التأمين والتنمية.. الحدود الشرقية المصرية والتحديات المتزايدة
شكلت الحدود الشرقية لمصر دومًا مسارًا تاريخيًا لمحاولات غزو الأراضي المصرية في مختلف العصور، لذا فاقت أهمية هذه الحدود على المستوى الاستراتيجي الاتجاهات الرئيسة الأخرى للدولة المصرية، سواء جنوبًا أو غربًا أو شمالًا. الجانب النوعي في طبيعة هذه الحدود لا يكمن فقط في أنها كانت مسرحًا لجولات عديدة من المواجهات العسكرية التقليدية، كان آخرها حرب أكتوبر عام 1973، التي كان من أبرز نتائجها انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل إلى خط الحدود الدولية بين مصر وفلسطين المحتلة، بل يكمن أيضًا في أنها مثلت -حتى وقت قريب- مسارات للتهريب، استخدمتها التنظيمات التكفيرية لمحاولة فرض أمر واقع في مدن شمال سيناء.
وجود العناصر التكفيرية في نطاق الحدود بين قطاع غزة ومصر ووجود ارتباطات وثيقة لهم ببعض الأطراف ذات نفس التوجه داخل القطاع كان بمثابة التحدي الأمني الأكبر الذي واجه الدولة المصرية منذ بداية الألفية الحالية، وهو ما ظهرت نتائجه خلال السنوات السابقة لثورة 25 يناير، عبر عدة عمليات إرهابية شهدتها مدن سيناء، مثل تفجيرات طابا عام 2004، وهو تحدٍ اُضيف له في يونيو عام 2007 تحدٍ آخر يتمثل بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وما تبعها من عملية اقتحام آلاف الفلسطينيين للحدود المصرية في يناير 2008، وهو ما مثل في مجمله تهديدًا للأمن القومي المصري من جهة، ومن جهة أخرى كان بمثابة طرح جديد لاحتمالية “توطين” الفلسطينيين في دول أخرى، وهو ما يعني بالضرورة إلغاء أحد أهم الثوابت العربية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ألا وهو “حق العودة”.
التحدي الأمني والميداني المستجد في حدود مصر الشرقية
اتخذ هذا التحدي شكلًا أكثر خطورة في يناير 2011، حين اتضح أن مجموعة من الأطراف الداخلية والخارجية تتقدمها جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمات تكفيرية عاملة في فلسطين أو لها وجود في شمال سيناء قد شرعت في تنفيذ ما يعرف بـ “خطة اقتحام الحدود الشرقية”، والذي تضمن تنفيذ عدد من العمليات التخريبية انطلاقًا من الحدود المصرية مع قطاع غزة، حيث دخلت أعداد من المسلحين تقدر بأكثر من 800 فرد إلى الأراضي المصرية في شكل مجموعات تستقل سيارات دفع رباعي.
انقسمت هذه المجموعات إلى مجموعتين: المجموعة الأولى اتجهت إلى الطريق الأوسط بسيناء بهدف الانتقال إلى محافظة الإسماعيلية ثم القاهرة لتنفيذ عمليات اقتحام السجون، في حين قامت المجموعة الثانية بالهجوم على جميع الأكمنة الأمنية المصرية، بداية من رفح وحتى العريش، وضربت كافة تجمعات الأمن المركزي في رفح وقسم شرطة الشيخ زويد، فضلًا عن مهاجمة معسكر الأحراش الذي تعرض لهجوم متواصل كونه آخر موقع أمني مصري يرفع العلم المصري في رفح، بالإضافة إلى تفجير محطة ضخ الغاز وخط الغاز المتجه إلى الأردن، ومهاجمة كافة المرافق الأمنية والحكومية في نطاق شمالي سيناء.
كان التفكير المصري في البداية منصبًا على حل معضلة أنفاق التهريب الموجودة على حدودها الشرقية، وهي المعضلة التي تفاقمت بشكل أكبر في خضم الفوضى الأمنية التي شهدتها سيناء بعد 25 يناير 2011، مع ظهور تنظيمات “السلفية الجهادية” في سيناء واتصالها مع نظيراتها على الجانب الفلسطيني.
إجمالًا يمكن القول إن هناك ثلاثة عوامل أساسية دفعت مصر إلى التفكير بمنظور مختلف مع معضلة الحدود وهي، أولًا: أنه كان هناك مشروع استراتيجي في مصر بعد 30 يونيو يقوم على إعادة الاعتبار لـ “الدولة” التي تعرضت لهزة عنيفة ولا يمكن ترك الحدود على النحو الذي يشكل أحد روافد هذه التهديدات. وثانيًا: أن التهديد الذي تحملت الدولة أعباءه من قبل لاعتبارات تتعلق بمواقفها المبدئية من القضية الفلسطينية بحاجة إلى إعادة النظر فيه، لاسيما العبء الأمني. وثالثًا: وربما هو الأهم تحول التهديد إلى خطر في ظل مشاهد غير تقليدية في الإقليم عندما اجتاح تنظيم داعش الإرهابي الحدود السورية –العراقية؛ إذ لا يمكن القبول بتكرار هذا المشهد في مصر حتى وإن بدا بصورة مختلفة. ورابعًا: أن تداعيات الإشكالية المزمنة في الحدود الشرقية بدأت تتحول إلى منظومة من التهديدات في ظل انهيار الأوضاع في ليبيا وتنامي عمليات التهريب (الأسلحة –العناصر الإرهابية) إلى جريمة منظمة مع وصول تنظيم داعش إلى ليبيا.
خطورة ما حدث عام 2011 في شمال سيناء والتداعيات الأمنية الكبيرة التي شهدتها مصر خلال السنوات التالية نتيجة لها دفعت القاهرة إلى التفكير في خطة لتنفيذ “منطقة عازلة”، في نطاق شرقي مدينة رفح بشمال شرق سيناء؛ بهدف إنهاء خطر “أنفاق التهريب” الذي تفاقم بشكل كبير خلال مرحلة ما قبل عام 2011، وكان وسيلة أساسية في تنفيذ عملية اقتحام الحدود المصرية. المحرك الأساسي الذي دفع مصر إلى تفعيل هذه الخطة كان الهجوم الإرهابي المزدوج المعروف إعلاميًا باسم “هجوم كرم القواديس”، الذي شنته جماعة أنصار بيت المقدس الموالية لتنظيم داعش في أكتوبر 2014، على تمركزات أمنية وعسكرية مصرية في مدينتي الشيخ زويد والعريش.
لذا كان التعامل مع ملف المنطقة الحدودية الشرقية أساسيًا في إيجاد حل جذري للأنشطة الإرهابية الموجودة في نطاق شمال سيناء، وقد أوجدت الدولة المصرية لهذا الملف حلًا جذريًا يرتبط بإخلاء الشريط الحدودي بشكل منظم من أي وجود سكني يمكن أن يستغل لحفر أنفاق جديدة، وكان الحرص هنا أن تكون هذه المنطقة هي منطقة “تأمين” لا تسمح بإعادة إنتاج التهديدات التي كانت قائمة مرة أخرى، فلم يتم إخلاء النطاق الإداري لمدينة رفح الحدودية، بل أعيد بناء مدينة رفح الجديدة داخل نفس النطاق الإداري على بعد بضعة كيلومترات من الحدود.
وقد تضمنت هذه الخطة عددًا من الأبعاد منها، الإعلان بشكل واضح وعلني عن الدوافع والأسباب الداعية لاتخاذ هذه الخطوة، لاعتبارات تتعلق بعملية مكافحة الإرهاب وأنشطة التهريب والفوضى والعشوائية الشاملة، وصعوبة إعادة تأهيل المنطقة وفق وضعها الذي كانت عليه. وكذا تم الإعلان عن ضوابط عملية الإخلاء والدور الذي ستقدمه سلطات الإدارة المحلية في هذا الصدد للسكان، والقيام بعمليات حصر المباني والسكان الذين سيتم إجلاؤهم من المنطقة.
كانت عملية إغلاق الأنفاق تقتضي تدمير ما يقارب 4 آلاف منزل لهدم شبكات الأنفاق، وفى ظل حالة العشوائية التي سيطرت على عملية بناء هذه المنازل كان من الصعوبة بمكان أن تعيد الدولة بناء هذه المنازل على وضعها السابق من العشوائية والفوضى، وكان الأصعب أن تمدد عمليات التطوير لتشمل البنية التحتية المتطورة من شبكات المياه والصرف وشبكات الكهرباء والمدارس والمستشفيات والملاعب الرياضية والنوادي الاجتماعية، وبالتالي تطلب الأمر عملية تخطيط نموذجي جديد بالكامل، يراعي أبعاد التنمية الشاملة ويوفر حياة كريمة للمواطنين.
وبشكل منظم، وُضعت ضوابط أيضًا لعملية التعويض لمن يتم نقلهم وتخييرهم بين العودة إلى المدينة الجديدة أو البقاء في مناطق أخرى، ووضعت طرق عديدة لإثبات ذلك عبر ممثلين للمجتمع المدني السيناوي وسلطات الإدارة المحلية تشمل جميع قاطني رفح القديمة من ملاك تلك المنازل.
هذه الاستراتيجية أدت إلى نجاح الدولة المصرية في تنفيذ خطة تدريجية لإخلاء شريط يبلغ عمقه 5 كيلو مترات، وطوله نحو 14 كيلو مترًا شرقي مدينة رفح، مع تعويض كافة سكان المباني التي تم إخلاؤها في هذا النطاق، وقد أنهت السلطات المصرية عمليات إخلاء هذا النطاق عام 2018، بالتزامن مع قيام السلطات الفلسطينية في قطاع غزة بإنشاء منطقة عازلة في الجهة المقابلة للحدود بعمق 200 متر.
الحل الناجع لملف المنطقة الحدودية أسهم بشكل أساسي في إيجاد حيزًا كافيًا للقوات العسكرية والأمنية كي تبدأ منذ عام 2014 في سلسلة من العمليات العسكرية الرامية لتطهير شمالي سيناء من أية أنشطة إرهابية، بداية من عملية ” حق الشهيد”، التي نفذتها القوات المسلحة في سبتمبر 2015، للقضاء على العناصر الإرهابية في مجموعة مناطق بمحافظة شمال سيناء، واستمرت حتى عام 2017، مرورًا بالعملية الشاملة “سيناء 2018″، التي تمت على عدة مراحل انطلاقًا من المقاربة المصرية الشاملة لمكافحة الإرهاب على كافة المحاور والمستويات، وسجلت خلالها منظومة الأمن المصري من القوات المسلحة والشرطة المصرية نجاحات أمنية يومية ضد الإرهاب، مكنتها من الإنهاء التام لكافة التهديدات الإرهابية في شمال سيناء، والتفعيل الكامل لخطط التنمية والتعمير في كامل سيناء.
وقد حرصت مصر على زيادة وتكثيف الوجود الأمني والعسكري في سيناء بشكل أكبر مما كان في السابق، لتفادي أي محاولات لإعادة إحياء الأنشطة الإرهابية، لذا أعلنت رسميًا في نوفمبر 2021 عن تعديل بنود الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل لتعزيز الوجود المصري في المنطقة الحدودية برفح، عبر زيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح، وهو ما يعنى بشكل أو بآخر تفكيك الملحق العسكري لاتفاقية السلام بين مصر واسرائيل، والإقرار بالواقع الذي فرضته مصر في سيناء، بعد أن تم في عهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مضاعفة القوات المسموح بها في المنطقة (أ) و(ب)، ووصلت القوات المسلحة المصرية بعتادها الثقيل لأول مرة للمنطقة (ج) المحاذية للحدود مع فلسطين المحتلة، وهي المنطقة التي من المفترض أن توجد بها شرطة مدنية بأسلحة خفيفة”.
الجانب التنموي… محور مهم في حماية الحدود الشرقية المصرية
المحور الثاني في المقاربة المصرية لأمن حدودها الشمالية كان التنمية؛ فبانتهاء الخطر الإرهابي في شمالي سيناء، باتت التنمية والإعمار هما خط الدفاع الأول عن هذه المنطقة، عبر تطبيق خطة تنموية موسعة تعالج مواطن القصور التنموي الذي تجذر في معظم مناطق سيناء، بحيث يسير هذا الجهد جنبًا إلى جنب مع جهود مكافحة الإرهاب وبسط الأمن في كافة مناطق سيناء، وهو ما تم بالفعل على مدى السنوات العشر الماضية، لتشهد المنطقة عبورًا جديدًا على غرار عبور 1973 المجيد، لكنه هذه المرة هو عبور تنموي اختارت فيه الدولة الخيار الأصعب بالتحرك بالتوازي في التخلص من الإرهاب وإطلاق شرايين التنمية بمختلف قطاعاتها بكافة أجزاء سيناء.
وقد كانت نقطة انطلاق الخطة الشاملة لتنمية سيناء عبر القرار الجمهوري رقم 107، الصادر في 25 فبراير 2018، الذي رصد موازنة تاريخية تقدر بـ 600 مليار جنيه، لتنفيذ 994 مشروعًا تنمويًا في سيناء، تم إنجاز القدر الأكبر منها على أرض الواقع، وأغلبها يعد مشروعات قومية لاسيما ما يتعلق منها بمشروعات البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية والخدمية التي تشمل الصحة والتعليم في المقام الأول، بالإضافة إلى المشروعات الاقتصادية. وقد راعت هذه المشروعات الأبعاد الاجتماعية في التوازن بين خصوصية المكون السيناوي، وفى إطار التركيبة الوطنية بشكل عام؛ بحيث تصبح سيناء قابلة لاستيعاب جميع المصريين، بعد أن كانت طاردة حتى لأبنائها.
المحاور الرئيسية لهذه الخطة، تتعلق بتحسين الربط البري والبحري والجوي بين سيناء والعمق المصري، وتحسين الخدمات الأساسية والبنية التحتية في مدن سيناء المختلفة، وتطوير القطاعات الاقتصادية واستغلال الموارد الموجودة في سيناء، بما في ذلك المقومات السياحية، بجانب التوسع في تأسيس المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة؛ لتوسيع رقعة الوجود السكاني في سيناء.
وقد انتهت مصر من حفر سلسلة أنفاق قناة السويس أو التي تُعرف أيضًا بأنفاق سيناء الجديدة والبالغ عددها خمس أنفاق على مرحلتين، بلغت تكلفتها الإجمالية نحو 35 مليار جنيه. علاوة على ذلك، تم إنشاء سبع كباري عائمة للعبور أعلى الممر الملاحي للقناة، بتكلفة 990 مليون جنيه، وزيادة حجم الطرق التي تربط أراضي سيناء بعضها البعض وتربطها مع كافة أنحاء الجمهورية.
لم تقتصر محاور التنمية وربط سيناء على الربط الداخلي فقط، إنما شملت أيضًا الربط الدولي لسيناء لتسهيل حركة التجارة الدولية، وتعزيز سلاسل الإمداد والتوريد من وإلى مصر، وذلك من خلال ازدواج الممر الملاحي لقناة السويس الذي أسهم في زيادة إيرادات القناة. هذا بخلاف تنمية 5 موانئ بحرية وجافة (شرق بورسعيد البحري، العريش البحري، نويبع البحري، القنطرة شرق البري، طابا البري) بتكلفة 44 مليار جنيه، وتطوير وبناء 6 مطارات، بتكلفة 11 مليار جنيه، أخرها كان مطار سانت كاترين الذي تتكلف عمليات تطويره نحو 3.1 مليار جنيه.
بالتوازي تم تطوير البنية التحتية والخدمات الأساسية في سيناء، بما يخدم الجوانب التنموية والمعيشية في آن، ويأتي على رأس هذه المشروعات تلك المتعلقة بتأمين مياه الشرب النقية لأهالي سيناء، حيث شهد قطاع مياه الشرب في شبه الجزيرة خلال الأعوام الماضية إنشاء مشروعات ضخمة، على رأسها محطتين للمياه النظيفة في مدينة رفح، بإجمالي 11 ألف متر مكعب، ومشروع سحارة سرابيوم لنقل مياه نهر النيل من اسفل قناة السويس إلى أراضي سيناء، كما تم الوصول بنسبة تغطية مياه الشرب في شبه الجزيرة إلى 97.5% في الوقت الحالي، بدلا من 84.6% عام 2014.
وقد ساهم في هذا الإنجاز عمليات إنشاء محطات التحلية المختلفة، التي بلغ عددها نحو 39 محطة تحلية، بواقع 24 محطة تحلية لمياه البحر، و15 محطة تحلية لمياه الآبار. هذا إلى جانب مشروعات الحماية من السيول بتكلفة 1.7 مليار جنيه، لإنشاء 452 منشأة للحفاظ على مياه الأمطار والسيول من الهدر.
ساهم التوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر والآبار، ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي في سيناء، وعلى رأسها محطة “بحر البقر”، وكذلك إنشاء سحارة سرابيوم، في دعم القطاع الزراعي بشكل كبير، حيث تم تنفيذ عدة مشروعات الاستصلاح الزراعي، تستهدف استصلاح أكثر من 670 ألف فدان من أراضي شبه جزيرة سيناء، مقارنة بنحو 224 ألف فدان فقط كانت مزروعة في كامل شبه الجزيرة قبل عام 2014.
إجمالًا، تم إنشاء سبعة عشر تجمع تنموي متكامل جديد لأهالي سيناء، منها عشرة تجمعات في شمال سيناء، وسبعة جنوبها، 10 بشمال سيناء، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 5.7 مليارات جنيه، تضاف إلى مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تم إنشاؤها في سيناء، بإجمالي 12 ألف وحدة سكنية، بلغت تكلفتها ملياري جنيه تقريبًا، ضمن 52 ألف وحدة سكنية بـ 4 مدن عمرانية جديدة كـ (مدينة رفح الجديدة، ومدينة الإسماعيلية الجديدة، مدينة بئر العبد، ومدينة سلام شرق بورسعيد) مقامة على 28 ألف فدان لتستوعب 1.3 مليون نسمة. ذلك بالإضافة إلى إنشاء 2794 منزلًا بدويًا في عدة مناطق بشمال سيناء، وتطوير المناطق غير الآمنة بجنوب سيناء، عبر تأسيس تجمعات تنموية مزودة بالخدمات المتكاملة.
وبطبيعة الحال كانت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، من أهم الروافد التي توفر التنمية الاستثمارية والصناعية لشبه جزيرة سيناء، حيث تمتد هذه المنطقة داخل 5 محافظات (بورسعيد – الإسماعيلية – السويس – شمال سيناء – جنوب سيناء)، وتشمل 6 موانئ بحرية (ميناء شرق بورسعيد، ميناء غرب بورسعيد، ميناء العريش، ميناء العين السخنة، ميناء الطور، ميناء الأدبية)، كما تضم 4 مناطق صناعية (منطقة شرق بورسعيد – منطقة شرق الإسماعيلية – منطقة القنطرة غرب – منطقة العين السخنة)، وقد وصل إجمالي حجم الاستثمارات داخل هذه المنطقة لنحو 18 مليار دولار، وفرت 80 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وقد بدأت العديد من المصانع الموجودة في المناطق الصناعية السالف ذكرها، بالعمل والإنتاج؛ سواء بغرض خدمة السوق المحلي أو التصدير.
خلاصة القول، إن النطاق الشمالي الشرقي في الحدود المصرية كان دومًا مسرحًا لأحداث وتحديات أمنية مهمة، وربما تفرض الظروف الحالية في فلسطين المحتلة مزيدًا من التحديات في هذا الصدد، لكن الأكيد أن تأمين مصر الكامل لنطاق الحدود في هذا الاتجاه، لا يمكنها فقط من التعامل بشكل فعال مع هذه التحديات، بل أيضًا يسمح لها بلعب دور ايجابي حيال هذا التصعيد الخطير، سواء عبر جهود الوساطة أو عبر دعم الأشقاء في غزة إغاثيًا، ولعل أبرز مثال على ذلك إعلان الهلال الأحمر المصري، حالة الطوارئ على مدار اليوم، استعدادًا لاستقبال الجرحى الفلسطينيين جراء الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، في حين بدأت قوافل المساعدات الطبية المصرية، في التدفق على القطاع عبر معبر رفح، في انتظار نجاح الجهود المصرية كما حدث في مناسبات عدة سابقة، في إيقاف القتال، وإنهاء حالة التصعيد الحالية على حدودها الشرقية.