحل العاج، وليبيريا، فقد زاد استعدادها لتوطيد العلاقات مع الدول العربية، ومنظمة التحريرالفلسطينية.

فترة القطيعة

نتَج عن تدهور العلاقات الإسرائيلية الإفريقية نشاط موسع للدول العربية، وقد عزى الكاتب هذا التدهور في العلاقات إلى بعض العوامل والمتمثلة في وجود دول عربية كأعضاء في منظمة الوحدة الإفريقية إلى جانب عضويتها في جامعة الدول العربية، في الوقت الذي لم يكن لإسرائيل موطئ قدم في المنظمة، كما أشار الكاتب إلى العامل الإسلامي في القارة والذي لعب دوراً في تدهور العلاقات، حيث استغلت الدول العربية الدول التواجد الإسلامي في بعض الدول الإفريقية وعملت على تسييس الإسلام في إفريقيا – وفقاً لوجهة نظر الكاتب- فتم استغلال بعض الحوداث مثل إحراق المسجد الأقصى و غيرها لإثارة مسلمي إفريقيا ضد إسرائيل، كما ازداد عدد الدول المنضمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي تدريجياً، والتي بدورها اتخذت قرارات معادية لإسرائيل.

وأضاف الكاتب، أن هناك عاملاً آخر استغلته الدول العربية، ألا وهو تطلع الأفارقة إلى الحفاظ على و حدة وسلامة منظمة الوحدة الأفريقية، وتمسكها بالتضامن نظراً لإدراكها بأن التضامن هو مصدر قوة تلك الدول لكونها ضعيفة بمفردها. ونجحت الجهود العربية في إثارة مشاعر الدول الإفريقية ضد إسرائيل لاحتلالها الأراضي بالقوة، كما ذكر الكاتب عوامل أخرى تمثلت في معارضة الاتحاد السوفيتي و الكتلة الشرقية للممارسات الإسرائيلية وعدم اكتراث الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الحين بالتدخل في إفريقيا، كما رأى أن زيادة عدد الدول العربية كأعضاء في الأمم المتحدة قد ساهم في جذب المزيد من المؤيدين لمواقف تلك الدول.

وبالرغم من ذلك، أشار الكاتب استمرار التواجد الإسرائيلي بالقارة الإفريقية بالرغم من قطع العلاقات، حيث استمرت بعض الشركات الإسرائيلية في العمل ببعض الدول، كما استمر نشاط الماشاف في الدول التي لم تقم بقطع علاقاتها بإسرائيل، ووافقت إسرائيل بالسماح للطلبة من الدول التي تم قطع العلاقات معها باستكمال تأهيلهم وتدريبهم في إسرائيل في المجالات المختلفة، وقد زاد معدل العلاقات التجارية مع الدول الافريقية بشكل ملحوظ في تلك الفترة.

وعلى الجانب الآخر، بالرغم من وصول التأثير العربي في إفريقيا إلى ذروته في تلك الفترة، إلا أن أزمة النفط قد تسببت في حدوث خلافات بين إسرائيل والدول العربية، فقد تطلعت الدول الأفريقية، التي أضيرت من ارتفاع أسعار النفط، إلى مكافئة الدول العربية لها لتضامنها معها في حرب يوم الغفران، وكانت تأمل في شراء النفط بأسعار منخفضة، أو أن تقدم لها مساعدات حقيقية تمكّنها من التغلب على المشكلات الاقتصادية الناتجة عن أزمة الطاقة ؛ غير أن الدول العربية لم تسرع في تلبية تطلعات الأفارقة، مما أدى إلى ارتفاع الدعوات في إفريقيا لاستئناف العلاقات مع إسرائيل. ومن زاوية أخرى، رأى الكاتب أن توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية قد لعب دوراً كبيراً في دفع العديد من الدول الإفريقية لاستئناف العلاقات مع إسرائيل.

المرحلة الثالثة: عودة إسرائيل إلى إفريقيا

يرجع الكاتب استئناف العلاقات الإفريقية الإسرائيلية إلى عوامل عدة، بعضها يرجع لنشاط إسرائيل في القارة، والبعض الآخر يرتبط بنقاط ضعف العرب. فبالنسبة لنشاط إسرائيل، رأى الكاتب  أن بعض الدول الإفريقية قد خاب أملها من المساعدات العربية وأرادت استئناف العلاقات مع إسرائيل للاستفادة من المساعدات الماشافية والأمنية والتعاون الاقتصادي، بالإضافة إلى رغبتها في الاستفادة من الخبرة الاسرائيلية في مجال الزراعة والري وغيرها من المجالات التي تعمل فيها الدول العربية. كما عزى الكاتب استئناف العلاقات إلى ظهور قيادات جديدة في وزارة الخارجية الإسرائيلية ذات خبرة كبيرة في إفريقيا، حيث رأوا أهمية كبرى في تحسين العلاقات مع الدول الإفريقية، كما استطاع هؤلاء استغلال التناقضات والمشاحنات بين الدول العربية والإفريقية.

أما بالنسبة لنقاط الضعف العربية، فحصرها الكاتب في الأزمة الخاصة بالنفط، كما رأى أن سياسة القذافي المتعجرفة تجاه الدول الإفريقية قد لعبت دوراً كبيراً في إثارة غضب الدول الإفريقية، حيث انتقدت الدول الإفريقية تدخله في شئونها الداخلية – مثل تدخله في الحرب الأهلية التشادية وتأييده لمتمردي إريتريا ضد إثيوبيا  وغير ذلك – كما أثار بعض الزعماء وبعض الصحف العالمية قضية تجارة العرب في الرقيق إثر تدهور العلاقات الإفريقية العربية، مما أثار غضب الأفارقة. هذا وقد ساهمت سياسات الحكومة العربية في جنوب السودان، أثناء الحرب الأهلية، في توسيع الفجوة النفسية بين الأفارقة والعرب، كما ساهم في ذلك أيضاً، إعلان وسائل الإعلام العالمية عن وجود علاقات تجارية موسعة بين العرب وجنوب إفريقيا، بالإضافة إلى الزيارات المتبادلة بين ممثلي الدول العربية و جنوب إفريقيا.

وبشكل عام، فقد تم تفسير القطيعة -وقتها- باعتبارات أفريقية عامة؛ أي بالرغبة في إظهار الوحدة والتضامن لدول القارة، ولقد تم تنفيذها بناء على قرار منظمة الوحدة الأفريقية. وفي المقابل، أثناء عملية استئناف العلاقات مع إسرائيل، كانت هناك اعتبارات داخلية وخارجية لكل دولة، بما يخالف قرار منظمة الوحدة الأفريقية. وكان ضعف التضامن الأفريقي نتيجة الانقسام بين الأفارقة والعرب والخلافات بين العرب أنفسهم دافعاً لاعتبار قطع العلاقات من قبل بعض الدول الإفريقية قرار سيادي تقرره كل دولة وفقاً لمصلحتها الخاصة، ولا يحق لمنظمة الوحدة الأفريقية التدخل في ذلك .

ويذكر أن الدبلوماسية الإسرائيلية، عملت على مستويات مختلفة، على مدى سنوات، من أجل تقوية هذه الرؤية (في حين عارض العرب ذلك)، وقد ساعدت هذه الرؤية على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع الدول الإفريقية، لكنّ معدل استنئاف العلاقات كان بطيئًا، على عكس عملية قطع العلاقات.

الأهداف والسياسات بعد العودة لإفريقيا

طرأت تغييرات على سياسة إسرائيل و أهدافها بعد عودتها إلى إفريقيا، مقارنة بحقبة الستينات، فمن أجل تحقيق أهدافها السياسية، وسعت وزارة الخارجية القسم الذي يهتم بأفريقيا، وكان هدف وزارة الخارجية العمل على تغيير أنماط تصويت الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، وفي منظمة الو حدة الأفريقية، والإتحاد الأفريقي من بعدها، بالإضافة إلى منظمة دول عدم الانحياز والمحافل الدولية الأخرى. غير أن معظم الدول الأفريقية التي استأنفت علاقاتها الدبلوماسية بالفعل لاتزال تواصل التصويت -بشكل عام- في إطار التكتل الأفريقي، في صالح القرارات المؤيدة للعرب في قضايا الشرق الأوسط. وعلى الرغم من مجهودات الإسرائيلية من أجل تغيير هذا الوضع إلا أن نجاحها فيه محدو.  كما عملت إسرائيل على زيادة نشاطها في الدول التي ليس لها معها علاقات دبلوماسية مثل جيبوتي وجزر القمر والصومال، وأصبح هناك اهتمام خاص ببعض الدول الرئيسة ذات الأهمية الاستراتيجية، والاقتصادية، أوالسياسية لإسرائيل مثل كينيا و أوغندا و إثيوبيا.

وحدثت تغيرات حقيقية في نشاط الماشاف بعد استئناف العلاقات مع إفريقيا، حيث أصبح هناك تقليص واضح لعدد الخبراء الإسرائيليون الذين يتم إرسالهم لإفريقيا، كما تركز نشاطه على تأهيل الأيدى العاملة و النشاط الاقتصادي، ذلك بالإضافة إلى ارتفاع المساعدات الإنسانية للماشاف. أما على المستوى العسكري، فقد قلصت إسرائيل نشاطها العسكري و الأمني بعد العودة، فلم يصبح لديها اليوم أي وفود عسكرية أو ملحقين عسكريين في سفاراتها بالدول الأفريقية، لكنها ركزت على الصادرات العسكرية.وختاماً، فيرى الكاتب أن العلاقات الإسرائيلية الإفريقية قد تميَّزت بالتحولات والتغيرات الحادة، بداية من توطيدها وحتى قطعها بشكل كامل. وقد أظهرت تلك التحولات الدوافع الإسرائيلية نحو تعزيز تواجدها بالقارة الإفريقية. ورغم ذلك، فإنه يؤكد على أن الدول العربية لازالت تعتبر لإفريقيا ساحة للصراع مع إسرائيل ولازالت تعمل على صدّ تأثيرها في القارة، ويتوقع عوديد أن التحسُّن الحقيقى في العلاقات الإفريقية الإسرائيلية يمكن أن يحدث فقط في حالة حدوث تقدم نحو حل النزاع العربي الإسرائيلي.

كاتب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى