تطور مفاجئ.. ماهي محفزات التقارب السوداني مع كينيا وإثيوبيا؟
استرعى النشاط الدبلوماسي لرئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى كينيا في الثالث عشر من نوفمبر 2023 ثم إثيوبيا في الخامس عشر من نوفمبر، الاهتمام لدى متابعي الشأن السوداني، حيث تُعد هذه الزيارة انفراجة في علاقات السودان مع الدولتين؛ إذ شهدت العلاقات حالة من التأزم منذ اندلاع الصراع في السودان في إبريل 2023، لا سيما في ضوء التصريحات الصادرة من جانب رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد والرئيس الكيني وليام روتو ضد قيادات الجيش السوداني. وتطرح هذه الورقة البحثية عددًا من التساؤلات بشأن الأسباب التي أدت إلى تصاعد التوتر بين البرهان وقادة دولتي كينيا وإثيوبيا، وما هي الدوافع التي حفزت رئيس مجلس السيادة السوداني لطي صفحة الخلافات، وتعزيز حالة التقارب مع البلدين في ذلك التوقيت.
خلفية عن علاقات البرهان بكينيا وإثيوبيا
بدأ التوتر بين رئيس مجلس السيادة القائد العام الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وكينيا وإثيوبيا بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ويحاول هذا الجزء من الورقة البحثية استعراض مسببات توتر العلاقات مع كلا البلدين، وذلك على النحو التالي:
- مظاهر التوتر بين السودان وكينيا: عملت منظمة “الإيجاد” على إطلاق مبادرة في الرابع عشر من يونيو الماضي لوضع حد للصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وقد تمحورت المبادرة حول تكوين لجنة رباعية برئاسة كينيا، وعضوية جيبوتي وإثيوبيا وجنوب السودان، لكن اعترض رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان على ترؤس الرئيس الكيني وليام روتو اللجنة، باعتبار أن كينيا ليست محايدة وتأوي قيادات من متمردي ميليشيا الدعم السريع، واشترط لقبولها أن تكون برئاسة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت. كما تم رفض مقترح اللجنة الرباعية المتعلق بإدخال قوات شرق إفريقيا “إيساف” إلى السودان، على اعتبار أن ذلك ينتقص من سيادة السودان.
- ملامح التوتر بين السودان وإثيوبيا: اتخذت الحكومة السودانية موقفًا صارمًا حيال تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والتي تتعلق بأن السودان يعاني من أزمة فراغ في القيادة، ودعوته لفرض حظر جوي وتجريد الجيش السوداني من أسلحته.
مظاهر الانفراجة
تتضح معالم الانفراجة في الزيارة الرسمية التي قام بها البرهان للتباحث مع الرئيس الكيني وليم روتو، وكذلك رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خلال شهر نوفمبر 2023، حول سُبل تعزيز العلاقات وتطويرها في كافة المجالات، وتبادل الآراء بشأن تطورات الأوضاع في السودان، وسيتم استعراض أبرز ما دار في الزيارات الدبلوماسية التي قام بها الفريق البرهان، وذلك على النحو التالي:
- مخرجات زيارة كينيا: تتمحور مخرجات الزيارة حول قيام رئيس مجلس السيادة السوداني بتوضيح مستجدات الشأن السوداني للرئيس الكيني، وعزم الحكومة السودانية على إيجاد الحلول الجذرية للأزمة السودانية وإنهاء معاناة المواطنين وإنهاء الحرب. كما تطرق الجانبان إلى مبادرات السلام لا سيما منبر جدة الذي اتسم بالتقدم البطيء، والحاجة لتسريع عملية وقف الأعمال العدائية وتقديم المساعدات الإنسانية، وقد تم الاتفاق على العمل على عقد قمة عاجلة للإيجاد لتسريع عملية جدة نحو وقف الأعمال العدائية في السودان، والعمل على إطلاق حوار سوداني شامل.
- مخرجات زيارة إثيوبيا: ساهمت الزيارة التي قام بها البرهان لإثيوبيا في تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، وقد أطلع البرهان رئيس الوزراء الإثيوبي على الجهود التي قامت بها الحكومة السودانية لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب وإحلال السلام في السودان، وتبادل الآراء بشأن المبادرات من أجل إيجاد حلول لهذه الأزمة التي يمر بها السودان.
محفزات التقارب
يمكن استعراض الأسباب التي دفعت رئيس مجلس السيادة السوداني للتراجع بشأن موقفه الرافض للتدخل الكيني والإثيوبي في الأزمة السودانية، وذلك على النحو التالي:
- تحسين العلاقات مع المنظمات الإقليمية: يتضح أن الفريق البرهان قد أدرك أن التقارب مع كينيا وإثيوبيا، سيساعده على كسب مواقف المنظمات الإقليمية ذات الثقل والتأثير حيال الأوضاع في السودان، لا سيما الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد؛ إذ تحتضن إثيوبيا مقر الاتحاد الإفريقي، فيما تترأس كينيا الدورة الحالية لمنظمة الإيجاد. ويُمكن أن يوظف رئيس المجلس السيادي هذه المعطيات سالفة الذكر لوقف أي إجراءات قد تتخذها هذه المنظمات الإقليمية، بما يهدد مكانة المؤسسة العسكرية السودانية المنخرطة في الصراع الراهن لمواجهة تمرد قوات الدعم السريع، وكذلك الرغبة في إيجاد وسطاء مقربين من الدعم السريع، لتحريك ملف المفاوضات.
- انحياز الداخل للمؤسسة العسكرية السودانية: يتزامن توقيت الزيارة مع تزايد الانحياز لصالح المؤسسة العسكرية، ويأتي ذلك في ضوء اشتعال الأوضاع في الداخل السوداني، لا سيما الأوضاع المشتعلة في إقليم دارفور، حيث ارتكبت قوات الدعم السريع فظائع على أساس عرقي ضد المدنيين وزادت حدة التوترات القبلية. وقد تسبب الصراع في ولايات جنوب دارفور ووسط دارفور وغرب دارفور في مقتل عشرات الأشخاص ونزوح الآلاف. وفي ضوء ذلك، قامت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الدولية، بإدانة ما اقترفته قوات الدعم السريع من فظائع في دارفور. وقد ارتفعت أسهم الجيش السوداني بإعلان اثنين من أكبر الحركات المسلحة الانحياز للجيش السوداني في قتاله ضد قوات الدعم السريع، إذ قررت حركتا العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وتحرير السودان بزعامة مني أركو مناوي، الذي يتولى منصب حاكم إقليم دارفور، مواجهة قوات الدعم السريع، التي عملت على استهداف المدنيين.
وفي الختام، يمكن القول أن هناك مُحاولات من جانب رئيس المجلس الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان في التشاور مع كينيا وإثيوبيا، نظرًا لما تمتلكاه من صلات قوية بقوات الدعم السريع، وهو ما يعول عليه الفريق البرهان بقيام دولتي كينيا وإثيوبيا في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع في السودان، لحل المشاكل العالقة عبر المفاوضات السلمية، ولعل قمة “الإيجاد” المٌقبلة قد تساهم في وضع حد للقتال المستمر منذ 15 أبريل الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع الذي تسبب في قتل وجرح الآلاف وتشريد الملايين.