القضية الفلسطينية

العدوان على غزة.. الفلسطينيون بين التهجير القسري وطمس حق العودة 

في العاشر من أكتوبر الحالي، أنذر الجيش الاسرائيلي سكان شمال قطاع غزة، البالغ عددهم حوالي 1.1 مليون فلسطيني أي نصف السكان، بإخلاء منازلهم والنزوح جنوبًا، قبل بدء عملية برية عسكرية، وعدم العودة إلا بأمر إسرائيلي يسمح لهم بذلك، بدعوة “حماية أنفسهم”.  والذي يعد بمثابة دعوة صريحة للتهجير واسترجاعًا لسيناريو نكبة 1948.

وتعد سياسة التهجير التي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تطبيقها في الوقت الراهن من خلال العمليات العسكرية المكثفة في شمال ووسط قطاع غزة ليست بجديدة؛ فبالرجوع إلى نكبة 1948، نجد أنه تم إجبار ما يزيد على 770 ألف فلسطيني على التهجير القسري، فرارًا من عمليات الطرد الجماعي والنقل القسري أثناء إنشاء دولة إسرائيل، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل استمرت موجات التهجير القسري على مدار 75 عامًا، حتى أصبح نحو 70% من الشعب الفلسطيني في العالم من اللاجئين.

وعلى الرغم من عقد العديد من المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول تطبيق حق العودة، فإن السلطة القائمة بالاحتلال اختارت طريق تجاهل قضية اللاجئين الفلسطينيين، بل ومنعتهم من حقهم في العودة إلى وطنهم في انتهاك واضح وصريح للقانون الدولي وقرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهنا يثار تساؤل، هل ستسمح إسرائيل في حال إخلاء قطاع غزة الآن -بذريعة الإخلاء المؤقت لإتمام العملية العسكرية- بعودة الفلسطينيين إلى أرضهم مرة أخرى؟

التهجير القسري للفلسطينيين

يشكل اللاجئون الفلسطينيون واحدة من أكبر مجموعات اللاجئين في العالم اليوم، ووفقا للتقديرات الأخيرة هناك 9.17 ملايين لاجئ ومهجر فلسطيني من أصل 14 مليون أي 65.5% من الشعب الفلسطيني، من ضمنهم نحو 8.36 ملايين لاجئ فلسطيني مهجر في مختلف أنحاء العالم، و812,000 مهجر داخليًا في فلسطين بحدودها الانتدابية.

الشكل (1) توزيع اللاجئين- المصدر: المسح الشامل للاجئين والمهجرين الفلسطينيين، مركز بديل للدارسات الفلسطينية

ويمكن تقسيم اللاجئين الفلسطينيين إلى التالي:

  • المهجرون داخليًا في فلسطين المستعمرة منذ 1948 وعددهم 439,171 لاجئًا.
  • المهجرون داخليًا في الأرض الفلسطينية المستعمرة منذ عام 1967 وعددهم 372,793 لاجئًا.
  • لاجئو عام 1948 غير المسجلين وعددهم 1,220,018 لاجئًا.
  • لاجئو عام 1967 وعددهم 1,331,311 لاجئًا.
  • لاجئو 1948 المسجلون لدى الأونروا بعدد 5,807,653 لاجئًا.

الشكل (2) تقسيم فئات اللاجئين

في بداية القرن العشرين، كان معظم الفلسطينيين يعيشون داخل حدود فلسطين المقسمة حاليًا إلى “إسرائيل” والضفة الغربية المحتلة بما يشمل شرقي القدس وقطاع غزة المحتل، وقد تعرض الفلسطينيون إلى موجات من التهجير القسري، وهي كالتالي:

الانتداب البريطاني (1922 – 1947) خلال تلك الفترة، تعرض نحو 150 ألف فلسطيني، أي عُشر السكان العرب الفلسطينيين تقريبًا، للطرد أو جُرّدوا من جنسيتهم الفلسطينية بحسب قانون المواطنة 1925، أو أجبروا على مغادرة ديارهم، كما تعرض عشرات الآلاف إلى التهجير الداخلي.

النكبة (1947 -1949) حيث تعرض ما يزيد على 770 ألف فلسطيني (أي 55٪ إلى 60 ٪ من مجمل عدد الفلسطينيين)، للتهجير القسري قبل وبعد إعلان الأمم المتحدة عن خطة تقسيم فلسطين، والحرب التي تلت الإعلان، وممارسة التطهير العرقي وإقامة “إسرائيل”. بقي حوالي 150,000 فلسطيني في فلسطين، منهم 46,000 فلسطيني تم تهجيرهم داخليًا. ورفضت سلطة الاحتلال السماح لهم بالعودة إلى منازلهم مرة أخرى. وأثناء حرب عام 1948 وبعدها، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي ما لا يقل عن 80 مذبحة شملت القتل والتهجير القسري والهدم، وتدمير أكثر من 500 قرية فلسطينية، وإفراغها من سكانها بشكل كامل، وتحويلها إلى مستعمرات يهودية.

فترة الحكم العسكري (1949 – 1966) التي وضع الاحتلال الإسرائيلي فيها يده على نحو 700 كيلو متر مربع من الأراضي التي تعود ملكيتها للفلسطينيين، وهجر ما يقرب من 45 ألف فلسطيني خلالها، وفقد عشرات الآلاف من الفلسطينيين بيوتهم وأراضيهم.

نكسة عام 1967 أثناء الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، تسبب خلالها بتهجير ما يقرب من 400 إلى 450 ألف مواطن، كان نصف هؤلاء من اللاجئين الذين سبق أن هجروا سنة 1948. بينما هجر 240 ألف فلسطيني من بيوتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة للمرة الأولى في حياتهم. ومنذ عام 1967، افتقر الفلسطينيون إلى أبسط الحقوق الإنسانية، حيث واجهوا سياسات التهجير القسري بما فيه هدم المنازل ومصادرة الأراضي والموارد، وسحب حقوق الإقامة، وتكثيف المشروع الاستيطاني، وفرض الحصار غير الشرعي على قطاع غزة.

الفترة من (1967 حتى 2014) استمرت سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي تسبب بشكل مباشر وغير مباشر في تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين؛ فمع نهاية العام 2014، وصل عدد الفلسطينيين ممن اقتلعوا قسرًا من ديارهم 7.9 ملايين مواطن بما نسبته 67٪ من مجموع الفلسطينيين حول العالم (11.8مليون)، من بينهم 7.25 ملايين لاجئ، و718 ألف مهجر داخليًا.

حق العودة للفلسطينيين

على الرغم من إدراك الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بأهمية قضية اللاجئين، والتي حاول الطرف الفلسطيني مناقشتها مرارًا وتكرارًا على طاولة المفاوضات خلال الفترة من 1948-1993، على الرغم من نص القانون الدولي على حقهم في العودة، وصدور 30 قرارًا عن الأمم المتحدة، الا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تستخدم في كل مرة حق الفيتو لإبطال القرارات التي تدين إسرائيل.

وخلال مؤتمر مدريد 1991، كان النصيب الأكبر لقضية اللاجئين، حيث تم تشكيل لجنة عمل اللاجئين، وكانت مهمتها تكوين قاعدة البيانات الأساسية المتعلقة باللاجئين. وخلال مناقشات أوسلو، أدرجت قضية اللاجئين مع قضايا الحل النهائي، وتمثل الموقف الفلسطيني في الالتزام بحق العودة للاجئين الفلسطينيين في كافة مراحل لجوئهم، وحق التعويض للاجئين، والالتزام بمقررات الشرعية الدولية كأساس لحل هذه القضية، خاصة قرار رقم 194 الصادر من الأمم المتحدة.

وفى المقابل، تبلور الموقف الإسرائيلي برفض “حق العودة” رفضًا مطلقًا، سواء كانوا لاجئين أو نازحين على حد سواء. وكذلك اتسم الموقف الإسرائيلي في مسألة دفع التعويضات للاجئين الفلسطينيين بالتحفظ، وربط ذلك، بدفع تعويضات متعادلة لليهود من الدول العربية، والذين غادروها إلى إسرائيل وطرح حينها نقاط لتسوية قضية اللاجئين، أبرزها، اعتبار العودة قضية إنسانية وليست سياسية، وضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين في أماكن لجوئهم، والعمل على توطين اللاجئين في أماكنهم.

وذلك كله على الرغم من مشروعية حق اللاجئ الفلسطيني بالعودة إلى وطنه استنادًا إلى القانون الدولي والقرار 194 الصادر من الأمم المتحدة، والذي ينص على “وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله وفقًا لمبادئ القانون الدولي والعدالة، بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة”. ونصت المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة على: “يُحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين، أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي أية دولة أخرى محتلة أو غير محتلة أيًّا كانت دواعيه”.

وبناء على ذلك، يمكن القول إنه على الرغم من أن حق عودة الفلسطينيون إلى أرضهم هو حق تاريخي ويكفله القانون الدولي، الا أن إسرائيل تستمر في طمسه بل وتسعى إلى إحداث نكبة أخرى بتفريغ قطاع غزة من أهله تحت ذريعة أن ذلك إخلاء أو نزوح مؤقت لإتمام عمليتها العسكرية ذات الأهداف المطاطة وغير محددة المدة الزمنية، ليتحقق لها هدفها النهائي وهو تهجير المواطنين الفلسطينيين ومنعهم من حق العودة، والسيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية التاريخية.

منى لطفي

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى