آسياروسيا

قمة بوتين وكيم: تحديات مشتركة وآفاق العلاقات الثنائية

في زيارة خارجية نادرة، أجرى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون زيارة إلى روسيا في يوم الثلاثاء الموافق 12 سبتمبر الجاري، وعقد لقاء قمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبحث عدد من الملفات المشتركة، وتأتي تلك الزيارة في ظل ما يواجهه كلا الزعيمين من عزل دولي وتحديات مشتركة قد تدفعهما إلى تصعيد المواجهات مع الغرب، وهو ما يجعل هذه الزيارة مُحملة بعدد من الأهداف والدلالات نتناولها في التقرير التالي.  

مكانة سياسية مُهددة

تأتي هذه القمة في وقت شائك من الأحداث العالمية المتسارعة في الآونة الأخيرة، والتي تضع الرئيسين الروسي والكوري الشمالي في وضع مُهدد على الساحة الدولية، وذلك في إطار العقوبات المفروضة على كلا البلدين من قبل مجلس الأمن الدولي بجانب العقوبات الأحادية التي فرضتها بعض الدول. وفرضت هذه العقوبات على خلفية برنامج كوريا الشمالية النووي وسجلها في حقوق الإنسان من ناحية، والحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022، والتي لاتزال مستمرة حتى الآن، من ناحية أخرى. 

يضاف إلى ذلك، التوترات الدولية الناتجة عن الخلافات بين الجبهتين الشرقية والغربية، بسبب التحالف بين روسيا والصين وكوريا الشمالية لمناهضة سياسة القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، والعمل على إنشاء نظام عالمي جديد يرتكز على مبدأ “عالم متعدد الأقطاب”، تعتزم فيه الصين، على وجه التحديد، الصعود كقوة موازية للولايات المتحدة ومتحدية لها. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال امتناع الصين عن التصويت على مشروع قرار لشجب التحرك الروسي في أوكرانيا في مارس 2022 واعتراض كوريا الشمالية عليه، ورفض الصين وروسيا دعم إدانة كوريا الشمالية لإطلاقها صواريخ باليستية عابرة للقارات في مايو 2022، بالإضافة إلى استخدام الدولتين حق النقد “فيتو” في نوفمبر 2022، ضد مشروع قرار قدمته واشنطن لتعزيز العقوبات ضد كوريا الشمالية.

وعليه، تتراكم ملفات الخلاف بين الجبهتين بل وتتصاعد بشكل سريع ومن ضمنها: الخلاف بشأن الأسلحة النووية التي تهدد بها كوريا الشمالية وروسيا والصين ومحاولات الدول الغربية للحد منها، وتحدي كوريا الشمالية للولايات المتحدة بشأن تحالفها مع كوريا الجنوبية واليابان. إضافة إلى ذلك، الخلافات الراهنة بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان وبحر الصين الجنوبي، والتي تتدخل فيه الأولى رغم تحذيرات الأخيرة. وعلى رأس الملفات كلها تأتي الحرب الروسية الأوكرانية التي لا زالت تترأس الحوار الدولي. 

ما وراء القمة: ما يسعى الزعماء إلى تحقيقه

التعاون العسكري: تأتي هذه الزيارة في إطار الصفقات غير المعلنة التي كشفها المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي في مارس الماضي، بشأن تبادل الأسلحة والمساعدات العسكرية بين بيونج يانج وموسكو، وتتمثل في إمداد كوريا الشمالية روسيا بالذخيرة والأسلحة التي من شأنها أن تساعدها في حربها على أوكرانيا، مقابل أن تقوم الأخيرة بإمدادها بأموال نقدية وطائرات تجارية وسلع ومواد خام.، والتي كانت تتم بين البلدين من خلال وسيط سلوفاكي يدعى أشوت مكرتيشيف من براتيسلافا، كذلك تأتي بعد زيارة وزير دفاع روسيا والوفد الصيني إلى كوريا الشمالية، في يوليو الماضي، في احتفالات مرور 70 عامًا على إبرام الهدنة في شبه الجزيرة الكورية، والذي يعرف بيوم النصر. 

شكلت هذه الزيارات والصفقات حالة من القلق لدى الدول الغربية التي من المتوقع أن تتزايد خلال الفترة المقبلة بسبب إبرام المزيد من صفقات الأسلحة، نظرًا لترأس الرئيس الكوري الشمالي وفدًا عسكريًا رفيع المستوى وعقده اجتماعات مع الرئيس الروسي بحضور وزير الدفاع، بالإضافة إلى المخزون الكبير التي تمتلكه كوريا الشمالية من قذائف المدفعية والصواريخ التي تتوافق مع أسلحة الحقبة السوفيتية والتي من شأنها أن تقوم بتعويض روسيا عن تلك الأسلحة التي استنزفت في الحرب، مما يطيل من أمد الصراع ويدعم الموقف الروسي. وذلك على الرغم من أن أسلحة كوريا الشمالية تعد أقل تطورًا من تلك التي تمد بها الولايات المتحدة أوكرانيا، إلا أن المخزون الكبير منها سيعزز موقف روسيا على المدى القصير، وخطوط الإنتاج المستمرة لهذه الأسلحة ستدعمها على المدى الطويل. 

تعزيز العلاقات: من الممكن أن تكون هذه الزيارة بمثابة عقد جديد للتعاون السياسي بين بيونج يانج وموسكو في إطار التحديات والمصالح المشتركة بينهما. ومن المرجح أن تكون هذه الزيارة نوعًا من تعزيز علاقات كوريا الشمالية مع الصين وروسيا في ظل عدم ثقة كثير من دول العالم في بيونج يانج. وأخذت هذه العلاقات شكلًا صريحًا في المراسم الاحتفالية التي حضرها وفدي من روسيا والصين في يوليو المنصرم. وبناءً على المصالح المشتركة بين كوريا الشمالية والصين وروسيا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والموقف المتبني على الساحة الدولية، فإن هناك فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات الثلاثية بشكل وثيق من خلال الزيارات المتبادلة للوصول إلى الأهداف المشتركة وتوجيه البوصلة بعيدًا عن الغرب. 

تطوير برنامج الفضاء: أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداده لدعم كوريا الشمالية فيما يتعلق بتطوير برنامجها الفضائي والأقمار الصناعية، حيث اصطحب كيم جونغ أون في جولة في موقع فوستوشني الفضائي الضخم، والذي يعد أكثر مراكز الفضاء تقدمًا في روسيا قبل محادثات الأسلحة المتوقعة. وجاء ذلك بعد فشل كوريا الشمالية للمرة الثانية على التوالي، في أواخر الشهر الماضي، في إطلاق ووضع قمر صناعي للتجسس في مداره بعد تعطل الصاروخ. 

دلالات انعقاد القمة

تأكيد التعاون: تأتي هذه القمة ضمن تبادل زيارات مكثف بين البلدين، تشير جميعها إلى الأهمية التي تبديها كوريا الشمالية للتعاون مع روسيا في إطار مواجهة التحديات الخارجية والاحتياجات المتبادلة للبلدين. وعلى هذا الأساس، تعطي هذه القمة ختمًا رسميًا، حتى وإن كان بشكل غير مباشر على الساحة الدولية، للعلاقات الثنائية التي تأخذ في التنامي والتي صرح عنها الزعيم الكوري الشمالي قائلاً إنها “حقبة جديدة من الصداقة التي تدوم 100 عام”. وهو ما يشير إلى أهمية هذه الزيارة لكوريا الشمالية، أنها تعد الزيارة الخارجية السابعة لكيم جونغ أون خلال فترة حكمه المستمرة لمدة 12عامًا.

تحدٍ للغرب: يأتي لقاء بوتين وكيم رغم التحذيرات التي أطلقها مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون والعقوبات التي من الممكن أن يزيد ثقلها على الدولتين جراء صفقات الأسلحة وتجاهل التحذيرات الدولية من واشنطن والأمم المتحدة، بمثابة تحدٍ واضح وصريح للغرب ورفض قاطع لعقوباته، خاصة وبعد تصريح روسيا بأنها لن تسمح، بعد الآن، بوضع عقوبات على كوريا الشمالية، استمرارًا لسلسلة متواصلة من الاعتراضات التي استمرت منذ العام الماضي. وتنعكس التصريحات الروسية بشكل أو بآخر على موسكو نفسها من خلال الدعم المتبادل على الساحة الدولية مع بيونج يانج في مسألة فرض العقوبات. 

تعزيز القوة الشرقية: عبر التحدي الواضح ضد القوة الغربية، خاصةً وأن التحالف بين الدولتين مرتبط بتحالف كل منهما مع الصين، وهو ما يعد بمثابة إشارة قوية لاستعداد كوريا الشمالية لدعم سياسة الصين وروسيا الخارجية، والتي من شأنها أن تضع حدًا للولايات المتحدة وسياستها غير المرضية للشرق. وكذلك يعتبر تأكيدًا ثنائيًا من الدولتين على العمل المستمر والمتسارع على إضفاء الشرعية على صعود قوة شرقية مماثلة ومساوية للقوة الغربية والتي تأمل تخطيها على الساحة الدولية. وعليه، من الممكن أن يعد هذا الإجراء بمثابة مؤشر لصلابة القوة الشرقية وعدم خشيتها من الغرب، ما قد ينعكس على الأخير بالقلق ويدفعه لأخذ إجراءات انسحابية تدريجية.

خلاصة الأمر، تأتي هذه القمة استكمالاً للخطوات التي تسير عليها الدولتان بشأن سياستهما الخارجية والتي تهدف إلى تنمية القوى الشرقية في مساعدات ثنائية فعالة تدعم صعودهم كقوة عالمية واحدة في مواجهة القوة الغربية. وتعمل موسكو وبيونج يانج على تحقيق منافع متبادلة ومشتركة وفي مقدمتها التخلص من العقوبات الغربية والتخلص من سيطرته عليهما وعزلهما سياسيًا، ودعم المواقف المشتركة على المستوى الدولي. 

ميرنا أسامة

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى