
تزامنًا مع الصراع الدائر في قطاع غزة، تزور القاهرة اليوم رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين” لإجراء مناقشات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي حول مستجدات التصعيد العسكري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، واستعراض الجهود في ذلك السياق، وسط تأكيدات مصرية على عدة مفاهيم راسخة تتمثل في ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار وحماية المدنيين، ورفض مصر القاطع لتصفية القضية الفلسطينية بتهجير سكان القطاع، سواء بالنزوح داخليًا أو بالتهجير خارج أراضيهم لاسيّما إلى الأراضي المصرية في سيناء، وهو ما اتفق عليه الجانبان بأنه أمر مرفوض لن يحقق أي معادلات للسلام، هذا بجانب مناقشات أخرى تدور حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية المهمة مع مصر، في ضوء ما يجمع الطرفين من روابط وثيقة.
ومن المتوقع أن تسافر رئيسة المفوضية إلى سيناء وتحديدًا مدينة العريش ومعبر رفح الحدودي؛ لتفقد المساعدات الإنسانية المقدمة من الاتحاد الأوروبي، بجانب التأكد من نفاذ المساعدات إلى سكان قطاع غزة، وسط امتنان لدور مصر الفاعل والجوهري خلال الأزمة، واعتبارها شريك أساسي ورئيس يستطيع لعب دور حاسم في تحقيق الاستقرار في لمنطقة.
الحرب في غزة توحد الجهود السياسية والدبلوماسية مع دول الاتحاد الأوروبي
تعددت الجهود المصرية الدبلوماسية والرئاسية في حشد الموقف الدولي لمواجهة التصعيد الإسرائيلي في غزة؛ فبين مشاورات ولقاءات عدة، كان الغرض والهدف الأساسي هو تقديم كل الدعم للفلسطينيين في غزة، ومن جهته يحاول الاتحاد الأوروبي تسريع جهوده وحل الانقسامات بداخله لتعزيز العلاقات مع الجهات الإقليمية الفاعلة في الصراع كمصر من أجل تخفيف حدة الصراع والسعي إلى وقف إطلاق النار، الأمر الذي يدل على أن موقف الاتحاد الأوروبي من العدوان على غزة قد بدأ في التغير، استجابةً للضغوط الشعبية بداخل دول الاتحاد، وخشية أن يفقد الاتحاد الأوروبي دوره كوسيط مهم للصراعات في منطقة مهمة كالشرق الأوسط، وتتويجًا للجهود المصرية منذ بداية الحرب في هذا الإطار.
ومن خلال زيارة رئيسة المفوضية للقاهرة ومن بعدها إلى شمال سيناء، لتفقد حجم المساعدات الإنسانية القادمة من الاتحاد الأوروبي، يبدو أن هناك هدف آخر للزيارة يتثمل في “الوقوف على حقيقة عرقلة إسرائيل دخول المساعدات”، خاصة وأن الدول العربية قد طالبت المفوضية الأوروبية بالضغط على إسرائيل لوقف عرقلة دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذي يعانون بشدة جراء هذا العدوان الغاشم، وستشمل الزيارة كذلك تفقدًا لحالات الجرحى الفلسطينيين الذين يتلقون العلاج في المستشفيات المصرية.
وأشاد الاتحاد الأوروبي بجهود مصر بداية من رئيسها عبد الفتاح السيسي والشعب المصري، في عملية دخول المساعدات الإنسانية للقطاع عبر ممر رفح بالرغم من التعنت الإسرائيلي، فلم تتوقف الجهود منذ اللحظات الأولى لاندلاع العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة في محاولة وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات والوقود والغذاء لسكان القطاع المحاصر، وفتح مطار العريش الدولي لاستقبال المساعدات من جميع دول العالم، والضغط الدولي على كافة الأطراق لزيادة حجم المساعدات للقطاع، بالإضافة إلى سرعة التنسيق لاستقبال المصابين وحديثي الولادة وممن هم بحاجة إلى الرعاية المشددة، هذا بجانب تكثيف الاتصالات والتحركات مع كافة الأطراف بهدف الإفراج عن الرهائن داخل قطاع غزة، وكذلك سرعة الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، والعمل على سرعة الإجلاء لمزدوجي الجنسية.
ولا يمكن إغفال رفض مصر القاطع للتهجير القسري لسكان غزة، وهو الأمر الذي يعكس دور مصر في “إفشال” المخطط الإسرائيلي في خلق نكبة ثانية للفلسطينيين وتدمير غزة، وبالتالي تحويل ملايين الشعب الفلسطيني إلى لاجئين بلا أرض، ويعمل على تصفية القضية الفلسطينية للأبد. وعلى الرغم من المحاولات الإسرائيلية للتنسيق مع أوروبا لإنجاح المخطط، يبدو أن أوروبا في النهاية رضخت للموقف المصري، واعتبرت التهجير أمرًا غير واقعي يهدد أمن مصر القومي، ودعا عدد من الدول الأوروبية إلى تبني الحلول التي تضع الجميع على المسار السياسي الصحيح القائم على حل الدولتين، وفقًا للمرجعيات الدولية المعتمدة.
مصر شريك مهم للاتحاد الأوروبي سياسيًا واقتصاديًا وتجاريًا
ارتبطت مصر والكتلة الأوروبية منذ أكثر من 200 عام بعلاقات قوية وراسخة، وقد برزت العلاقات المصرية مع الاتحاد الأوروبي تحديدًا عام 1976، كما يرتبطان معًا بعلاقات طويلة الأمد لا سيما من خلال اتفاقية الشراكة التي جمعتهما معًا منذ عام 2004، والتي تسمح بمزيد من التعاون والتبادل التجاري والثقافي وكذلك التعاون في مجالات أساسية أخرى تحددها أولويات تلك الشراكة.
وخلال السنوات الماضية، شهدت العلاقات المصرية الأوروبية تطورًا على المستويات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، فقد حرصت القيادة السياسية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي على تنميتها وتعزيز أطر التعاون المشترك بين الجانبين في مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة، خاصة أنَّ الاتحاد الأوروبي يعد أحد الداعمين الرئيسين لمصر إقليميًا ودوليًا. ويرى الاتحاد الأوروبي في مصر القوة التي بيدها تحسين واستقرار الأوضاع في شرق المتوسط وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، هذا بالإضافة الى أن المزايا الاقتصادية والتجارية في مصر كبيرة وواعدة.
ويلعب الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي دورًا أساسيًا وفي ظل التحديات الإقليمية والدولية المتصاعدة في الوقت الراهن، فيشدد الاتحاد الأوروبي على أهمية التعاون المشترك مع مصر، خاصة وأنها تُعد ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط وبوابة أفريقيا، وتسعى مصر إلى تعزيز وتوسيع نطاق التعاون مع الاتحاد الأوروبي خلال المرحلة القادمة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وزيادة حجم الاستثمارات الأوروبية في مصر من خلال الاستفادة من الفرص الاستثمارية الكبيرة التي يُقدمها الاقتصاد المصري في ظل عملية الإصلاح الاقتصادي الشاملة التي أُطلقت في مصر منذ عام ٢٠١٦.
أما على الصعيد الأمني، فدائمًا ما يشيد الاتحاد لأوروبي بالدور الذي تلعبه مصر للحفاظ على الاستقرار الإقليمي في المنطقة، والأهمية التي توليها مصر لمواجهة الفكر الإرهابي والمتطرف، وحرص مصر على دعم دول المنطقة وباقي الدول الأفريقية في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تقديم دورات تدريبية لبناء القدرات، واستعراض سبل تعزيز التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب، والتركيز دومًا على عناصر المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب بالتركيز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الأبعاد الأمنية لمجابهة الإرهاب.
ولا يمكن إغفال مجالات التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي خاصة في الملفات المهمة التي تتعلق بالمجالات الأمنية ذات الاهتمام المشترك والتي يأتي على رأسها ملف “الهجرة غير الشرعية” الذي يؤثر على أوروبا ومنطقة شمال أفريقيا، وتعول أوروبا على مصر كثيرًا في الحد من هذه الظاهرة، إذا يقدر الاتحاد الأوروبي الجهود المصرية التي تتعامل في هذا الصدد، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الاتجار في البشر، إذ تلتزم مصر بالاتفاقيات والقوانين الخاصة للهجرة.
ويرى الاتحاد الأوروبي مصر شريكًا استراتيجيًا رئيسًا في مجال الطاقة، فالجانبان يجمعهما تعاون مشترك في مجال الغاز الطبيعي في ضوء الدور الإقليمي لمصر في منتدى غاز شرق المتوسط والجهود الحالية لتعظيم الدور المصري كمركز إقليمي ومحوري لتجارة وتداول الغاز الطبيعي في المنطقة، حيث يتم التأكيد في هذا الشأن من قبل الاتحاد الأوروبي على أهمية مصر كأحد أهم مصادر إمداد أوروبا بجزء من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من خلال مصانع إسالة وتصدير الغاز الطبيعي على ساحل البحر المتوسط، هذا بجانب الإشادة بالمجهودات المصرية في تنظيم القمة العالمية للمناخ “كوب27” والتي تناولت جهود التحول نحو الطاقة النظيفة، والتي تتبنى مصر فيها الغاز الطبيعي كـ “خيار انتقالي” مهم خلال تلك المرحلة بالتوازي مع استراتيجيتها لتعظيم مساهمة الطاقات الجديدة والمتجددة كأحد روافد توفير الطاقة النظيفة والإجراءات الحالية للدخول في مجال إنتاج الهيدروجين كوقود نظيف.