آسيامصر

كيف تعبر دعوة مصر إلى قمة مجموعة العشرين عن قوة علاقات القاهرة ونيودلهي؟

توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الهند للمشاركة في قمة مجموعة العشرين، والتي تعقد يومي 9و 10 سبتمبر 2023 بالعاصمة نيودلهي. وتأتي مشاركة الرئيس بقمة مجموعة العشرين تلبيةً لدعوة من رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” الذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للمجموعة. وألقى الرئيس السيسي كلمة اليوم خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، تناولت العديد من القضايا المهمة كالتغيرات المناخية وأزمة الطاقة والغذاء وغيرها من الأزمات الدولية والإفريقية، بالإضافة إلى التركيز على الجهود المصرية في مختلف الملفات للوصول إلى خطوات حاسمة إزاء التحديات التي تحول دون التعافي الاقتصادي وبلوغ التنمية المستدامة. ومن المقرر التركيز خلال أعمال القمة على مختلف الموضوعات التي تهم الدول النامية بوجه عام، والأفريقية على وجه الخصوص. ويأتي ذلك في ضوء أهمية مشاركة مصر في القمة التي تُعقد في ظرف دولي دقيق، وكذلك العلاقات الوثيقة التي تربط بين مصر والهند.

أهمية العلاقات المصرية الهندية

لا تعد العلاقات المصرية الهندية حديثة؛ إذ يمتد تاريخ العلاقات بين البلدين لبداية خمسينيات القرن الماضي، حين تعاونت مصر والهند في تأسيس حركة عدم الانحياز في فترة الحرب الباردة والتي شكلت السياسة الخارجية لكل من البلدين إلى الآن. وامتد التعاون المصري الهندي على مر السنين، خاصة مؤخرًا، حيث يتعاون البلدان في العديد من المجالات الاقتصادية والسياسية والبيئية والأمنية وحتى الثقافية. وتبادل مسؤولو الدولتين الزيارات في الفترة الأخيرة للتأكيد على أهمية العلاقات والتعاون بينهما، وزيادة أشكال الشراكة.

وزار الرئيس عبد الفتاح السيسي نيوديلهي مرتين قبل الزيارة الجارية، وحملت زيارته الأخيرة في يناير الماضي أهمية خاصة؛ لكونها جاءت بناء على دعوة رئيس الوزراء الهندي للرئيس السيسي للمشاركة كضيف شرف في احتفالات الهند بيوم الجمهورية، وهو ما يؤكد على أهمية مكانة مصر بالنسبة للهند، بالنظر إلى أن الحكومة الهندية لا تدعو إلا الدول التي تحمل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة للهند. وحرص الرئيس السيسي على تأكيد تقدير مصر البالغ لمثل هذه الدعوة. وتقابل الرئيس السيسي مع عدد من المسؤولين الهنود، وعلى رأسهم “مودي” رئيس الوزراء، والسيدة “دروبادي مورمو” رئيسة الجمهورية، إلى جانب عدد آخر من المسؤولين؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة.

نتج عن تلك الزيارة الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى الشركة الاستراتيجية، والتي تغطي مختلف المجالات بالإضافة إلى دعوة مجتمع الأعمال الهندي إلى استكشاف فرص الأعمال الجديدة والناشئة في مصر، خاصة في قطاعات: البنية التحتية، والطاقة، والزراعة، وتنمية المهارات، وتكنولوجيا المعلومات. ويحاول البلدان العمل على زيادة حجم التبادل التجاري بينهما، ليصل إلى 12 مليار دولار في غضون الخمس سنوات القادمة، بعدما سجلت رقمًا قياسيًا قدره 7.26 مليارات دولار في العام المالي 2021-2022. وأكدت الهند دعمها للاتجاه الذي تتخذه الإدارة المصرية، وشجعت شركاتها على الاستثمار في مصر.

وأظهرت كل من القاهرة ونيوديلهي تعاونًا كبير في الأزمات العالمية الأخيرة، حيث ساعدت مصر الهند أثناء فترة جائحة كوفيد-19 عن طريق شراء لقاحات “رميدسفير” للهند لمواجهة الموجة الثانية التي اشتدت بشكل مرعب هناك، وأرسلت ثلاث طائرات محملة بالإمدادات الطبية مما أدى إلى إنقاذ الكثير من الأرواح. وعلى الجانب الآخر، تساعد الهند في سد الاحتياج المصري من الحبوب والسلع الغذائية بدلًا من روسيا وأوكرانيا بسبب تأثر الواردات المصرية المعتمدة بشكل أساسي على موسكو وكييف جراء الحرب بينهما.

وخلال زيارة “مودي” إلى مصر في يونيو الماضي أكد على أهمية نمو العلاقات المصرية الهندية وعلى الرغبة المشتركة بين البلدين للارتقاء بالعلاقات المشتركة لتصبح على المستوى الاستراتيجي. وقدم رئيس الوزراء الهندي خلال زيارته دعوته للرئيس عبد الفتاح السيسي لحضور قمة مجموعة العشرين، مؤكدًا على أهمية مشاركة مصر لتأثيرها وريادتها بين الدول النامية عامة، والأفريقية خاصة. وتبع هذا إعلان انضمام مصر رسميًا لمجموعة “بريكس” في أغسطس، الذي يشير أكثر إلى اهتمام الهند وباقي الدول الشرقية في زيادة العلاقات مع مصر، حيث أن الهند عضو أساسي في المجموعة برفقة روسيا والصين والبرازيل.

مجالات التعاون بين مصر والهند

تتقارب مواقف مصر والهند في العديد من الملفات؛ فكلاهما بلاد نامية تبحث عن التطور والتقدم الاقتصادي، ويملكان سياسات خارجية مشابهة خاصة في إدارة العلاقات مع كل من الدول الغربية كالولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، والدول الشرقية كالصين وروسيا من جانب آخر، مما يسمح بتقارب العلاقات السياسية بين البلدين والشراكة الاستراتيجية بينهما، ويفتح آفاقًا مختلفة للتعاون في كل المجالات ومنها:

المجالات الاقتصادية: وهو أكبر أشكال التعاون بين القاهرة ونيوديلهي، ومع زيادة المشاريع والاستثمارات المشتركة سواء في مصر أو الهند، يهدف البلدان إلى زيادة أشكال التعاون، حيث قدمت مصر استعدادها لتخصيص جزء كامل للاستثمارات الهندية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وبحث البلدان كذلك توقيع اتفاقية تجارة عن طريق المقايضة في زيارة رئيس الوزراء الهندي الأخيرة لمصر، وهي اتفاقية تسمح بالتجارة مع الهند بالعملة المحلية واستخدام نظام المقايضة بين السلع المصرية والهندية، كوسيلة لخفض اعتماد البلدين على الدولار. 

ومن المقرر أن يركز الرئيس السيسي خلال اجتماعات قمة مجموعة العشرين على أهمية تعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي على نحو متكافئ، على خلفية ما يوفره ذلك من فرص ومزايا متبادلة تساهم في جذب الاستثمارات وتحقيق النمو الاقتصادي والتنمية لجميع الأطراف. وسيؤكد الرئيس ضرورة تقديم المساندة الفعالة للدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، في مواجهة التداعيات السلبية على الاقتصاد والغذاء والطاقة، للعديد من الأزمات العالمية المتلاحقة

مجالات الأمن والدفاع: يمثل ملف الأمن والدفاع أهمية كبيرة لكل من القاهرة ونيوديلهي، خاصة في ظل ظروف الأزمة الروسية الأوكرانية وزيادة الاحتقان في المنطقة، ويرتبط الأمن المصري بالأمن الهندي بسبب مواقع كل منهما، حيث أن أمن الهند من الاتجاه الجنوبي يتمثل في تأمين المحيط الهندي، ويرتبط أمن المحيط الهندي بأمن البحر الأحمر والذي يمثل ساحل مصر الشرقي وتشرف مصر على أمنه بشكل رئيس عن طريق قناة السويس، مما يعني أيضًا اهتمام مصر بتأمين البحر الأحمر وقناة السويس عن طريق أمان المحيط الهندي.

وعلى الجانب الدفاعي، عرض الجانب الهندي على مصر تلبية احتياجاتها من الطائرات المسيرة والمقاتلة، بالإضافة إلى عرض شركة “هندوستان” للملاحة الجوية المحدودة بإنشاء خط تصنيع أسلحة في مصر. وقد أكد وائل محمد عواد السفير المصري بالهند عند سؤاله عن العرض الهندي، على أهمية التعاون العسكري بين مصر والهند وتأثيره الكبير على قرب العلاقات –خاصة الدفاعية- بين البلدين؛ إذ إن مصر تمتلك خبرة واسعة في مجال الدفاع وتصنيع الأسلحة أيضًا. وأشار إلى أن التعاون في هذا المجال يجب أن يكون متبادلًا ولا يقتصر على شراء الأسلحة فقط بل تحقيق هدف تعلم كلا الطرفين من خبرات الآخر والمشاركة في إنتاج المعدات العسكرية باستخدام خبرات كلا الجانبين.

مجالات الطاقة المتجددة: جرى توقيع 3 اتفاقات بين مصر وشركات هندية في مجال الهيدروجين الأخضر، ويتطلع الطرفان لبدء العمل فيها وزيادة التعاون في هذا المجال؛ إذ يرى الطرفان أن الهيدروجين الأخضر هو مستقبل الطاقة؛ لكونه مصدر طاقة متجددًا وآمنًا ويضمن مستقبلًا أفضل من الناحية البيئية للعالم كله وليس فقط لمصر والهند، وتعد قضية التغير المناخي من القضايا الأساسية التي سيناقشها الرئيس السيسي في قمة مجموعة العشرين، حيث سيؤكد على ضرورة التزام الدول المتقدمة بتعهداتها في إطار الاتفاقيات والآليات الدولية لمواجهة تغير المناخ، وتمكين الدول النامية من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة. وهناك تعاون قوي بالفعل في مجال البيئة والطاقة المتجددة بين مصر والهند، فقد تشارك البلدان في إنشاء مشروع مزرعة “بنبان” للطاقة الشمسية في أسوان، والتي تعد الآن أحد أكبر مجموعة من محطات الطاقة الشمسية في العالم.

مجالات ثقافية: تعد العلاقات الثقافية من أقرب أوجه التعاون بين مصر والهند، حيث صرح السفير وائل محمد عواد بأن هناك تقاربًا ثقافيًا كبيرًا بين الشعبين المصري والهندي، ويظهر هذا التقارب بشكل كبير في الموسيقى والسينما. ودعا السفير المصري إلى تبادل تصوير الأفلام والأعمال الفنية بين البلدين، رابطًا هذه الخطوة بزيادة السياحة بين البلدين، لأنها من الملفات غير النشطة كما يجب، ويتعين تنشيطها بشكل أكبر لما سيترتب عليه من تقارب بين الشعبين، وهو العامل الرئيس لنجاح خطط تعميق التعاون في كل المجالات الأخرى.

ولا يقتصر التعاون بين البلدين على هذه المجالات فقط؛ إذ إن هناك خططًا للتعاون في الكثير من المجالات الأخرى، مثل مجالات الاتصالات والتكنولوجيا وأيضًا الفضاء، حيث أكد مسؤولون من مصر والهند على الاهتمام الشديد بتطوير هذه المجالات التي يرى فيها كلاهما المستقبل.

ختامًا، يدفع التشابه الكبير بين ظروف البلدين إلى التقارب الشديد مؤخرًا، والذي نتج عنه تعاونًا فريدًا من نوعه، خاصة في ظل ظهور الكثير من الأزمات العالمية في الآونة الأخيرة، مما فتح الطريق للكثير من فرص التعاون والتي يستغلها كل من البلدين إلى الآن بأفضل شكل ممكن، لمساندة بعضهما البعض بدلًا من انتظار مساعدات الدول الغربية التي لم تأتِ بالنتيجة المرجوة إلى الآن. 

ويعبر حضور مصر قمة مجموعة العشرين التي تترأسها الهند أحدث دلالات الاهتمام الشديد بزيادة التعاون بين البلدين، من جهة، ومن جهة أخرى تأكيد على رؤية الهند لأهمية دور مصر وتأثيرها في المنطقة وبين الدول النامية والأفريقية، حيث ترى أن حضور مصر للقمة سيكون ضامنًا على نجاح الأهداف المشتركة بينهما وبين كل الدول النامية الأخرى. ومن الواضح أن هذا لن يكون آخر أشكال التقارب والتعاون بين البلدين، بل بالأحرى هو انطلاقة جديدة لأشكال تعاون أشمل وأكبر.

بيير يعقوب

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى