بين التنافس والتعاون: لقاء الرئيس الصيني شي جين بينج ونظيره الأمريكي جو بايدن
ينعقد منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (آبيك) في سان فرانسيسكو خلال الفترة من 12 إلى 18 نوفمبر الجاري، ومن المتوقع أن تتجه الأنظار إلى اللقاء بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ، ويعد اللقاء المرتقب هو اللقاء الثاني خلال ما يقرب من ثلاث سنوات ويأتي في سياق واسع من الاضطرابات على الساحة الدولية والتوترات القائمة بين الصين والولايات المتحدة تجاه العديد من الملفات، والتي على الرغم منها، يتضح سعي الدولتين إلى إبقاء المحادثات رفيعة المستوى مفتوحة وقائمة وذلك في إطار سعيهما لتحقيق الاستقرار في العلاقات المتوترة.
توقيت حرج: توترات متصاعدة
خلافات ثنائية: يسود التوتر المتزايد على العلاقات بين الصين والولايات المتحدة حيال العديد من الملفات أبرزها تلك التي تتعلق بمنطقة بحر الصين الجنوبي. وذلك بداية من قضية اختلال التوازن التجاري بين البلدين بمقدار 300 مليار دولار والذي قامت فيه الولايات المتحدة بإلقاء اللوم على السياسات الصينية التي تدعم الصادرات الصينية لها وتمنع الواردات الأمريكية للصين مما تسبب في عجز تجاري بينهما. مرورًا بقضية حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ الشمالية الغربية حيث اتهمت الولايات المتحدة الصين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد الإيغور وغيرهم من المسلمين التُرك في هذه المنطقة. في ضوء قيام حكومة بكين بسجن أكثر من مليون شخص منذ عام 2017 وأخضعت غير المحتجزين لمراقبة مكثفة، وقيود دينية، والعمل القسري، والتعقيم القسري. وعليه، زادت التوترات بينهما جراء ما اعتبرته الولايات المتحدة إبادة جماعية، واعتبرته الأمم المتحدة جرائم ضد الإنسانية.
تزداد الصراعات في منطقة بحر الصين الشرقي والجنوبي خاصة فيما يتعلق بالضغط المتزايد على جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تدَعي الصين تبعيتها لها. هذه القضية التي ساهمت الولايات المتحدة في إشعالها عبر دعمها لتايوان وتوغلها في المنطقة من خلال المناورات العسكرية التي أجرتها بالتعاون مع كوريا الجنوبية واليابان. وكان آخر هذه التوغلات، دعم واشنطن لمانيلا في قضية بحر الصين الجنوبي وفي مواجهة الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها بكين ضدها. إضافة إلى شبكات التجسس التي تم اكتشافها من قبل الولايات المتحدة، ونتج عنها اعتقال اثنين من البحارة الأمريكيين الذين قد تم تكليفهم بتقديم معلومات عسكرية حساسة إلى الصين. إلى جانب بالونات التجسس التي اجتازت القارة الأمريكية حيث أرسلتها بكين وأسقطتها الولايات المتحدة.
تمتد مجالات الخلاف إلى مسألة توازن القوى على الساحة الدولية، وذلك لسعي الصين إلى خلق قوة من شأنها أن تنافس الولايات المتحدة في السيادة الدولية، وعليه، تعمل على نشر ثقافة عالم متعدد الأقطاب يهدم النظام العالمي أحادي القطب التي تهيمن عليه الأخيرة. وفي هذا السياق، تخلق الصين تحالفًا، من ناحية، مع القوى المعادية للولايات المتحدة مثل روسيا وكوريا الشمالية، ومن ناحية أخرى، مع الدول النامية التي من شأنها أن تعينها على الصعود كقوة عالمية مثل البرازيل وجنوب أفريقيا والهند وغيرها، وذلك من خلال مجموعة “بريكس” التي كانت تسعى جاهدة لتوسيع عضويتها لهذا الغرض. بينما تقوم الولايات المتحدة بالمثل وتبرم تحالفات مع اليابان وكوريا الجنوبية وتساند أوكرانيا وتايوان والفلبين.
صراعات خارجية: تزامن هذه الزيارة العديد من التوترات العالمية التي تنخرط فيها الدولتان بشكل مباشر أو غير مباشر. أولها كان الصراع الروسي الأوكراني والذي كان له أثر كبير على أوروبا والولايات المتحدة على جميع الأصعدة ويمس بشكل مباشر حلف “الناتو”. وعلى غرار هذا الصراع، كان من الواضح دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا ومطالبتها بفرض عقوبات قاسية على روسيا، وتسليح أوكرانيا وتخصيص تدفقات مالية ضخمة لها بحيث تكون أكبر مساهم في أوكرانيا من حيث الدعم المادي. وعلى العكس من ذلك، كانت الصين تدعم الموقف الروسي، حيث تم الكشف عن إرسالها سرًا ما يكفي من المعدات إلى روسيا لتجهيز جيش من ضمنها الطائرات بدون طيار بأكثر من ١٠٠ مليون دولار هذا العام، على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة.
وتفاقم مؤخرًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وشن إسرائيل عدوان غاشم على قطاع غزة في ضوء عملية “طوفان الأقصى”، مما أدى لفاجعة إنسانية في غزة دعمتها الولايات المتحدة قلبًا وقالبًا وحذرت من التصدي لإسرائيل بأي شكل كان. كما أعطتها الحق في القيام بهذه الفظائع اللا إنسانية تحت مسمى “حق الدفاع عن النفس” ورفضت كذلك أي محاولات لمساعدة الفلسطينيين. إضافة إلى استخدام واشنطن لحق النقض “الفيتو” ضد قرارين تم التصويت عليهما في مجلس الأمن الدولي لوقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع دون عوائق. ويأتي موقف الصين، بعد أن كانت تحاول اتخاذ موقف محايد نظرًا لعلاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل وفي الشرق الأوسط بشكل عام، مساندًا نوعًا ما لفلسطين وذلك لدعوتها لوقف إطلاق النار وعدم تصنيفها لحركة حماس كجماعة إرهابية. وقامت بإدانة إسرائيل بشكل صريح لكونها تخطت نطاق الدفاع عن النفس ودعت لوقف العقاب الجماعي على غزة. إضافة إلى تصويتها لصالح هذه القرارات التي طرحت في مجلس الأمن.
تهيئة الأوضاع وتدابير تسبق اللقاء
سبق هذا اللقاء، سلسلة من الزيارات واللقاءات الدبلوماسية الثنائية في الأشهر الأخيرة، التي كانت تعقد بناء على طلب الولايات المتحدة إلى حد كبير، حيث كانت تهدف الأخيرة إلى محاولة إنقاذ العلاقات التي سبق لها وأن تدهورت في وقت مبكر من العام. وعليه، من شأن هذه الزيارات أن تكون مساعي مباشرة أو غير مباشرة، من الطرفين للتهيئة لهذا اللقاء، ومن بين هذه اللقاءات زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى واشنطن في 26 أكتوبر الماضي لمدة ثلاثة أيام، والتقى خلالها مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان. وعلى الرغم من تأكيد الجانبين على عدم وجود علاقة بين هذه الزيارة ومقابلة الرئيسين في القمة القادمة لآبيك وأنها متبادلة مع زيارة بلينكن إلى بكين في يونيو الماضي، إلا أن هناك تكهنات كبيرة بأن هذه الزيارات عملت على ترتيب اللقاء المنتظر بين بايدن وشي الذي سيستأنف الحوار وسيكون متعمقًا وشاملاً.
وسبقت هذه الزيارة زيارات مهمة على الساحة الدولية، كان أبرزها زيارة الرئيس الروسي نظيره الصيني في بكين في 17 أكتوبر الماضي، للمشاركة في المنتدى السنوي حول طرق الحرير الجديدة (مبادرة الحزام والطريق)، وكان الهدف الرئيس للزيارة هو التشاور حول الوضع الدولي غير المسبوق الناجم عن موجة العنف في الشرق الأوسط، وإظهار الثقة والشراكة “بلا حدود” بين البلدين، وتسليط الضوء على الشراكة الاستراتيجية بينهما. وتبع هذه الزيارة توجه الرئيس الأمريكي جو بادين إلى إسرائيل في 18 أكتوبر الماضي، بغرض تخفيف التوترات القائمة في المنطقة إثر بداية التصعيد غير المسبوق في قطاع غزة وتأكيد الدعم الأمريكي للإسرائيليين. وقام الرئيس الأمريكي بحث إسرائيل على التراجع عن حافة الهوية، وتخفيف التصعيد الذي من شأنه أن يتحول إلى صراع إقليمي أوسع.
فضلاً عن لقاء يجمع بين وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين ونائب رئيس الوزراء الصيني بين 9 و10 نوفمبر الجاري، والتي تم الإعلان أنه يأتي في وقت “تتكثف فيه المساعي الدبلوماسية بهدف تحسين الاستقرار في العلاقات الاقتصادية الثنائية وإحراز تقدم في القضايا الرئيسة” بين الصين والولايات المتحدة، تمهيدًا لقمة آبيك. إضافة إلى زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بكين، في يونيو الماضي، ليجتمع مع الرئيس الصيني، مؤكدًا على أن العلاقات الثنائية الأفضل سيكون لها “تأثير على مستقبل ومصير البشرية”. كما أجرى مستشارو الرئيسين الصيني والأمريكي العديد من المشاورات المكثفة، منذ يونيو الماضي، تمهيدًا لهذا اللقاء.
الأبعاد المحتملة وآفاق التفاهم
سبق هذا اللقاء تصريحات متتالية أعلنت فيها الصين عن استعدادها لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعزيز الحوار والتواصل على مختلف المستويات، وفتح الأبواب أمام تعزيز تعاون تبادل المنفعة، وإدارة النزاعات والخلافات الثنائية، والتصدي للتحديات الدولية بشكل مشترك. وتباعًا لهذه السلسلة من اللقاءات بين البلدين، من المتضح أن واشنطن وبكين عازمتان على تحقيق تطورات جذرية في العلاقات الثنائية. ونظرًا لتعدد ملفات الخلاف بين واشنطن وبكين، من المرجح أن يعملوا، في الأساس، على محاولة تبني نهجًا وديًا في إطار العلاقات. كما من المتوقع أن يعملوا على الإشارة إلى الالتزام بالحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة، وهو ما يمكن من خلاله أن يظهر الرئيسان للعالم مدى التزامهما المشترك بتحقيق استقرار العلاقات الثنائية، وبالتالي، التصدي للمنتقدين.
يعد هذا الاجتماع فرصة لكلا البلدين لتحقيق أكبر استفادة يسعون إليها، فمن جهة بايدن، الذي سيواجه انتخابات رئاسية العام المقبل، من الضروري العمل على إبراز الصين كقضية مهمة في حملته الانتخابية، حيث إن الرأي العام الأمريكي لا يريد صراعًا مفتوحًا مع الصين، وذلك بنسبة تصل إلى 78% من الأمريكيين. كما أنه من المرجح أن يحاول التشاور مع الرئيس الصيني حول استخدام نفوذه لدى إيران، لمنع تصعيد صراع غزة إلى حرب إقليمية أوسع في الشرق لأوسط، خاصة وأن هذه القضية تم تناولها بشكل متكرر في زيارة وزير الخارجية الصيني لواشنطن، ولم تستطع الولايات المتحدة الوصول إلى رد حاسم بشأن محاولات الصين المستقبلية لتهدئة الوضع. وفيما يخص المحادثات النادرة بشأن الأسلحة النووية التي أجريت بين البلدين، من المؤكد أن الولايات المتحدة ستواصل محاولات الضغط على الجانب الصيني حول زيادة الشفافية من جانب بكين، وتحقيق ومزيد من التواصل بشأن خطوات الحد من المخاطر الاستراتيجية ومنع انتشار الأسلحة النووية، ويعود ذلك لحرص الولايات المتحدة على تجنب سباق التسلح النووي الثلاثي مع روسيا والصين.
كذلك من المؤكد أن تتصدر المشاورات بينهما التطورات الجارية في أوكرانيا وقطاع غزة، والذي يتبنى كل منهما موقفًا معارضًا للآخر، بحيث تدعم الولايات المتحدة إسرائيل وأوكرانيا، وتدعم الصين روسيا وقف إطلاق النار في غزة. ومن الممكن أن يحمل اللقاء بين بوتين وشي وزيارة بايدن لإسرائيل نوعًا من الاتفاقات الثنائية التي تسبق الحوار بين الصين والولايات المتحدة بشأن الأمر. هذا ومن المتوقع أن تناول اللقاء الأوضاع الاقتصادية، بحكم كونهم أقوى اقتصادين على المستوى العالمي، وخاصة أن بكين تعاني حاليًا من اقتصاد هش. ومع اقتراب الانتخابات في تايوان، قد تسعى بكين للتأكد بأن واشنطن لا تفضل أي مرشح أو حزب سياسي في تايوان ولا تدعم استقلالها، خاصة وأنه من المعتاد أن يزور المرشحون الرئاسيون الولايات المتحدة قبل التصويت لمناقشة ترشحهم مع المسؤولين هناك ومساندتهم ضد الصين، وهو ما فعله بالفعل نائب الرئيس التايواني الانفصالي ويليام لاي المتوقع أنه لديه أفضل فرصة للفوز.
ختامًا، يعد الموقف الدولي الحالي على المحك فيما يخص العديد من التطورات المتفاقمة والصراعات المتنامية. وعلى هذا الأساس، تعد هذه الزيارة بمثابة بادرة للتفاهم بين هاتين القوتين العالميتين وهو ما يؤثر بدوره على النظام العالمي ككل. وعليه، يتضح أن البلدين يتطلعان من خلال هذا اللقاء إلى الاتجاه بعلاقات الدولتين الثنائية إلى مسار التنمية السليمة والمستقرة ودفعها بشكل مشترك، وهو ما يعبر عنه لهجة وميل أكثر إيجابية وتفاؤلاً من التي كانت تتحدث بها بكين في الأسابيع الأخيرة. وذلك على الرغم من الاستعداد الكبير الذي تظهره الدولتان للحوار، إلا أنه ليس من المؤكد أن يسفر اللقاء عن اتفاقات أو صفقات كبيرة.