هل سيتمكن الصومال من إدارة الشؤون الأمنية بمفرده بعد الانسحاب التدريجي لـ(أتميس)؟
قرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في الثامن عشر من سبتمبر الجاري بناء على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، سحب 3000 جندي من بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، وكذلك سحب 851 عنصرًا من قوات الشرطة التابعة للبعثة بحلول 30 سبتمبر الجاري. وبالنظر إلى القرار نجد أن هذا الانسحاب التدريجي يتماشى مع ما تم إعلانه في شهر يونيو الماضي، والاحتمالات القائمة حول إنهاء عمل البعثة في نهاية العام المقبل 2024، وهو ما يتسق مع قرارات مجلس الأمن الدولي 2628 و2670، اللذين يفوضان القوة الأفريقية بتسليم المسؤوليات الأمنية في المناطق المتفق عليها إلى قوات الأمن الصومالية.
وهنا نطرح تساؤلات بشأن كيفية تعامل الإدارة الصومالية الحالية مع الانسحاب التدريجي لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية “أتميس”، لا سيما في ضوء تصاعد وتيرة هجمات حركة الشباب الإرهابية في الداخل الصومالي، والمخاوف من اتساع رقعة العمليات الإرهابية للدول المجاورة للصومال.
الصومال بعد “أتميس”
هناك تساؤلات متزايدة حول مدى تمكن الصومال من إدارة الشؤون الأمنية بمفرده بعد الانسحاب التدريجي للبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية، واحتواء نشاط حركة الشباب الإرهابية، وللإجابة على هذه التساؤلات يجب الإشارة إلى أن بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس) قد حلت محل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) التي بدأت مهامها في 2007 وانتهت في 31 مارس 2022 في 1 أبريل 2022. وذلك بناء على قرار من جانب مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في الاجتماع 1068 في 8 مارس 2022، بتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 31 مارس 2022 بموجب القرار 2628 (2022)، مع تفويض مبدئي لمدة 12 شهرًا. ويبلغ عدد أفراد قوة “أتميس” نحو 20 ألف عسكري وشرطي ومدني، وتهدف البعثة الانتقالية لتحقيق مجموعة من الأهداف تتمثل في محاربة حركة الشباب الإرهابية، ودعم القوات الأمنية الصومالية حتى تتولى إدارة المهام الأمنية بمفردها، ودعم وتعزيز الاستقرار السياسي في الصومال.
ولا يعد الانسحاب التدريجي لقوات “أتميس” مؤشرًا على تحسن الأوضاع الأمنية في الصومال، بسبب أن الأوضاع ما زالت غير مستقرة حتى الآن بسبب تصاعد وتيرة عمليات حركة الشباب، وذلك على الرغم من الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشأن محاربة الحركة التي لا تقتصر وتيرة نشاطها على استهداف القوات الحكومية الصومالية، وإنما امتدت لاستهداف قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية، وكذلك استهداف دول الجوار، وفي ضوء ذلك يمكن استعراض أبرز العمليات التي قامت بها الحركة خلال الأشهر الماضية الأخيرة، باعتبارها الفترة التي سبقت الانسحاب التدريجي لقوات “أتميس”، وذلك على النحو التالي:
أ- الداخل الصومالي: تعمل حركة الشباب الإرهابية على استهداف القوات الأمنية الصومالية، وشنت عددًا من العمليات خلال الفترة الماضية، ففي 24 يوليو الماضي تبنت الحركة هجومًا نفذ بواسطة انتحاري فجر نفسه داخل أكاديمية “جالي سياد” العسكرية في مديرية هدن في مقديشو، وتسبب في مقتل 30 جنديًا وإصابة 73 آخرين. وفي يونيو 2023، أسفر هجوم شنه مقاتلو الحركة على معسكر في إقليم شبيلي وسط البلاد عن مقتل عشرين جنديًا صوماليًا، كذلك شنت هجومًا إرهابيًّا على فندق بيرل بيتش المطل على شاطئ ليدو في مديرية عبد العزيز بالعاصمة الصومالية مقديشو؛ مما أسفر عن مقتل ستة مدنيين وثلاثة من أفراد قوات الأمن الصومالية. كما عملت الحركة على استهداف قوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية، فقد شن مقاتلو حركة الشباب الإرهابية أواخر شهر مايو 2023، هجوما عنيفًا على قاعدة تابعة لقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية “أتميس” يتواجد بها جنود أوغنديون في مدينة بولو مرير بمحافظة شبيلي السفلى، وقد أسفر الهجوم عن مقتل 54 من قوات حفظ السلام الأوغندية، وذلك بحسب إعلان الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني.
ب- استهداف دول الجوار: عملت حركة الشباب على توسيع نطاق عملياتها خلال شهر يونيو 2023؛ إذ عملت على استهداف القوات الأمنية الكينية في هجوم بعبوة ناسفة على سيارتهم في مقاطعة غاريسا في شرق كينيا على حدود الصومال، وهو ما أسفر عن مقتل 8 من عناصرها بحسب إعلان الشرطة الكينية في 14 يونيو. فيما أعلنت إثيوبيا مطلع شهر يونيو 2023 عن إحباط هجوم لحركة الشباب على بلدة دولو الحدودية مع الصومال. وعلى عكس الإعلان الإثيوبي، نجد أن الحركة أعلنت أنها شنت تفجيرين انتحاريين في قاعدة عسكرية إثيوبية على الجانب الصومالي من الحدود. ومن خلال الاستعراض السابق، يتضح لنا أن حركة الشباب الإرهابية ما زالت نشطة وقادرة على إحداث تأثير في الداخل الصومالي وكذلك الدول المجاورة للصومال، وأن انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية سيؤدى إلى مزيد من تفاقم التوترات وعدم الاستقرار في إقليم القرن الإفريقي.
محاولات سد الفراغ الأمني
تحاول إدارة الرئيس الصومالي الحالي بذل محاولات من أجل سد الفراغ الذي سيحدث في ضوء الانسحاب التدريجي لبعثة الاتحاد الإفريقي، وتتجلى هذه المحاولات في تعزيز العلاقات مع دول الجوار الإقليمي وتنويع الحلفاء الدوليين لمواجهة حركة الشباب الإرهابية. ويمكن استعراض تلك الجهود على النحو التالي:
أ- الجهود الوطنية: يُعد ملف استعادة الأمن والاستقرار في الصومال من أبرز أولويات الرئيس حسن شيخ محمود، منذ انتخابه في مايو 2022 والعمل على مواجهة حركة الشباب الإرهابية ليس فقط عن طريق المواجهة الأمنية لتقليل الهجمات الإرهابية للحركة، بل أيضًا مواجهة الحركة أيديولوجيًا لمنع انضمام أعضاء جدد لها. وهو ما يعني أن المقاربة التي تتبناها الحكومة الصومالية حيال مكافحة الإرهاب تقوم على المزج بين القوتين الصلبة والناعمة، ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:
-على مستوى القوة الصلبة، يتمثل ذلك عبر شل الحركة عسكريًا وماليًا، وهو ما يتضح في البُعد العسكري في العمليات العسكرية التي ينفذها قوات الجيش الصومالي المدعوم بقوات بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال “أتميس”، بالإضافة إلى الدعم الغربي لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية على الصعيد العسكري لمحاربة الحركة. كذلك العمل على تقويض نشاط الحركة ماليًا، وعرقلة نشاطها الاقتصادي لتجفيف منابع تمويل الحركة، ولا شك في أن قيام الحكومة الصومالية بتحسين الأوضاع الاقتصادية، سيساهم بشكل نسبي في تقليل انضمام مقاتلين جدد لها، وهو ما سيؤدى لتراجع العمليات الإرهابية.
– أما على مستوى القوة الناعمة، فتتمثل في تعيين قيادي سابق في حركة الشباب الإرهابية وزيرًا للأوقاف في الحكومة الصومالية، حيث اختار رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري القيادي السابق في حركة الشباب شيخ مختار ربو أبو منصور وزيرًا للأوقاف والشؤون الدينية في حكومته، وكان أبو منصور الناطق الرسمي باسم حركة الشباب. وتعكس هذه الخطوة الرغبة في محاربة الحركة أيديولوجيًا، فالقيادي السابق في حركة الشباب يعرف الخطاب والتكتيكات التي تتبنها الحركة لضم وتجنيد المقاتلين لصفوفها، وبالتالي لديه القدرة على تفنيد ودحض الأفكار المتطرفة. كما تعمل الحكومة الصومالية على ضمان الدعم العشائري والقبلي، ويمكن القول إنه إذا استطاعت الحكومة الصومالية توثيق علاقاتها بالعشائر الصومالية، فيمكنها إضعاف حركة الشباب وطردها من الأماكن التي تسيطر عليها.
ب-على الصعيد الإقليمي: يبدو أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يعمل على اتخاذ خطوات استباقية، ولم ينتظر رحيل قوات بعثة الاتحاد الإفريقي حتى يقوم بمواجهة هذا الأمر، حيث عمل على اتخاذ خطوات في سبيل تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة للصومال، والحرص على تبني مقاربة مُشتركة مع دول الجوار للصومال بشأن محاربة حركة الشباب الإرهابية، وهو ما اتضح خلال القمة التشاورية التي ترأسها الرئيس الصومالي في فبراير2023، والتي حضرها رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، ورئيس كينيا ليام روتو، ورئيس حكومة إثيوبيا آبي أحمد، لمناقشة ملف مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد تمخض عن هذه القمة عدد من المخرجات التي تصب في صالح تعزيز التعاون الإقليمي لمواجهة حركة الشباب الإرهابية، والقيام بعملية عسكرية مشتركة لتحرير الصومال بالكامل من حركة الشباب.
ج- على المستوى الدولي: نجد أن هناك تحركات من جانب الإدارة الصومالية الحالية لتنويع الشراكة مع القوى الدولية، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، وتتجلى مؤشرات ذلك في التقارب الصومالي الروسي؛ إذ عرضت روسيا على الصومال التعاون بشأن مواجهة حركة الشباب الإرهابية وقبول مقديشو لهذا العرض، إذ قام وزير الخارجية الصومالي بزيارة لموسكو في أواخر شهر مايو الماضي وأجرى عدة مباحثات مع نظيره الروسي، وقد نتج عن هذه الزيارة عدد من المخرجات الإيجابية التي تصب لصالح التعاون الروسي الصومالي في مجال مكافحة الإرهاب. ولكن نجد أن هناك تحديات تواجه التعاون الثنائي بين البلدين، لا سيما في ضوء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. والجدير بالذكر، أن التقارب الصومالي الروسي ليس بديلًا عن التعاون الصومالي الأمريكي الوثيق والتنسيق الدائم في مجال مكافحة الإرهاب، حيث نجد أنه بين عامي 2010 و2020، قدمت الولايات المتحدة أكثر من 500 مليون دولار من المساعدات الأمنية المباشرة للقوات الصومالية، بالإضافة إلى التنسيق الاستخباراتي بين البلدين لتقويض حركة الشباب الإرهابية، كما عملت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في مايو 2022 على إعادة القوات الأمريكية للصومال، بعد سحبها في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وفى الختام، يمكن القول أن هناك تخوف من استغلال حركة الشباب الإرهابية الهشاشة الأمنية في الصومال، إلى جانب خطوة الانسحاب التدريجي لبعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية “أتميس”، باعتبارها فرصة سانحة لزيادة نفوذها والقيام بالمزيد من العمليات الإرهابية في الداخل الصومالي ودول الجوار، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك تحديات تعرقل تعزيز الكفاءة القتالية للقوات الأمنية الصومالية إثر قرار الأمم المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي بشأن حظر تسليح الصومال بسبب انهيار الحكومة المركزية واندلاع الحرب الاهلية، ولذلك نجد أن هناك جهود حثيثة من جانب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لإقناع المجتمع الدولي برفع الحظر المفروض على تسليح بلاده، كان آخرها أثناء كلمته بمجلس الأمن الدولي في الثاني والعشرين من يونيو 2023.