تغير المناخالاقتصاد المصري

برنامج “نُوفّي”: الوفاء المصري بتعهدات المناخ

تظل انبعاثات الكربون واحدة من أهم الملفات على الساحة العالمية، وقطعت مصر عهودًا على نفسها في سياسات الدفاع عن قضية المناخ خلال السنوات العديدة الماضية، لكن العام 2022 كان عامًا محوريا في تلك الجهود؛ إذ أطلقت وزارة التعاون الدولي في يوليو من عام 2022 برنامج “نُوفّي” بهدف حشد تمويلات المناخ وتحفيز مشاركه القطاع الخاص في تلك الجهود، واتخذت مصر من “نوفي” شعارًا للرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ COP-27.

يأتي برنامج “نُوفّي” في إطار الجهود المبذولة لتحفيز العمل المناخي، وتحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050؛ بهدف حشد التمويلات الميسرة ومنح الدعم الفني للمشروعات الخضراء، وأيضًا التمويلات المختلطة التي تحفز مشاركة القطاع الخاص؛ انطلاقًا من توجه الدولة نحو توسيع قاعدة دور القطاع الخاص في جهود التنمية.  فهو محور الارتباط بين مشروعات المياه والغذاء والطاقة.. من التعهدات إلى التنفيذ” واختصاره NWFE أي “نُوَفِّي” بما يعني الوفاء بالتعهدات، وهو أيضًا كان شعارًا للرئاسة المصرية لمؤتمر المناخ COP-27، ما يؤكد أن مصر كما كانت سباقة في جهود التنمية الصديقة للبيئة منذ عام 2014 بتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة والإدارة المستدامة للموارد المائية وغيرها، فإنها أيضًا سباقة في تنفيذ التعهدات المناخية من خلال مشروعات طموحة وجاذبة للاستثمارات.

الاستراتيجية الوطنية للمناخ

يعد البرنامج جزءًا لا يتجزأ من الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، ويعمل على تحقيق أهداف رئيسة هي الوصول لنمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع تغير المناخ وتخفيف الآثار السلبية المرتبطة به، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وأيضًا تحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، وكذلك تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وتبادل المعرفة.

تسعى المشروعات التسع المدرجة ضمن البرنامج إلى تحقيق التنمية عبر المناطق الجغرافية المختلفة في مصر، وهي: وادي النيل والدلتا، وساحل البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر والصحراء الشرقية، ومنطقة قناة السويس وسيناء، والصحراء الغربية والواحات البحرية، وهو ما يعكس شمولية جهود التنمية واتساع نطاقها.

نمط التمويل:

يتسم “نُوَفِّـــــــــي” بطابعه الديناميكي والتشاركي وفقًا لمنهج متكامل متعدد الأطراف مع شركاء التنمية، ويعكس التزامات طويلة تمتد إلى عام 2050، ويتبع نمط التمويل التنموي الميسر الذي يتيح أدوات للتمويل المبتكر بما فيها التمويل المختلط ويستند إلى الجهود التنموية للدولة والوزارات الوطنية في كافة القطاعات، وكذلك التمويلات الإنمائية الميسرة المقدمة من شركاء التنمية (المنح/القروض)، وأيضًا جذب القطاع الخاص من خلال استثماراته، مع الاستفادة من الخدمات الاستشارية والخبرات المتاحة من الجهات ذات الصلة لرفع كفاءة وجدوى المشروعات لتكون جاذبة للتمويلات.

وقد بلغ إجمالي التعهدات المالية من شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين لتنفيذ مكونات محور الطاقة نحو 3.2 مليارات دولار على مدار عام من العمل المشترك. ونجح البرنامج كذلك في حصد قرابة 10 مليارات دولار عبارة عن توقيع اتفاقيات شراكة وخطابات نوايا بقيمة نحو 7 مليارات دولار، إلى جانب نحو 3 مليارات دولار لبرنامج “نُوَفِّي+” الذي يضم مشروعات في قطاعات النقل المستدام.

وفي مجالات الطاقة، تعهدت ألمانيا والولايات المتحدة بحشد 250 مليون دولار لدعم الطاقة المتجددة من بينها منح بـــ 85 مليون يورو و100 مليون يورو كمبادلة ديون، ووقع الاتحاد الأوروبي خطاب نوايا بــ 35 مليون يورو كمنحة. ونجحت مصر كذلك في جذب تمويلات لقطاعات أخري ضمن برنامج E-PACT بقيمة 2.24 مليار دولار، منها: 1.3 مليار دولار لتنفيذ مشروعات بقطاع النقل، و194 مليون دولار لإنشاء 4 محطات لتحلية المياه ومشروعات الصرف الصحي، و93 مليون دولار في مجال الهيدروجين الأخضر، و929 مليون دولار لمشروعات الأمن الغذائي والتنمية الريفية، و15 مليون دولار كمنحة لتنفيذ مشروعات البيئة.

إنجازات عديدة

حقق برنامج “نُوفي” خلال تلك الفترة القصيرة العديد من النجاحات التي شملت قطاعات مختلفة، وكان قطاع الطاقة أحد أبرز تلك القطاعات التي كللت مجهودات البرنامج بها بالنجاح؛ إذ نجحت جهود “نوفي” في وقف تشغيل 5 جيجاوات من السعة الحالية غير الفعالة لتوليد الطاقة باستخدام النفط والغاز، وتم تركيب سعة جديدة بمعدل 10 جيجاوات من الطاقة المتجددة من خلال تسهيل جذب استثمارات القطاع الخاص. 

هذا فضلًا عن اتخاذ خطوات جادة في دعم الاستثمارات بالشبكة القومية للطاقة؛ إذ تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات مع عدد من الشركاء الدوليين والتنسيق مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والشركاء الآخرين، بالإضافة إلى الجهات الوطنية المعنية، لتحقيق عدة أهداف مرتبطة بالطاقة في مصر.

وفيما يلي تلخيص للإجراءات التي تمت:

1. تم تحديد محطتين من إجمالي اثنتي عشرة محطة حرارية لإيقاف تشغيلهما، وتأمين منح بقيمة 40 مليون دولار لدعم هذا الإجراء.

2. تم التوقيع على اتفاقيات لتوليد الطاقة المتجددة بقدرة 3.7 جيجاوات من إجمالي 10 جيجاوات مع القطاع الخاص. وتم توفير تسهيلات بقيمة حوالي ملياري دولار لهذه الاستثمارات، وتم التوقيع على اتفاقيات للإغلاق المالي بتمويل من شركاء التنمية. وسيتم تقديم الدعم الفني لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة لتحسين السلاسل اللوجستية الخضراء ووضع خطة لإيقاف التشغيل وتحقيق الانتقال العادل، إلى جانب دراسة الشبكة وتطوير القواعد التنظيمية لنظام P2P لتطوير الإنتاج والبيع من قبل القطاع الخاص.

3. تم تحديد عدة مشاريع لدعم الشبكة القومية بقيمة إجمالية تبلغ 314 مليون يورو، وذلك من خلال آليات تمويل مبتكرة مثل المنح ومبادلة الديون والتمويلات التنموية الميسرة.

4. تم التوقيع على اتفاق مبادلة الديون بقيمة 54 مليون يورو في يونيو 2023، وسيتم استخدام هذا التمويل لدعم تعزيز الشبكة لدمج الطاقات المتجددة. ويأتي ذلك في إطار التزام الدولة المصرية بتحقيق أهداف زيادة نسبة الطاقة المتجددة لتصل إلى 42٪ بحلول عام 2030 بدلًا من عام 2035، ووفقًا للبيان السياسي المشترك وتحديث المساهمات المحددة وطنيًا.

فيما يتعلق بمحور الغذاء:

1. تعزيز الربط والتكامل من خلال ضم المشروعات والأنشطة المتشابهة من أجل تعظيم الاستفادة من العمليات والدعم من شركاء التنمية، وذلك على نطاق مشروعات محوري الغذاء والمياه، وتشكيل مجموعات عمل وطنية مشتركة.

2. تحديد النطاق الجغرافي لكافة المشروعات على مستوي الجمهورية وفقًا لأولويات واحتياجات الدولة المصرية والاستراتيجيات الوطنية، ومراعاة التوزيع العادل بين مناطق تنفيذ مشروعات تطوير الري والتنمية الريفية، والتركيز على المناطق الأكثر احتياجًا.

3. الاستفادة من الدعم الفني المقدم من شركاء التنمية ولا سيما الصندوق الدولي للتنمية الزراعية “الإيفاد” والبنك الدولي؛ للانتهاء من التصميم الفني لمشروعي: التحول الغذائي الزراعي الموائم للمناخ  (CRAFT)، وإدارة المياه في الزراعة المقاومة للمناخ في وادي النيل (CROWN).

فيما يخص محور المياه:

1. يرتكز على مشروعين، هما: مشروع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة (تخفيف وتكيف)، ومشروع توسيع نظم الري بالطاقة الشمسية (تخفيف وتكيف).

2. في هذا الصدد، وفر بنك التنمية الإفريقي الخدمات الاستشارية والدعم الفني والمالي لدراسات الجدوى الخاصة بمشروع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، من خلال منحتين من موارد صندوق المساعدة الفنية للدول المتوسطة الدخل التابع لبنك التنمية الأفريقي، “ومرفق المياه الأفريقي”.

3. أُتيحت الخدمات الاستشارية اللازمة لسرعة الطرح والتعاقد لتنفيذ المشروعات بنظام «المشاركة مع القطاع الخاص» من خلال موارد بنك التنمية الأفريقي، وذلك عقب الانتهاء من إعداد الدراسات الفنية لمشروع تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة، وذلك بهدف تعزيز مشاركة القطاع الخاص.

وفيما يتعلق بمحور النقل المستدام (نوفي+):

تـم الاتفاق بيـن وزارة النقـل وبنـك الاستثمار الأوروبي ووزارة التعـاون الدولـي علـى البـدء فـي والإعداد للمشـروعات الآتية:

1. مشروع امتداد الخط الأول لمترو الأنفاق حتى شبين القناطر. 

2. مشروع امتداد مشروع تطوير خط سكة حديد أبوقير بالإسكندرية وتحويله الى مترو كهربائي (مترو الإسكندرية). 

3. إنشاء خط السكة الحديد (الروبيكي – العاشر من رمضان – بلبيس).

4. هذا إلى جانب مشروع خط السكة الحديد (طنطا – المنصورة – دمياط) والذي تم توقيع كافة الاتفاقيات الخاصة به في نهاية عام 2022، بتمويل مشترك من بنك الاستثمار الأوروبي بقيمة 221 مليون يورو قروض ميسرة و1.5 مليون يورو منحة دعم فني، والوكالة الفرنسية للتنمية بقيمة 95 مليون يورو قرض ميسر ومليوني يورو منحة.

الآثار التنموية المتوقعة لبرنامج «نُوَفِّــي»

حقق البرنامج نجاحًا مبهرًا وأشاد به العديد من المنظمات والفاعليين الدوليين من بينهم جون كيرى، المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص بالمناخ، قائلًا إن برنامج “نوفى” يعد نموذجًا في صياغة برامج التنمية التي تستهدف مواجهة تغير المناخ، وعدّد “كيرى” الفوائد التي ستجنيها مصر من هذا البرنامج على الصعيد التنموي، بالإضافة إلى ما ستحققه من رصيد في مجال تخفيض انبعاثات الكربون.

أشاد مارك كارني الرئيس التنفيذي لتحالف جلاسجو المالي GFANZ والمبعوث الخاص للأمم المتحدة للعمل المناخي والتمويل بالبرنامج وقال “يعد برنامج «نوفي»، منهجًا مبتكرًا يمكن للدول الأخرى اتباعه لتحفيز التحول العالمي العادل، ونحن في تحالف جلاسجو ندعم الأهداف الطموحة لهذا البرنامج”. وقد فاز برنامج “نوفي” كذلك بالمركز الأول في شمال إفريقيا وأوروبا ضمن مبادرة صندوق الاستثمار في المناخ CIF حول استثمارات الطبيعة والمناخ.وفي الختام، من المتوقع أن يسهم برنامج “نوفي” في تعزيز الاستدامة البيئية؛ فالمساهمة في زيادة استخدام الطاقة المتجددة في تقليل الانبعاثات الضارة للغازات الدفيئة وتلوث الهواء ستسهم في تعزيز الاستدامة البيئية وحماية البيئة في مصر وستعزز تنويع مصادر الطاقة في مصر، حيث يسهم البرنامج في توفير مصادر متعددة للكهرباء تعتمد على الطاقة المتجددة مثل الشمسية والرياح والمائية. ويتوقع أن يسهم برنامج “نُوَفِّـــــــــي” أيضًا في تحسين الاستدامة الاقتصادية لمصر من خلال توفير فرص الاستثمار وتعزيز التكنولوجيا المحلية في قطاع الطاقة المتجددة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى