القضية الفلسطينيةآسيا

كيف نفسر موقف الهند إزاء تشابكات الأزمة الجارية في قطاع غزة؟

في محادثة هاتفية جرت يوم الثلاثاء 10 أكتوبر 2023، أكد رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، لنظيره الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على “وقوف الشعب الهندي بحزم إلى جانب إسرائيل في هذا الوقت الصعب”، معربًا عن قلقه بشأن “سلامة المواطنين الهنود وأمنهم في إسرائيل”. وشدد نتنياهو من جانبه، وهو الذي كان قد اقترح بالأساس إجراء المكالمة الهاتفية مع نظيره الهندي ليطلعه على مستجدات الأوضاع بشأن الحرب مع “حماس”، على “تعاونه ودعمه الكاملين” مع نيودلهي.

وعلى الرغم من هذا الدعم الهندي تحت إدارة حكومة مودي لإسرائيل، فإن نيودلهي قد أرسلت مساعداتٍ إنسانية إلى قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية، كما أجرى مودي اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن يوم 19 أكتوبر الجاري لتقديم تعازيه في الضحايا المدنيين الذين استشهدوا بعد الهجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في القطاع، مشددًا في تغريدة له على منصة “إكس – تويتر” على دعم بلاده “المبدئي والدائم” بشأن القضية الفلسطينية الإسرائيلية. 

وهنا، يتبادر إلى الذهن تساؤل بشأن طبيعة موقف نيودلهي إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الدائر منذ يوم 7 أكتوبر الجاري في قطاع غزة، حيث إننا رأينا تصريحات رئيس الوزراء الهندي الأخيرة الداعمة صراحة لحكومة بنيامين نتنياهو، ورأينا كذلك إرسال نيودلهي مساعدات إنسانية إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تطور العلاقات الهندية الإسرائيلية من غاندي إلى مودي

كانت الهند حتى انتهاء فترة الحرب الباردة، مطلع تسعينيات القرن الماضي، تميل إلى اتخاذ سياسات غير مؤيدة لإسرائيل بوجه عام، حتى أنها صوتت ضد قرار تقسيم فلسطين الأممي عام 1947. كما كان الأب الروحي للهند الحديثة، المهاتما غاندي، داعمًا قويًا للفلسطينيين، وكان قد كتب مقالة في 26 يناير 1938 في صحيفة “هاريجان” الهندية آنذاك أيّد فيها بشدة الحقوق الفلسطينية، وانتقد عمليات العنف التي تمت ضد الفلسطينيين آنذاك.  وسار على درب غاندي تلميذُه “جواهر لال نهرو” الذي حكم الهند لحوالي 17 عامًا من 1947 وحتى 1964.

وعلى الرغم من وجود ممثليات دبلوماسية إسرائيلية في الهند قبل ذلك، إلا أن أول سفارة هندية في إسرائيل والعكس قد افتتحتا في عام 1992. ومنذ ذلك العام، بدأت العلاقات الهندية الإسرائيلية تتطور بشكل متسارع على مختلف الأصعدة التجارية والأمنية والعسكرية والسياسية، وباتت تحكم هذه العلاقات مصالح تعاون مشترك بشكل وثيق، ترتبط من ناحية أخرى بالصراع الهندي الإقليمي وحاجة نيودلهي إلى العتاد العسكري المتطور.

محددات المصالح الإستراتيجية بين الهند وإسرائيل

منذ انهيار المعسكر الشرقي أوائل تسعينيات القرن العشرين، تطورت العلاقات، كما سلفت الإشارة، بشكل متسارع بين الهند وإسرائيل في مختلف مجالات التعاون، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وعسكريًا. وبحلول عام 2022، أصبحت الهند أكبر مشترٍ عالمي للسلاح الإسرائيلي، وأضحت إسرائيل المورد الثاني عالميًا للسلاح إلى الهند بعد روسيا. إذ، تستحوذ الهند على ما يقارب 42.1% من مجمل صادرات السلاح الإسرائيلي الخارجية. 

ولعل ما يدل على تسارع مسار التعاون العسكري بين الجانبين، وصول مستوى التبادل العسكري بينهما خلال الفترة (1999 – 2009) إلى ما يُقدر بحوالي 9 مليارات دولار أمريكي، في الوقت الذي يجريان فيه مناورات عسكرية مشتركة إلى جانب تشارك المعلومات الأمنية حول مكافحة الإرهاب والجرائم.

واقتصاديًا، أضحت الهند عام 2019 الشريك الاقتصادي الثالث لإسرائيل على مستوى قارة آسيا والعاشرة على مستوى العالم. فقد بلغ حجم التبادل التجاري غير العسكري بين البلدين في ذلك العام 6.3 مليارات دولار عززتها في الحقيقة توجهات الحزب الحاكم لرئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي منذ توليه السلطة عام 2014.

وسياسيًا، أيّدت الهند خلال السنوات الماضية المواقف الإسرائيلية في المحافل الدولية عبر الامتناع عن التصويت ضدها في عدد من مشاريع القرار الدولية في الأمم المتحدة. كما جرت أول زيارة لرئيس إسرائيلي إلى الهند في 1997، كما كان “آرئيل شارون” أول رئيس وزراء إسرائيلي يزور البلاد أيضًا في 2003. وأصبح ناريندرا مودي أول رئيس وزراء هندي يزور الأراضي المحتلة في عام 2017.

ومع ذلك، فإن سياسة توازن المصالح الهندية إزاء إسرائيل قد دفعتها إلى رفض المساعي الخارجية للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وفي هذا الصدد، قالت دراسة أجريت عام 2009 ونشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية آنذاك إن “أكبر مستو من التعاطف مع إسرائيل يمكن رؤيته في الهند”، مضيفة أنه “طبقًا للدراسة، فإن 58% ممن شملهم البحث من الهنود قد أظهروا تعاطفًا مع إسرائيل، وهو ما يأتي في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة التي أظهرت تعاطفًا شعبيًا بنسبة 56% تجاه إسرائيل”. وكانت الدراسة قد أشارت إلى أن مستوى التعاطف مع إسرائيل أقل في البلدان الأخرى، مثل روسيا (52%)، المكسيك (52%)، الصين (50%)، بريطانيا (34%)، فرنسا (27%)، إسبانيا (23%)، وذلك ممن شملهم الاستقصاء.

ولا يقتصر الأمر عند أمور التجارة والسياسة المشتركة، بل يحتاج كل طرف (الهند وإسرائيل) إلى الجانب الأخر عند الحديث عن سياسته الخارجية مع الدول الأخرى. فهنديًا، سعت نيودلهي خلال السنوات الماضية إلى تعزيز التعاون الأمني مع إسرائيل لمواجهة باكستان خصمها المعتاد أمنيًا، كما ترى إسرائيل أن تعزيز العلاقات مع الهند سوف يساعدها في محاولة احتواء إيران وأنه سوف يوازن من زاوية أخرى التحركات الهندية لتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي وإيران أيضًا.

المصالح الاستراتيجية المشتركة تحكم التوجه الهندي إزاء الصراع في غزة

تحكم التوجهات الهندية إزاء الصراع الدائر حاليًا في قطاع غزة مصالح نيودلهي التجارية والأمنية والعسكرية الاستراتيجية مع إسرائيل، حيث عبر ناريندرا مودي عن “وقوف الشعب الهندي بحزم إلى جانب إسرائيل”. وفي الوقت نفسه، نجد رئيس الوزراء الهندي يعزي الرئيس الفلسطيني ويرسل مساعداتٍ إلى الفلسطينيين.

ويمكننا تفسير هذا الموقف بسياسة الهند المتبعة فيما يخص الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بوجه عام، وليست فقط التطورات الجارية منذ 7 أكتوبر. حيث إنه على الرغم من ارتباط نيودلهي بمصالح متنوعة واسعة النطاق مع إسرائيل، من بينها استيراد الهند لأسلحة متطورة من هناك، إلا أن نيودلهي تحاول الحفاظ على اتزان ولو بسيط فيما يخص سياساتها الخارجية إزاء القضية الفلسطينية. ونقصد هنا على وجه التحديد منذ تولي ناريندرا مودي الحكم في الهند عام 2014؛ حيث إن العلاقات الهندية الإسرائيلية قد تطورت بشكل أكبر وأعمق خلال هذه السنوات الأخيرة.

حيث لا ترغب الهند أيضًا في الإضرار بمصالحها الاقتصادية في المنطقة حال الانحياز التام لإسرائيل على حساب الأطراف العربية، وهو ما جعل مودي يسارع من ضبط بوصلة سياسته حينما تحدث مع الرئيس الفلسطيني وأبلغه تعازيه إليه وأرسل مساعدات للقطاع.

وهنا، يمكن وصف ذلك بسياسة “توازن المصالح” والفصل بين المواقف السياسية التي لا تخص الهند بشكل مباشر، من حيث أصل القضية الفلسطينية، والمصالح البراجماتية للدولة. فالهند تقيم علاقاتها على أساس المصالح وليس المواقف. هذا وإن كانت تصريحات رئيس الوزراء الهندي الأخيرة لم تُقرأ في البلاد العربية على أنها “متعادلة”. 

وعلى أي حال، فإن الهند غير مستعدة بشكل واضح للمخاطرة بمصالحها الهائلة مع إسرائيل مقابل دعم الموقف الفلسطيني. وإن كانت نيودلهي بشكل كلي لا تحاول استفزاز الفلسطينيين والدول والشعوب المؤيدة لهم. 

ختامًا، يمكننا القول إن توجهات حكومة ناريندرا مودي إزاء الأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية في الوقت الراهن تميل إلى ما نستطيع وصفه بـ “حياد قد يزعج أحد الطرفين”، أو أنها تسعى إلى الحفاظ على مصالحها القومية من دون التضحية بالأخلاق والمبادئ الإنسانية في ظل اعترافها بحدة الأوضاع في قطاع غزة وتقديمها المساعدات الإنسانية. 

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى