تصفية الحسابات: كيف أصبحت سوريا ساحة موازية للحرب في غزة؟
بعث خطاب زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، يوم 3 نوفمبر الجاري رسالة مباشرة وواضحة بشأن ملامح الدور الإيراني فيما يجري داخل الأراضي الفلسطينية منذ يوم 7 أكتوبر 2023. حيث أكد، مثلما أوضح قبله قادة عسكريون وسياسيون إيرانيون في طهران، على أن إيران لن تدعم عملية “طوفان الأقصى” أو “حماس” في صراعها الحالي ضد إسرائيل على الرغم من تأييدها للعملية.
وحمل الخطاب أيضًا رسالتين أخريين(إحداهما مباشرة والأخرى غير مباشرة) بشأن نطاق انخراط الوكلاء الإيرانيين الآخرين داخل الإقليم في الصراع الجاري. فقد قال “نصر الله” إنه إذا استمرت إسرائيل في العمليات الجارية داخل القطاع، فإن الفصائل الأخرى سوف تتدخل، وذلك على الرغم من المحاولات المتكررة من جانبه فيما يتعلق بالإشارة أكثر من مرة إلى أن الوكلاء الإيرانيين الآخرين لم ينسقوا مع “حماس” أو يساعدوها في شن عملية “طوفان الأقصى”.
ومع أن إيران ووكلاءها، سواء “حزب الله” في لبنان أو الوكلاء في العراق أو ميليشيا “الحوثيين” اليمنية، لم يتدخلوا بشكل مباشر في الصراع الجاري حاليًا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة واقتصر الأمر على مناوشات هنا وهناك، إلا أن ذلك الصراع قد وجد له انعكاسات على طبيعة المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل ولكن في ميدان آخر بالشام.
كيف أصبحت سوريا الساحة الموازية للحرب في غزة؟
في الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب في قطاع غزة، تجري بالتزامن مع ذلك معارك موازية داخل الأراضي السورية بين القوات والوكلاء الإيرانيين وكلٍ من الولايات المتحدة وإسرائيل. حيث يهاجم وكلاء طهران إسرائيل وقواعد أمريكية في العراق وسوريا، لترد واشنطن باستهداف القوات الإيرانية والوكلاء في سوريا، بينما تستهدف إسرائيل هذه الفصائل في جنوب لبنان وداخل سوريا.
1- تنامي هجمات الوكلاء الإيرانيين ضد القوات الأمريكية والإسرائيلية إقليميًا:
بالتزامن مع الدعوة لمنع تحول الصراع في الأراضي الفلسطينية إلى حرب إقليمية تطال مناطق ودولًا مختلفة في الشرق الأوسط وبعد انطلاق عملية “طوفان الأقصى” يوم 7 أكتوبر الماضي، بدأت فصائل عراقية في مهاجمة قواعد أمريكية وشنَّ وكلاء إيرانيون آخرون هجمات ضد إسرائيل.
وعلى سبيل المثال، قال مسؤول أمريكي خلال الشهر الجاري إنه وخلال يوم واحد هو يوم التاسع من نوفمبر 2023 شنت الفصائل العراقية 4 هجمات ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا. إذ هوجمت قاعدة “الحرير” الجوية الأمريكية في مدينة أربيل العراقية بطائرة مسيرة (درون) أسقطتها القوات الأمريكية لاحقًا.
وطبقًا لمسؤولين أمنيين، فقد أُطلقت طائرة مسيرة أخرى باتجاه قاعدة “عين الأسد” الجوية الأمريكية في العراق وتم إسقاطها أيضًا. وخلال الشهر نفسه، تعرضت دورية أمنية مشتركة من القوات الأمريكية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي يوم 9 نوفمبر الجاري إلى انفجارات بالقرب من مدينة الموصل تضررت منها السيارات العسكرية ولم يُصب أحد بضرر.
وعلى المنوال نفسه، هاجم “حزب الله” مواقع إسرائيلية عدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكان الأكثر هجومًا مقارنة بالوكلاء الإيرانيين الآخرين في المنطقة. وقد أوقع ذلك قتلى ومصابين من الجانبين وأضرارًا مادية أخرى. ولعل من بين أبرز هذه الهجمات إطلاق الحزب في 5 نوفمبر الجاري مجموعة صواريخ “جراد” على مستوطنة كريات شمونة شمال إسرائيل.
أما “الحوثيون”، فقد أعلنوا قبل أيام عن إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية ضد أهداف داخل إسرائيل. وأعلن الجيش الإسرائيلي أيضًا خلال نوفمبر الجاري أن منظومات الدفاع الجوي قد قضت على هدف مشكوك به جنوبًا، وذلك قبل أن يقول إن منظومة الدفاع الصاروخي “آرو” قد دمرت في الشهر نفسه صاروخ “أرض-أرض” أطلق باتجاه مدينة “إيلات”. ولا تزال هذه الفصائل والوكلاء الإيرانيون منخرطين في عملياتهم التي تتسم حتى الآن بمحدوديتها.
2- الرد الأمريكي والإسرائيلي يتركز في سوريا:
على الرغم من أن الهجمات التي قامت بها الفصائل الموالية لإيران في المنطقة قد وقعت في العراق وسوريا وعلى الحدود بين هذين البلدين، وطال بعضُها الأخر أهدافًا داخل إسرائيل أو مصالح أمريكية في المياه الدولية، إلا أن الرد الأمريكي والإسرائيلي قد ركز بشكل مكثف على استهداف مصالح إيرانية والوكلاء ذوي الصلة في الأراضي السورية. ويعود ذلك إلى قرب الأراضي السورية وتمركز قوات إيرانية من الحرس الثوري هناك علاوة على عشرات الجماعات الإيرانية الأخرى هناك.
وكذلك، فإن الأراضي السورية لا تزال ساحة معركة بين القوات الإسرائيلية والأمريكية من جانب والإيرانية من جانب أخر حتى قبل تفجر الأزمة في قطاع غزة مؤخرًا. حيث تزايدت وتيرة الهجمات المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا بعد عام 2011 بوجه عام، ثم بعد تزايد الحضور الإيراني في سوريا في ظل الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية منذ فبراير 2022.
وفي هذا الصدد، لا تهاجم القوات الأمريكية أو الإسرائيلية الوكلاء في العراق (على الأغلب)؛ لأنها لا تريد فتح جبهة حرب جديدة في العراق الذي تنشط على أراضيه فصائل عراقية متعددة ومتشعبة تملك أسلحة وترسانات صواريخ، يمكنها أن تفتح جبهة حرب واسعة ضد إسرائيل والقوات الأمريكية.
وقد قامت تبعًا لذلك القوات الأمريكية والإسرائيلية بمهاجمة قوات إيرانية من الحرس الثوري أو موالية لطهران في سوريا خلال الأيام الماضية عدة مرات. ومثال على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة يوم 12 نوفمبر 2023 عن استهداف مواقع تابعة للحرس الثوري وأخرى تتبع لجماعات وكيلة تابعة له على الأراضي السورية. حيث قال وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، ذلك اليوم إن الهجوم الأمريكي على أهداف للحرس الثوري في شرق سوريا جاء ردًا على الهجمات التي قامت بها فصائل موالية لإيران على الأراضي العراقية والسورية خلال الأيام التي سبقت ذلك.
وطبقًا لبيان “أوستن”، فإن الأهداف التي هوجمت شملت مركزًا للتدريب ومبنى آخر في مدينتي البوكمال والميادين الواقعتين شرقي سوريا في محافظة دير الزور التي تشهد الانتشار الأبرز والأكثر تركيزًا للقوات الإيرانية والموالية لها في سوريا. وقد أكد “أوستن” أن هذه الهجمات على وجه التحديد قد جرت بأمر مباشر من الرئيس جو بايدن، ما يمنح هذه المهمات أهمية خاصة لدى الإدارة الأمريكية.
وخلال الأسابيع الثلاث الماضية فقط، هاجمت القوات الأمريكية 3 مرات مواقع تابعة للحرس الثوري وجماعات وكيلة في سوريا كان من بينها استهداف مقاتلتين أمريكيتين من طراز “اف – 15” لترسانة ذخيرة يملكها الحرس الثوري في محافظة دير الزور يوم 8 نوفمبر 2023. وفي 26 أكتوبر الماضي، هاجمت مقاتلتان أمريكيتان أيضًا هدفين للحرس الثوري والجماعات الوكيلة في شرق سوريا.
وجرت هذه الهجمات انتقامًا من هجمات الجماعات الوكيلة لإيران برمتها، سواء العراقية أو اللبنانية أو اليمنية، للمصالح الأمريكية، والتي كان من بينها إسقاط “الحوثيين” لطائرة مسيرة أمريكية قبالة سواحل اليمن في 8 نوفمبر الجاري. وبوجه عام، أعلنت الولايات المتحدة قبل أيام قليلة عن تعرض جنودها 46 مرة لهجمات منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة يوم 7 أكتوبر 2023، موضحة أن 45 جندي أمريكي قد أصيب نتيجة لها.
مستقبل أكثر ضبابية: إعادة تموضع عسكري إيراني في سوريا بعد “طوفان الأقصى”
انطلاقًا من توسع المواجهات العسكرية الأمريكية الإيرانية على الأراضي السورية خلال الأسابيع الماضية، واستعدادًا لتصعيد أكبر على ما يبدو خلال الأيام المقبلة، أجرت إيران مؤخرًا تغييرات وإعادة تموضع لقواتها داخل الأراضي السورية حوّلت تبعًا لها أجزاء واسعة بمحافظة دير الزور إلى مناطق عسكرية مغلقة. فقد أعادت إيران ترتيب قواتها في سوريا بعد عملية “طوفان الأقصى” لتنتشر على طول الحدود مع العراق وصولًا إلى جنوب سوريا.
وهو ما جاء متزامنًا مع مخاوف إيرانية أيضًا من مساعٍ أمريكية لإغلاق الطرق الواصلة بين العراق وسوريا؛ بغية منع حشد إيران المزيد من القوات من البلدين في سوريا استعدادًا لمواجهة محتملة أكبر خلال الفترة المقبلة. وقد جعلت إيران هذه المناطق عسكرية خالصة، حيث منعت وصول المدنيين والعمال إليها، في تحرك قد يبدو مؤشرًا على تصاعد المواجهات في المستقبل القريب.
ناهيك عن ذلك، قامت إيران والحرس الثوري خلال الأيام الماضية باستقدام عشرات العناصر والمواطنين العراقيين واللبنانيين من “الحشد الشعبي” العراقي إلى دير الزور لينضموا إلى قواتها في سوريا في ظل مساع لتجنيد سوريين جدد إلى قواتها خلال الفترة المقبلة وحديث تقارير بشأن خطط لإرسال مجموعات من الجماعات الشيعية الأخرى مثل “فاطميون” و”زينبيون” إلى سوريا لتدريب مقاتلين جدد ضمن جماعاتها على الأراضي السورية.