كتب عربية ودولية

التناول السنيمائي الأمريكي للعالم الإسلامي دراسة نقدية لصورة العالم الإسلامي في السنيما الامريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر. كيرم بيركتاروغلو، 10 أغسطس، 2018.

عرض: هالة فوده

مما لا شك فيه أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كان لها أبلغ الأثر في تغير ملامح العالم والتي أثرت على السياقات السياسية والاجتماعية في العالم كله وفي جميع المجالات وأهما في المجالات الثقافية والفنية. ولان السنيما تُعتبر نبض الشعوب فيظهر أثرها في انها تعكس حجم التغيير في المجتمع، فقد لاحظ النقاد ازدياد عدد الأفلام التي تُناقش العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، فقد ظلت السينما العالمية لسنوات طويلة قبل هذا التاريخ تُقدم شخصية العربي “يتم تناول المسلم بوصفه العربي” في صورة مبالغة غالبا، فكان يُقدم كمصدر الشر المفرط والإرهاب، أو أن يظهر أكثر ثراءً وترفًا ويبحث دائمًا عن ملذاته مع النساء الشقراوات، أو أن تنال من قيمة المرأة العربية، إلا أن هناك عددًا قليلًا من الأفلام التي حاولت تناول شخصية المسلم “بوصفه العربي” بشكل موضوعي واضعة في الاعتبار الثقافة العربية والحضارة الإسلامية.

وجديراً بالملاحظة أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد اثرت على تناول هذه الظاهرة إلى حد توقف ظهور شخصية المسلم “بوصفه العربي” والسخرية منها طوال ثلاث سنوات بعد 11 سبتمبر. فبعد انتظار الثلاث أعوام في ترقب المشهد، قراءة وتحليلا ورصدا، حتى بدأ طوفان الأفلام الهوليودية متجاوزا عشرة أفلام تتحدث عن قضايا اسلامية، أو تحلل شخصية المسلم، وتبحث في حياته وأفكاره، لعلها تكتشف أسرار 11 سبتمبر.

دراسة نقدية من المنظور الثقافي

يقدم كيرم بيركتاروغلو (Kerem Bayraktaroglu) وهو من أصول تركية ويعمل كمحرر قصص فيNew Line Cinema/Fine Line Features, London، دراسة نقدية غنية وشاملة، من حيث تناوله عددًا من الأفلام والتي تتمحور حول صورة العالم الإسلامي وكيفية تناوله في السنيما الامريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

يتناول كيرم انعكاس صورة المسلم في السينما الأمريكية بوصفه “الآخر” المختلف جوهريًا، ويتم تسليط الضوء على الحقبة ما بين (2001-2011) بشكل منفصل لتقديم رؤية نقدية، لا للثناء أو للدحض بل للسعي إلى تقديم مساهمة عادلة في الجهود المبذولة لتقديم مزيد من المعرفة والفهم لمختلف الثقافات. أيضا يجيب عن تساؤل ما هي الخصائص النمطية للهويات الإسلامية وعوالمهم التي تحولت في السينما الأمريكية والتي تأثرت بعوامل أخرى غير السياسة. وذلك من خلال عقد مقارنة بين محتوى الأفلام التي تعرض انماطاً مختلفة من صورة الإسلام والمسلمين لما قبل وما بعد 11 سبتمبر، أيضاً خلال عرض الفصول، يظهر لنا أنماطاً مختلفة من المسلمين من حيث النوع رجالا ونساءً والخلفيات الثقافية والعمر، ومميزات المناظر الطبيعية كما هو معروض في السينما الامريكية، أيضاً يتم التركيز على العلاقة بين الذكر الشرقي المسلم والمرأة الامريكية.

الهدف من الدراسة

من منظور الدراسات الثقافية، يعد الفيلم كيانًا نصيًا خاضعًا للتحليل والتفسير، لمعرفة كيفية تكوين، وتشكيل، ونشر المعاني والمفاهيم. ويكمن هدف الدراسة، في معرفة وفَهم “العالم الإسلامي وسكانه”، وفَهم الصورة التي تصدرها السنيما الامريكية للجمهور على انها صورة العالم الإسلامي، وتشكيل وعيهم نحو المسلم “الآخر” المختلف والذي أصبح من الضروري الالمام بشخصيته الواقعية بعد الفترة العصيبة التي مرّ بها المجتمع الأمريكي انطلاقا من مبدأ تعريف الآخر جزءاً لا يتجزأ من تعريف الأنا.

 ويرى كيرم أن إضفاء الشرعية على هذا النوع من المقارنات “الأنا والآخر” يجب ألا يمنح جهاز السينما حق الإساءة في تمثيل “الواقع” الذي لا يمكن بلوغه مطلقًا.

وينقد الكاتب الصورة النمطية للمسلم التي تقدمها السنيما الامريكية بل واستغلالها لأحداث الحادي عشر من سبتمبر في تسويق هذه الصورة النمطية بشكل أكبر والتي تعتمد على تقديم المسلم بوصفه “الآخر” والذي يمثل خطرا وتهديداً للمجتمع الأمريكي، ويرى كيرم ان هذا يعتبر تزييفاً للواقع الحقيقي وتلاعب بعقول المواطنين وظلماَ للمسلم.

ويمكن القول أن Kerem Bayraktaroglu يشكك في صحة “الاستياء” من أحداث ما بعد 11 سبتمبر، وخاصة بين عامي 2001 و 2011؛ العصر الذي تم تأريخه باعتباره “المرحلة الأولى” من “تعبير ما بعد الصدمة”، ويشير هذا إلى وجود عدد من المراحل اللاحقة للصدمات التي تضاف إلى العداوة القائمة بالفعل والداخلية والتي تم تغذيتها بدورها دائمًا من خلال” القوالب النمطية للمستشرقين خلال العقود الطويلة الماضية”، وبالتالي، فإن أي رد فعل من جانب “السينما الوطنية” في الولايات المتحدة لا يمكن أن يفلت من تبني بعض او كل هذه “الصور المسلّمة” التي تم تخفيضها بشكل منهجي”  والمتاحة في صورة قوالب نمطية “أنتجها أكاديميون مستشرقون”.

 الشخصية الإسلامية في السينما الامريكية

من خلال الفصلين الأول والثاني، تم إجراء محاولة لتوضيح الصورة المرئية للعالم الإسلامي سواء من الناحية المكانية أو السكانية ككيانين يتم أقلمتهما “ادراجهم ضمن نطاق إقليمي محدد” في كثير من الأحيان، مما لا يسمح بإمكانية تعاطف المشاهدين مع الشخصيات، هذا الأمر الذي لا جدال فيه عندما تكون الشخصية غير مسلمة.
ويشير كيرم الى ان العنصر البصري لـ “التشويه”، في هذا السياق، له تأثير قوي، خاصةً عندما يتم دعمه “من خلال استخدام مفردات محددة كـ “العربي” أو “المسلم”، إما مصوَّر الشخصية الإسلامية بوحشية شديدة أو طيبة رعوية ” مصطلح ناشئ من مهنة رعي الماشية والتي تشتهر بها شبة الجزيرة العربية”، وربما يتم إعادة إنتاج نفس اللوحات الأدبية النمطية الخطابية التي تم الاحتفال بها منذ زمن بعيد في قلب الظلام لجوزيف كونراد. ويلاحظ كيرم ان السينما الامريكية ما بعد 11 سبتمبر، في أول “تعبير لها بعد الصدمة”، تُوَلّد بصريًا نفس الظلام المكاني؛ الظلام الفوضوي الذي اعتاد أن يكون متعصبًا ومتشدداً قبل ظهور الانماط البصرية المختلفة بعد أحداث سبتمبر.

التحولات في الشخصية الاسلامية

أشار كيرم في الفصل 3 و4 و5 و6، الى إعادة توصيف العالم الإسلامي في هوليوود من خلال إعادة النظر في الصور النموذجية القديمة للشخصيات المسلمة، والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على عزو كل ما هو غير إنساني إلى الشخصية المسلمة، وبالتالي، فشخصية الذكر المسلم التي صُنفت سابقًا على أنه “الإرهابي الشرير او الشرير العربي” و “صبي الغضب الإسلامي”، المتعاطف الساذج”، “ضحية الحرب”، التاجر الفاسد “الطاغية المسلم”،تم تصويره بعد 11/9 على أنه ” “المسلم المحترم”؛ علاوة على ذلك، تمت ترقيته إلى مستوى الـ “gazer” وتعني الناظر او المحدِقْ عند بناء علاقاته مع المرأة الامريكية التي يمكن أن تقبل ذلك مع الالتزام الواضح بقواعد الاداء العادل.

ولم تكن شخصية المرأة المحجبة مستثناة من هذا التحول في المواقف، حيث انتقلت من شخصية متجسدة في “التواصل غير اللفظي والتعبير غير الموجود” إلى إنسان قادر على ان ينطق، يتصرف ويتفاعل، يحب ويكره، بل قادرة الرد بالإيجاب على سؤال غاياتري تشاكرافورتي سبيفاك الضميري “هل يمكن للمتحدث أن يتحدث؟”

وانتقلت شخصية الطفل المسلم، من الغياب التام أو في أحسن الأحوال من الوجود الصامت إلى شخصيات معبرة بالرغم من عدم وجود ملامح الحياة الطفولية داخل الأقاليم الإسلامية، أو الى الشخصيات التي تكافح من أجل “البحث عن الهوية” كما حدث مع الذين تم تصويرهم على أنهم يعيشون في الولايات المتحدة. جميع التحولات المذكورة أعلاه في تصوير خصائص المسلمين لم تستطع على أي حال، القضاء على الوجود المتكرر للقوالب النمطية السينمائية التي تدل على بعض مواقف الفصام من جانب السينما الأمريكية والتي تضع نفسها بدلاً في إدانة واستنكار نتائج “ما بعد الصدمة”.

وفي النهاية، على الرغم من أن فيلم “العالم الإسلامي ما بعد الحادي عشر من سبتمبر” الذي أصدره كيرم بيركتاروغلو شدد على استخدام الاختصار “Post” في العنوان، الا انه قد تخلل الكتاب فعلياً عبارات “ما قبل” و “ما بعد” حيث كان من المهم رصد صورة المسلم قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر حتى يُرصد مقدار التحول في النظرة بعد احداث سبتمبر، وبالتالي نستنتج ان المجتمع الأمريكي كان ممهداً لتقبل صورة المسلم الإرهابي كنتيجة طبيعية لما كان يُبث على شاشات السنيما الامريكية. وفي الواقع قدم كيرم دراسة نقدية للأكاديميين والباحثين والمخرجين السينمائيين، وفتح آفاق الدراسات المستقبلية لتغطية التحليلات التعبيرية الأخرى لما بعد الصدمة.

Kerem Bayraktaroglu, The Muslim World in Post-9/11 American Cinema: A Critical Study, 2001-2011, McFarland & Company (August 10, 2018).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى