مقالات رأي

قضية اللاجئين السودانيين.. هل دخلت النفق المظلم؟

الأخبار الواردة التي أكدت اعتزام الفريق عبد الفتاح البرهان، الذهاب إلى مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تحمل إشارات ودلالات إيجابية، حول إمكانية أن تحظى القضية السودانية بقدر أكبر من الاهتمام الدولي. وربما يمكن للدبلوماسية السودانية أن تخلق فرصًا أفضل كي تحظى بمقاربات دولية أممية أو مع أطراف دولية وإقليمية مؤثرة، يمكن أن تسهم في استجابات خاصة فيما يرتبط بأوضاع اللاجئين والنازحين. فهي قضية معقدة تبدأ من ضرورة إيقاف الاقتتال الداخلي والوصول لوقف دائم لإطلاق النار، وتمتد إلى مساحة توفير المساعدات الإنسانية وتوفير التمويل اللازم لهؤلاء السودانيون الذين باتت أعدادهم بالملايين في الداخل وفي دول الجوار.

جدول أعمال الفريق البرهان سيشمل إلقاءه لخطاب دولة السودان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما سيشارك في اجتماعات رفيعة المستوى لبحث تعزيز التعاون متعدد الأطراف، فيما يتعلق بمختلف القضايا الدولية والإقليمية المطروحة ذات الارتباط بالشأن السوداني. وقد تقرر أن يلتقي رئيس مجلس السيادة عددًا من الرؤساء من مختلف دول العالم، وممثلين عن المنظمات الدولية والإقليمية، لبحث سبل التعاون الثنائي، ودور التعاون متعدد الأطراف في إطار منظمة الأمم المتحدة لبناء مستقبل أكثر استقرارًا. ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من إعراب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ عن قلقها البالغ إزاء وضع “مليون لاجئ” أجبروا على الفرار من السودان، بسبب الصراع المستمر في العاصمة الخرطوم، وعدد من مناطق البلاد الأخرى منذ نحو 5 أشهر ولا زالت المهددات بحق هؤلاء، فضلًا عن غيرهم، مفتوحة على سقف زمني غير محدد حتى الآن على الأقل.

المفوضية بدورها تحاول ممارسة بعض من الضغوط المعنوية على المجتمع الدولي، من خلال مناشدته ببيانات رسمية أن يفي بوعوده، وأن يوفر على وجه السرعة الموارد المالية اللازمة لحماية ومساعدة الفئات الأكثر ضعفًا قبل فوات الأوان. خلال هذا الأسبوع أطلقت مفوضية شؤون اللاجئين بالتضامن مع (64 منظمة إنسانية)، نداء لحملة جمع “مليار دولار” لتوفير المساعدات الإنسانية الأساسية والحماية لأكثر من 1.8 مليون سوداني، فروا جميعهم جراء الصراع المسلح الداخلي، وقد توقعت  أن يصلوا إلى “5 بلدان” مجاورة بحلول نهاية عام 2023. سُجل حتى الآن بمعرفة مراقبين مستقلين؛ أن النقص في الموارد اللازمة لتغطية احتياجات اللاجئين بلغ حدود 80% تقريبا، وأن التدابير الوقائية اللازمة لحماية اللاجئين السودانيين الذين فروا من البلاد، لم تصل للحد الآمن بأي صورة بعد. فالمفوضية بالفعل تحاول بقدر المستطاع ومن خلال الموارد المحدودة التي لديها، أن تكرس جهودها في تقديم الدعم للسلطات المحلية في البلدان التي يصل إليها مواطنو الشعب السوداني، مع الحرص على تسجيل الوافدين الجدد، وتحديد المعرضين للخطر الشديد بما فيهم الأطفال غير المصحوبين بذويهم. وهناك جهد طبي استثنائي يقدم للأفراد الذين يعانون من حالات طبية حرجة، أو ذوي الإعاقة، والناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي فضلًا عن كبار السن. 

العبء الذي بدأت الدول المستضيفة استشعاره، أن الغالبية من اللاجئين السودانيين هم من النساء والأطفال؛ الذين غالبًا ما يتم فصلهم عن عائلاتهم خلال رحلات اللجوء لدول الجوار، والتي تظل طوال الوقت محفوفة بالمخاطر بحثًا عن الأمان. فهؤلاء يحتاجون بشكل رئيسي فضلًا عن مستلزمات الاستضافة الأساسية من مأكل ومشرب وأماكن للإيواء، خدمات الحماية المتخصصة للنساء والأطفال بما في ذلك الخدمات المنقذة للناجين من العنف القائم على النوع الاجتماعي، المرتبط بالاستغلال والاعتداء الجنسي؛ وتتبع الأسرة، وترتيبات الرعاية البديلة للأطفال غير المصحوبين بذويهم، وكذلك الدعم النفسي والاجتماعي للفئات والأسر الأكثر ضعفًا. وقد أشارت “كاسينا فيث” المسؤولة الإعلامية في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ إلى أن الدول ومجتمعات دول الجوار رحبت باللاجئين السودانيين بـ”سخاء”، لكنها في الوقت ذاته حذرت أنه بدون موارد كافية من الجهات المانحة، ستتقلص هذه الجهود بشدة خاصة وأن حجم العبء يتنامى فيما لم يشهد انحسارً أو ثباتًا للتدفق البشري حتى الآن.

التقرير الأحدث الصادر هذا الشهر من المفوضية؛ يستند إلى مجموعة تحذيرات جرى تلقيها من الفرق العاملة على الأرض، تتشارك مع منظمة الصحة العالمية في التحذير من وضع صحي متدهور وبالغ الخطورة، حيث جرى رصد وفاة أكثر من (1,200 طفل) لاجئ دون سن الخامسة، في تسعة مخيمات في الفترة ما بين 15 مايو و14 سبتمبر، بسبب مزيج مميت يشتمل على اشتباه بتفشي مرض “الحصبة” وارتفاع معدل سوء التغذية. كما تم إبلاغ الكوادر الصحية عن أكثر من (3,100 حالة) مشتبه بها في الفترة نفسها. فيما صدر تأكيد عن عودة أكثر من (500 حالة) مشتبه بها بمرض الكوليرا في أجزاء عديدة من البلاد، إلى جانب تفشي حمى الضنك والملاريا، وذلك في وقت تتزايد فيه مخاطر الأوبئة والتحديات التي تواجه مكافحتها. فالمرافق الصحية داخل السودان تتعرض لضغوط هائلة بسبب نقص الموظفين، ونفاذ الأدوية المنقذة للحياة، والمعدات الحيوية. كما أن الهجمات المسلحة المتكررة التي تتعرض لها المرافق الصحية منذ بداية النزاع، وكذلك الموظفون والمرضى ووسائل نقل الإمدادات الطبية، تعيق بشكل كبير عملية تقديم الخدمات الصحية. مما أدى إلى بلوغ الوضع إلى حالة من الركود الكامل في مجال الرعاية الصحية في البلاد. هذا على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها العيادات المحلية، وعشرات من وكالات الإغاثة التي لا زالت تواصل تقديم ما أمكنها من الخدمات الصحية التي تشتد الحاجة إليها. 

هذه الصورة القاتمة؛ تأتي على خلفية تفاقم الأوضاع الأمنية خاصة مع ما شهدته الخرطوم العاصمة وهي مركز الأزمة بامتياز، حيث شهدت الأيام الماضية عمليات استهداف نوعية شملت أبراج ومعالم رئيسية بالعاصمة وسط قتال محتدم دائر بين الطرفين. وقد أصدرت وزارة الخارجية السودانية، بيانا تتهم فيه قوات الدعم السريع بإضرام النار في عدد من “المؤسسات الاقتصادية الكبرى” والمباني التجارية الرئيسية، وهذا يخيم بظلال كثيفة حول ما قد تدفعه قضية اللجوء ومشهد النزوح الكبير، جراء هذا النوع الجديد من التصعيد الذي لا ينذر بالوصول إلى أية أضواء في تلك الأنفاق التي تراوح مكانها بين المظلمة أو الأشد ظلاما وقتامة !

+ posts

المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

د. خالد عكاشة

المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى