
ما هي الرسائل التي حملتها القمة العربية والإسلامية المشتركة بالرياض؟
استضافت العاصمة السعودية الرياض القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وهي القمة التي ارتبطت أهميتها ببعض العوامل الرئيسة، ومنها: تنامي وطأة الجرائم الإسرائيلية التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني، وسعي السلطات الإسرائيلية إلى فرض أمر واقع يأتي على حساب مسار السلام العادل، فضلًا عما شهدته القمة من مشاركة واسعة من زعماء الدول العربية والإسلامية وما تم الاتفاق عليه من مخرجات عبرت عن توافق كبير حول الأهداف الآنية أو العاجلة وكذا الأهداف الاستراتيجية على مستوى التعامل مع القضية الفلسطينية.
سياقات عززت من أهمية القمة
ارتبطت أهمية القمة ببعض السياقات المصاحبة لها، وهي السياقات المصاحبة للعمليات الإسرائيلية التي تتم بداخل قطاع غزة، وما صاحبها من تداعيات على كافة المستويات، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:
1- تصاعد الجرائم الإسرائيلية: جاءت القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية، في ظل سياق يشهد تناميًا ملحوظًا في العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل قطاع غزة، وهي العمليات التي ترتب عليها تأزم الأوضاع الإنسانية في غزة بشكل غير مسبوق، وهو ما يتجسد بشكل واضح في وصول معدل الشهداء من بين الفلسطينيين حتى اللحظة إلى ما يزيد على الـ 11 ألف، وعشرات الآلاف من المصابين، فضلًا عن نزوح نحو مليون ونصف مليون شخص من سكان القطاع، وقد كان غالبية الضحايا من المدنيين خصوصًا النساء والأطفال.
وتجاوزت إسرائيل ذلك إلى حد استهداف كافة مستشفيات القطاع سواءً عبر القصف الجوي والمدفعي أو عبر العمليات البرية، الأمر الذي أخرج القطاع الصحي في غزة بشكل كامل تقريبًا عن الخدمة، وزاد من وطأة معدلات النزوح نحو مناطق الجنوب. كذلك فرضت إسرائيل حصارًا على القطاع وعرقلة عملية استدامة إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بالإضافة إلى قطع الخدمات الأساسية عن القطاع من ماء وكهرباء ووقود، مما أسهم في المجمل في شل حركة قطاع غزة وفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل غير مسبوق.
2- نوعية التصعيد الإسرائيلي: يجد المتابع لمسار التحرك الإسرائيلي في ثنايا التصعيد الراهن أن هذا التصعيد اختلف عن كافة جولات التصعيد السابقة بين الجانبين، وذلك على أكثر من مستوى، سواءً ما يتعلق بالمقاربة العملياتية الإسرائيلية نفسها والتي ركزت على العمليات العسكرية المكثفة وحصار القطاع، بما دفع باتجاه تأزم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، أو على مستوى الأهداف الإسرائيلية نفسها؛ فعلى الرغم من عدم وضوح الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية من العملية الراهنة، فضلًا عن عدم واقعية ما يتم طرحه من الدوائر الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، فإن إسرائيل تتحرك لتنفيذ بعض الأهداف التي تتجاوز حد استهداف الفصائل الفلسطينية داخل القطاع، وبدأت في السعي لتحقيق بعض الأهداف التي تخدم فرض واقع جديد يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما تجسد بشكل واضح في مخططات التهجير لسكان القطاع، أو الحديث المتنامي في الأيام الماضية عن فرض خطط وسيناريوهات خاصة بإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الصراع، وهو اعتبار أكسب القمة العربية الإسلامية أهمية متزايدة.
3- الدعم الغربي المفتوح لإسرائيل: انعقدت القمة العربية الإسلامية غير العادية بالرياض في ظل حالة احتشاد غربي بقيادة الولايات المتحدة غير مسبوقة على مستوى تقديم الدعم المفتوح لإسرائيل، الأمر الذي يمكن قراءته على أنه مثل ضوءًا أخضر لإسرائيل للتمادي في عملياتها الإجرامية داخل قطاع غزة، وقد اقتضت هذه المقاربة الغربية وجود توافق نسبي واستراتيجي بين الدول العربية والإسلامية حول أنماط وآليات التعامل معه، خصوصًا في ظل ما تمثله هذه المقاربة من تهديد بالنسبة للأمن الإقليمي والدولي بشكل عام، بما يجعل تداعيات هذا التصعيد لا تقتصر على حدود الأراضي الفلسطينية، وإنما تمتد لتشمل المنطقة والعالم.
وقد عززت الاعتبارات السابقة من خصوصية القمة العربية الإسلامية غير العادية التي عُقدت في الرياض وزادت من أهميتها، خصوصًا في ضوء الحاجة إلى موقف عربي وإسلامي موحد يضمن بناء مقاربة واضحة للتعامل مع هذه المعطيات وهذا التصعيد الذي يحمل تداعيات كارثية على المنطقة والعالم ككل، وهو ما تجسد بشكل واضح في المخرجات المهمة التي انبثقت عن القمة، وهي المخرجات التي تجاوزت حدود التعامل فقط مع اللحظة الراهنة ومثلت خارطة طريق واضحة لمرحلة ما بعد الحرب.
توافقات آنية واستراتيجية مهمة
شهدت القمة العربية الإسلامية غير العادية مشاركة نحو 57 دولة فضلًا عن العديد من المنظمات، وهو الأمر الذي زاد من أهميتها الاستراتيجية، وقد عكست المواقف الرسمية التي تم الإعلان عنها في القمة فضلًا عن المخرجات الخاصة بها توافقًا واسعًا عربيًا وإسلاميًا حول أولويات المرحلة الراهنة، فضلًا عن وضع رؤية استراتيجية خاصة بالتعامل مع القضية الفلسطينية بشكل عام، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:
1- اتفقت الدول العربية والإسلامية وأعلنت بشكل واضح ومباشر عن الموقف الرسمي من هذه الحرب، وهو ما تجسد في التأكيد على أن ما يحدث هو عدوان إسرائيلي وجرائم حرب تتم بحق الشعب الفلسطيني، سواءً في غزة أو الضفة أو القدس، وهو ما يمثل موقفًا وسردية عربية وإسلامية في مواجهة السردية الإسرائيلية الغربية التي تحاول توصيف الأمر على أنه “دفاع عن النفس”، وقد بُنيت كافة المخرجات الأخرى على الانطلاق من هذه السردية العربية الإسلامية.
2- في ضوء الاعتبار السابق، تبنت الدول العربية والإسلامية توافقًا حول أولويات العمل في الساعات والأيام المقبلة، خصوصًا ما يتعلق بالتحرك على أكثر من مستوى دولي وأممي لإدانة ما يحدث في فلسطين، وملاحقة إسرائيل دوليًا باعتبار أن ما تبنته من ممارسات يدخل في نطاق جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وتحميل إسرائيل مسؤولياتها باعتبارها سلطة محتلة للأراضي الفلسطينية.
أيضًا وفي إطار أولويات العمل العربية والإسلامية الآنية والعاجلة، فقد كان أحد المخرجات المهمة المنبثقة عن القمة هو العمل بشكل عاجل وبكافة أنماط الضغط على أكثر من مستوى، سواءً ما يتعلق بالدفع من أجل وقف إطلاق النار وليس مجرد هدن إنسانية مؤقتة، فضلًا عن التحرك في مسار استدامة إدخال المساعدات الإنسانية لغزة وفرض ذلك، ومواجهة عراقيل إسرائيل لهذه العملية بكافة الأدوات.
3- شهدت دورة التصعيد الراهنة تحولًا نوعيًا على مستوى بعض الأهداف الإسرائيلية وهو ما تجسد في مخططات التهجير، أو ما يعرف بسيناريوهات إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وهي التحركات التي تستهدف فرض أمر واقع يكرس لسلطة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية. وفي هذا السياق، شهدت القمة العربية الإسلامية توافقًا واضحًا حول رفض هذه المخططات، والتأكيد على عدم مشروعيتها، والشروع في تحركات عملية لمواجهتها، سواءً على مستوى ممارسة الضغوط على إسرائيل وحلفائها، أو على مستوى التحرك لخلق توافق وطني فلسطيني يفضي إلى ضلوع السلطات الشرعية الفلسطينية بأدوارها ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للاتحاد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
4- أعادت القمة التأكيد على مسار السلام العادل كخيار استراتيجي، وضرورة حل الصراع العربي الإسرائيلي وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها قرارات مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973) و497 (1981) و1515 (2003) و2334 (2016)، والتأكيد على التمسك بمبادرة السلام العربية لعام 2002 بكافة عناصرها وأولوياتها، باعتبارها الموقف العربي التوافقي الموحد وأساس أي جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط، و أن الشرط المسبق للسلام مع إسرائيل واقامة علاقات طبيعية معها، هو إنهاء احتلالها لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، بما فيها حقه في تقرير المصير وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وحل قضيتهم بشكل عادل وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، والإعلان عن تحركات واضحة ذات مدى زمني محدد بهذا الخصوص في مرحلة ما بعد الحرب، من خلال التأكيد على أنه سوف يتم الدعوة لمؤتمر سلام شامل وفق الأسس التي تم إيضاحها.
وفي الختام، يمكن القول إن أهمية القمة العربية الإسلامية غير العادية التي انعقدت في الرياض عبرت في مجملها عن توافق عربي إسلامي حول أولويات العمل تجاه القضية الفلسطينية سواءً على المستوى الآني أو على المستوى الاستراتيجي، كذلك فإنها تمثل نوعًا من الضغوط والتحركات العربية الإسلامية التي تدفع باتجاه إعادة المسار السياسي للقضية الفلسطينية، وهو المسار الذي يدفع باتجاه النظر إلى القضية وفق مقاربة شاملة تفضي إلى سلام عادل يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة سياسة فرض الأمر الواقع التي تتبناها إسرائيل.