قمة مجموعة العشرين بنيودلهي… هل ستتخطى الدول الخلافات القائمة نحو هدف واحد؟
تستضيف العاصمة الهندية نيودلهي قمة مجموعة العشرين يومي 9 و10 سبتمبر الجاري، تحت شعار “العالم عائلة واحدة”. وعلى هذا الأساس، كان من المفترض أن يجتمع الرؤساء: جو بايدن، وفلاديمير بوتين، وشي جين بينج شخصيًا في هذه القمة بما يجعلها المرة الأولى التي يجتمع فيها القادة الثلاثة في مكان واحد منذ الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن أعلن كل من “شي” و”بوتين” عدم حضورهما القمة. هذا وتأتي هذه القمة بعد انعقاد قمة “بريكس” الشهر الماضي، والتي أسفرت عن توسعات من شأنها أن تضعها في منافسة لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى.
تشكل مجموعة العشرين أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و75% من حجم التجارة العالمية. وعليه، تعد المنتدى الأول للتعاون الاقتصادي الدولي. وتعد جامعة للدول السبع الصناعية الكبرى (فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا)، والخمس دول المؤسسة “لبريكس” (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، بالإضافة إلى دولتين من الأعضاء الجدد في “بريكس” (المملكة العربية السعودية، والأرجنتين). ليس هذا وحسب، بل إن مصر والإمارات العربية المتحدة العضوين الجديدين في “بريكس” ضمن الدول المدعوة لحضور قمة نيودلهي. فماذا يُتوقع من هذه القمة، ومن رئاسة الهند للمجموعة على وجه الخصوص؟
سياقات شتى
توسيع “بريكس”: تأتي هذه القمة بعد انعقاد قمة “بريكس” في أغسطس الماضي والتي اتخذت نهجًا تنفيذيًا حاسمًا أسفر عن توسيع العضوية وضم ست دول جديدة، منها اثنتان أعضاء بمجموعة العشرين مما قد يسهم في تعزيز موقف تكتل “بريكس” في المجموعة وتأثيرها في التجمعات الدولية. علمًا بأن الهدف الأساسي لهذا التكتل هو تطوير قوة اقتصادية وسياسية من شأنها مواجهة النفوذ الغربي وخفض هيمنة الدولار. هذا ويعد ذلك التكتل في منافسة شديدة لمجموعة السبعة الصناعية، القوة الاقتصادية الأساسية عالميًا، والتي لم تستطع أن تصمد أمام هذا التكتل الذي، وبحسب بينات صندوق النقد الدولي، استطاع تخطي مساهمتها في الاقتصاد العالمي في نهاية 2022.
الأوضاع الاقتصادية: تنعقد هذه القمة في إطار تدهور الأوضاع الاقتصادية العالمية، خاصةً بسبب الحرب الروسية الأوكرانية والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول على روسيا، وحالة الإكراه الاقتصادي التي يعبر عنها توالي العقوبات الاقتصادية والقرارات المتبادلة بحظر وتقليص تصدير بعض المنتجات بين كلا المعسكرين الشرقي والغربي.
هذا الاكراه ما وصفته مجموعة السبعة على أنه “تصعيد مقلق” من جانب الصين، وأطلقت منصة تنسيق من شأنها مواجهته. وعلى هذا الأساس، تقوم الدول بمساعدة بعضها ضد عرقلة تقوم بها الصين من خلال الإنذار المبكر والمشاركة السريعة للمعلومات لردعه ولكن من دون قطع الحبل مع الصين. هذا وتواجه الصين تباطؤًا اقتصاديًا ما أدى بالمستثمرين العالميين إلى سحب أكثر من 10 مليارات دولار من أسواق الأسهم الصينية، وعليه، تتلقى الاقتصادات الآسيوية أكبر ضربة، إلى جانب البلدان في أفريقيا، حيث انخفضت وارداتهم بأكثر من 14% في الأشهر السبعة الأولى لهذا العام. ليس هذا وحسب، بل على اعتبار أن الصين هي صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من شأن التباطؤ المطول في الصين إلحاق الضرر بباقي العالم.
الخلافات السياسية: تعد مجموعة العشرين جامعة بين جهتين على خلافات سياسية شائكة وقائمة بقوة على الساحة العالمية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية مقابل الصين وروسيا، بينما تقف الهند في الوسط، وذلك من خلال محاولاتها للتضامن مع الجنوب العالمي مع اتخاذها مسارًا متزايدًا نحو التكامل مع شمال الكرة الأرضية. هذا ما تتصارع فيه الجهتان حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تثبيت نفوذها وسياستها أحادية القطب صامدة أمام محاولات الصين وحلفائها في الاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب.
وعليه، تشكل الولايات المتحدة، من ناحية، تحالفات مع الدول التي تعد على خلاف مع الصين في المنطقة والتي تضم اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها. ومن ناحية أخرى، تتحالف الصين مع روسيا وكوريا الشمالية كونهما عدوين للولايات المتحدة. وتأتي على رأس هذه الخلافات ملفات مثل استقلالية تايوان، ونزاعات بحر الصين الجنوبي، وتعزيز التحالفات العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بالإضافة إلى الحرب الروسية الأوكرانية والتهديدات باستخدام الأسلحة النووية.
إضافة إلى ذلك، تزداد التوترات السياسية ضمن المجموعة، خاصة بعدما أُعلن أن الرئيس الصيني شي جين بينج لن يحضر القمة المقبلة على أن يحضر محله رئيس الوزراء لي تشيانغ، وهي المرة الأولى التي يتغيب فيها الرئيس الصيني عن قمة مجموعة العشرين منذ توليه السلطة. هذا ما أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن استياءه منه، وبإمكانه أن يفاقم التوترات القائمة بين الصين والهند. هذا ويعتزم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كذلك عدم حضور القمة للعام الثاني على التوالي، وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن روسيا لن توافق على تبني إعلان قمة مجموعة العشرين ما لم يعكس موقف روسيا من الأزمات العالمية ومصالحها في أوكرانيا.
توسيع عضوية المجموعة: قام رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال منتدى “ب 20” التمهيدي بدعوة لضم الاتحاد الأفريقي كعضو دائم بمجموع العشرين، مؤكدًا أن هذه الخطوة من الممكن أن تكون متأخرة ولكنها ستحدث حتمًا. هذا ما يؤكد التوجه العام، في الوقت الحالي، بتوجيه الأنظار نحو القارة الأفريقية لما تتمتع به من ثروات طبيعية تجذب أنظار المتنافسين الإقليميين والدوليين، وهذا ما تود الهند من خلال دعوتها الاستفادة منه. وعليه، لاقى هذا المقترح دعمًا وترحيبًا من جانب أكثر من نصف أعضاء المجموعة، على الرغم من التباينات الداخلية؛ كونهم على دراية كاملة بأهمية القارة وأن قدرتهم الإنتاجية تحتاج إلى موارد لتشغيل عجلة الإنتاج، ما من شأن أفريقيا توفيره.
نتائج متوقعة
من المتوقع أن تجري دراسة مشكلة الديون التي لا يزال يواجهها عدد كبير من الدول النامية، على أن تُناقش تداعيات هذه الديون المتراكمة والآخذة في التزايد، ومحاولة الوصول إلى اتفاق بشأنها. وعلى الأغلب، ستظل هذه الأزمة قائمة خاصةً مع وجود خلافات بين الصين والهند حول هذه القضية. هذا وتظهر خلافات ضمن مجموعة العشرين بين مجموعة السبع وباقي الدول حول التزام جديد بمليارات الدولارات لتمويل الدول النامية؛ بغرض تحقيق الأهداف التي تدعمها الأمم المتحدة بشأن الجوع والتعليم والطاقة النظيفة وتغير المناخ.
إضافة إلى ذلك، ستُناقش مقترحات بشأن تعاون أعضاء المجموعة والتضامن بينها، ومحاولة الاستجابة المشتركة للتحديات الاقتصادية والتنموية العالمية. ولكن، ليس من المتوقع أن يحسم أمر انضمام الاتحاد الأفريقي في هذه القمة، خاصةً وأن الانقسامات الداخلية كبيرة، ما يجعل من الصعب الاجتماع حول مثل هذا القرار بالإجماع والبدء في تنفيذه.
وعلى الرغم من كون مجموعة العشرين هي مجموعة اقتصادية بالأساس، فإنه ليس من المستبعد أن تبدو الأوضاع السياسية والاستراتيجية كمحرك أساسي للقمة ومخرجاتها. وذلك على غرار إثارة الغرب لموضوع الحرب الروسية الأوكرانية في كل حدث من أحداث المجموعة، بحسب لافروف، ما تبعه تبرئته لروسيا من انخراطها في الصراعات الدولية الحالية، معلنًا أن جذور هذه الصراعات تعود للحروب التي أشعلها الغرب.
ولكن، لا تزال هذه القضية تهيمن على الخطاب الدولي، وعليه، فمن المتوقع أن تظل المجموعة غير قادرة على اتخاذ قرارات أو بيانات مشتركة، ما يعود للانقسامات الشديدة داخلها جراء الحرب؛ فمن ناحية، تأتي معارضة الصين وروسيا إلقاء اللوم على موسكو، ويأتي سعي الغرب من ناحية أخرى إلى إدانة قوية كشرط ضروري لإصدار بيان مشترك.
إضافة إلى ذلك، فمن المتوقع أن توفر هذه القمة فرصة للهند للظهور كوسيط محتمل بين الولايات المتحدة وحلفائها من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى. ويعود هذا إلى العلاقات الهندية الأمريكية التي أصبحت أقوى، مع حفاظ الهند على رباط اقتصادي وثيق مع روسيا، ما يجعلها تحظى بثقة على الجانبين. ولكون الهند هي البلد المضيف؛ فمن المرجح أن يتعين عليها محاولة ضمان عدم إلقاء التوترات السياسية بظلالها على القمة ومحاولة اقناع الجانبين للوصول إلى حل وسط، خاصةً وأنها تتخذ من رئاستها للمجموعة وسيلة لإبراز صعودها ووصولها كقوة جيوسياسية واقتصادية رائدة.
ليس هذا وحسب، بل من الممكن أن يتسبب غياب الرئيس الصيني عن القمة في إعطاء إشارات دفينة لباقي الدول الأعضاء فيما يتعلق بالأهمية التي توليها الأخيرة لمجموعة العشرين، خاصة وأن الصين كانت تولي دائمًا أهمية كبيرة لأحداث مجموعة العشرين وشاركت فيها بشكل نشط. بالإضافة إلى أنها قامت بحضور قمة “بريكس” في نهاية الشهر الماضي، مما من شأنه أن يزيد الشكوك بأن الرئيس “شي” يرغب في حضور المنتديات التي تلعب فيها الصين دورًا أكثر مركزية.
ختامًا، من المرجح ألا تسفر هذه القمة عن قرارات حاسمة؛ بسبب الخلافات الداخلية الآخذة التزايد، مع موقف الصين وروسيا المشدد ضد الغرب، وتوسيع “بريكس” الذي أتى ليعزز القوة الشرقية مع إضافة تغيرات على خريطة التحالفات الدولية، إضافة إلى النزاعات الثنائية بين الدول الأعضاء. وعلى الرغم من ذلك، من المرجح أن يأمل رئيس وزراء الهند خلال هذه القمة، في مناصرة صوت الجنوب العالمي، وتسليط الضوء على ضائقة الديون بين البلدان النامية، فضلًا عن الترويج لبنية مالية عالمية أكثر مرونة مع صفقات أكثر عدالة لتمويل التجارة والمناخ.