لماذا استهدف حزب العمال الكردستاني أنقرة؟
شهدت العاصمة التركية أنقرة يوم 1 أكتوبر انفجارين نفذهما مسلحان ألقت الشرطة التركية القبض على أحدهما فيما فجر الآخر نفسه، ليعلن حزب العمال الكردستاني بعد ذلك عن تبنيه للعملية. وقد ارتبطت أهمية هذا العمل الإرهابي النوعي باعتبارات مكانية وزمانية؛ فعلى مستوى المكان وقع الهجوم أمام بوابة مدخل المديرية العامة للأمن بوزارة الداخلية وبالقرب من البرلمان التركي، وعلى مستوى الزمان فقد ارتبط الحادث ببعض السياقات المهمة كعودة البرلمان التركي للانعقاد لمناقشة بعض الملفات المهمة، فضلًا عن قرب الاحتفال ببعض الأعياد الدينية واحتفالات نهاية العام، وهي اعتبارات زادت من أهمية الوقوف على أبعاد هذا الحادث، وما يحمله من دلالات على مستوى المواجهة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا.
حيثيات العملية
أعلنت وزارة الداخلية التركية أن مسلحين نفذا هجومًا بالقنابل أمام مدخل مديرية الأمن التابعة للوزارة في العاصمة أنقرة، وسُمع دوي انفجار وإطلاق رصاص، قرب مقر البرلمان التركي، ومبنى وزارة الداخلية التركية بمنطقة قزلاي وسط العاصمة، وهو ما وصفته لاحقًا وزارة الداخلية بالهجوم الإرهابي الذي أدى إلى إصابة ضابطي شرطة بجروح طفيفة، فيما لم ترد أي معلومات عن إصابة مدنيين جراء الحادث.
وأضافت الداخلية التركية في بيانها: “وصل إرهابيان في سيارة حوالي الساعة 9.30 صباحا (6:30 بتوقيت غرينتش) أمام بوابة مدخل المديرية العامة للأمن بوزارة الداخلية ونفذا هجومًا بالقنابل”، فيما لم تحدد السلطات أو تتهم حتى الآن أي جهة أو مجموعات مسلحة بالمسؤولية عن هذا الهجوم، وأُغلق شارع أتاتورك أمام حركة المرور بسبب صوت الانفجار الذي سُمع في نقطة قريبة أيضًا من بوابة جنقايا للبرلمان التركي. ووصلت إلى المنطقة، قوات الشرطة الخاصة وفرق الإطفاء وكوادر صحية، حسبما نقلت وكالة الأناضول.
وبدوره، أفاد مركز شرطة أنقرة على موقع “إكس” بأنه ينفّذ عمليات “تفجير مضبوطة” لـ”طرود مشبوهة” خوفًا من هجمات أخرى، ودعا السكان إلى عدم الذعر. ومن جهته، أعلن مكتب المدعي العام في أنقرة عن فتح تحقيق وفرض حظر على الوصول إلى منطقة الهجوم. وطلب من جميع وسائل الإعلام المحلية، والقنوات التلفزيونية على وجه الخصوص، التوقف فورًا عن بث الصور من مكان الهجوم، وهو ما تم تنفيذه على الفور.
ومن جهته، علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الحادث الإرهابي على هامش افتتاحه الدورة الجديدة للبرلمان التركي، قائلًا إن “التنظيمات الإرهابية لن تمنع تركيا من مسيرتها وتحقيق أهدافها”، وأن “الإرهابيين الذين نفذا الهجوم حاولا النيل من أمن تركيا وانتهاك أمن مواطنيها، لكنهم فشلوا في ذلك” وفق تعبيره، مؤكداً عزم تركيا “استمرار مكافحتها للإرهاب في الداخل والخارج” وفق تعبيره.
وبعد ساعات من الحادث الإرهابي، أعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف المديرية العامة للأمن في وزارة الداخلية التركية، وقال الحزب -الذي تصنفه تركيا ودول غربية “إرهابيًا”- لوكالة “إيه إن إف” القريبة من الحركة الكردية إن “عملًا فدائيًا نُفذ ضد وزارة الداخلية التركية من جانب فريق تابع للواء الخالدين” وفق تعبير الحزب.
ويعد هذا الهجوم هو الأول من نوعه في العاصمة أنقرة منذ سنوات، بعد قرابة عام من مقتل 6 وإصابة 81 في تفجير بشارع تجاري مكتظ بوسط إسطنبول في 13 نوفمبر 2022، واتهمت تركيا مسلحين أكرادًا بالمسؤولية عن تفجير إسطنبول في العام الماضي والذي أعاد إلى أذهان الأتراك ذكريات موجة الهجمات التي نفذتها جماعات مسلحة في مدن تركية بين منتصف 2015 وأوائل 2017.
دلالات مهمة
حملت العملية الإرهابية في أنقرة دلالات مهمة مرتبطة بتوجه حزب العمال الكردستاني نحو التصعيد ضد أنقرة في الفترات المقبلة وذلك في ضوء وجود استحقاقات مهمة، وكذلك وجود حالة من الهشاشة الأمنية في الداخل التركي، بناءً على الموقع الاستراتيجي المهم الذي تمت فيه العملية، فضلًا عن أن تنفيذ العملية في أنقرة على وجه التحديد له دلالات مهمة مرتبطة بمحاولة الحزب الكردي التأكيد على إمكانية اختراق العمق التركي، وإعادة تنفيذ عمليات في المدينة التي شهدت هدوءًا نسبيًا على مستوى العمليات الإرهابية لسنوات.
ويعكس النمط الذي تم تنفيذ عملية أنقرة به أن هذا الهجوم يأتي كاستمرار لسلسلة من الهجمات الإرهابية التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة من قبل حزب العمال الكردستاني، والتي استهدفت بعض المؤسسات والشخصيات الأمنية والعسكرية التركية، خصوصًا في أعوام 2015 و2016 و2017، وهي الأعوام التي شهدت العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت الشرطة والجيش التركيين، في مدن إزمير، وقيصري، وإسطنبول والعديد من المدن الأخرى، وكان المسؤول عن 95% من هذه العمليات هو حزب العمال الكردستاني.
سر التوقيت والمكان
ارتبطت أهمية العملية الإرهابية الأخيرة لحزب العمال الكردستاني ببعض الاعتبارات الرئيسة، ومنها أنها جاءت بالتزامن مع عودة البرلمان التركي إلى الانعقاد في دورته الجديدة، وهي الدورة التي افتتحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فضلًا عن أنها جاءت في سياق زمني تنظر إليه بعض الدوائر الأمنية على أنه سياق محفز لنشاط التنظيمات الإرهابية في بعض المناطق، في إشارة إلى فترة نهاية العام وبداية عام جديد، وهي الفترة التي تشهد زخمًا على مستوى الأعياد والمناسبات الدينية، ويجد المتابع للنشاط الإرهابي في القارة الأوروبية على سبيل المثال أن العشرات من العمليات الإرهابية تمت في هذه الفترة.
أيضاً فقد تمت العملية في عمق الدولة التركية وبالتحديد في العاصمة أنقرة أمام مقر وزارة الداخلية، وعلى بعد أمتار من مقر البرلمان التركي، والعديد من الارتكازات الأمنية والعسكرية، بمعنى أن حزب العمال الكردستاني حرص على تنفيذ العملية في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، بما يوصل رسائل بقدرته على استهداف العمق التركي.
كذلك فإن تنفيذ العملية في ظل سياق يغلب عليه تبني تركيا تصعيد متعدد الأوجه تجاه حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق، فضلًا عن ضغطها على العراق من أجل تصنيف الحزب كتنظيم إرهابي، يشي بأن هذه العملية تأتي كرد على هذا التصعيد التركي، وكمحاولة للضغط على تركيا.
وفي الختام، يمكن القول إن العملية الإرهابية التي شهدتها مدينة أنقرة، تحمل دلالات مهمة مرتبطة بسعي بعض الأطراف المسلحة إلى بعث رسائل لتركيا مفادها أنها قادرة على اختراق العمق التركي، خصوصًا أن الفترة الراهنة وما تحمله من استحقاقات وحيثيات ستُكسب أي تحركات إرهابية ثقلًا نوعيًا.