مصر

“الثوابت المصرية”..أبرز الرسائل التي حملها لقاء “السيسي” ومدير المخابرات المركزية الأمريكية

التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز، بحضور الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة، وقد ارتبطت أهمية هذا اللقاء ببعض الاعتبارات الرئيسة، سواء تلك المتعلقة بما يعبر عنه من دلالات خاصة بمستوى التنسيق الكبير بين الجانبين المصري والأمريكي، أو بعض الاعتبارات المرتبطة بالظروف والسياق الذي يأتي فيه اللقاء، خصوصًا مع توسع الحرب الإسرائيلية في غزة، وما حمله ذلك من تداعيات كارثية على كافة المستويات، بما يمثل تهديدًا كبيرًا لا يقتصر مداه على حدود الداخل الفلسطيني، بل يمتد ليشمل الأمن الإقليمي ككل.

سياقات مهمة

ارتبطت أهمية اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ببعض الاعتبارات الرئيسة، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- محورية دور “بيرنز” في السياسة الأمريكية: أحد الاعتبارات الرئيسة التي زادت من أهمية اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السياسي بويليام بيرنز اليوم، ترتبط بطبيعة المؤسسة التي يقودها “بيرنز”، إذ تعد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) الوكالة الاستخباراتية الوحيدة داخل مجمع الاستخبارات الأمريكي التي لا تتبع أي وزارة أو جهة أخرى، وإنما هي مستقلة بشكل كامل وترتبط برئيس الولايات المتحدة بشكل مباشر، وهي أكبر منتج للمعلومات الاستخباراتية لصانع القرار الأمريكي، وعلى مستوى العلاقات بالشرق الأوسط تساهم الوكالة من جانب في صياغة رؤى وسياسات الجانب الأمريكي تجاه قضايا الشرق الأوسط، ومن جانب آخر تعد الوكالة مسؤولة بشكل رئيس عن دعم التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الولايات المتحدة ودول المنطقة.

2- تصاعد الحرب في قطاع غزة: جاءت زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لمصر، كجزء من جولة شرق أوسطية تشمل بعض الدول كمصر والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة، في ظل تصاعد وطأة الحرب في قطاع غزة، خصوصًا منذ شروع إسرائيل في عملياتها البرية داخل القطاع منذ 27 أكتوبر الماضي، الأمر الذي زاد من وطأة هذه الحرب، وتداعياتها الكبيرة خصوصًا على مستوى الوضع الإنساني داخل قطاع غزة، الأمر الذي عزز من الحاجة إلى التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الولايات المتحدة والدول الفاعلة في الملف وعلى رأسها مصر.

3- تنامي التوترات الإقليمية: لم تقتصر تداعيات الحرب الدائرة في قطاع غزة على حدود الأراضي الفلسطينية، وإنما امتدت لتشمل الأمن الإقليمي ككل، خصوصًا مع نزوع بعض الفاعلين المسلحين من دون الدول في المنطقة نحو استهداف إسرائيل بشكل مباشر، أو استهداف الحضور الغربي وخصوصًا الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي زاد من فرص تحول الحرب الحالية إلى حرب ذات طابع إقليمي، فضلًا عن تنامي مؤشرات التوتر بين دول المنطقة والمحور الغربي إثر التصعيد الراهن، وهي اعتبارات أكسبت جولة “بيرنز” أهمية متزايدة، بمعنى أن هناك حاجة إلى وجود تنسيق أمريكي كبير مع الدول الفاعلة في المنطقة، بما يضمن الوصول إلى تفاهمات ولو بشكل نسبي حول الأولويات الراهنة العاجلة، والتي قد تفضي إلى التخفيف من تداعيات الحرب، فضلًا عن الهدف الاستراتيجي الأهم المتمثل في إنهائها عبر الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق نار.

رسائل مصرية مهمة

أكد المستشار أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمسؤول الأمريكي، شهد مناقشة بعض القضايا الخاصة بالعلاقات الثنائية، فضلًا عن مناقشة بعض التطورات الإقليمية المهمة، وقد شهد اللقاء التأكيد على جملة من الرسائل والثوابت المهمة خصوصًا من قبل الدولة المصرية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين: شهد اللقاء وفق بيان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، التأكيد على قوة الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، كما تم التأكيد على الحرص المتبادل على تدعيم وتعزيز التعاون الراسخ بين البلدين في مختلف المجالات، خاصة على الصعيد الأمني والاستخباراتي، بهدف دعم جهود استعادة الاستقرار في المنطقة ومواجهة التحديات المتعددة في هذا الصدد، وبشكل عام اكتسبت العلاقات المصرية الأمريكية خلال السنوات الأخيرة دفعة قوية في ضوء عدد من الاعتبارات، وعلى رأسها الدور المركزي للدولة المصرية تجاه القضايا الرئيسة الراهنة في المنطقة، الأمر الذي زاد من مساحة التنسيق والتعاون بين الجانبين على قاعدة المصالح المشتركة.

2- ثوابت الموقف المصري من التصعيد في غزة: شهد اللقاء تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على الرؤية التي تحكم الموقف المصري من التصعيد الراهن في قطاع غزة، وهي الرؤية التي تنطلق من ضرورة تحقيق بعض الأولويات وعلى رأسها الوقف الفوري لإطلاق النار لحماية المدنيين، وتسهيل نفاذ المساعدات الإنسانية وعدم إعاقة تدفقها.

ويمكن القول إن الموقف المصري تجاه التصعيد الراهن ينطلق من بعض الثوابت، إذ تنطلق مصر من رؤية واضحة ترفض مخططات التهجير الإسرائيلية التي تتم بحق الفلسطينيين، انطلاقًا من كون هذا التهجير يمثل تصفية للقضية الفلسطينية، قبل أن يمثل تهديدًا للأمن القومي والسيادة المصرية، كذلك تؤكد مصر أن دورة التصعيد الراهنة سوف تستمر ويتم إعادة إنتاجها بين الحين والآخر ما لم يتم الدفع باتجاه حلول جذرية للأزمة متمثلةً في ضرورة حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى رفض مصر للجرائم التي تتم بحق الشعب الفلسطيني مع تنامي أوجه التصعيد الإسرائيلي.

وقد ترجمت مصر هذه الثوابت في صورة بعض أنماط التحرك التي تبنتها، سواءً من خلال تكثيف معدلات التنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة والمنخرطة فيها بشكل أو بآخر، وهو التنسيق الذي ركز بشكل أساسي على الدفع باتجاه وقف إطلاق النار، كما مارست مصر ضغوطًا متعددة الأبعاد للدفع باتجاه إدخال المساعدات الإنسانية في قطاع غزة واستدامة عملية إدخالها.

3- محورية الدور المصري في الأزمة الراهنة: بدوره أكد مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية حرصه على مواصلة التنسيق المكثف مع الجانب المصري بهدف حل الأزمة الحالية، وذلك في تأكيد واضح على الدور المحوري الذي تلعبه مصر في ثنايا الأزمة الراهنة، وهو الدور الذي ساهم بشكل أو بآخر في تغيير بعض الرؤى الغربية تجاه التصعيد الراهن، وانتقال بعض الدول من مقاربة “الدعم المفتوح” لإسرائيل، نحو تبني رواية أخرى تقوم على ضرورة وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ووقف استهداف المدنيين، وهو ما تجسد بشكل واضح في الحالتين الفرنسية والأمريكية.

وفي الختام، يمكن القول إن اللقاء الذي جمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بمدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يأتي كجزء من حالة التنسيق الكبيرة على المستوى الثنائي منذ اندلاع التصعيد الراهن في 7 أكتوبر الماضي، وهو التنسيق الذي يستهدف في مجمله تحقيق جملة من الأهداف الرئيسة سواء ما يتعلق بالدفع باتجاه استدامة إدخال المساعدات لقطاع غزة، ووقف إطلاق النار، وصولًا إلى حل أزمة المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية وفق مقاربة يتم الاتفاق عليها.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى